ميكانيكا كلاسيكية/المقاييس والأبعاد

الميكانيكـا الكلاسيكيـة

فهرس الكتاب (عدّل)المقدمـة
• المَبَادِئ | المقاييس والأبعاد | حساب التفاضل | حساب التفاضل:الإشتقاق | حساب التفاضل:التكامل | التحليل المتجهي
• عِلْمُ الحَرَكَة | ماهي الحركة ؟ | الحركة في بعد واحد | الحركة في أكثر من بعد | الدوران
• قَوَانِين نْيُوتِن لِلحَرَكَة | مبدأ القصور الذاتي | القوى | قانون الجاذبية العام | الجاذبية الأرضية | زخم الحركة | سكون وتوازن الأجسام
• الطَاقَة | العمل والطاقة | مبدأ حفظ الطاقة | قوى الإحتكاك | الإصطدامات
• الدَوَرَان والإهْتِزَاز | الزَخم الزاوي | العَزم | الطرد المركزي | قوانين كيبلر | الإهتزاز التوافقي البسيط


عندما تَستطيعُ قِياس ما تَتحدثُ عنه، والإعراب عنه عددياً، فإنك تُدرك شيءًا حيال ذلك الأمر. ولكن عندما تَعجزُ عن التَعبير عنه بواسطة الأرقام، فمعرفتك به ضعيفةٌ وهشةٌ إلى حدٍ كبير. وقد تكون هذه بداية للمعرفة، ولكنك نادرًا ما تَسطيع تَقديم أفكارك في دولة العِلم. لُورد كِلفِـن.

المقاييس والأبعاد عدل

الكميات والوحدات والأبعاد عدل

  للمزيد من التفاصيل طالع مقالة ويكيبيديا: وحدة قياس.

قبل أن نخوض في تفاصيل دراسة الحركة، علينا أن نوضح أولاً مسألة في غاية الأهمية وهي المقاييس ووحداتها. فالمبدؤ الأساسي لأي عِلم صحيح أو طبيعي هو القِيَاس، والفيزياء تكسب قوتها في التعامل بشكل أساسي مع الكِميات. هناك ثلاثة كِميات رئيسية تهمنا في الميكانيكا وهي :

  1. المسافة أو البعد في الفضاء مثل طول أو قطر جسم.
  2. كِمية المادة التي يحتويها جسمٌ ويعبر عنها بالكُتلَة.
  3. المدّة من الزمن.
 
(ش. 7) نموذج لكيلوگرام النظام دولي للوحدات.

كل نوع آخر من المقاييس التي سنراها لاحقا يمكن إستنتاجها من خلال المزج بين مقاييس هاته الكِميات الثلاث. كل واحدة من هذه الكِميات: المسافة (تُختصر بـ L)، الكتلة (تُختصر بـ M)، الزمن (يُختصر بـ T) يمكن قياسها بإتباع وحدة محددة ومتفق عليه من قبل الجميع. نظام الوحدات المعياري الذي يستعمله أغلب العُلماء والمُهندسين حول العالم (ما عدى الولايات المتحدة) هو النظام الدولي (SI) (اختصارًا لـ"Système international d'unités" بالفرنسية). وضمنه يوجد نظام mks وذلك إختصارًا للحروف الأولى في الوحدات التي تقاس بها هذه الكِميات، وهي تباعًا المتر (meter) والكيلوگرام (kilogram) والثّانية (second).

و تُعَرّفُ هذه الوحدات بالتفصيل على الشكل التّالي (لا تهتم بدقائق كل هذه المعلومات):

  1. المتر (m) هو المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ المطلق في مدّة من الزمن تقدر بجزء من 299792458 ثانية. وهذه المسافة تفصل علامتين على قضيب من مادة البلاتين والإيريديوم محفوض منذ 1889، في المكتب العالمي للأوزان والأقيسة في باريس.
  2. الكيلوگرام (kg) هو كتلة إسطوانة مكونة من مادتي من البلاتين والإيريديوم (بنسبة 90% — 10%)، وذات قطر وطول متساويين (39mm) وهي محفوظة منذ 1889، في المكتب العالمي للأوزان والأقيسة في باريس (ش. 7).
  3. الثّانية (s) هي مقدار الزمن الذي يناسب 9192631770 إهتزازا لإشعاع الصادر عن تنقل ذرات السيزيوم-133 ما بين مستويين طاقيين شديدي التقارب من المستوى الأرضي.

كما قيل أعلاه بجانب هذه الوحدات الأساسية هناك وحدات مشتقة منها، فالميكانيكا كما سنرى لاحقا، تتعامل أيضا مع كِميات لها أبعاد مختلفة مثل السرعة، والتسارع، والقوة، والزخم، والضغط، والتدفق، (← الجدول 1)...

على سبيل المثال السرعة (velocity) تَنتج عن قسمة المسافة بالزمن. فنكتب أن بُعد السرعة ([v] ونعني بالمعقفين "[_]" بُعد الكِميّة التي توجد وسطهما) ينتُج عن قسمة بُعد المسافة ([L]) ببُعد الزمن ([T])، أو ببساطة:

 

ومهما تكن الآن الوحدات التي سنعبر بها عن السرعة؛ متر\ثانية (m/s في نظام mks)، أو كيلومتر\ساعة، أو ميل\سنة،... فهذا أمر ليس مهماً وهو مختلف بإختلاف الحالات. فيمكن أن يفضل الفلكيون وحدة السنة الضوئية أو الفرسخ فلكي على المتر لتعبير عن المسافات الكونية الشاسعة.

في مثال آخر، نعرف أن وحدة الحجم ([V]) هي مُكَعّب وحدة المسافة (3[L]). نستطيع الإستنتاج أن بُعد الكثافة ([ρ]) يجب أن يكون نتيجة قسمة بُعد الكتلة ([M]) ببُعد الحجم:

 

بُعد التَسَارُع أو العَجلَة (Acceleration) هو بُعد السرعة مقسوما على بُعد الزمن، أي بُعد المسافة مقسوماً على مربع بُعد الزمن:

 

ويعبر عن بُعد التسارع بمتر\مربع ثانية (m/s2) في نظام (mks).

جدول (1): الكميات والوحدات والأبعاد التي سنتطرق لبعضها في هذا الكتاب.

الكمية  الرمز   وحدة النظام العالمي   الأبعاد 
كتلة m kg  
مسافة l, b, h, m  
زمن t s  
تردد f (Hz (=1/s  
سرعة زاوية ω s−1  
سرعة v m/s  
تسارع a m/s²  
زخم p m kg/s  
كثافة ρ kg/m³  
قوة F (N (= kg·m/s²  
كثافة خاصة γ N/m³  
ضغط، إجهاد p N/m²  
معامل مرونة E N/m²  
طاقة E (J (= m²·kg/s²  
قدرة P (W (= m²·kg/s³  
لزوجة ديناميكية μ N·s/m²  
لزوجة حركية ν m²/s  

التحليل البُعدي عدل

تختلف الكميات الثلاثة الأساسية (مسافة، كتلة، زمن) التي سبق ذكرها اختلافا جوهريا لذلك يتم قياسها بثلاث وحدات مستقلة تماما. ومن ثم، فليس هناك معنى لأي قانون فيزيائي مرتقب تكون فيه هذه الكميات متساوية. مثلا لنفترض أننا وجدنا قانونا بصيغة ما حيث أن (الطول = الكتلة)، الكميات في شقي هذه المعادلة ليست متسقة لذلك فهي لا يمكن أن تكون صحيحة (كأن نقول مثلا أن البطاطا = جوز الهند وهو أمر عديم المعنى). وأحد الطرق السهلة لتأكد من أن هذه المعادلة خاطئة، هو أن شقيها مرتبطان بنظام الوحدات. ويعني ذلك أن تحويل الوحدات من نظام mks إلى نظام وحدات مختلف، مثل نظام الوحدات الإنگليزي fps (قدم، پـاوند، ثانية)، يجعل الكميتين على اليسار واليمين غير متطابقتين بسبب عوامل التحويل المختلفة من الناحيتين. يعتقد علماء الفيزياء إعتقادًا جازمًا بأن القوانين الفيزيائية تمتلك حقيقة موضوعية في بنيتها: وبعبارة أخرى، فإن قوانين الفيزياء تنطبق بنفس الشكل بالنسبة لجميع المراقبين. والنتيجة المباشرة لذلك تعني أن القانون يجب أن يكون مستقلاً تماماً عن نظم الوحدات التي يختارها المراقب.

الحالة الوحيدة التي يمكن أن تكون فيها القوانين الفيزيائية صحيحية هي أن تكون متسقة الأبعاد (Dimensionally consistent): أي أن الكميات على جهتي معادلة يجب أن يكون لها نفس الأبعاد (بالطبع بإندماج رياضي معين بين الكميات الثلاثة الأساسية). حيث أن عوامل التحويل نفسها تنطبق على كل من جانبي المعادلة عندما نتحول من نظام وحدات إلى آخر.

 
(ش. 8) أشهر معادلة فيزيائية.

على سبيل المثال، أنا متأكد أنك تعرف أشهر المعادلات الفيزيائية وهي تعبر بمبدأ تكافؤ المادة والطاقة (ش. 8). هذه المعادلة تقول ببساطة أن الطاقة (E) تساوي الكتلة (m) ضارب مربع سرعة الضوء (c):

 

لتكون هذه المعادلة متسقة الأبعاد يجب أن يكون شقاها اللذان تفصلهما علامة = متساويا الأبعاد. بالنسبة للجانب الأيسر، وحدة الطاقة هي:

 

و في الجانب الأيمن، وحدة الكتلة مضروبة في وحدة السرعة تكتب:

 

إذن الكميات في الجانبين متطابقة وهذا يعني أن هذه المعادلة متسقة الأبعاد، ولا يهم هنا أي نظام وحدات سنقوم بإستعماله فالنتيجة ستكون نفسها.

 

القَوانين الفيزيائية موضوعيةٌ لا تَتَغير بِتغَير نِظام الوَحَدات الذي نَتبِعهُ.


يمكن أن تكون هذه طريقة تمكننا من تخمين القوانين الفيزيائية، ونعبر عنها التحليل البُعدي (Dimensional analysis). وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة لا يمكن أن تُشكل بديلاً عن التحليل الرياضي الفعلي لهذه قوانين، ولكنها على أية تكون مفيدة جداً لتعرف على مدى صحتها. أريد الآن أن أطرح عليك السؤال التالي:

كم من الوقت سيستغرق سقوط تفاحة من ارتفاع معين ؟

حسنا، الإجابة لن تكون سهلة لأننا نجهل العديد من الأشياء في هذا السؤال. بعبارة أخرى، هو لا يعطينا فكرة عن الكميات التي يجب معرفتها لتكون الإجابة ممكنة. لعل أول ما يتبادر لذهنك سيكون "من أي إرتفاع ستسقط هذه التفاحة ؟"، نعم فهذا أمر بديهي، فكلنا يعرف أنه كلما كان الارتفاع كبيرًا، كلما تَأخر سُقوط الثمرة، وذلك يعني أن "زمن السقوط يتناسب مع الإرتفاع". يمكننا إذن أن نبدأ بكتابة الصيغة المختصرة التالية:

 

في هذه الصيغة نرمز لزمن السقوط بـ(tfall) وللارتفاع بـ(h). هذه العلامة الغريبة ( ) تعني "يتناسب مع" أي أننا نعبر هنا عن فكرتنا الأولى ببساطة "زمن السقوط يتناسب مع الإرتفاع بأسّ نرمز له بـ(x)". لعل هناك من سيسأل أيضا: "وماذا عن كتلة التفاحة ؟"، نعم فحدسنا يقول أنه كلما كان الشيء ثقيلا كلما كان سقوطه أسرع. فربما كان هذا الزمن متناسبًا أيضا مع كتلة التفاحة، لذلك سنعدل الصيغة السابقة كالتالي:

 

هنا نعبر عن كتلة الجسم بـ(m)، وهي متناسبة مع الزمن بأسّ (y) لا نعرفه بعد. ومن المؤكد أنك سمعت عن الجاذبية من قبل أن قراءة هذه السطور، فسيقول لنا أحد المُلمين بهذا الموضوع: "أن الأرض تجذب الأشياء، لهذا فهي تقع" ولذا فمن المنطقي أن أي زيادة في هذه "القوة" تعني أن الجسم سيقع أسرع. سندرس هذا الأمر في وقت لاحق، ولكن إعلم أن الجاذبية الأرضية تسبب تسارعاً. ستصبح إذن الصيغة السابقة بإضافة كون تسارع الجاذبية (g) متناسب مع زمن السقوط، بأسّ (z):

 

الآن سنكتب هذه علاقة التناسب هذه في شكل معادلة (أ):

 

حيث (C) هو ثابت تناسب ليست له أبعاد. سنقوم الآن بالتحليل البُعدي لهذه المعادلة: هناك بعد زمن على جهة اليسار، لذلك فلابد أن تكون لجهة اليمين أيضا نفس البعد وهو الزمن. من حسن الحظّ هناك من بين الكميات الثلاث الموجودة على اليسار واحدة فقط تحتوي على بعد زمني وهي متمثلة في تسارع الجاذبية، حيث أن أبعاده ( ). ولكي يتوضح الأمر أكثر سنكتب الأبعاد في هذه المعادلة فنتحصل على:

 

لكي تكون المعادلة (أ) مُتّسقة الأبعاد، يجب أن نَتخلّص أولا من ([L]) و([M]) ثمّ يجب أن يكون أسّ ([T]) مساويا لواحد كما هو الحال في الجهة اليسرى. وهذه الأمور لا تتحقق إلا إذا كان:  

سنجد عندما نقوم بحل هذه المعادلات أن ( ) و( ) و( )، وعندما نعوض كل أسّ في (أ) سنتحصل على معادلة (ب) كالآتي:

 

 
(ش. 9) برج پيزا.

حسب هذا القانون إذا سلمنا بأن الجاذبية ثابتة على سطح الأرض، فإن مدّة السقوط متناسبة فقط مع الجذر التربيعي للعلوّ الذي يُلقى منه الجسم. هذا يعني أن سُقوط جسم من عُلوّ مترين يكون أسرع بمرتين من أن يتم ذلك من عُلوّ ثمانية أمتار.

ولكن مهلاً، أين الكتلة (m) هنا ؟ ألم نقل أن الأجسام الثقيلة تقع أسرع من الأجسام الخفيفة. حسناً أنت ترى جيداً أن المعادلة (ب) لا تحتوي على كتلةٍ، وهذا الأمر يعني أن تفاحةً وكُرةً من الصُلب، يقعان من نفس الارتفاع، سيبلغان سطح الأرض في نفس الوقت. بالرغم أننا نجد هذه الفكرة غير قابلة للتصديق فهي صحيحة تمامًا في الفراغ، أي إذا وضعنا جانبا مسألة مقاومة الهواء. وتقول قصّةٌ، وأغلب الظن أنها أسطورة، أن عالم الفيزياء الإيطالي گاليليو گاليلي قام بتجربة هذه الفرضية، حيث ألقى قذيفتي مدفع، تزن الأولى عشرة پـاوندات والثانية پـاوندًا واحدًا من علُو برج پيزا (من حوالي خمسين مترًا)، فوجد أنهما تقعان في نفس الوقت.

  سؤال:

جذور أسّ عشرة عدل

  للمزيد من التفاصيل طالع مقالة ويكيبيديا: قيمة أسية (رياضيات).

من مميزات نظام mks أنه نظام عشري، أي أنه يمكننا التحويل من مقياس لآخر بالضرب أو بالقسمة على أسّ عشرة  . مثلا يمكننا أن نعرف أن السنتيمتر (cm)، هو جزء من مئة من المتر (أي أن المتر هو مئة سنتيمتر) فيما ينبغي في نظام الوحدات الإنگليزي تذكر أن القَدم تساوي 12 إنشًا، والياردة 3 أقدام، ... وغيرها من هذه الأشياء المزعجة. تُعيننا الجذور إذن على التحويل بسهولة بين المقاييس بمعرفة ما تعنيه الجذور المرتبطة بالوحدة (. مثلا كيلو "kilo" تعني ألف، وعندما ندمج هذا الجذر مع الگرام (وحدة الكتلة) نتحصل على كيلوگرام (kg) وهو ألف گرام. ويقدم الجدول التالي بعض جذور الوحدات من الأكبر إلى الأصغر بداية من اليسار:

جدول (2): بعض جذور أسّ عشرة.

109

106

103

102

101

1

10−1

10−2

10−3

10−6

10−9

10n

Giga-
گيگا

Mega-
ميگا

Kilo-
كيلو

Hecto-
هيكتو

Deca-
ديكا

Deci-
ديسيـ

Centi-
سنتيـ

Milli-
ميليـ

Micro-
ميكرو

Nano-
نانو

الجذر

(مليار (ألف مليون

مليــون

ألـــف

مئـــة

عشــرة

واحــد

جزء من عشرة

جزء من مئة

جزء من ألف

جزء من مليون

جزء من مليار

العدد

G

M

k

h

da

d

c

m

µ

n

الرمز

عدد مضاعفات العشرة في العدد   هو الأسّ n ويسمى قيمة أُسّية عشرية (لا تخلط الأمور هذا ليس رمز الجذر نانو في الجدول). تستعمل هذه القيمة لإجراء مقارنات تقريبية دقيقة جدا بين المقاييس. على سبيل المثال، كوكب زحل أكبر بـ95 من كوكب الأرض (أي أقل قليلا من مئة مرة)، إذن هو أكبر بقيمتين أسّيتين من كوكب الأرض تقريبًا (لأن  ).

  سؤال:

عدم اليقين في القياسات عدل

  للمزيد من التفاصيل طالع مقالة ويكيبيديا: علم القياس.

 
(ش. 10) كل عملية قياس مهما كانت فيها هامش من الخطأ.

أحد أهم وأصعب الأمور التي يقوم العلماء هي التنبؤات، تنبؤاتٌ رقميةٌ على أساس فرضيات، وقوانين ونظريات. اختبار الفرضية هو رؤية إذا ما كانت ستعمل في "العالم الحقيقي" أم لا. والسؤال هو "هل تتطابق نتائج القياسات مع التنبؤ النظري ؟" إذا لم تكن هذه النتائج تتماشى مع الفرضية (أو لم يأكدها علماء آخرون من ذوي الخبرة) فيجب حينها إما تعديلها أو التخلي عنها. فالسُلطة النِهائية في مجال العِلم هو الطّبيعة.

مثلا قد يذكر لك هذا الكتاب، أو غيره، أنه "عندما نَكبحُ سيارة كتلتها (1000kg)، تسير بسرعة (50km/s)، فإنها ستتزلج مسافة 20 مترًا قبل أن تقف"، فإن الإختبار الحقيقي لصحة هذه النتيجة هو ما إذا كانت سيارة ستتزلج فعلا مسافة 20 مترًا على أرض الواقع، أم لا، وليس ما قيل هنا أوهناك.

كما ذكرنا سابقا الفيزياء هي عِلمٌ كَمِيٌ بإمتياز، فهو يتعامل في الغالب مع أرقام تكون نتائج قياسات وليس فقط مجرد كيانات رياضية مثالية. ولذلك فالقياس وأدواته مهم جدًا في الفيزياء، ويولي علماء الفيزياء عناية خاصة بهذا الجانب وبهامش الخطأ أكثر من ما يفعله "الأناس العاديون" في المتاجر مثلاً.

في الحقيقة لن نجد هنا متسعًا للإحاطة بكل جوانب القياس ولكننا سنقدم فكرة موجزة.

أول أمر مهم هو معرفة ماهية الأرقام التي يتعامل معها الفيزيائي، فهناك:

  • أرقام ذات قيمة دقيقة، مثلاً في هذا القانون (الذي سنراه بأكثر تفاصيل لاحقاً)، "½" أو "2" هما قيمتان دقيقتان وليستا تقريبيتان. 2 هنا هي "تمامًا 2" وليست "تقريبًا 2":

(ج)  

  • أرقام تنتج عن عملية عدّ. مثلًا عندما نحصي عدد المرات التي يهتزّ بها جسم نتحصل على عدد صحيح (12، 3، 165 ...) يمكن أن نخطأ عندما نعد، ولكن في غالب الأحيان ننتظر قيمة دقيقة بإتخاذ التدابير اللازمة لذلك.
  • أرقام غير دقيقة تنتج عن القياس، قد يبدو الأمر صعب الإستيعاب عندما أرى جهاز قيس إلكتروني دقيق (كما في ش. 10)، ولكن يجب أن تقتنع أنه مهما كانت الاحتياطات التي نتخذها وطبيعة الأجهزة التي نستعملها، فما من قياس يتم دون نسبة من الخطأ تسمى عدم يقين (Uncertainty). مثلاً عندما نقيس المسافة التي ستتوقف فيها السيارة، في المثال الذي سبق، فلن نتحصل على 20 مترًا "تمامًا" ولكن "تقريباً". مهمة الفيزيائي هي معرفة كم تساوي "تقريباً" هذه، وهل هي تأثر قيمتها على صحّة فرضيته أم لا.
  • أرقام غير دقيقة تنتج عن الحساب، بالرجوع إلى المعادلة السابقة (ج) سنجد أن هناك نوعا آخر من القيم التي يتم إستنتاجها عن طريق الحساب وهي السرعة (v) والطاقة الحركية (K). ولكن كما قلنا أعلاه السرعة هي نتاج قسمة "المسافة" على "الزمن"، وكلتا القيمتين يتم قياسهما، لذا فهما تحملان نسبة من عدم يقين. إذاً فهناك عدم يقين في قيمة السرعة. عندما نحسب الآن قيمة الطاقة الحركية يجب أن نضرب قيمتين تحمل كلتهما نسبة عدم يقين؛ الكتلة (m) والسرعة (v)، فعدم اليقين صار الآن في قيمة (K). نقول في هذه الحالة أن نسبة الخطأ قامت بالتنقل وهو أمر يجب تقديره عندما نقوم بتحليل نتائج التجارب الفيزيائية.
 
(ش. 11-1) صحّة عالية، دقة ضعيفة.
 
(ش. 11-2) صحّة ضعيفة، دقة عالية.

هناك مفهومان يجب الآن التمييز بينهما عندما نقوم بتحليل نتيجة قياس ما. هناك ما نسميه الدقة (Precision)، وما نسميه الصحّة (Accuracy)، ستجد أن الكثير يقومون بالخلط بين هذين المصطلحين، في سياق الحديث العادي، فيما يعنيان شيئين مختلفين. فمن الممكن مثلاً أن تكون قياساتك دقيقة ولكنها غير صحيحة والعكس بالعكس. هناك مثال بسيط لإدراك ذلك؛ في لعبة السهام التي تصيب الهدف (ش. 11) يمكن للاعب أن يصيب عدة مرات مناطق من قريبة من الهدف ولكنها متفرقة جدًا عن بعضها، في هذه الحالة صحّة الرميُ عاليةٌ ولكن الدقة ضعيفة (ش. 11-1). وفي حالة أخرى يمكن أن تكون الإصابات متقاربة جدًا من بعضها، ولكنها بعيدة عن الهدف، إذن فصحّة الرميُ ضعيفةٌ ولكن دقته عالية (ش. 11-2). بالطبع يمكن أن تجتمع الحالتان فيكون الرميُ في نفس الوقت صحيحاً ودقيقاً، أو لسوء حظ اللاعب لا هاته ولا تلك.

الفكرة الأساسية هي أنه ليس هناك قيمة واحدة نحصل عليها عندما نقوم بقياس ما في الفيزياء بل مجموعة من القيم. كيف نقوم بتقييم دقة هذا القياس إذن ؟ من أكثر الطرق المتبعة هي تكرار القياس عدة مرات وتحديد مجال معين يكون فيه إحتمال وجود القيمة الصحيحة كبيراً. على سبيل المثال قمنا بقياس قطر قطعة النقود في الصورة (ش. 10)، فتحصلنا على البيانات في الجدول أدناه:

 
المحاولة / القطر بالميليمتر (mm)
1 25.75
2 25.70
3 25.80
4 25.72
5 25.68

أي من هذه القيم المختلفة يمثل قيمة القطر الحقيقية ؟ من الواضح أن أفضل ما يجب أن نفعله في هذه الحالة هو حساب معدل كل هذه القيم وإستعماله كتقدير للقيمة الحقيقية. هذا سهل جدًا، نقوم بجمع القيم (128.65) ونقسم ذلك على عدد المحاولات (5). وهكذا فإن قيمة القطر هي تقريباً 25.73 ميليمتراً. ما هي دقة هذا القياس إذن ؟ ستلاحظ دون عناء أن هناك اختلافا في جزء من عشرة بين القيم أعلاه (0.1)، فهو يتغير من 6 إلى 8. بعبارة أخرى، قيمة القطر محصورة في مجال بين (0.1-25.7) و(0.1+25.7). يمككنا إذن أن نكتب قيمة القطر بشكل واقعي على أنها:

25.7±0.1mm

(±0.1) تعني هنا قيمة عدم اليقين في القياس، أي أننا غير متيقنين من معدل قيمة القطر بجزء من عشرة. في الواقع هناك مؤشر إحصائي يسمى الإنحراف المعياري (Standard error) يعطينا فكرة عن تشتت القيم بشكل عشوائي حول المعدل. لن ندخل هنا في تفاصيل حسابه، ولكن قيمته في مثالنا هذا هي 0.047 وهو ما يعني أن عدم اليقين في هذا القياس هو تقريباً خمسة أجزاء من 100 (أي أقل قليلا من 5%). قيمة القطر إذن :

25.73±0.05mm

بالطبع مدى دقة القياس يعتمد على الحالة، فهناك قياسات فيزيائية تطلب دقة عالية وأخرى لا. وليس من المطلوب دائما الإدلاء بمقدار عدم اليقين في كل قياس، فالأمر ليس بهذه الصرامة في بعض الحالات. مثلاً يمكنني المعرفة مسبقاً، أن الجهاز في الصورة (ش. 10)، وهو مسطرة منزلقة رقمية، يقوم بقيس الطول بعدم يقين (0.02mm±). وهكذا فالمهندسون لن يقوموا بتكرار قياس القطع الميكانيكية عدة مرات، وإلا صار الأمر مكلفاً بالنسبة للصناعة، وإنما سيقومون بذلك مرة واحدة مع كون مقدار عدم اليقين في أجهزة القياس معروفٌ سلفاً.

  أدبيات عدل

[1] Russ Rowlett (2000): CGS and MSK Units

[2] CSEE (2001): Units and Dimensionality

[3] Bart J. Van Zeghbroeck (1997): Units and prefixes

[4] Deutsch Wikipedia (2008): Dimensionsanalyse

[5] NIST (2000): Essentials of expressing measurement uncertainty

  الميكانيكـا الكلاسيكيـة

مقدمةحساب التفاضل