فقه السنة/الجزء الأول

  • الإسلام دين نظافة وطهارة يجمع بين نظافة الظاهر والباطن ، ففي مجال الباطن دعا إلى الصدق والإيمان وحب الخير للناس ونهى عن الحسد والحقد ( تأمل حديث عمرو بن أبي سلمة وفيه قال : (ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غِشّا، ولا أحسدُ أحدًا على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق)[1] .
  • وفي مجال الطهارة الظاهرة أو جب الطهارة للصلاة فالمسلم يتطهر للصلاة خمس مرات في اليوم ، وإذا أصابته جنابة وجب عليه الغسل ، ويستحب له الغسل أسبوعيا-على أبعد تقدير- إذ الإسلام يدعو إلى النظافة في كل وقت حسب النية والقصد والحاجة ، وقد جاء العلم الحديث ليثبت سبق الإسلام إلى هذا يقول الدكتور عبد الجواد الصاوي : تذكر المراجع الطبية أن الجلد يعتبر مخزنا لنسبة عالية من البكتريا والفطريات، ويكثر معظمها على البشرة وجذور الشعر، ويتراوح عددها من عشرة آلاف إلى مائة ألف جرثومة على كل سنتمتر مربع من الجلد الطبيعي،وفي المناطق المكشوفة منه، يتراوح العدد بين مليون إلى خمسة ملايين جرثومة/سم، كما ترتفع هذه النسبة في الأماكن الرطبة ك الإبط) إلى عشرة ملايين جرثومة/سم. وهذه الجراثيم في تكاثر مستمر، والغسل والوضوء خير مزيل لهذه الكائنات.
  • إذ ينظف الغسل جميع جلد الإنسان كما جاء في غسل النبي r أنه يروى بشرته ثم يفيض الماء على سائر جسده، وينظف الوضوء الأجزاء المكشوفة منه،وهي الأكثر تلوثا بالجراثيم، لذا كان تكرار غسلها أمرا مهما، وقد أثبتت عدة دراسات قام بها علماء متخصصون : أن الاستحمام يزيل عن جسم الإنسان 90% من هذه الكائنات، أي بأكثر من مائتي مليون جرثومة في المرة الواحدة،وهذه الجراثيم تلتصق بالجلد بواسطة أهداب قوية عديدة، لذا أمر الشارع بتدليك الجلد في الوضوء والغسل[2].
  • تعريف الطهارة ، وفضلها، وحكمها، وأنواعها:
  • الطهارة نوعان طهارة حسية ومنها قوله تعالى (فإذا تطهرن)، وطهارة معنوية ، ومنها قوله تعالى : (إنهم أناس يتطهرون)، ومنه دعاؤه صلى الله عليه وسلم للمريض : ( لا بأس طهور إن شاء الله).
  • وقد أمر الله بالطهارة وأثنى على المتطهرين في آيات كثيرة من كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : في نحو قوله : ( الطهور شطر الإيمان)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن)فغسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء)، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء)حتى يخرج نقيا من الذنوب[3]، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)[4]، وثبت من سنته العملية أنه كان يحمل معه الماء في الاستنجاء ، وكان يستعمل الحجارة تخفيفا والماء تطهيرا، وكان الصحابة من أهل قباء يفعلونه وفيهم نزل قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَّهرين)[5].
  • وحذر من ضدها وأوجب منها قدرا لا يعذر مستطيع في تركه وهو الذي يبحثه أهل الفقه عادة.

الطهارة الواجبة

عدل
  1. الوضوء للصلاة وبدله التيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله .
  2. الغسل من الجنابة ، ومن الحيض والنفاس.

والدليل على ذلك قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)[6]، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ).

تجب الطهارة

عدل

بعشرة شروط هي:

  1. الإسلام
  2. العقل
  3. البلوغ وعلاماته خمس : (الإنبات ، والاحتلام، والحيض،والحمل،وبلوغ15سنة)
  4. ارتفاع مانع الحيض والنفاس
  5. دخول الوقت
  6. عدم النوم
  7. عدم النسيان
  8. عدم الإكراه
  9. وجود الماء أو الصعيد
  10. القدرة على الفعل

أسباب وجوب الطهارة

عدل
  1. الجماع.
  2. النفاس.
  3. الحيض.
  4. الإنزال.
  5. الاستمناء.
  6. دخول وقت الصلاة.
  7. أداء ما تشترط له الطهارة

أنواع الطهارة

عدل
  • طهارة حسية وهي : (غسل، ووضوء).
  • طهارة معنوية وهي : ( مسح ، ونضح، وتيمم).

على من تجب الطهارة؟

عدل
  • الطهارة تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة ، يقول ابن جزي في القوانين: في أنواع الوضوء وهي على خمسة أنواع: ( واجب ، ومستحب ، وسنة ، ومباح، وممنوع)[7]، ولا إشكال في الأربعة الأول ، وإنما الإشكال في الممنوع ومعلوم أنه مرادف للحرام ، فكيف يكون الوضوء حراما؟ وما هي صورته؟ وقد ذكر بعض أهل العلم مثالا عليه وهو : أن الإنسان إذا توضأ ولم يعمل بوضوئه أي عبادة ولو مس مصحف، أنه يحرم عليه إعادة الوضوء مرة أخرى لما في ذلك من التنطع والإسراف وكلاهما محرم.

وتجب على المسلم العاقل غير الحائض ولا النفساء إذا دخل وقت الصلاة فإن لم يجد ماء أو لم يقدر عليه انتقل إلى بدله وهو التيمم.. وتجب إزالة النجاسة مع القدرة والذكر.

  • فرائض الوضوء وسننه وفضائله:

فرائضه

عدل

أجمع المسلمون على وجوب غسل الأعضاء الأربعة الواردة في الآية ، ثم اختلفوا فيما عدا ذلك ، إذ منهم من يعد بعض المسائل فرضا ومنهم من يعدها سنة ، وهي ستة:

  1. النية ، ومعناها القصد إلى فعل مخصوص ، وهي من أول الطهارة وقيل من أول فروضها ، ودليلها : حديث : ( إنما الأعمال بالنية).
  2. غسل الوجه.
  3. غسل اليدين.
  4. مسح الرأس.
  5. غسل الرجلين.
  • ودليل هذه الفرائض الأربعة آية المائدة المتقدمة.
  1. الفور، ومعناه : الإسراع والموالاة وعدم التأخير بأن ينتقل المتوضئ إلى غسل العضو قبل أن يجف العضو الذي قبله ، سواء كان مغسولا أو ممسوحا،وذلك عند اعتدال الزمان والمكان ، وحال المتوضئ نفسه ، ويشترط له شرطان الذكر والقدرة)..
  2. وزاد بعضهم –الدلك- واستدل له باللغة وقالوا إن ذلك هو معنى الغسل[8].

كما عد بعضهم الترتيب بين الأعضاء فرضا ، فلا يقدم اليدين على الوجه والراجح أنهما من سنن الوضوء لأن الاعتماد في الفرضية مبني على الترتيب في الآية والواو لا تفيد الترتيب ، ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على سنيته[9].

سنن الوضوء

عدل
  1. غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء.
  2. المضمضة.
  3. الاستنشاق.
  4. الاستنثار لجديث: ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر).
  5. مسح الأذنين لما جاء من صفة وضوءه صلى الله عليه وسلم وفيه ثم مسح رأسه ، فأدخل أصبعه في أذنيه ، ومسح بإبهامه على ظاهر أذنيه بالسبابتين باطن أذنيه)[10] .
  6. الترتيب..
  7. ومنها تقليل الماء مع إحكام الغسل والسرف فيه غلو وبدعة ، وذلك لما رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة إمداد.

فضائل الوضوء

عدل
  1. السواك : لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) .
  2. التسمية في أوله.
  3. تكرار المغسول مرتين أو ثلاثا.
  4. الابتداء بالميامين.
  5. الابتداء بمقدم الرأس
  6. ذكر الله في أثنائه، وأن يقول في آخره: ( أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لما ورد من حديث أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقولها إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". وكل هذه الفضائل والسنن مستنبطة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.

مكروهات الوضوء

عدل
  1. الكلام بغير ذكر الله .
  2. الإكثار من صب الماء.
  3. الاقتصار على غسلة واحدة.
  4. الزيادة على الثلاث.
  5. الوضوء في أواني الذهب أو الفضة ،لحديث البخاري : (نهانا رسول الله صلى الله عليه سلم عن الحرير والديباج الشرب في آنية الذهب والفضة)، لذا فرقوا بين الشرب والوضوء ومن العلماء من حرم استعمالها مطلقا يقول اين شاس: الفصل الثالث في أواني الذهب والفضة وهي مجرمة الاستعمال على الرجال والنساء للحديث الصحيح[11].

نواقض الوضوء

عدل
  1. نواقض الوضوء تنقسم إلى قسمين :
  2. أحداث وهي: (الخارج من السبيلين -على سبيل العادة - عند الإمام مالك –رحمه الله- وهي خمسة أشياء : (البول،والغائط، الريح ، والودي وهو ماء أبيض يخرج بأثر البول، والمني : وهو ماء أبيض رقيق يخرج مع اللذة).

فكل ما خرج من ذلك من مخرجه على سبيل العدة نقض الوضوء إجماعا ، وما عدا ذلك ففيه قولان النقض وعدم النقض. ومن تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فعليه الوضوء في مذهب الإمام مالك ، خلافا للأئمة الثلاثة-رحمهم الله جميعا لحديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ".ففرقوا بين من هو في الصلاة ومن ليس كذلك وقالوا إن الذمة عامرة بالصلاة فلا تبرأ إلا بيقين، وقال الجمهور إن اليقين لايزول بالشك.

  1. أسباب وهي: (السكر ، والجنون، والإغماء،وهي تنقض الوضوء إجماعا[12]والنوم الطويل الثقيل ، وقيل الثقيل ولو كان قصيرا، أو لمس النساء بلذة سواء كان بدون حائل أو من وراء ثوب وسواء كان لزوجة أو أجنبية، ويستوي في اعتبار اللذة اللامس والملموس ،وسواء حصلت تلك اللذة بقصد أو بغير قصد عند الإمام مالك –رحمه الله- وتنقض القبلة ولو بغير لذة على المشهور في المذهب ، ومس الذكر بباطن ا لكف أو الأصابع ، ومثله مس المرأة فرجها ، لعموم قوله تعالى ك (أو لامستم النساء)

ويلحق بالأسباب الإرتداد عن الإسلام –عياذا بالله.

  • وهناك نواقض أخرى اختلف فيها في المذهب والراجح أنها غير ناقضة ، فلا ينقض القيئ ولا القلس ولا الرعاف والحجامة ونحو ذلك .

وقد اختلف الصحابة – رضي الله عنهم – في هذه المسائل فمنهم من رءاها ناقضة ومنهم من يراها غير ناقضة ، وبناء على ذلك اختلف الأئمة –رحمهم الله- وقد سئل الإمام أحمد –رحمه الله:أرأيت ولو صليت خلف من لا يرى الوضوء من الخارج من الدم هل تعيد الصلاة ؟فقال للسائل : ويحك وهل أعيد الصلاة خلف سعيد بن المسيب ومالك رحمهم الله كما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار. ومن نسي شيئا من فرائض الوضوء وذكره بعد ما جف وضوؤه أعاد الوضوء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي رأى في قدمه لمعة أن يعيد الوضوء، وأما إن كان قريبا ولم تجف الأعضاء فإنه يبني . ومن ترك سنة ناسيا صحت صلاته وفعل ما نسي لما يستقبل ،ومن ترك فضيلة فلا شيء عليه وفاته خير كثير.