موضوعات الرقص فى جداريات مصرية قديمة
بقلم د.محسن عطيه
الرقص/طاقة إبداعية
لا يمكن تجاهل حقيقة أن «الرقص»، وهو نوع من الفن متأصل في معظم المجتمعات، وله مكانة مقدسة في التراث الثقافى. وكان «الرقص» يمارس ضمن طقوس استرضاء القوى الروحية، ولاستدعاء «المطر»، وارتبط بطقوس الخصوبة. وعندما تحبط الرغبات البيولوجية بالعوائق،يصبح الفن هو الملاذ ،كوسيط بين «الواقع» و«الخيال». وهنا تستبدل الرغبات البيولوجية بأخرى تسموعلى الدافع الحسى المكبوت. فإن الفن يحررالإنسان، ليسمو بمشاعره الغريزية السلبية ، ويحول الكبت إلى طاقة إبداعية ، وإلى أفكار ورموز ترتقى بالإحساس الشخصى ،وتحوله إلى «أعمال فنية» تؤثر بجمالها في وجدان البشرية ،كحقائق لها أكثر من معناها المباشر، لأنها تمثل منتجاً ثقافياً ، يرقى بالطاقات الغريزية ، فيحولها من خلال إبداعات الفن إلى أشياء عميقة من أصل الطبيعة البشرية، بقوة الرمز والمجاز، فتؤدى وظيفة «فنية»- «جمالية» ،بدلاً من أن تصب في مجرى الغريزة . وليس لعاقل أن ينكر فائدة «الرقص» في تعديل مسار«الطاقات الحبيسة» التى يعانى منها الإنسان الذى ينشد الاسترخاء . ليسمو إلى مستوى «التعبيرعن الحياة الروحية». ومن المؤكد أن الجسد الراقص، يعبر بالحركةعن الانفعالات المختلفة (الابتهاج أو الحماسة او الاستنفار أوالخوف أو الغيرة أو الحزن) بمصاحبة الموسيقى والإيقاعات ،والأزياء الخاصة التى تمنح الراقص أكبر قدر من «حرية الحركة» ،و تساهم في تحقيق قوة الأداء ،والتعبير الفنى بمنتهى الأناقة والجمال.
الرقص/ السحر
ومنذ رسوم كهوف العصر الحجرى القديم ، هناك «صورالرقص» ضمن مشاهد مختلفة للصيد، ويظهر الراقصون مع أسلحتهم مرفوعة فوق رؤوسهم.وكثيراً ما يقلد الصائد في رقصاته حركات الحيوانات ، مثل «الماعز» أو «الثور»، عتقاداً بأن بوسع حركاته أن تعينه بقوة سحرية على الظفر بالحيوان،أو تستعطف روحه حتى لاتصيبه بالأذى. وهناك الاحتفالات التى تجرى في مناسبات «البلوغ» و«الغزل» و«الإغراء» في طقوس الخصوبة بغرض استحضار ظواهر طبيعية معينة ،كرمز لـ «الخصوبة والنماء» .أما رقصات العمل فهى تحاكى الحركات اللازمة لإنجاز الأعمال. وهناك رقصات تصور بالحركة خطوات عمليات «البذر» و«الحصاد» في الحقول، وأخرى تمثل نوعاً من تقديم الشكر لمواسم الحصاد الجديدة. عادة تمتزج الطقوس الدينية في رقصات الحصاد مع مظاهراللهو التى تساعد على استحضار الانفعال المناسب للعمل في الموسم. فإن التهليل للمزارع يحمسه على مضاعفة جهده. ويقصد من رقصة الحرب إثارة انفعالات «القتال» . ورقص المحارب يثبت اعتقاده في مناعته ضد عدوه ، بتجميع قوته على الهجوم ، فتتضعضع عزيمة العدو بتأثير من تلويح المحارب برماحه ، بينما لا تكون هناك ثمة معارك . ويطلق على هذه الرقصة "سحرا" لأنها لا تؤدى أثناء معركة فعلية ،وإنما على العكس، تساهم في تركيز الانفعالات وبلورتها " لتصبح أدوات فعالة في معركة محتملة .وما يجرى في عملية الرقص ليس "تطهيرا" وليس تنفيسا عن الانفعالات حتى لا تتداخل مع الحياة العملية. أوإنما الانفعالات في الرقص (السحر) "تجمع وتحول لكى توجه الحياة العملية."(1)والمحارب الذى يعتقد في فعالية الرقص «السحرية» يظن أن مصيرالمعركة بدون رقصة مناسبة ،هو «الهزيمة» ،غير أن اعتقاده لا يعنى تسليمه بأن هزيمة العدو تتحقق بدون الإعداد للحرب. إنما «الرقص»( السحر )ينمى الروح المعنوية أو يمحافظ عليها.أما الرقصات الجنائزية فهى من نوع الطقوس الجماعية، حيث يكرر الراقصون حركة ما تماثل تعاقب وحدة أو «نمطاً زخرفياً» معيناً.وغاية الطقوس مساعدة المشاركين على تحمل آلامهم بجلد، بفعل «التمثيل».
الرقص/أيقونة بعث الحياة
ومنذ عصر «ما قبل الأسرات»( 4000-3200قبل الميلاد) ومع تزايد «النزعة المفاهيمية» التى صاحبت تطور«الفن المصرى القديم» ،أظهرالفنان بالتدريج ميلاً في الرسم نحو تفضيل أكثرالأجزاء دلالة للتعبيرعن «الفكرة»،ثم يجمعها في صورة كلية، وبلغة «أيقونية» سجل «أفكاره» . وترجع إلى عصر «ثقافة نقادة» (حوالى3500قبل الميلاد) آنية من الفخار على سطحها رسمت " صورة لإمرأة ورجل يؤديان رقصة طقوسية، والخط المنكسرالذى رسمه الفنان بين الساقين، يكنى في الغالب عن حركة الساقين في الرقص"(2) وإلى «ثقافة نقادة» كذلك تنسب رسوم الأوانى التى تمثل أشخاصا فوق متن سفن، وبينهن امرأة تهز صلاصل. وأيضا ترجع «آنية فخارية» إلى الحضارة ذاتها (نقادة الثانية) رسم على سطها قارب بمجاديف كثيرة و"إمرأة راقصة ترفع ذراعيها فوق رأسها، وإلى جانبها رجال بحجم أصغر منها ،ويبدو انه كانت للنساء الراقصات ، دلالة ما في أساطيرعصر ما قبل الأسرات..، يحتمل أنها كانت ذات صلة بالخصوبة والبعث"(3) والدمى المصنوعة من الفخار والتى تمثل"راقصات" اتخذن نفس الوضعية المرسومةعلى سطوح الأوانى، ترجع إلى تاريخ أقدم، تشيرإلى عقيدة ما عثرت في رسم أوانى الفخارعلى وسيلة جديدة للتعبير. و"تتطور طقوس الرقص البدائية القائمة على «المحاكاة»، و«الرسوم السحرية» إلى فن عظيم للنحت، وللأدعية المرسومة على جدران المقبرة والمعبد وللتصوير."(4) وتكاد تصبح مناظرالرقص مثل "كتابة مصورة"وصيغ ترتبط بفكرة "بعث الحياة" في الصورة. وفى آواخر «عصر ما قبل الأسرات» انتقلت الرسوم والزخارف الملونة من على سطوح الأوانى الفخارية إلى جدران المقابر."وكانت المقابر في «العقيدة الفرعونية» تعد كبيت للمتوفى في العالم الآخر،لذا زينت جدرانها الرسوم بموضوعاتها الساحرة،وألوانهاالزاهية،والتى بوسعها أن تجتاز بالنفس عبر عالم الأرض إلى عالم السماء."(5) وإلى جانب الرقصات الجنائزية التى تجرى بعد الانتهاءمن عملية «التحنيط» من قبل مجموعة من النسوة محترفات ،ووظيفتهن استرضاءالآلهة "«سخمت»" المسؤولة عن الدفن وتجديد شباب المتوفى وضمان ميلاد حياة جديدة . وفى هذه الرقصة تظهر النساء وهى تقرع الدفوف بطريقة هائجة مع اندفاع جذوعهن للأمام.
كرامات حتحور
وهناك كذلك الرقصات الجنائزية تصحب المتوفى إلى القبر،, وفى الموكب تحمل الراقصات معدات الجنازة وتماثيل المتوفى. وضمن نقوش «بنى حسن» صورة لرقصة جنائزية تحتفل بقدوم «الربة» (حتحور )وتشمل حركات «القفز» و«الوثب» . وأثناء الرقص الجنائزى يترك الراقص شيئاً وراء الجسدى،ويتوجه نحو عوالم «ما فوق الواقع» .ولذا تشتمل الصورة على عناصر «رمزية-أيقونية»،لتنقل مثل هذه المعانى المعقدة في نطاق «الثقافة المصرية القديمة». أما اسم "حتحور" فيعنى «مسكن حورس» وفى الأسطورة يأتى "حورس" كإله للشمس ليرتاح كل مساء على صدرها، قبل أن يولد من جديد مع الفجر. إنها ربة «الأمومة» و «السرور»، وتجسد أفضل ما في النساء ،مثلما هى ربة «الموسيقى» و«الغناء» و«الرقص»،أي ربة «المتعة». لقد اتخذت عبقرية المصريين القدماء من "المرأة" حتحور /البقرة -الأم الإلهية / ربة الخصب والنماء والبهجة والتكاثر الباحثة عن مزيد من السعادة والخير ،التى أرضعت " حورس" (قرص الشمس /الملك الصغير) من ضرعها . ولأنها زاخرة بقوة الحياة جمعت بين صفاتها الأنثوية«الصدر»و«الخصوبة» و«التهدئة»،وهى المحرك الرئيسى في عملية انتشار الزراعة والنسيج والكتابة والنظام الاجتماعى، فجعلت «الحضارة» ممكنة . ويمكن أن تكون الرقصة تمثيلاً للجانب الجميل من" سخمت الخطيرة" الآلهة التى تلاقى الموتى عند مدخل العالم السفلى ،وكانت مسؤولة عن مساعدة المتوفى دخول العالم السفلى كخطوة أساسية في عملية "البعث" ، ولذلك كانت تتلى النداءات بإسمها مع التصفيق بالأيدى والعصا، مع دق الدفوف، كتعويذة دينية تضمن نجاح الشعائر،ويستمرالرقص حتى يلغ الراقصون حد «النشوة» وا«لانغماس» و«فرط التنفس» بمساعدة «الغناء الإيقاعى» و«التصفيق».
نقوش صور الرقص تشرق الحياة الآخرة
وهناك رقص المهرجانات التى كانت قديماً تقام في مصرعلى مدار السنة . ويمكن تفسير مقصد صور"الحياة الصاخبة" المنقوشة على سطوح «المقابر المصرية القديمة »،على أنها تؤنس المتوفى في وحدته وتشرق سكنته في الحياة الآخرة،حينما يوحشه «صمت المقبرة» ورهبتها. ولم تكن «مشاهد الرقص »المنقوشة على جدران «المقابرالمصرية القديمة» تصور ما يجرى في الحياة الحقيقية، وإنما المقصود بها أن تستحضرعرضاً سحرياً من قبل المتوفى ، يشاهده أفراد الأسرة. ومن المؤكد ظهور دافع غريزى لدى الفنان المصرى، ومنذ عهد ا«لثقافات المبكرة» التى سبقت «حضارة الأسرات »، وراء ميله نحو استخدام أساليب «التبسيط »و«الاختزال» ،إذ الصورالتى تحققت كانت نتيجة «اختبارها» في الذهن قبل أن تنتقل إلى السطح، وتحولت إلى تخطيطات أكثر ميلاً لـ «الاستدارة» و«الانسابية»،إضافة إلى «المرونة الحركية» و«التناسق».وهكذا عبرالفنان المصرى عن «إرادته» ورغبته في التغلب على «الفوضى». وغالباً مايصاحب الرقص مجموعة من العازفين الموسيقيين، ومنهم من يستخدم «صنج »أو «مصفقات». ورغم استخدام المصريين الرقص كجزء لا يتجزأ من الاحتفالات الدينية،منذ الألف الثالث قبل الميلاد ،فإنه وبطبيعة الحال،لم تكن كل الرقصات في هذه «العصور القديمة» لأغراض دينية، إذ مارسه العامة في «المناسبات الاحتفالية» و«الترفيه»، وفى «الإغواء »وللحث على «الابتهاج.» وتدريجيا انتقل الرقص من كونه يمارس كطقوس مقدسة ،إلى فعل أكثر «إنسانية »يجلب "النشوة " و«السرور» ويتفاعل مع القوى الروحية. وهناك الأدلة من النصوص المصرية القديمة التى تشير إلى ظاهرة رقص فرق المتجولين في «المهرجانات الكبرى» ،من الذكور والإناث، والتى كانت تجول البلاد ، رقصاً وغناء.غير أن الرقص قد أخذ مكانته إلى جانب الدراما والشعر في «مجال الفنون». ومثلما يعزز فكرة «صحة الجسد»، كان يرتبط كذلك بالطقوس الروحية والمناسبات الاجتماعية ،ويبقى من أكثر أشكال التعبيرأهمية. وتشهد «جداريات الدولة القديمة» على مصاحبة الدفوف للرقص، ثم أضيف الطنبور والكنارة , ومع استخدام الراقص لآلاته الموسيقية بنفسه،توصل إلى حالة من التوحد بينه وبين الرقص والإيقاع والموسيقى.
رقص الطقوس الجنائزبة
ومنذ فجر الحضارة الإنسانية، كان الرقص يمثل جزءاً مهماً من الثقافة والدين. وبالرقص حاكى الإنسان ووصف الأحداث أوالأساطير. وأضفى الرقص على الراقصين ضمن ا«لاحتفالات »و«الطقوس الدينية » أحاسيس النشوة والسعادة. ومن المعتقدات التى تقف وراء «الرقص الجنائزى » ما يعزز «بعث القمر»" والاحتفال ببداية «ظهورهالجديد» (الهلال). وفى احتفالات «أوزيريس »الطقوسية القديمة في مصر ، يمثل« موت وبعث » القمر، دوراً جوهرياً. إذ يرمزالقمر لـ«الموت والخصب» ،مثلما يرمز لـ«النوروالظلمة » معاً. و"عين القمر" اسم آخر لـ"عين حورس " و"فقدانها يتطابق بمرحلة «اضمحلال القمر» مساء ، حيث يسود الظلام الكامل ،وينبئ عن دورة إقمار جديدة ."(6) وتوفر "عين حورس"(القمر) الحياة الأبدية،ولذا استحقت أن تستعمل كتميمة ،والقمرالذى هو النظير الليلى «للشمس »، و يمثله "أوزيريس". وتتطابق مختلف مراحل "دورة الإقمار" بمراحل«الآلام» والمعاناة التى مر بها "أوزريس". ويمثل الرقص في طقوس "شعائر القمر"نوعاً من ممارسة "السحر"الذى يعزز بزوغه ، في شكل «طقس جنائزى» يحتفل ببعث القمر (رمز الموت) و«بداية الفيضان» (التجديد السنوى في مصر)بما يشبه طقوس تجديد قوة "آمون" (ملك الآلهة )و استعادة حيويته.وفى رمزية نشأة الكون لكى »يبعث الكائن من جديد يتحتم أن «يموت» وتغادر روحة بصفة رمزية ،نمطاً سابقاً من الحياة الدنيا ،لكى يولد من جديد، وهذا الفهم يستدعى التفكير في حالة "الفوضى البدائية" التى سبقت «نشأة الكون» ، حيث انبعثت الحياة وولد العالم من المياه الأولية" نون" (العنصرالبدائي )ومثلما خلقت منه جميع الكائنات خلق منه أول مظاهر الوعى .ومن «الرقصات المقدسة» التى تجرى للاحتفال بذكرى إقامة العمود " جد" الرمز الذى ترجع أصوله إلى فترة ماقبل الأسرات،وقد أصبح "العمود الذى يدعم العالم و«العمود الفقرى لأوزيريس »و"يماثل «جذع الشجرة» التى اختبا أوزيريس بداخلها قبل أن يبعث من جديد." (7) وفى الأسطورة أن" ست" قام بقلب هذه الدعامةالرمزية، ومن واجبات الملك أن يتهضها بشكل طقسى من خلال مراسم ضمن احتفالات تتويجه .وكذلك بمناسبة تجديد جلوسه على العرش. والانتصار المتجدد لقوى الحياة ، «وانتصارالضوء» على «الظلام»(ست)يفسركلمات أوزيريس :" إننى من يقف منتصبا وراءالعمود "جد"،أى أنه هو دعامة مصروالعالم ،والعديد من صور الرقصات من «الدولة القديمة» ،تؤديها عادة النساء أو الفتيات الصغيرات. ومن هذه الرقصات المبكرة رقصة لمجموعة من النساء ترفعن أذرعهن فوق رؤوسهن،وترافقهن أخريات بالتصفيق والتهليل. وتضم الرقصات الثنائية، الرجال والنساء يدا بيد، وترتبط معظمها بالطقوس الجنازائزية.ويشتمل «الرقص الجنائزى»على"الحركات المعبرة عن الحزن التى يمارسها أشخاص يشتركون في الجنازات"(8) ومن «الرقصات الجنائزية» التى ترجع إلى «عصر ما قبل الأسرات» رقصة الـ Muu وفيها يرتدى الراقصون تيجاناً من الغاب «غريبة الشكل »ويرقصون وسط «التصفيق الإيقاعى» مع خطوات رقص حرة ورفع الأيدى لأعلى .ويعتقد المصريون في كون الراقصات المصورات على سطوح جدران المقبرة ،سيحيون بمجرد سماعهم التعاويذ السحرية ، ويلبون طلبات سيدهم ،ويسرون عنه .ومن "الرقص الجنائزى" نوع للتعبير عن الحزن ، تقوم به النائحات .وتصور العديد من «النقوش الجدارية والرسوم» هؤلاء النسوة يؤدين حركات وإيماءات لتمثيل الحزن تبعاً لإيقاعات منتظمة . وفى أحيان أخرى يمارس «الرقص الطقوسى» على الإيقاع والحركة المصحوبة «بترانيم» . وبالابتهالات تتحقق المعجزات. وكان"الرقص الجنائزى" في «عصرالدولة القديمة» ينطوى فقط على خطوات بسيطة جداً والتى لا تتطلب تدريباً سابقاً، مع التصفيق لخلق الإيقاع .
رقصة تجديد الشباب
والنقش المنحوت نحتا خفيفا في الغرفة الواقعة أسفل الهرم المدرج بسقارة (الأسرة الثالثة-حوالى2600) يصورالملك "زوسر "يؤدي «طقس الجرى »حول علامات الحدود أثناء «العيد اليوبيلى » (مرورثلاثين عاما)،بما يعنى استعادة شعبيته، ومد سلطانه على البلاد، بفضل تمتعه بالقوة التى تؤهله للاستمرار في الحكم . وفى «الاحتفال» ينتقل الملك من «المعبد الصغير» الواقع عند مدخل "معبد سد" Sed وهو يجرى بطريقة «طقسية-دينية» ، ليدخل إلى المعبد الثلاثينى .ويمثل عيد السد إحياء لذكرى تتويج الملك فرعوناً، وخلاله يقامالعمود- جد" ليصبح في وضع رأسى ،ويستعيد المحتفلون دراما " موت وبعث " الاله الذى اغتاله «ست» ويؤدي الملك دور "أوزيريس" المتوفى ،و«يبعث »من خلال طقوس ،أو «يتجدد »كل عام مع «بشائر الضياء »،فى مولد العام مع مظاهر «البهجة» و«النشوة».وتستخدم في الاحتفالات الدينية «المصفقات» من العاج المنحوت ،وتشبه يد الإنسان، والطبول والدفوف، وكلها من آلات الموسيقية الأكثر أساسية، والمرتيطة بالقداس الدينى . وإلى "الدولة القديمة" تنسب رقصة تؤديها أربع راقصات انتظمن في أزواج، يمسكن بيد "حتحور" مع القعقعة بالمصفقات المصنوعة من الخشب المجوف،وبدقاتها تنتظم خطوات الرقص. وهناك أخرى تؤديها مجموعة من الفتيات يشكلن «دائرتين متحدتين في المركز»، تعملان في اتجاهين متعاكسين. وضمن نقوش جدران مقبرة الوزيرنيكورى صورة لإمرأتين ("هيكنو" و"إيتى")[الأسرة الرابعة] ، ترقصان ضمن احتفال رسمى، تدل عليه السراويل الطويلة.وفى مقابر" سقارة "( الأسرة الخامسة ) تبدوالرقصات المصورة على جدرانها رزينة .وتتدلى من بين ضفائر بعض الراقصات اللاتى يمارسن "طقوس الخصوبة " أثقال مثبتة في الرأس، حين ترفعن أرجلهن لأعلى، كما تتحركن بحيوية ونشاط.أما الاحتفالات الطقوسية بعيد"الأوبت" بمناسبة بداية الرحلة السنوية للإله "آمون" من "معبد الكرنك" إلى "معبد الأقصر" حيث يقابل زوجته الآلهة "موت" في الشهر الثاني من موسم الفيضان، ويرمز الاحتفال بتجديد شباب" آمون- رع" ويعنى ضمناً تجديد شباب الملك، بإقامة الطقوس التى يحمل فيها الحاشية القوارب المقدسة للأرباب ،لتخرج بها من "معبد الكرنك" نحو شاطئ النيل ثم توضع على متن المراكب لتصل إلىمعبد الأقصر وسط مواكب المرافقين وأنغام الموسيقى وقرع الطبول ، مع الغناء والرقص وهز الشخاشيخ، وعند الوصول لـ"معبد الأقصر" يحمل الكهنة القوارب مرة أخرى، فيمروا بها بين القرابين والموسيقيين و«الرقصات الاكروباتية» . وتنظم في الاحتفال الدينى بالإله آمون المواكب الرسمية في الساحة المقدسة ،بمناسبة بزوغ القمرالجديد من الشهر العاشر من السنة،فيحمل الكهنة تمثال الإله آمون على قاربه ليترك "معبده في "الكرنك" متجها لزيارة المقابر في البر الغربى ، بعد عبور النيل على قاربه،بمصاحبة الموسيقى والرقص . وفى عيد الإله "مين"(إله الخصوبة والتجدد) رقصات تشتمل أحيانا على الصور الرمزية للرقص مع القردة،كنوع من الترحيب بغروب وشروق،وتمثل القردة القوة البدئيةللطبيعة . ومن المحتمل أن الصورةالرمزية للرقص تعنى إعلان الميلاد الجديد في الآخرة والاحتفال به في مقابل «الموت »الأرضى .ومثل هذه الاحتفالات تجرى كذلك بمناسبة «حلول العام الجديد» في معظم المعابد خلال الأيام الخمسة الأخيرة من السنة،و«لحظة التغيير الجذرى »عندما يكون هناك شئ ينتهى ويبدأ شيء آخر. وفى بداية العام الجديد (بداية الفيضان في مجرى النيل من الحدود الجنوبة)تقام «الاحتفالات الصاخبة البهيجة» ،لتحية المظاهر الأولى للماء الجديد. وأثناءالاحتفال بطقوس حتحور التى من صفاتها الرقص والموسيقى والمرح وتجسد الحياة القمرية في العالم المحسوس .ويود المصريون أن يتم «انتقالهم للعالم الآخر» بصحبة حتحور ،حيث يحضرها الفرعون . وهناك نص هيروغليفى يقول :" يأتى ليرقص ،ويأتى ليغنى ،انظرى كيف يرقص نانظرى يا زوجة حورس ن كيف يقفز" . وأثناء الرقص تتحول " حتحور- اللطيفة" التى من صفاتها الرقص والموسيقى والمرح وتجسد «الحياة القمرية» في العالم المحسوس .مع الموسيقى والرقص الصاخب وبالحركات البهلوانية إلى " سخمت - الخطيرة" وتعمل سخمت على تحديد الفترة الراقع ما بين العام القمرى(360) والسنة الشمسية(365) فخلالها تبعا لأسطورة "ست" و"أوزيريس" كانت تثير الرعب بضراوتها في قلوب المصريين وضمن طقوس سخمت الجنائزية الشعرالمنسدل. وتشترك في مثل هذه الراقصات ليبيات أو نوبيات، و صورهن في نقوش «الكرنك» ببشرة سوداء يؤدين رقصاتهن ، ومثبت في شعرهن ريش النعام. وفى «مقبرة خيروف »Kheruef في طيبة(عهد امنحتب الثالث) هناك نقش لمهرجان سدSedحيث تؤدى الراقصات رقصتها أمام أمنحتب الثالث ، ضمن طقوس البعث الملكية أو تجديد تتويجه على العرش.حيث يشتمل المهرجان ارتداء الملك لـ"كفن" سد Sed ثم يقدم الإجلال لتجديد جلوسه على العرش ، وتمتعه بالقوة التى تمكنه من الاستمرار في السلطة وبعد ذلك تجرى «طقوس الملك» لإظهار قوته ، ولـ«مهرجان سد» أصل في طقوس الإله "أوبواووت " Upuautالذى غالبا يمثل في هيئة «ابن آوى» يسير على قائمتيه الخلفيتين أمام المواكب ممسكاً بهراوة وقوس ،وله دوره في تجديد الطاقة الأولية للتجدد. ومن المثير للاهتمام أن"أوبواووت" في النقوش التى تصور مهرجان "أوزيريس" في "أبيدوس" يظهر كأحد المنتقمين لمقتل أبيه وليس "حورس".
نقوش الرقص الاكروباتى
وتظهر تصميمات الرقصات المصرية قدراً من التعقيد ،وفيها «الدوران» و«الحركات الاكروباتية »،و«الانطلاق بسرعة خاطف»ة، و«تحريك الأطواق » و«الإنحناء للوراء» أو «الوقوف على اليدين» أو «اللعب بالأطواق» . وقد عثر على بعض الصور لراقصات تؤدى حركات بهلوانية من قبل راقصات محترفات ، ترقصن بخطوات محسوبة وأنيقة . وفى «عصر الدولة الحديثة» ازدهرت الرقصات البهلوانية.ويظهر الرجال في النقوش الجدارية يدورون مع النساء كنوع من «المحاكاة لحركة الرياح». كذلك يظهر مشهد لرجل يرقص في وضع «القرفصاء» . ونحتت الراقصات الأكروباتية الأربعة في النقش الجدارى على جدران «الكرنك»( عهد حتشبسوت -الأسرة الثامنة عشر1970-1490قبل الميلاد-محفوظة بمتحف الأقصر) ويلاحظ فيه أن رأسى الراقصتين يسار المنظر أكثر ارتفاعا عن الأرض من راسى الراقصتين يمين المنظر." ومن أكثر أنواع الرقص المصرى القديم جاذبية ولفتاً للنظر «الرقص الأكروباتى» الذى تؤدى فيه الراقصات حركات صعبة ومبهرة ..، وكثيرا من الشواهد تدل على أن هذا النوع من الرقص كان مرتبطًا تماماً ببعض الاحتفالات التى تتخذ «الصبغة الدينية» ،بل وظهرت بعض مناظر «الرقص الأكروباتى» في النقوش التى تصورالطقوس الجنائزية،ربما قصد بها تحقيق نوع من تخفيف الأحزان، وربما قصد بها - وهو الأكثر احتمالاً - خلق حالة خاصة لتعميق الانفعال العاطفى بالموقف." (9)و«الراقصة الأكروباتية » شبه العارية، إلا من رداء صغير يغطى وسطها وقرط يتدلى من أذنها،مرسومة بالحبر على سطح شقفة(عصر الرعامسة1305-1080 قبل الميلاد) بإسلوب رائع من الحجر الجيرى، عثر عليها في «دير المدينة» يصور حركة صعبة (الشقلبة البهلوانية) تمثل فقرة من «رقصة طقسية». وعنما يلاحظ المشاهد جمال التكوين المتناهى في رقته ،ورشاقة «الخطوط المنحنية» التى تمثل إنثناء الجسد وهفهفة الشعر المنسدل،سوف يدرك عدم تقيد الفنان بالنسب الواقعية، وبخاصة فيما يتعلق بطول الذراعين بالنسبة لبقية الجسم ،وبموضع اتصال الرقبة بالكتفين ،والوضعية المتناقضة للقرط مع الجاذبية الأرضية. إذ لم يكن يعنى الفنان في الحقيقة ، غير إبتداع «تحفة فنية» تجسد الفكرة بحيويه معبرة ،وتنقل للمشاهد خطوات الرقص.وكان من المتوقع في نوع الرقص بحركاته العنيفة و«دقات الطبول» المصاحبة ، الصاخبة والسريعة ، أن تحقق التوازن الانفعالى ، تعويضاً عن المشاعر الأليمة لحالة «الحزن »التى يعانيها المشاركون في ذلك الموقف الجنائزى الحزين .
ربة الرقص واللذة الحسية
ومن المعروف أنه كان لكل الأديان القديمة تقريبا معبود يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرقص. وكان الآلهة « باستت »ربة «الخصوبة» وترعى مجال اللذة الحسية، والرقص، والموسيقى والصحة ،وقد اتخذت حيواناً رمزياً مقدساً لها هو القطة منذ «بداية الدولة الوسطى» .والعادة المصرية القديمة أن تقدم «تماثيل القطط» من البرونز أو الجواهر كنذور للربة .وتوجد تماثيل لها على هيئة رأس قطة وجسم امرأة، ولديها خاتم من الذهب، وطوق من الفضة حول عنقها ،لأن الفضة تميمة وقائية من العين ،وهذا الشكل الذى يجمع بين هيئة سيدة ورأس قطة هو الذى عبدت عليه في الأزمنة القديمة. ومركز عبادة باستت في «تل بوباسطة» في دلتا النيل(تل باسطا الآن بالقرب من الزقازيق ). وقد جرى تقدير القطة إلى حد تحريم معاملتها بسوء. وهناك مومياوات للقطط عثر عليها في "أبيدوس" تعود إلى القرن الأول الميلادى . وقد احتفلت «ثقافة مصرالقديمة» بآلهتها بواسطة العديد من أشكال الرقص .وفى الحقيقة "كانت باستت هى الشكل الملطف من سخمت ".(10) ومن صفات وخصائص باستت تعتبر تجسيدا لقدرة الشمس التى تظهر نفسها على هيئة «حرارة» وتقترب باستت من أن تكون تجسيدا للشكل الأنثوي لحرارة وضوء الشمس.ومما يثبت أن عبادة باستت في مصر كانت بالغة القدم في «المخطوطات الجنائزية» التى ترجع إلى "بيبى الأول(السرة السادسة) ذكر فيها" أن قلبه هو قلب باستت " وقد استمرت عباتهاخلالجميع العصورالفرعونية وحافظت على مكانتها.وفى نصوص" بيبى الثاني" يتساءل عندما انطلق عاليا للسموات مثل صقر ويخاطب الربة باستت :" يا باستت ألا يوجد من يؤدي الرقصات لبيبى .وللربة باستت تأثير على الحوامل وهى ربة الولادة.وفى احتفالات عيدها يبحر الآلاف (الرجال والنساء ) بالقوارب نحو بوباسطة " ونساء محددات يقرعن الطبول والدفوف محدثات ضجة وأصوات عالية ،ورجالهن ينفخون في المزامير، وهم خلال استخدام تلك الأدوات يصفقون بايديهم ويغنون بأصوات غاية في الارتفاع .وعندما يصلون إلى أي مدينة تستمر بعض النساء في لهوهن ودقهن للدفوف، بينما يسب آخرون ويشتمون سيدات المدينة بألفاظ تتجاوز كل الحدود . والعيدمنهم يهزلون ويرقصوت بينما يخلع آخرون ملابسهم ويكشفون عن أجسادعم بوضوح دون خجل .وهم يفعلون هذا في كل المدن القريبة من شاطىء النهر."(11) وعنما يتجمعون في مدينة بوباسطة ،كثيفة الخضرة-يحتشدون عند معبد الربة باستت لتمجيد يوم العيد ، بخشوع ويقدمون القرابين. وبمرور الزمن لم تعد تتميز صفات باستت عن صفات ايزيس وسيخمت .وفى كل الأحوال فقد بلغ الفنان بصفاتها إلى المستوى الرفيع من الاستاطيقا والبراعة الفنية بالإضافة التوصل إلى الصيغة التى تتناسب مع «المهام السحرية» المتوقع إنجازها من العمل الفنى كوسيط في ممارسة الطقوس المقدسة لاستحضار الانفعالات المعينة، مثل المرح والفرح والرقص والموسيقى..وفى الاحتفال بتتويج الملكة حتشبسوت شارك الشعب ابتهاجا بالحدث يرقصون ويقفزون ويصيحون من فرحتهم .وظلوا ينادون باسمها وسط الحشود من الجنود . وقد كانت الرقصات المقدسة تجرى للآلهة "حتحور" و " إيزيس" و"موت" و"آمون " "مين "(إله الخصوبة) .وفى معبد" دندرة"(بالقرب من قنا ) المكرس للآلهة"حتحور" كتبت العبارة "إنا نقرع الطبول من أجل روحها، ونرقص لجلالها."(12)و"كان الملك يمارس الرقص في «أعياد الحصاد» من أجل المعبود "مين" إله الخصوبة.وهناك صور للملك وهو يسرع ليقدم القرابين إلى المعبود رمزا للحماسة في عملية تقديم القربان."(13)وعلى بردية ( بالمتحف المصرى بالقاهرة) كتبت العبارة:"الغناء والرقص والبخور هى وجبات الإله."
رقصة العصا
وهناك أيضاً رقصات بالعصا يؤديها الرجال والأقزام.ويقتضى الاحتفال بعبادة"أوزيريس" رقص المحتفلين حول التمثال بالعصا ، أو حول العمود المقدس " جد"وهذا «التحطيب» الشائع في ريف صعيد مصر على أنغام موسيقية ،يمثل الصراع الذى ينشب في أسطورةأوزيريس"بين ابنه "حورس" و"ست" ويشترك الحاضرون بالغناء والرقص...،وصنع المصريون القدماءالتماثيل الصغيرة من الطين الرطب على هيئة "أوزيريس"وخلطت الحبوب بالطين وضغطت على فراش،وبعد أيام تنبت البذور في الأرض التى أعطتها الحياة،مثل «حديقة إلهية» كتمثيل لما يحدث لأرض مصر التى بعد أن تموت تبعث من جديد"(14) وفى «التراث المصرى القديم» يذكر أن قتالاً مروعاً حدث بين إلهى النور والظلمات ،والذى كان يمثل فيه «رع» ،بينما كان «إله الظلمات» هو ست.أما قتال حورس ابن أوزيريس مع ست فهو تنويع على نفس القصة ينتمى لفترة زمنية مختلفة. وفى الحقيقة إن أوزيريس الذى هو «إله الموت» في نفس الوقت هو «إله الحياة»،وجسده الذى تقطع إلى أشلاء يمثل رمزاً للعبور من مجال الزمان والمكان إلى عالم الحياة الأبدية.وهناك النقوش من مقبرة "خيرويف" Kheruef «بالعساسيف »بالبرالغربى (الأقصر) على قدر كبير من الجمال، ويمثل الأصل لرقصة "التحطيب"الصعيدية الشهيرة.وكان الرقص في مصر القديمة أحد أساليب التأمل الحركى، وضمان التوازن بين «الجسد والروح». ومن الرقصات في «الدولة القديمة» رقصة تؤديها أربع راقصات انتظمن في أزواج يمسكن بيد "حتحور" بقعقعة «المصفقات». ظهرت رقصة لفتيات شبه عاريات انتظمن في دائرتين متحدتين في المركز تعمل في اتجاهين متعاكسين. وكانت هناك أيضا رقصات عصا خاصة لرجال وقزم. و"الرقص الإلهى" يقوم به أقزام كانوا محبوبين بشكل كبير.
رقصة الأقزام
وكان الملك "بيبى الثاني"(الأسرة السادسة) في «عصر الدولة القديمة» قد طلب الإسراع في إحضار "القزم "الذى جاء به رحالة من حاشيته إسمه"حرخوف" من منطقة "ليام" بوسط أفريقيا ليؤدي رقصات المعبد مصرحا بفضوله لرؤيته أكثر من جميع كنوز سيناء وبونت . ويرجع فضوله "بيبى الثاني" تجاه الأقزام إلى عصر"خنوم/خوفو"(الأسرة الرابعة)صاحب الهرم الأكبر،إذ ارتبط اسم الملك بـ"خنوم"(إله نهر النيل) وكانت لـ"خنوم" مثل نهر النيل «طبيعة ثنائية»(ذكر/أنثى) .وربما كانت عبادة "خنوم" تضم ضمن كهنتها «الأقزام» ، مما يفسر الدور الهام الذى لعبه القزم"سنب" في بلاط الملك "خوفو".وقد اتخذ الإله "بس " شكل «القزم». وهناك أيضا بعض الأدلة على اشتراك راقصات من الليبيين والنوبيين لهن بشرة سوداءمصورات ضمن نقوش الاحتفالات «بالكرنك »يؤدين «رقصة الصيد» و في شعرهم ريش النعام. وقد أصبحت رقصة الاقزام منذ «الدولة الوسطى» رقصة طقسية جنازية بينما كانت في «الدولة القديمة» من الرقصات الترويحية .ويؤدي الأقزام "الرقص الإلهى" لكونهم محبوبين بدرجة كبيرة. وأشكال «الإله القزم » بس مرسومة في نقوش «الطقوس الملكية». أما "بس" الذى ذكر اسمه منذ «الدولة القديمة» فإنه يضمن «الولادة الجديدة» أي البعث في العالم الآخر، وقد بدا جنيًّا ودوداً يدفع أذى القوى الشريرة وقت الولادة بإصداره «موسيقى مزعجة». وكان يُصوَّر بوجه أسدى الملامح ، كما أن لديه أيضًا «ذيل أسد»، ودائماً يتخذ «هيئة قزم » عارٍ.كما اتصف «بطبيعة ثنائية» (إنسانية/حيوانية) مثل "خنوم" لذا فإن تقزمه يعد سمة من سماته. وذلك يفسر تعامل المصريين وقتئذ مع"الأقزام"على أساس أنهم يحملون شيئاً من بركة الإله "بس" مثلما يفسر الدور الخاص الذى لعبه «الأقزام »فى الحياة الدينية في مصر منذ خمسة آلاف سنة.وهناك النقش الجدارى للإله بس في معبد دندرة. وللإله بس أصل أفريقى ،وبتأثير وجهه المخيف تطرد الأرواح السيئة ، وأيضاً يمثل «المواساة» في أوقات «المرض »أو «الولادة». و يعتقد المصريون القدماء أنه يحميهم من لدغ الثعبان والعقرب. وقد وصف بـ "المقاتل" بسبب ضراوته، ويمكنه خنق الأسود، والظباء والكوبرا بيديه العاريتين ،مما يمثل الفوضى. وترتبط الرقصة التى يؤديها «الأقزام» برحيل الشمس ليلاً للعالم السفلى. ويمثل «القزم» بسبب حجمه الذى بالكاد بحجم الطفل فلا تصيبه الشيخوخة.ورقص الأقزام أيضاً في احتفالات "أبيس"المرتبطة ببعث"أوزيريس".
مشاهد رقص الولائم
تشمل مشاهد الولائم عادة، مثلما هو منقوش على جدران المقابر المصرية القديمة، «عناصر المتعة »التى يتمنى المتوفى أن يكافأ بها في حياته الأخرى فيحيا هنيئاً. لقد امتلأت أوقات ترفيه المصريين بالغذاء والرقص، رغم أن الرقص في «الدولة القديمة في مصر »لم يكن مصاحباً للولائم . وقد ظهرت الفتيات اللاتى يرقصن على أنغام الموسيقى بمختلف الآلات( الكنارة والمزمار والدف ) مع «التصفيق» أو «بطرقعة الأصابع »فى المآدب ...،أو كنوع من تأدية الطقوس في الاحتفالات الدينية. وفى «الدولة الفرعونية الحديثة» ، أصبحت الرقصات أكثر رشاقة واستخدمت «الدفوف» والصنوج في ضبط الإيقاع السريع."(15) وشملت رقصات «الدولة الوسطى »رقصات "حتحور" البهلوانية التى تسقط فيها الراقصة على بطنها وظهرها حتى تكاد رأسها أن تلمس قدمها. وهناك رقص مثير تؤديه «أربع فتيات »صغيرات يمثلن اتحاد إله الشمس" رع"مع "حتحور". وفى نقش جدارى يظهر الرجال في إحدى الرقصات يدورون مع النساء لمحاكاة «آثار الرياح »بأيديهم. ويظهر مشهد لرجل يرقص في وضع «القرفصاء». ولربما تأثرالرقص المصرى بتقاليدالرقص النوبى التى ماتزال حية في أجزاء من السودان .وقد وصلت الراقصات من الجنوب إلى مصر. ولا يرجع التشابه بين مصر والشعوب الأفريقية، إلى مجرد نقل التكنولوجيا من مصر إلى أفريقيا، ولكن يعزى إلى جذور الثقافة المشتركة. وبعبارة أخرى، لا يشبه المصريون الأفارقة ثقافيا فقط، لأنهم أنفسهم أفارقة. وأقدم الآلات الوترية الشائعة واستخدمها المصريون وهى «القيثارة المقوسة» وكذلك «المزمار »الشائع في مصر القديمة و المصنوع من الغاب و«الناى» الذى مايزال يعزف عليه للحاضر، و«الطبل » الذى له الدور الأبرز في الموسيقى الأفريقية ،كلها تشبه الآلات التى يستخدمها بعض السكان الأصليين في إثيوبيا ، وجميع أنحاء القارة الأفريقية . ومن حركات الرقص البهلوانية ، «القفز »و«الرقص الثنائى». وقد كانت «الرقصات المقدسة» تجرى للآلهة "حتحور" و"إيزيس "وموت وآمون وأيضا لمين (إله الخصوبة) ..وفى معبد "حتحور" نص يقول " سوف ياتى الملك ليشارك في الرقص والغناء حتى ترى سيدة النساء كيف يرقص وكيف يقفز." وكانت هناك رقصات لتكريم الملك أثناء استقباله لكبارالشخصيات الأجنبية.ورقصات أخرى يؤديها المزارعون احتفالاً بموسم «الحصاد »وأيضا بمناسبة «الختان »ولأداء «طقوس التلقين». وكانت هناك أيضا الرقصات القتالية والرقص للترفيه عن الملك . وبينما بدت صور الرقص في "عصرالدولة القديمة"، رسمية ومقيدة.ثم أدخلت القفزات في «الدولة الوسطى»،فإنه أصبح في «الدولة الحديثة» أكثر رشاقة وسيولة. وظهرت في «عصر الدولة الحديثة »مشاهد الرقص كثيراً مصاحبة للمآدب ،بمشاهدها الساحرة التى تعكس جو الوئام والسعادة .وتتميز رسوم المآدب بالأناقة والانسيابية، وبالخطوط المنحنية المتعرجة والمتدفقة . وتساهم إيماءات الأذرع والجذوع أو السيقان على اتجاهات الحركة والعزف على «القيثارة» و«الناى» و«المزمار المزدوج »و«الدف » وترفص في المآدب فتيات صغيرات جدًا ،بعضهن ببشرة سوداء. و يفسير مشهد الرقص هنا باعتباره يحتفل بالخصوبة. ومثلما يرقص الناس تعبيراً عن الفرح والترفيه، كذلك فعل المصريون القدماء دائما. غير أن المشاهدة البصرية للراقصتين الجميلتين المرسومتين على جدار "مقبرة نب آمون "(عهد امنحتب الثالث) بصخبة العازفات وسط جمهور من النخبة ،وكذلك المعرفة التاريخية حول طراز الفن المصرى القديم وحول التقنيات المستخدمة في إنجاز اللوحة الفنية وما تتضمنه من خصائص جمالية، لا تكفى لتفسير المشهد الذى قطعاً له أبعاده المجازية والمفاهيمية والعاطفية.إذ هناك جانب يغيب عن البصر، إنه الفكرة التى أن تتمثل في ثنائية "الجسدى/ الروحى". وفى الرسم تظهر عائلة "نب آمون" واصدقائهمعكؤوي الشراب وسط موائد مكدسة بالطعام،يستمتعون بصحبة طيبة وبالموسيقى والرقص،كتمثيل سحرى لاستدعاء القوى المرتبطة بالرخاء والوفرة والحسية وقوة الحياة التى تضمن بعث "نب آمون" إلى المتعة الأبدية. إن الصورة الجدارية في مقبرة نب آمون " تمثل إبداعاً نادراً ، فلا تشبة أى نموذج آخر لنفس موضوع الرقص في الفن المصرى القديم ولم تتبع فيها «الأيقونية التقليدية ». حيث يصور الفنان بعض الموسيقيين بوجه من الأمام كاملا، وليس من الجانب.وغالبا تشير رمزية المشهد إلى البعث الجنسانى، من أجل أن يتمتع المتوفى مثلما يستمتع الأحياء من بالرقص الذى يعتمد على حركات الورك والصدر والذراع التى تمثل جماليات الرقص ،رغم أن ذلك التفسير ليس هو الوحيد.فهناك الغايات الجمالية المختلفة التى تناسب ذوق النخبة. وعندما يبلغ الفن مستوى استاطيقيا رفيعا فإن هذا يرجع إلى أن المجتمع يطالب أن يتصف هذا الفن بالتميز الاستاطبقى زيادةعلى البراعة المتواضعة للغاية التى ساعدته على تحقيق مهمته السحرية.
الرقص في حضرة نب آمون
إن موقف المصريين القدماء من "الموت " معقد، وكانت النصوص المتعلقة برثاء المتوفى تحث غالباً على «متعة الحياة».وهناك نص هيروغليفى كتب فيه: "إقض يوماً سعيداً وإنس الهموم." وتخبرنا المقابرالمصرية القديمة بالكثير عن "الحياة "مثلما تخبرنا عن «الموت». وقد حافظت المقابر على «السلال »و«المواد الغذائية» و«الزهور» التى دفنت منذ ثلاثةآلاف سنة قبل الميلاد وأكثر، وما تزال تحمل بصمات الخباز والنساج والفخرانى.ويمكن فهم الثقافة المصرية أكثر، إذا تناولناها كسلسلة من الحقائق والمصنوعات اليدوية والممارسات اليومية.بشرط التخلى عن فكرة "أن الثقافة الحديثة أكثر تقدما وتطورا من ثقافة المجتمعات القديمة،أما التحيز فهو يمثل موقف المجتمعات التى تطمح للهيمنة بالقوة أو بالتكنولوجيا. وليس تصوير موضوع الرقص مجرد وصف بصرى لحركة «القفز »أو «الانحناء» و«الاستقامة »بالتناوب ،لأن للحركة وحدها وظيفة مادية،إنما صورة الرقص المرسومة على جدار مقبرة "نب آمون" تنتقل بحركة البدن لتصبح حدثا ماديا ينطوى على حركة منسجمة ومتماثلة مع الزينة ومتناغمة مع المقاطع الموسيقية.ورغم وجود "الراقصات زالموسيقيات المهنيات "معروفات منذ «الدولة القديمة »(2663-2195 قبل الميلاد)اللاتى انتظمن في مجموعات تعمل بغاية الدقة ضمن «الطقوس الجنائزية »وغيرهامن المهرجانات ،يقودهن مشرف ملكى. أما العرض شبه العارى للراقصتين مع الأردية «الشفافة »الذى يكتفى بمجرد «الأحزمة» المصنوعة من «الخرز الملون» حول الخصر،حتى يتحرك الجسد بحرية ومرونة ،فيعادل الحضور الروحى لفكرة الحياة التى تدعمها «الحركات النشطة للأيدى» من أعلى وإلى أسفل واهتزازات الشعرمن جانب لآخر، وإنثناء الجذع للأمام والخلف. فلم ينظروا إلى الجسد العارى، أوإلى أجزاء منه بنفس الافتتان الذى يحدث اليوم. فإن للخطوط التى تنساب بحيوية ،والألوان النضرة وهى تتنقل تبعاً لتناظراتها لتخلق صورة قد تشكلت بكاملها ومرة واحدة في الذاكرة المتقدة،لتنطبع على سطح الجدار في شكل صورة/فكرة..والإيقاعات المتناغمة تردد المعنى الروحى للموائمة والسرور ،مثلما يردد إيقاعاته التصفيق باليد، وطقطقات الاصابع والأجراس ودقات الطبول والدفوف ،مع ونغمات القيثارات والنايات وترتيلات الجوقة كلها تعوض عن الصمت المهيب داخل المقبرة. لقد استعار الفنان من أجزاء جسد المرأة البض وأدوات زينتها، بالإضافة إلى العناصر المستقاة من عالم الموسيقى ما يماثله في علم الشعور بمعنى الامتلاء بالحياة والتمتع بالصحة والجاذبية الحسية تجاه الحياة.والجانب الغائب عن الصور هو «الخوف من الموت»،إنما الرسم باتباع «اساليب التنكر »والاستعانة «بالمعانى المزدوجة».وفى عالم الفن لا ينبغى التوقف عند حدود«البصرى» أو «الجمالية» دون المفاهيم.أما أعمال «الفن المصرى القديم» فإنها نوع من «التراتيل » التى بوسعها أن تسحضر القوى الروحية الرهيبة حينما يسمع صوت الصمت وتدب الحياة في الموتى . وتثيرالملابس الشفافة الرغبة في الحياة واشتهاء التمتع بملزاتها. لم تكن لدى «المصريين القدماء» أفكار تكبح اقبالهم على الحياة. وليس هناك وجه مقارنة بين الأشكال المبتذلة والفاسقة من وسائل الترفيه في «العصر الحديث» ،بممارسة «الرقص المقدس» في «الثقافة المصرية القديمة »،والعرى المرصع بالجواهر ، من القلائد «والأساور و«عقالات الشعر» و«أحزمة الخرز.» وزينة المرأة واستعمالها لأنواع من الزينة، والمجوهرات، والخرزبين ضفائرها،»و«مخاريط العطر »كلها من مستلزمات إضفاء مزيد من الحيوية وتأكيد على معنى الخصوبة . وفى رسم الراقصتين الشابتين النحيفتين في لوحة"نب آمون" إنهن فنانات وليستا من «الجوارى» . إحداهن أخذت ترفع يديها فوق رأسها وتشبك أصابعها في إبعضها لتمثيل الطقطقة بالأصابع، والتى ماتزال شائعة منذ القدم في الشرق لليوم ،أما أيدى الراقصة الأخرى فتتجه للمام في شاعرية. ويمكن تفسير المشهد على أساس أن الراقصة واحدة والرسم يمثل الحركات المختلفة للرقص في وقت واحد ،لتوضيح كيفية تتابع الحركة.
راقصات نخت
وبينما أدخلت ضمن حركات رقص «الدولة الوسطى » القفزات، أصبح الرقص في «الدولة الحديثة »أكثر رشاقة وسيولة.ففى «عصر الدولة الحديثة» عندما "بلغت الحياة في بيوت النبلاء في مصر حدا من التأنق ،حيث النساء »يتكحلن و«يتزين بالعطور» و«يلونن خدودهن وشفاههن»، وتقام الحفلات، ويستمتع المحتفلون بمشاهدة الرقص وسماع الغناء والموسيقى التى تؤديها «القيثارات »و«النايات» و«الساجات»و«الطبول»" وترتدى الراقصات الملابس الفاخرة من الكتان الدقيق الصنع لينسجم مع الجسم ويبرز آيات جماله . لقد ظهرت مشاهد «الرقص» في كثير من مشاهد «المآدب» وتصوير الرقص على أنه تعبير عن الفرحه. والمشاهد الساحرة تعكس جو الوئام،والسعادة، وتجديدالصلات العاطفية بين المدعوين،وبين الداعى وكل مدعو ،وسوف يفقد الحفل جدواه إذا لم يستحضر مثل هذه الانفعالات ،وإذا لم تبعث الحياة في الحفل ذاته .ولم يكن الطعام في الولائم العائلية التى تتخللها الموسيقى والرقص العنصر المهم بالمقارنة بأهمية الشراب وتبادل الأنخاب بين المدعوين بعضهم البعض ،والتمنى بالحياة المديدة، وبقضاء الأعياد في أنس عائلى والاستمتاع بمباهج الرقص والموسيقى والغناء.وفى الرقص ترمز حيوية الجسد الراقص إلى تجدد الحياة،والفنان سوف يحقق الفكرة برؤية «استاطيقية». وتتميز مثل هذه الرسوم بجمالها المتمثل في الأناقة وانسيابية الخطوط المنحنية وتدفقها.وتساهم إيماءات الأذرع والجذوع والسيقان في توضيخ اتجاهات الحركة، أو على ممارسة العزف على القيثارة أو الناى أو بدق الدفوف. وتشتمل أيقونية الرقص على رفع كعب قدمها الخلفى من على الأرض،أو رفع الذراعين،على أساس أن"الكعب المرفوع" يظهر أيقونية الرقص. وقد يعنى أن المرأة تعزف على العود بينماترفع كعبها تعنى ضمنياأنها ترقص سائرة على الأرض. أما حركة ضفائرالشعر فتشير إلى وضع «الانحناء » قليلاً للوراء أو إلى الإلتفات مع الكتفين .ويمكن تفسير رقص الأنثى على أنه تعبير عن فكرة الخصوبة. و رقص مجموعة من النساء في المناسبات الاحتفالية مع دق الطبول والدفوف والزينة والذبائح تمثل رموزا للثروة المادية والعاطفية والروحية ،التى من يتوقع أن تستحضر الآلهة "حتحور" و"بس" للبيت الذى تجرى فيه الاحتفالات. وببراعة الفنان يصبح للعمل الفنى جدواه في جعل المكان المنفذ فيه مهيئاً لطقوس البعث،حينما تبث الحياة فيما أنجزه من نقوش ورسوم ،فتمنح سلطة فوق طبيعية و"قد اختلطت في مثل هذه النقوش الدلالات الإنسانية بغير الإنسانية،وتحولت إلى إشارات تساهم في إتمام عملية العبور من الحياة الواقعية إلى الحياة الآخرة للمتوفى.وكانت وظيفة الفن في المجتمع المصرى القديم هى تذكير الناس بأن العالم الآخر أكثر وجوداً من العالم الآنى.وكان «الموت» في عقيدة المصريين القدماء بمثابة الليلة السابقة للعبور إلى الحياة الأبدية."(16) إذ جرى تمثيل معنى «موت الإنسان» بظاهرة«غروب الشمس»،أي أن" الشروق المجدد كل صباح قى جسد جديد، يعطى الأمل في تجديد حياة الموتى مثلما تجدد الشمس حياتها ونورها بمجرد خروج قاربها من الشرقو ،بدءيوم جديد.و"هذه الصورة كانت منتشرة ولها شعبية واسعة خصوصا عندما يصبح بطلاها "رع" و"أوزيريس" الذان يقوم كل منهما بدوره بطريقته الخاصة ليوفر السعادة والحياة الأبدية لأرواح الموتى."(17)وفى مقبرة" نخت "فى طيبة لوحة جدارية تصور مشهد" الراقصات والعازفات"إحداهن تعزف الناى والأخرى على العود، والثالثةعلى الهارب ،وتختلف وضعياتهن تبعاً لحركات رؤسهن بالإضافة إلى التنويع في إيماءات حركة أيديهن تبعا لنوع آلة العزف،وأيضاً اختلفت «حركة الضفائر »تبعاً لاختلاف وضعيات الأجسام ،كما نجح الفنان في إظهار مرونة «جسد الراقصة» بخطوطها «الانسيابية» وحركتها الإيقاعية،"وقد انثنى جزعها مع خصرها بحركة مرنة رشيقة ومتناسقة، في عكس اتجاه الوجه ،بينما ظهر رسم الصدر من الأمام . وهنا راعى الفنان تحقيق الانسجام بين تقوس آلة الهارب والانثناءات في خطوط أجسام العازفات والراقصة."(18)
تفسير معنى الرقص
ويشعر الراقص بمسرة من حركات الرقص التى يساعد إيقاعها على الإقلال من الشعور بالتعب وإطالة زمن الحركة. والراقصة تضع القلائد وترتدى حزاما حول الخاصرة،وعلى رأسها مخروط العطر ،وشعرها يسقط من جانب لجانب والعازفات على الهارب والناى.ولتجسيد الفكرة يجمع الفنان بين اختيارات من أجزاء منفردة وزوايا رؤية مختلفة،يعيد ترتيبها في نظام رمزى.ويخرج العمل الفنى موفقاً بين إيقاع نفسه وإيقاع الطبيعة، وينقل فكرته عن معانى الخصوبة والبعث إلى عناصر صورية مختلفة من البشر والحيوانات والطيور ومن الخطوط والأقواس .وتبث «الطاقة السحرية» وتكتسب الصور الدلالة الإنسانية والأكثر إمتلاء. ولتمثيل المشهد جمع الفنان في الرسم بين المنظر الأمامى للكتفين والعين مع المقطع الجانبى للرأس والأرداف والساقين ،رغم أنه يصعب أن تتزامن مثل هذة الزوايا معاً ،بل هى مستحيلة في الواقع ،غير أنها تتفق مع «الطبيعة الرمزية للصورة» التى ينتظر منها أن تجتاز عالم الواقع نحو العالم الآخر. والخطوط المحيطية الانسيابية المتصلة ممتعة بصريا بسبب قوتها الحيوية وأناقتها. فينزع المشهد الفنى «مشاعر الخوف» من المشاهد ويحولها إلى «نشوة مضمونها حب الحياة». وترجع التفسيرات التى تنظر إلى بعض مهام الأعمال الفنية في «الطراز المصرى القديم »فى تحقيق غايات مثل "سحرية "إلى كون ذلك النوع من الفن يقوم بدور الرقى والتعاويذ والتمائم، أفرزته ثقافة تفهم كون النور يشع من وراء المظاهر.وأن «للحقيقة وجهان» .والفن يجسد فكرة "الفناء" الذى هو" الحياة"، و"الحياة" التى هى في نفس الوقت هى "الفناء". و"الأسلاف الذين شاهدوا أحداثا تسببت في إحساسهم بمشاعر معينة ،قد أثارت فيهم رؤية شروق الشمس وغروبها أسباب التوحيد بين الذات والطبيعة."(19) وهناك العديد من التعاريف السحر. وأحد تعاريف السحر هو: "إن ممارسة السحر تستخدم طقوساً كمحاولة لإنتاج أحداث خارقة للطبيعة أو للسيطرة عليها. أو هو محاولة لإنتاج رد فعل في إله .و يعتقد القدماء أنه يمكن التأثير على الآلهة. ولتوظيف تقنية أو طقوسا، للسيطرة على «الظواهر الطبيعية» أو الروحية ، تستخدم وسائل خارقة للطبيعة. وكان السحر وسيلة ملموسة من التواصل والسيطرة. أيضا اسكتشف المصريون القدماء السحر كضرورة بعد الوفاة لضمان ممر آمن عبر الآخرة."وتشتمل «أفعال السحر» دائما على جوانب أساسية وليست عرضية من الأفعال الفنية مثل الرقصات والأغانى،والرسومات والتماثيل(20) وفى الحقيقة كانت النقوش الجدارية دائماً تمثل ومنذ "الدولة المصرية القديمة" نوعاً من «السرد المتحول »إلى صور ترمز إلى" الخلود" في العالم الآخر،وتشتمل على كتابات،عبارة عن كلمات ومفاهيم . وفى كل الأحوال يختلف شكل الرمز عما يمثله في الواقع, لأنه يعبرعن معنى وفكرة متعلقتين بمعتقدات سحرية ،تمنح العمل الفنى الحياة،ويصعب تمثيلها بوسيلة تعبيرية غير رمزية.ولكثير من الرموز معان عديدة، ويمكن مصادفة معنيين متعارضين- متكاملين لنفس الرمز،مثل "التمساح"الذى يرمز من ناحية للموت والدمار، بينما من ناحية أخرى يعنى الحياة الشمسية والتجدد.ويظهر«التمساح» في الحياة الحقيقية مخيفاً، غيرأنه يواجه شمس الصباح فى"الأسطورة "المصرية.ويتوقف الأمرعلى وظيفة «الرمز» في السياق الذى يتضمنه وتبعاً للفكرة.إن الرقصهو شكل منأشكال الصلاة التى يسبب الشعور بالفرح ، تعزز الروح في الجسد الراقص (الرقص/الروح) وكانت الاحتفالات الطقوسية القديمة التى تتخللها ممارسة الرقص ، تعمل على تعزيز الترابط الروحى بين المحتفلين .ولا يوجد مجتمع بدون طقوس تعزز الانتماء له على نحو مترابط بين أعضائه،ويصبح فيه للفنانين والأدباء والشعراء والموسيقيين والراقصين والمغنيين دورهم في العمل الشعبى.
مصادر
1-روبين جورج كولنجوود: مبادئ الفن،ترجمة: أحمد حمدى محمود،الدار المصرية للتأليف والترجمة ،1966الصفحة 86
2-محسن عطيه:الفنون والإنسان،عالم الكتب ،القاهرة2010 الصفحة 44
3-جيفرى سبنسر ،مصر في فجر التاريخ ،ترجمة :عكاشة الدالى ، المجلس الأعلى للآثار 1999الصفحة46&47
4-سيدنى فنكلشتين ترجمة:الواقعية في الفن، مجاهد عبد المنعم مجاهد، الهيئة المصرية للتأليف والنشر1971 الصفحة 39
5- محسن عطيه :روائع من الفن المصرى القديم،عالم الكتب 2003 الصفحة115
6-روبير جاك تيبو : موسوعة الأساطير والرموز الفرعونية،ترجمة فاطمة عبد الله محمود ، المجلس الأعلى للثقافة 2004 الصفحة 241
7- المرجع السابق الصفحة 109
8-إيرينا لكسوفا : الرقص المصرى القديم،ترجمة محمد جمال الدين مختار، وزارة الثقافة والإرشاد القومى،القاهرة 1961 الصفحة40
9-وليم هـ.بيك : فن الرسم عند قدماء المصريين ،ترجمة مختار السويفى،هيئة الآثار المصرية،1987 الصفحة109
10- فيليب سيرنج:الرموز في الفن –الأديان- الحياة،ترجمةعبد الهادى عباس،دار دمشق 1999 الصفحة 73
11-والاس بدج :آلهة المصريين،ترجمة:محمد حسين يونس،مكتبة مدبولى القاهرة 1994 الصفحة 533
12-محسن عطيه:التقاء الفنون ، عالم الكتب نالقاهرة ،الصفحة60)
13-المرجع السابق :الصفحة 59
14-محسن عطيه :التفسير الدلالى للفن ، عالم الكتب، القاهرة 2007الصفحة 14-17
15- : التقاء الفنون ،عالم الكتب ،القاهرة2005الصفحة 59
16- :الفنون والإنسان،عالم الكتب ،القاهرة2010 الصفحة 48
17-والاس بدج :آلهة المصريين،ترجمة محمد حسين مؤنس، مكتبة مدبولى،1994الصفحة 202
18- محسن عطيه:روائع من الفن المصرى القديم، عالم الكتب، 2003 الصفحة 141
19- :التفسير الدلالى للفن، عالم الكتب، القاهرة2007الصفحة18
20-روبين جورج كولنجوود:مبادئ الفن ،ترجمة أحمد حمدى محمود، الدار المصرية للتاليف والترجمة 1966 الصفحة85