متابعات في التربية وعلم النفس
حول محتويات كتابي: متابعات في التربية وعلم النفس
مقدمة
عدلحظيت الدراسات الموجهة للتربية بغير قليل من الاهتمام منذ فترة مبكرّة جداً من تواريخ قيام المجتمعات الإنسانية، بينما تأخّرت الدراسات ذات الصلة بما يسمّى حالياً «السيكولوجيا» أو علم النفس قروناً متعدّدة عن ذلك. بل إنّ علم النفس بمعناه التجريبي الدقيق لم يظهر إلا في نهايات القرن التاسع عشر، ولم يوجّه عنايةً للموضوعات التربوية بصورة مؤثرة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.
وماتزال المكتبة العربية تشكو من نقص واضح في الكتابات حول هذين الشأنين، حتى كاد أن ينحصر تداول المؤلفات فيهما ـ أحياناً ـ في نطاق الجامعات والمؤسسات التربوية ومراكز البحث المتخصصة. ولذا اتجه لفيف من الأكاديميين والأساتذة إلى سدّ هذا النقص من خلال ترجمة عديد من الكتب إلى العربية، ونقل الآراء والتجارب إلى البيئات المجتمعية فيها، على نحو مباشر أو غير مباشر. وقد عمدتُ في هذه القراءات إلى تقديم خلاصات ونقاط استناد رئيسة في الكتب التي تحدثت عن محتوياتها، لتوجيه الانتباه إلى إمكان العناية ببعض ما ورد في متونها من ما يمكن الاعتماد عليه في سياق الاستفادة من المعارف التي قدمها المؤلفون أو الاعتماد على المناهج المطروحة لديهم أو الشروع في تطبيقات ذات تأثير عملي محدّد، في مجالات متنوّعة الأغراض والأهداف والغايات، من ما قد يرى بعض المعنيين والمختصين أنه قابل للمحاكاة أو التجريب أو جني الفوائد العملية.
ولم أقف عند توسيع الفكرة الواحدة، بسبب التزامي موقفَ الاختصار نسبياً في تقديم المعارف العلمية والمعلومات المحتواة في هذه المصادر، مشيراً إلى أهمية بعض محتوياتها في غير مسألة انتقائية، وحسب الثقل النوعي ـ غالباً ـ لمعالجة المؤلف نفسه أو المحرّر الذي أخذ على عاتقه مهمّة طرْق موضوعٍ دون آخر، اعتماداً على أمور جرى تحديدها في إطار معالجته المعرفية ذاتها. ولقد أفاد هذا السلوك التناولي في توسيع مساحة الرؤية لموضوعات هذا الكتاب المطروقة، والتي يمكن عدُّها بمثابة نظرات خاصة إلى فصول مقترحة، قد تحظى باهتمام عدد من مفكرين مختصين مختلفي الاتجاهات والنزعات والقدرات والمهارات، فتحفّزهم إلى محاولات مناظِرةٍ على غير صعيد.
أما الملاحظات المختصرة التي تمّ توجيهها لمحتوى الكتب التي عرضتها هنا، فكانت موجّهة أساساً إلى ضرورة التزام الحذر في مقاربة موضوعات التربية وعلم النفس ـ وما ارتبط بهما ـ بكثير من الحرص على عدم ارتكاب الأغلاط والمخالفات على الصعيدين النظري والعملي، ولاسيما بعض أن وضعت ثورتا الاتصالات والمعلوماتية بين أيدي الباحثين مقادير وافرة من المصادر والمراجع، تكفل تجنّبَ الوقوع في مخالفاتِ ما استقرّ عليه المفكرون المعاصرون من توافقات ضابطة في كل واحدٍ من مجالات الدراسات والبحوث التخصصية المتنوّعة، مع النظر بإيجابٍ إلى حرية الاختلاف في التفريعات، بما يكفل عدم الخلط بين الموضوعات المختلفة.
وتكريساً لخصوصية كل كتاب في موضوعه، لم أجنح لوضع هذه المجموعة في ترتيب نسقي مُحكم حسب موضوعاتها، رغم إمكان هذا الإجراء الانتقائي، بل تركتُها في حالة التسلسل الإنتاجي الذي حكمته ظروفُ تناولي الكتاب، والتي كانت زمنية في غالب الأحيان، مع الإشارة إلى مراعاة التأكيد على بعض الأفكار المطروحة، وخاصة التي كانت تحتاج إلى قليل من الزيادة للإغناء، أو بغرض بيان فكرة محدّدة بذاتها أو جلائها، من ما سبقت الإشارة إليه في عرض متقدّم.
وقد فتح هذا أفقاً غير محدود لتوليد انطباع بالحاجة إلى الإكمال أو الإتمام، في غير قليل من الموضوعات المطروحة، فعزّز ما رميتُ إليه من حثّ المختصين المهتمّين إلى تناول بعض القضايا دون بعض، وتقديم صورة مسوّغة تساعد في الشروع ببعض الخطوات التمهيدية أو التطبيقات التجريبية.
المرجع في علم النفس
عدلوضع الدكتور «سعد جلال» هذا الكتاب الذي جاء في أكثر من ثماني مئةٍ وأربعين صفحة، وحوى اثنين وثلاثين فصلاً، وُزّعتْ على ستة أبواب.
ولقد وُضِع الكتاب ـ بحسب إعلان مؤلفه ـ من أجل غرض رئيس يتمثل في تقديم معلومات محصّلة عن «علم النفس» الذي يعني البحث في دراسة سلوك الناس ومعرفة فاعلياتهم العملية وطرق تنظيمها، وكيف يؤدي فهم السلوك البشري إلى التنبؤ به وبالتالي التحكّم فيه. وهذا ما يمكن عدّه بمثابة تعريف بسيط لعلم النفس، بغض النظر عن المدارس والاتجاهات المتنوّعة فيه.
وتعطي عناوين أبواب الكتاب فكرة تخطيطية عن المنهج الذي اتبعه الدكتور جلال في عرض مادة الكتاب العلمية، وهي على التوالي: علم النفس كعلم. مراحل النمو. الدافعية والتكيّف. الفروق الفردية وقياسها. التعلّم والإدراك والتفكير. علم النفس التطبيقي.
وأول الانطباعات التي يمكن تحصيلها عن النظر في أبواب هذا الكتاب يشير إلى عرض سعة المساحة المعرفية التي أراد المؤلف تغطيتها، ولاسيما إذا أخذنا بالتقدير حداثة علم النفس ـ بما هو علم ـ أي أنّ المختصّ فيه يطبّق مناهج قابلة للتدقيق والتجريب والإعادة، فيتبع أسلوب ترتيب بحثي يبدأ من الملاحظة إلى تحديد المشكلة ووضع الفروض وجمع النتائج ثم تحقيقها.
وبعد عرض خصائص الطريقة العلمية في علم النفس، يشير الدكتور جلال إلى وجود أنواع متعدّدة من البحوث في هذا العلم، ووجودِ أنواع من طرق جمع المعلومات وطرائق بحثها، ظهرت في أثناء المراحل المتلاحقة التي مرّ بها المختصون خلال اشتغالهم بالموضوعات النفسية الكثيرة.
ويعنون المؤلف البابَ الثاني من كتابه بعبارة «مراحل النمو» باعتبارها من الموضوعات التي يتجه علماء النفس إلى دراساتها. فيتحدث عن أثري الوراثة والبيئة في الأشخاص وتكويناتهم الجسمية، والنضج ومراحل النمو المتعدّدة، إضافة إلى التنشئة الاجتماعية، خلال المراحل العمرية المتلاحقة.
ويشير إلى اختلاف أطروحات الباحثين السايكولوجيين في هذه الموضوعات، واختلافهم في فهم الدافعية والتكيّف لدى الأشخاص، والنظريات المختلفة في تفسير الدوافع الأولية (كالطعام والشراب) والدوافع الاجتماعية (كالتواصل والمشاركة)، والانفعالات (كالخوف والقلق والغضب). ويقف مع الحاجة إلى تأكيد الذات لدى الأشخاص الإنسانيين والعوامل المؤدية إلى تكيّف الفرد مع معطيات البيئتين الطبيعية والاجتماعية ومتطلّباتهما.
والمقصود بالوراثة عند جلال (ص١١٥): كل ما يأخذه الفرد عن والديه وأجداده عن طريق الكروموزومات والجينات. ويقصد بالبيئة النِتاجَ الكلّي للمؤثرات في الفرد من الحمل حتى الموت. وهو يخبرنا أنّ البيئة الداخلية في الرحم تؤثر في الخلايا كما تؤثر الخلايا في بعضها بعضاً، وأنه من الممكن إحداثُ تغييرات في البيئة تؤدي إلى تغييرات في التكوين الجسمي يمكن توريثها.
ويتحدث جلال في الباب الرابع عن «الفروق الفردية وقياسها» لدى الأشخاص، ولاسيما بالنسبة للذكاء والقدرات والمهارات والتحصيل والميول. فيعرض أهمَّ نظريات قياس الشخصية واستواء الشخصيات وانحرافها، وما توصّل إليه السايكولوجيون من نتائج عملية لفروضهم النظرية المختلفة في هذه الشؤون. كما يتحدث في الباب التالي: عن التعلّم والإحساس والإدراك والتفكير، فيفصّل بعض المطالب المهمّة في كل منها. ويقرّر لدى حديثه عن التفكير (ص٦٨٧) أنه أهمّ وظيفة للعقل، وأنّ التفكير عملية مستمرة نظراً لوجود العقل في نشاط دائم، ولاسيما حين تحدث مشكلة.
ويعدّ التفكير الابتكاري طريقَ التوصّل للاختراعات والنظريات العلمية. كما يصرّح بأنّ ما يتمتّع به الشعراء والفنانون هو خيال ابتكاري، قد لا تختلف مراحل تفكيرهم فيه عن مراحل التفكير الابتكاري. ثم يعمد جلال في آخر أبواب الكتاب لعرض ما يعدّ ضمن حياض «علم النفس التطبيقي» فيفرد فصولاً لكل من الموضوعات الآتية: الصحة العقلية والعلاج النفسي، التوجيه التربوي والمهني، علم النفس الصناعي، علم النفس الاجتماعي، سيكولوجية الدعاية والرأي العام.
علم النفس الفسيولوجي
عدلأشير في البداية إلى أنّ علم النفس أو السايكولوجيا هو علم حديث النشأة، وقد كانت موضوعاته ومعالجات شؤونه تتمّ قبل بداية القرن العشرين في مجالات وظائف الأعضاء والطب وعلم الاجتماع حتى الاقتصاد أحياناً.
ونتيجةً للتقدم العلمي التخصصي المتشعّب في مجالات علم النفس الكثيرة، نشأت جُزر ونطاقات للبحث النظري والعملي، ما لبثت أن تباعدت وجعلت المشتغلين يتجهون إلى تضييق مجال بحوثهم الفئوية والفردية، لتصبح أكثر عمقاً وأقلّ اتساعاً.
وما كاد النصف الثاني من القرن العشرين يحِلُّ حتى نمت مجموعة من العلوم تشترك في حملها سمة علم النفس، كما في مجالات: علم النفس المرضي والتربوي والفسيولوجي والفردي والمهني والاجتماعي والجنائي والإعلامي وغيرها.
وعلم النفس الفسيولوجي ـ على سبيل التحديد ـ يدرس الموضوعات ذات الصلة بوظائف الأعضاء، أي الوظائفَ التي تؤثر في السلوك الإنساني. والكتاب الذي وضعه الدكتور «عبد الرحمن عيسوي» بعنوان «علم النفس الفسيولوجي» يقدّم عرضاً معرفياً حول ذلك.
ويعالج الدكتور عيسوي مناهج البحث في هذا العلم وموضوعاته، ولاسيما بالنسبة للانتباه والتعلّم والذاكرة والقدرات الحركية النفسية، وأمورٍ أخرى ذات صلة. يقول (ص١٠) عيسوي: «إنّ المعرفة الفسيولوجية تفيدنا في مجال البحوث النفسية، وفي تفسير السلوك ومعرفة أسبابه وعلله. ولكنّ الفسيولوجيا تفيد السايكولوجي أيضاً في فهم السلوك العادي الذي نمارسه في الحياة اليومية العادية. بل إنّ الفرق ضئيل جداً بين السلوك وبين التغيرات الفسيولوجية». ويمكن أن نضيف إلى هذا ما أشار إليه المؤلف (ص١١) من أننا نستطيع فهمَ السلوك والتحكّمَ فيه إذا استطعنا أن نقسّمه أو نجزّئه إلى أجزا أو وحدات بسيطة، حيث يمكن التعرّف عليها في كثير من المواقف، وأن تكون تلك الأجزاء قابلة للتعريف الدقيق والقياس والتجريب.
علم النفس الغرضي
عدلوضع هذا الكتاب الدكتور «عبد العلي الجسماني» وجعل مادته المعرفية في بابين، عنوان الأول: الجو الفكري في القرن السابع عشر وما بعده، وعنوان الباب الثاني: الغريزة مفهوم أساسي في النظرية الهورمية.
يقول المؤلف (ص٢٩١) في حديثه عن مجالات اهتمام علم النفسي الغرضي: اهتمّ هذا العلم بموضوعات شتى، «لكن تأكيده على جانب الاستعدادات الموروثة قد ميّزته في حقبة زمنية كان النقاش فيها لا يخرج عن نطاق النواحي الفلسفية ومناقلاتها. فعلم النفس الغرضي أرسى قواعد مناقشاته على التجريب وعلى الفسلجة وعلى المنطق العقلي. وجعل النشاط لُبابَ ما ذهب إليه».
ويرى أعلامه «"أنّ الطاقات العقلية تتألف من نزعات فطرية، وأن مصدر الطاقات العقلية وراثية من حيث المنشأ والتكوين، ولكنها تنمو في مجال البيئة التي تتيح لها سُبل النماء فتزيدها قوةً وثراء"».
وأشير إلى أنّ بحوث علم النفس الغرضي ـ على نحو ما يظهرها الجسماني ـ تؤكد أنّ نشاط الإنسان مدفوع بعامل دينامي، يُعتبَر نتيجة لحافز غريزي، وأنّ أبرز خصائص السلوك الحي تتصف بما يأتي:
- أولاً:المرونة وعدم الرتابة أو الجمود، وأنّ منبع السلوك أساساً هو الجوانب الفطرية، لكن يلعب التعلمُ دوراً فيه.
- ثانياً: قد يكتسب السلوك سمةَ الانطباع المستمر.
- ثالثاً: تدل ملامح السلوك العامة أن دوافعة موروثة بصورة مدعّمة بيولوجياً.
- رابعاً: القول بوراثة الدوافع المحفزة للسلوك تجعل من السهل التأكيدَ على نظرية البواعث في الدراسات النفسية والاجتماعية.
ولا بدّ من إشارة هنا إلى أنّ علم النفس الغرضي الذي أكد على «مبدأ الغرائز» رأى ضرورة وضعها في مراتب متتالية في سلّم التطور، لفهم عمل مولّدات الطاقة السلوكية. ورأى أنها تتحوّل من حالة الإبهام والغموض، إلى كفاح العجماوات نحو أهداف شبه محدّدة، ثم التصرف من مستوى أدنى إلى ما هو أعلى منه، حتى رتبة التصرف السلوكي حيث تتحكم العلاقات الأخلاقية في حياة الإنسان.
علم النفس عبر الحضاري
عدلوضع هذا الكتاب الدكتور «محمود السيد أبو النيل». وأشار في غير موضع إلى أنّ «علم النفس عبر الحضاري» يهتم بالدراسة المنظّمة للخبرة والسلوك البشريين اللذين يحدثان في حضارات مختلفة، ويتأثران بتلك الحضارات، ويصدران من خلال التغييرات الحضارية الراهنة.
لقد أشرتُ ـ في مرات متعدّدة ـ إلى أنّ الأنثروبولوجيين وصفوا الحضارةَ التي تبنيها الشعوب في هذا العالم بأنها مجموع الأنشطة الخاصة بفترة ما وجماعات إنسانية معيّنة، تتضمّن ما يقومون به من أعمال وما يعتقدونه من أفكار وما يتخذونه من مواقف وما يتركونه للاحقين.
وهذا يعني أنّ الحضارة تتضمن، كما يذهب مؤلف هذا الكتاب (ص١٤) أيضاً وأقرانه الكثيرون، مجموعَ «الأنماط الصريحة والضمنية الخاصة بالسلوك المكتسب، والمنقول بوساطة الرموز، والذي يشكّل الإنجاز المميّز للجماعات البشرية، كالأعمال الحرفية والتقاليد والأنظمة المجتمعية التي تمثل المحور الأساسي للثقافة والأفكار والقيم».
ولقد وضع أبو النيل معالجاته في ثمانية عشر فصلاً، تناول فيها مطالب بحثية متنوّعة، يمكن عدّ جانب من ما ورد فيها من خلال العناوين الآتية: المنظور التاريخي، البحث عن العالمية النفسية والمسح عبر الحضاري والمقابلة، استخدام الاختبارات وطرق الاستخفاء في التجريب عبر الحضاري، وصف ميدان العلاقات الإنسانية ودراسة الحضارات، الذكاء والقدرات العقلية في إطار الحضارة، الدراسات عبر الحضارية في تنشئة الأسرة، الدراسات عبر الحضارية في مجال الاتجاهات وتنظيم الأسرة، التعريف بأعلام في علم النفس عامة وعلماء في علم النفس عبر الحضاري خاصة.
وهو يقول (ص١٩٦) في حديثه عن وصف ميدان العلاقات الإنسانية ودراسة الحضارات كلها: «تتكوّن ملفات ميدان العلاقات الإنسانية من نتائج الدراسات الوصفية الإثنوجرافية المجموعة من كل وحدة حضارية. وكلُ بيان يأتي من أي مصدر يوضع في فئة الموضوع المتصل به، وبالتالي فإنّ الباحث يمكنه أن يضع المادة الوصفية التي جُمعت في الوحدة الحضارية الخاصة بها، وأن يختار المادة المتصلة بموضوع خاص بالوحدة الحضارية» في الوقت نفسه. وأشير ـ على سبيل التوضيح ـ إلى أنّ ملفات العلاقات الإنسانية هذه تتضمن كل ما هو مكتوب ومعروف، بأي صيغة من الصيغ، عن الوحدات الحضارية، سواء كانت منتجات إبداعية أم متروكات أم دراسات أم مقالات، عن كل ما هو ذو صلة بموضوعات وحدة حضارية معيّنة، بأي لغة من اللغات. والجهد الاستقصائي الذي أنفقه الدكتور أبو النيل في فصول هذا الكتاب، قلّ ما يتوافر في الغالبية العظمى من الكتب التي تتناول موضوعه. فقد حشد لفيفاً عريضاً من الدراسات ذات الصلة بعلم النفس عبر الحضاري، انطلاقاً من منظور التأريخ لوجود نواة هذا الاتجاه البحثي، والانطلاق العلمي مع أوائل سبعينات القرن العشرين، ولاسيما بعد ظهور مصطلح «العقل الاجتماعي» وتكاثر البحوث والتجارب حوله، على نحو متصاعد.
وعرض أبو النيل النظريات الأساسية البحثية، بصورة ملخّصة، لبيان وجوه الاتفاق والاختلاف بين العلماء المختصين في مجال علم النفس عبر الحضاري، فعدّ: الوصف المقارن المنظم، والنماذج البنائية، والنظريات العامة. ووصف مناهجها، وذكر مزايا النظرة عبر الحضارية ومساوئها. وقرّب بين المنهجين المتبعين في دراسة الشخصية والحضارة.
ولا شكّ عندي في أنّ فصول هذا الكتاب يصلح كلٌ منها ليكون نواة بحث موسّع، نظراً لإمكان حشد مقادير كثيرة من المواد العلمية في كل منها، بالنظر لاتساع ما أشار إليه المؤلف.
وأرى أنّ فصله الرابع في «البحث عن العالمية النفسية» يمكن أن يكون ـ على غير صعيد ـ منطلقاً للباحثين المختصين، إضافة إلى الأدباء من كتاب القصة والرواية والمسرحية والشعر حتى المشتغلين بالنقد الأدبي، وفاقاً لما يفتحه من مجالات التفكير بأمداء «العالمية النفسية» وأطروحاتها التي ماتزال في طور التكوين حتى الآن، وتقبل إضافات لا حصر لها.