علوم إنسانية
أنـــا الآخـــر .. أنـــا الإنســـان ( فكـرة ٌ للتأمـل ِ و دعـوة ٌ للثـورة )
أنـــا الإنســـان ( ديـوانُ شعـر ) و أهـازيـجُ أخـرى
( يوسف محمد مختار )
( الـفـهـرس )
الفصـلُ الأول : ( إطـلالة ٌعلى الإنتاج الأدبيِّ لـجبران خليل جبران ،
واستشرافُ الثورةِ القادمةِ للإنسان ) .
الفصـلُ الثاني : ( أنا الآخر .. أنا الإنسان ، فكرة ٌ للتأمل ِ ودعوة ٌ للثورة ) .
الفصـلُ الثالث : ( انهيارُ الاتحاد السوڤييتي ، دروسٌ وعِـبَـر ) .
الفصـلُ الرابع : ( يومُ البعث ، النموذجُ المصريّ ُ.. مِنْ ثوراتِ الربيع العربيِّ ) .
الفصلُ الخامس : ( الإصلاح ، منظومة ُعمل ٍ ومنهاجُ حياة ) .
الفصلُ السادس : ( الإبداع ، مفهومه وحدوده ) .
الفصـلُ السـابع : ( أنـا الإنسـان ، ديـوانُ شعـر ) .
( صـدرُ الكـتـاب )
عزيزي القارئ : . ( لستُ الشاعرَ الفيلسوفَ الـَّذي يُضارعُ جُبران ) . ( ولا العالمَ الرقيقَ الـَّذي يُباري ابنَ خلدون ) كما لا أدعي لنفسي معرفة َ الحقيقةِ أو القدرة َعلى تصورها ومع ذلك : ما أطرحه الآنَ ليسَ أحْلامًا بالتأكيد وحتى لو كانت أحلامًا فما أكثرَ الحقائقَ في عالمنا المعاصر التي كانت ـ فيما مضى ـ مُجَـرَّدَ أحْلام !
- ( يوسف محمد مختار ) ***
( الفصـلُ الأول )
إطـلالة ٌعلى الإنتاج الأدبيِّ " لجبـران خليـل جبـران " واستشـرافُ ( الثورةِ القادمةِ للإنسان )
( مقدمة )
عزيزي القارئ : قـَبْـلَ أنْ تبدأ َ قراءة َهذه النبذة َاليسيرة َعن الحياةِ الأدبيِّةِ لأديبنا الكبير " جبران خليل جبران " وما تضمنتهُ مِنْ إنتاج ٍ أدبيٍّ متميز ، وفكر ٍ إنسانيٍّ عال ٍ يستحقّ ُ منا النظرَ والالتفات ، أنصحُـكَ أولا ً أنْ تسألَ نفسك : ( لماذا أقرأ ) ؟ وأنصحُ نفسي أيضـًا ، وقـَبْـلَ أنْ أشْـرَعَ في الكتابةِ أنْ أتساءَل : ( ولماذا أكتب ) ؟ أعتقدُ بداية ً أيها القارئُ العزيز : أننا متفقونَ على أننا نقرأ ُ ونكتبُ لا لشيءٍ إلا لكي نفهمَ ما يدورُ حولنا مِنْ أحداثٍ وما يعتملُ بداخلنا مِنْ مشاعرَ وأفكار ، بُغـْية َ الوصول ِ إلى الحقيقة ، حقيقةِ الكون ِ وحقيقةِ الوجود . وهو أمرٌ على عِـظـَمِهِ بسيط ، وعلى صُعوبتِهِ يسير ، وهو فوقَ هذا وذاك ، أمرٌ بالغُ الحيويةِ وأساسيّ ٌ، لكي نحيا الحياة َ التي نرضاها لأنفسنا ولأبنائنا . ( ولكي يحدثَ ذلكَ كلـّـُه ) : علينا فقط أنْ ننفعلَ بما نقرأ ، وأنْ ننفعلَ بما نكتب ، وأنْ نتفاعلَ مع ما يجرى لنا ولغيرنا مِنْ بني البشر . وهو ما لن يكونَ أبدًا إلا إذا عرفنا أولا ً: ( مَنْ نحنُ ..
وبماذا ميزنا اللهُ عنْ سائر ِ مخلوقاتِـهِ في البر والبحر ) ؟
هذا البعدُ الإنسانيّ ُ الخالص ، مع عمقه ودقته : لا معنى لحياتنا بدونه ، علينا أنْ نبحثَ عنه بكلِّ ما لدينا مِنْ قوة ، وأنْ نتفهمَه بكلِّ ما أوتينا مِنْ وعى ٍ وإدراك ، ثم علينا في النهايةِ أنْ نحافظ َعليه بكلِّ ما أودعه اللهُ فينا مِنْ حبٍ للحقِّ والخير والجَمال .
عزيزي القارئ : إنَّ إطلالة ً سريعة ً على إحدى إبداعاتِ شاعرنا الفيلسوف " جبران " لكفيلة ٌ ـ من وجهةِ نظري ـ للتقريبِ بيننا وبين ما نريد . فما بالـُكَ بالغوص في بحاره العميقة ؟! والتي تذخرُ بالكثير مِنَ المعاني النبيلة ، والكثير مِنَ الأفكار السامية ، والكثير مِنَ المشاعر الرقيقة . ولا أدعي بذلك أنني غواصٌ ماهر .. بل على العكس ، فإنك تستطيعُ وبكلِّ سُهولة ، أنْ تستشفَ من خلال ما تقرأ الآن ، أنني جاهلٌ بهذا الأمر قدرَ جهلي بالرَّسْم السِّـريالي في القرن الخامس والعشرينَ مثلا ً.
.. ( فـَـقـَط ، هِـيَ دَعْـوَة ٌ مِـنِّي ) .. ـ بكلِّ ما فيها مِنْ عفويةٍ وتلقائية ـ أسوقها لمَنْ يمتلكونَ في أمتنا العربيةِ والإسلامية ـ بل وفي مجتمعنا الإنسانيِّ الواسع ـ الأدواتِ المناسبة ، والقدرة َ الكافية لتوظيفها التوظيفَ الأمْثـَل ( أنْ ينتفضوا معي ويثوروا ) لكي يعودوا بنا إلى المسار الصحيح للإنسانية إلى ذلك النـَّهر الدَّفاق الذي يجري فينا ، ولا نرتوي منه .. ( إلى إنسانيتنا التي نسيناها ) ! ..
- ( يوسف محمد مختار ) ***
@ في غربةٍ قاسيةٍ لا ترحم .. كانتْ حياة ُجبرانَ لا تعرفُ الاستقرار ، فهي متقلبة ٌ دائمـًا بين المرارةِ والكآبة ، بين اليأس ِ والقنوط ، بين الشكِ وعدم ِ اليقين . وتحتَ ضغط الحاجةِ والحرمان .. كان جبرانُ حانقــًا على كُلِّ شيء : على الوطن ، وعلى الناس ، وعلى الدين ( وبشيءٍ مِنَ الدقة ) ، على ما استقرَّ في وعي هؤلاء الناس مِنْ أمور ٍ سيئةٍ ، ظـنوها مِنْ صحـيح الدين ، والديـنُ مـنها بَـريء . هذا التناقضُ في حياة جبرانَ الفكرية ، جعله يقفُ مِنْ نفسه موقفَ المتشكك ، يَجـِدّ ُ في البحث عنها ، ويحاولُ ما استطاعَ أنْ يَجـِدَ مكانـَهُ في الحياة . غيرَ أنَّ هذا الشك ، وتلك الحيرة ، وذلك القلق ، أفضوا به جميعـًا إلى التفاعل المثمر مع ما حوله مِنْ مظاهرَ الكون . .. ( فهو دائمُ السعي للوصول إلى الحقيقة ) .. ففي نغمةٍ يائسةٍ يُعَـبِّرُ جُبرانُ عن عجزه عن إدراك الحقيقة ( حقيقةِ نفسهِ وحقيقةِ الوجود ) ، فنجده يقول : & ( كتبتُ في الجذر سـطـرًا عـلى الـرمـل ِ
أودعــته كُــلَّ روحـي مــع الـعــقــل ِ وعــدتُ في المــدِّ أقــرأ وأسْـتـَجْـلى فلم أجدْ في الشواطئَ سـوى جَهْـلي ) .
ولا يلبثُ جبرانُ أنْ يعودَ إلى نفسِه ، أو تعودَ إليه نفسُه .. فيقولُ بكلِّ ثقةٍ واطمئنان : & ( بالأمس القريبِ خلتني شظية ً ترتعـد ، نافرة ً في تلك الحياة .
والآن : أعْـلـَمُ أنـَّـني أنـا الفـلك .. تجـري فيَّ الحيـاة ُ كـُـلـّـُهـا شـظـايا مُـتـناسِـقة ) .
وبقدر ما للفن من ثقل ٍ وتأثير ٍ في حياة الناس ، كان لجبرانَ نظرتـُهُ الخاصَّة ُفي تعريفنا بحدود وجوهر ذلك الشيء . وتمثلَ ذلك بقوله : & ( الفـَنّ ُ هـوَ أنْ تعكسَ روحَ الشجرةِ لا أنْ ترسُمَ جزئياتِها ،
وأنْ تستخلصَ ضميرَ البحر لا أنْ تصورَ أمواجَه ، وأنْ تستبينَ مِنَ المألوفِ ما ليسَ مألوفــًا ) .
- كان جبرانُ يتمنـَّى ويحْـلـُمُ أنه بكتبهِ الثلاثة :
.. ( النبي وحديقة النبي وموت النبي ) .. . يكونُ قد أدى رسالته في الحياة على أكملَ وجه . فكتابُ ( النبي ) أودعَ فيه جبرانُ مِنْ منظوره الخاص جدًا ، ما يجبُ أنْ تقومَ عليه علاقاتُ الإنسان بأخيه الإنسان مِنْ أسـس .. أما كتابُ ( حديقةِ النبي ) فقد صوَّرَ فيه جبرانُ علاقة الإنسان بالطبيعة .. ثم يأتي كتابُهُ ( موتُ النبي ) ليتناولَ فيه جبرانُ علاقة َ الإنسان بخالقه .
وخلال المدةِ التي اسْتمرت ثلاثَ سنواتٍ بينَ كتابي : ( النبي و حديقةِ النبي ) لم يُطِقْ جُبرانُ صَبْرًا ، فأخرجَ لنا كتابين آخرين همـا : ( رَمْـلٌ وزَبَـد ) و ( عيسى ابنُ الإنسان ) . وبتسليطِ الضَّوء على كتابِ ( رَمْـل ٍ وزَبَـد ) نجدُ أنه يجمعُ حِكَمـًا متفرقة ً و يُعَـبِّرُ عن خواطرَ متناثرةٍ ويرسلُ آراءً ليسَ بينها ارْتباط ، ذلكَ لأنَّ جبرانَ أملاه في ساعاتِ استرخائِهِ حينَ لم يكنْ يَجـِدُ في نفـْسِـهِ مَيْلا ً إلى الكتابة . وأخيرًا ، فإنه ليسَ أدَلّ ُعلى الكتابِ مِنْ قول ِ صاحبه فيه : & ( ليسَ هذا الكتابُ الصغيرُ بأكثرَ مِنْ اسمه " رَمْـلٌ و زَبَـد "
حفنة ٌمِنَ الرمل ِ، وقبضة ٌمِنَ الزَّبَد .. وبالرغم مما ألقيتُ بين حباتِهِ مِنْ حبات قلبي ، وبالرغم مما سكبته على زَبَدِهِ مِنْ عُصارَةِ روحي ، فهو الآن وسيبقى إلى الأبد ، أقربَ إلى الشاطئ ِِ منه إلى البحر ، وأدنى إلى الشوق المحدود منه إلى اللقاء الـذي لا يحده بيان ) .
وإليك عزيزي القارئ بعضـًا مما جاءَ في كتاب ( رَمْـل ٍ وزَبَـد ) مِنْ حِكَم جبرانَ الغنية .. أراها تصلحُ لأنْ تكونَ مشاعلَ ومصابيحَ بل ونجومـًا ساطعة ً في سماواتنا التي تلبدتْ بالغيوم ، فصرنـا لا نكادُ نرى حتى ما تحتَ أقدامِنا ! .. ( والله هو الهادي وهو الموفقُ والمُعـين ) ..
يقولُ جُبران : & ( عندما قذفَ بيَ اللهُ حصاة ً إلى هذه البحيرةِ العجيبة ،
أذعجتُ صفحتها بدوائرَ لا تـُحْـصى .. غيرَ أني لما بلغتُ أغوارَها ، لفني سكونٌ شامل ) .
& ( إنما نعيشُ لنهتديَ إلى الجَمال ..
وكلّ ُ ما خلا ذلك ، لونٌ مِنَ الانتظار ) .
& ( رحالة ٌ أنا وملاح .. ومع مطلع كلِّ يوم ،
ينكشفُ لي في روحي إقليمٌ جديد ) .
& ( قد تكونُ أسمى الفضائلَ في عالمنا ، أدناها في عالم ٍآخر ) . & ( يقولون لي : إذا أنتَ عرفتَ نفسكَ عرفتَ الناسَ كلـَّهم ..
وأقولُ لهم : لـن أعرفَ نفسي حتى أسعى إلى الناس جميعـًا ) .
& ( بينَ العالم والشاعر حقلٌ ناضِـر .. إذا اجتازه العالمُ أصبحَ
حَكيمـًا ، وإذا عبره الشاعرُ صارَ نبيـًا ) .
& ( ليسَ الشعرُ رأيـًا تفصحُ عنه ، بل هو :
" أغنية ٌ تفيضُ مِنْ جـُرْح ٍ دام ٍ أوْ فم ٍ باسم " ) .
& ( هم يغمسونَ أقلامَهم في قلوبـِنا ، ويخالونَ أنَّهم مُلـْهَمون ) . & ( في الحقِّ أننا إنما نتحدثُ إلى أنفسنا ، غيرَ أننا :
نرفعُ أصواتَـنا حتى يسمعَـنا الآخرون ) .
& ( تعلمتُ الصمتَ مِنَ الثرثار ، والتسامحَ مِنَ المتعصب ،
والرقة َ مِنَ القاسي .. ومِنَ الغريب أنني على ذلك ، جاحدٌ بحقِّ هؤلاء المعلمين ) .
& ( العظيمُ حقـًا هو الـذي لا يبغي أنْ يسودَ أحدًا ،
ولا يحبّ ُ أحدًا أنْ يسودَه ) .
& ( لستُ أحبّ ُ أنْ أستمعَ إلى قاهر ٍ يعظ ُ مَنْ قهرهم ) . & ( إنه لـَمِـنَ الفطنةِ ألا يحطمَ الأعرجُ عـكازه على رأس عـدوه ) . & ( مَنْ للشتاءِ بمَنْ يصدقه إذا قال : إنَّ الربيعَ محله قلبي ) . & ( قد يحجبُ المرءُ وجهه بابتسامة ) . & ( صمتُ الحسودِ بالغ ُ الجَـلـَبـَة ) . & ( عسى اللهُ أنْ يُـطـْعِـمَ المُـتـْخـَمين ) . & ( الـذكرى صورة ٌ من صُـوَّر اللقاء ،
والنسيانُ صورة ٌ من صُـوَّر الحرية ) .
& ( الرغبة ُ نصفُ الحياة ، وقلة ُ المبالاةِ نصفُ الموت ) . & ( لابدَّ للكشف عن الحقِّ مِنْ اثنين :
رجلٌ يجهرُ به ، والآخرُ يفهمه ) .
& ( إنَّ مَنْ يُـصْغي إلى الحقِّ ، ليسَ دونَ مَنْ ينطقُ به ) . & ( الحقّ ُ يُعْـرَفُ في كلِّ الأحوال ،
ولا يُنـْطـَقُ به إلا في بعض الأحوال ) .
& ( نختارُ أفراحنا وهمومنا قبلَ أنْ نبلوها بأمدٍ طويل ) . & ( السلاحفُ أعـْـلـَمُ بالطريق مِنَ الأرانب ) . & ( الجودُ هو أنْ تـَهـِبَ ما فوقَ قـُدْرَتِـك ،
والكبرياءُ أنْ تأخذ َ ما دونَ حاجَـتِـك ) .
& ( إذا كنتَ لا ترى غيرَ ما يكشفُ عنه الضَّوء ،
ولا تسمعُ غيرَ ما يعلنُ عنه الصَّوت ، فأنت في الحقِّ .. لا تبصرُ ولا تسمع ) .
& ( يا لبؤس الفلاسفة :
حـُتـِّمَ عليهم أنْ يبيعوا رؤوسهم ، كي يغـذوا قلوبهم ) .
& ( لو قـُدِّرَ لكَ أنْ تجلسَ فوقَ سحابة ، ما رأيتَ الحـَدَّ الفاصلَ
بينَ بلد ٍ وآخر ، ولا الصَّخرَ الفاصلَ بينَ مزرعة ٍ وأخرى ، غيرَ أنه مِنَ الأسفِ أنك : لا تستطيعُ الجلوسَ فوقَ سحابة ) .
والآن عزيزي القارئ ، بعدَ أنْ أرحنا نفوسَـنا المُتعَـبة َ في ظلال حديقةِ جبرانَ الغنيةِ بما فيها ، وقطفنا بعضـًا مِنْ ثمارها الشهـيةِ زادًا لعقولنا وقلوبنا معـًا ، أعطانا القدرة َعلى مواجهةِ واقعنا المرير ، والـَّذي نعاني فيه كبشر ٍ مِنْ أمراض ٍ كثيرة ٍ فتاكةٍ ومشاكلَ جمةٍ لا حصرَ لها :
- ( نستطيعُ الآنَ أنْ نبدأ َ المواجهة ) ***
( الفصـلُ الثاني )
أنـا الآخـر .. أنـا الإنسـان ( فكرة ٌ للتأمل ) و ( دعوة ٌ للثورة )
@ كمريض ٍ يئنّ ُ تحتَ وطأة المرض ، يزورُ طبيبَهُ فيشتكي إليه آلامَه ، ويفندَ له ما يَجِدُ في حياتِهِ مِنْ مشاكلَ جمةٍ لا يستطيعُ بنفسه مواجهـتَها أو التعايشَ معها ، أفندُ لك عزيزي القارئ بعضـًا مما أعاني ، وأراه لا يختلفُ كثيرًا عن الـَّـذي تعاني أنت منه ، فيؤذيك وتشتكي ، ولكن في صمت ! ما رأيك لو واجهنا مشاكِلـَنا معـًا ؟ فكلنا مرضى ، وكلنا أطباء ! ولـنحاول الآن ، إنَّ أبرزَ مشاكِلِـنا هي: 1/ الرأسمالية ُالمتوحشة ُ وانتشارُ الفساد ، حتى أصبح ثقافة ، يُصَوَّرُ فيها الحقّ ُعلى أنه الباطل ، ويُسَوَّقُ للباطل على أنه هو الحقّ ُ الذي يجبُ علينا أنْ نسعى إليه ونحميَه . 2/ التزاوجُ الممقوتُ بين الثروة والسلطة ، في ظلِّ غيابٍ كامل ٍ للديمقراطيةِ السياسية ( الضابط ُالوحيدُ والملاذ ُ الآمِنُ لضمان سلامةِ ما يمارسه البشرُ مِنْ أنشطةٍ وما يقيمونه مِنْ علاقاتٍ ، في إطار ما يسمى باقتصاديات السوق ) . مع الخلط المُتـَعـَمَّـد بين ما هو قابلٌ للبيع والشراء ويدخلُ في هذا النظام بلا حَرَج ، وبين القيم العليا ( الأخلاق ) التي يجبُ أنْ تظلَّ ثابتة ً وبعيدة ً كلَّ البعد عن تأثير السوق .. لأنها وببساطة : ( تشكلُ المَرْجعية َ التي يمكنُ عن طريقها تصحيحُ المسار بصفةٍ دائمة ، وتضييقُ الحيود والانحراف بشكل ٍ مستمر ) . وفيما عدا ذلك ، ينمو الفسادُ ويتطورُ ليصبحَ إفسادًا ، يتولى فيه الإعلامُ المُغرضُ المأجورُ مَهَّـمَة ً أساسية ً وحيوية ، تتمثلُ في : ( تضليل الناس وخداعهم ) ! 3/ فرضُ العولمةِ بشكل ٍ لا يفيدُ منه إلا الفئاتُ القليلة ُالمنحرفة ، المارقة ُعلى مجتمعاتها ، دونَ سواهم مِنْ بني البشر المقهورين . 4/ تـَخـَلـِّي منظماتٍ دوليةٍ عريقة ، عن أداء أدوارها التي أنشئت مِنْ أجلها ، وإتباعها لسياساتٍ ذاتِ معاييرَ مزدوجة ، والكيل بأكثرَ مِنْ مِكْيال . 5/ غيابُ الرشدِ في بناء علاقاتنا الدولية ، بحيثُ أصبحت تستندُ إلى المصالِحَ الآنيةِ الضيقة ، وبدون سياج ٍ مِنَ القيم يحميها ويضمنُ لها الاستمرارَ والاستقرار . والدليلُ على ذلك ، شيوعُ وتأصُـلُ المقولةِ الفاسدةِ المفسدة : .. ( أصدقاءُ اليوم هم أعداءُ الأمس ، وأعداءُ اليوم هم أصدقاءُ الأمس ) .. 6/ التوظيفُ الخبيثُ لكل ٍ مِنْ مؤسسات المجتمع المدني مِنْ ناحية ، والشركاتِ العابرةِ للقاراتِ مِنْ ناحيةٍ أخرى ، مما كان له الأثرُ الكبيرُ في غياب دَوْر ِ الدولةِ عَـنْ حمايةِ مواطنيها وتأمين مصالحهم ، أما الأثرُ الأكبرُ فهو انزواءُ مفهوم المواطنةِ نفسِه ، وتراجعه أمام المفاهيم المغلوطةِ للعولمة ، تحتَ شعاراتٍ مثل : .. ( الانتماءُ لمجتمع ٍ إنسانيٍّ واحدٍ تحكـُمُهُ ثقافة ٌ واحدة ) .. ( وليتها كانت صادقة ) !
& فرقٌ كبيرٌ عزيزي القارئ ، بين مَنْ يدعو لهذا المجتمع بهدف استعمار الشعوبِ واستلابِ خيراتها ، وبين مَنْ يدعو له تمهيدًا للتواصل والعطاء والحُبِّ و ... والتنمية : .. ( تنمية ُالإنسان : أيـًا ما كان مكانه ، وأيـًا ما كانت عقيدته ) ..
كل هذا وأكثر ، مما يستطيعُ الدارسونَ المتخصصونَ رصدَه وتشخيصَه بصورةٍ منظمةٍ وبطريقةٍ منهجية ، يوحي حقــًا بتشكل ِ نظام ٍعالميٍّ جديد ، قد يكونُ الخيرَ المطلقَ للجميع ، وقد يكونُ عكسَ ذلك تمامــًا ، يتوقفُ الأمرُ على : ( مَنْ يدفعُ بالتغيير ، وما هي دوافعه ) ؟ عزيزي القارئ : قبلَ المضي قـُدُمـًا نحو تغليب أيً مِنَ السيناريوهين ، يمكنُ توقعه والتعاطي معه ، أرى أنه مِنَ الأصوب الرجوعَ إلى جذور المشكلة ، ومن وجهةِ نظري .. أساسُ المشكلةِ عاملان رئيسيان همـا : 1/ التسارعُ الشديدُ والتطورُ الهائلُ في العلوم الطبيعية ( المادية ) على حسابِ العلوم الإنسانيةِ الضروريةِ لنمو وجدان الإنسان وعاطفته ، فأصبح ( بحرمانه منها ) : .. ( طفلا ً عنيدًا يلهو بقنبلةٍ ذرية ، وهو يظنـّـُها دُمْية ! ) ..
2/ الصهيونية ُالعالمية ، والتي نشأت وتطورت منذ نهايةِ القرن
الثامن عشر وحتى الآن على أساس ٍعنصريٍّ بَحْتْ . ليس هذا فقط
, بـل وإتباعها في الآونةِ الأخيرة لنهج ٍ شديدِ الوقاحة ، يتلخصُ في
( إحياءِ الفتنةِ الكبرى ) والتي استعرت واكتوى النـَّاسُ بنيرانها
إبان الحروب الصليبية ، بهدفِ إحداثِ شَرْخ ٍ عميق ٍ في صفوفِ
العالمَين العربيِّ والإسلاميِّ من ناحية ، والغربيِّ والمسيحيِّ من
ناحيةٍ أخرى ، ثم تسلطها على مراكز صنع القرار في معظم دول
العالم ـ إن لم يكن جميعها ـ إضافة ً إلى ما للمال من نفوذٍ لا
يُسْـتهانُ به ، وما للإعلام من تأثير ٍ لا يمكنُ صده .
مخاطرُ ( العنصريةِ الصهيونيةِ ) على الجنس البشرى : 1/ تخريبُ الوعي الإنسانيِّ بشكل ٍ ممنهج ٍ يعتمدُ على جيش ٍ جرار ٍ مِنَ العلماءِ والباحثينَ والساسة ، لا همَّ لهم جميعـًا إلا إحداثُ الفوضى الشاملة ، والتي عَـبَّـروا عنها بأنفسهم قائلين : ( تفتيتُ المُفـَـتـَت ، وتجزيءُ المُجَـزأ ) ! ووسيلتهم الوحيدة في سعيهم الدؤوب هذا : ( العنصرية ، ولا شيءَ غيرُ العنصرية ) ! & فلمصلحةِ مَنْ أيها القارئُ العزيز ، يكونُ هذا التفتيت ، وهذا
التجزيء ، و ... وهذا التشرذم ؟!
.. ( لا شكَّ أنها مصلحة ُالفاعل ِ وليستْ مصلحة ُالمفعول ) .. والمفعولُ هنا ليسَ بلدًا بحدوده ، ولا شعبـًا بعينه ، ولا أمة ً بخصوصها ، أما الفاعل .. ( فمن تـَراهُ يكونُ الفاعل ) ؟! 2/ أما الخطرُ الثاني ، فقد تمَّ ابتكارهُ وتوظيفهُ بأسلوبٍ شيطانيٍّ مبدع ٍ ليصبحَ سيفـًا مسلطـًا على رقابِ الشعوبِ المستنيرة والحكومات الحرة في آن ٍ واحدٍ والتي تشكلُ ـ بادعائهم البغيض ـ مجموعة َ دول ِ محـور ِ الشَّـر ! هذا السيفُ المُسَـلـَّط ُ يستهدفُ في الأساس تحقيقَ ما جاءَ في بروتوكولاتهم الخبيثة " بروتوكولات بني صهيون " إنه : ( الحربُ على الإرهاب ) ! ( إذن فغيابُ الوعي الإنسانيِّ ـ أو تغييبُه ـ من ناحية ، وتفشي العنصريةِ وتسلطها من ناحيةٍ أخرى ، هي المنابعُ التي يجبُ علينا أن نقومَ بتجفيفها ، وهي أيضـًا المتغيراتُ التي يمكنُ من خلالها توقع سيناريو الأحداثِ المقبلةِ والموصِّـلةِ للنظام العالمي المنتظر) . فإذا ما تغلبت تياراتُ العنصريةِ على وعْـينا : فسيكونُ هذا النظامُ الجديدُ وبكلِّ تأكيدٍ وبالا ًعلى الجميع ، بمَنْ فيهم أولائك الذين يدفعونَ في اتجاهه متوهمينَ أنَّ في ذلكَ مصلحتـَهم ! وإنْ غلبَ وعْـيـُنا عـنصريتَهم : فإنَّ السيناريو المتفائلَ هو ما سوف تتداعى أحداثـُهُ وصولا ً للسلام الـذي نحـْلـُمُ به ، والخير الذي نرجوهُ و نأمَلـُه .
وإذا أخذنا في الاعتبار أنه لا حياة للعنصريةِ إذا ما تحققَ الوعيُ الإنسانيّ ُ المطلوب : لأصبحَ لدينا معادلة ً في متغير ٍ واحدٍ فقط .. إنه : .. ( وعىُ الإنسان و ضميرُه ) .. بإمكاننا أنْ نحشدَ له كلَّ طاقاتنا ، ونوجهَ له كلَّ إمكانياتنا . غيرَ أنه لكي تكتملَ عناصرُ القوة لهذا الحشد الإنسانيِّ المأمول : ينبغي أنْ يكونَ الفكرُ المستنيرُ هو قائدنا ، وأنْ تكونَ الثقافة ُ الأصيلة ُهي سلاحنا ، وأنْ يتشكلَ المناخُ العامُ الـَّذي سنعملُ في أجوائه ونعيش ، مِنَ الحبِّ والتواصل ِ و ... والتوحد .
عزيزي القارئ : عند هذا الحد نكونُ قد وصلنا ( بفضل اللهِ تعالى ) إلى نقطةٍ بالغةِ الأهميةِ وشديدةِ التركيز ، وهي بالتحديد محورُ هذه الدراسةِ اليسيرة ، والأساسُ الفكريّ ُ الـذي يمكنُ أنْ تقومَ عليه الدعوة ُ للثورةِ الإنسانيةِ القادمة . والتي أرى من منظوري الشخصي أيضـًا ، أنها يجبُ أنْ تعمَّ كلَّ أرجاء المعمورة ، ويتفاعلَ معها الجميع ، إذ ليسَ مِنَ الإنصافِ أنْ يتمَّ الدفعُ بها أو تحميلها على عاتق شعب ٍ بعينه ، ولا أمةٍ بذاتها ، للإضرار بها عن عـَمْـدٍ أو غـير عـَمْـد . .. ( فالمشكلة ُ إنما تخصُ الجميع ) ..
إنه مفهوم ٌ بسيط ٌ جدًا ، شائعٌ بيننا وليس بالجديد .. وربما كانت خطورتهُ بسبب شيوعه ، إذ كان شيوعه دائمـًا على الوجه المدمر! .. ( هذا المفهومُ هو : أنـا "و" الآخر ) .. ( أنـا و الآخر ) : ثمرة ٌ نتنة ٌ لثقافةٍ خبيثةٍ اعتمدتِ العنصرية َ شريعة ً ومنهاجـًا .. ومع ذلك :
( فقد أصبحتِ الطعامَ الرئيسيَّ لأغلبِ البشر ) !
فأصبحوا ملوثينَ بما هو أخطرُ كثيرًا من أيِّ إشعاع ٍ ذرى . ولأننا أصبحنا مُلَوَّثين ، فكلّ ُ أنشطـتِنا مُلـَوَّثة ، وكلّ ُما ننتجُ مُلَوَّث ، وكلّ ُما نبدعُ مُلَوَّث .. إنها ثقافة ُالصراع ! ( صراعُ الحضارات : نتاجُ حضارتنا الحديثة ، وهو أيضـًا قبرُها ! )
فلضمان المصلحةِ واستمرارها في جو ٍ ملوثٍ كهذا ، يجبُ عليك أنْ تمتلكَ وحدكَ كلَّ القوة ، وأنْ تحرمَ الآخرين منها . ولنا في سقوط الاتحاد السوڤييتى مِنَ الدروس والعِـبَـر الشيءُ الكثيرُ لحفظ المستقبل وإقامةِ الدليل والبرهان ( موضوعُ الفصل التالي ) . والنتيجة ُالحتمية ُالوحيدة ، هو ما نعاني جميعـًا منه وبلا استثناء ، خصوصـًا أولائك الذين أبدعوا وسوقوا وباعوا ، ثم ... ثم قبضوا الثمن ! حَـقــًا : .. ( ماذا يُجدي أنْ تكسبَ كلَّ ما في العالم حينَ تخسرُ نفسك ؟! ) ..
عزيزي القارئ : بإمكاننا أنْ نردَّ لهذا المفهوم مرونته ، ونتجنبَ ما فيه من صراعاتٍ لا قِـبَـلَ لنا بها ( إذا وإذا فقط ) حذفنا حرفَ العطفِ " و " ليصبحَ المفهوم : ( أنــا الآخــر ) . أنا التي أعنيها هنا هي : ( أنا العليا .. أنا الإنسان ) وكلّ ُما قَبْلها مِنْ أنـَات ، إن لم تتصلْ بها كما تتصلُ أوراقُ الأشجار بجذورها ، وكما يتصلُ الجنينُ بأمِّه ، فهي مبتورة ٌ ومحكوم ٌعليها بالموتِ والفـَناء . .. ( وفي تلك الحالة ، تصيرُ الأنـَاتُ أنـَّات ! ) .. والآخرُ مهما كان ، ومهما كان الصراعُ بيننا في مرحلةٍ ما ، فسوف نشكلُ : ( أنـا ) و ( هـو ) .. ( أنــا واحدة ) في مرحلةٍ لاحقة ، وفى مواجهةِ آخــر ٍآخــر ، وهكذا ... هكذا حتى نصلَ إلى أنـا التي أقصدُها : ( أنـا العليا .. أنـا الإنسان ) ، بما فيها من قاسم ٍ مشتركٍ لا يمكنُ إنكارُهُ أو التغافلُ عنه .. علينا جميعـًا أن نكونَ جديرينَ بها ، لنؤديَ الأمانة َ التي حَـمَـلـْـنـاهـا أوْ حُـمِّـلـْـنـا بـهـا . .. ( عبادة ُالله " و " عمارة ُالأرض ) ..
هذا التصورُ عزيزي القارئ ، رُغـْمَ بساطته وسذاجته ، يمثلُ مِنْ وجهةِ نظري الأملَ الوحيدَ لبناء المجتمع الإنسانيِّ الـذي ننشده جميعـًا ، والذي يظهرُ جليـًا وبكلِّ وضوح ٍ في كلِّ ما أنتجَهُ وينتجُهُ الإنسانُ على مدار تاريخِهِ القديم والحديثِ على حدٍ سَـواء .
( أنـا الآخـر ، منظومة ٌ متكاملة ٌ لبناء الإنسان ) : وفـْقَ ما اتفقنا عليه .. نعم هذا صحيح . وسواء اتفقنا أو لم نتفق ، فهو أمرٌ بالغ ُالأهميةِ والحيوية ، بل هو أمرٌ حتميٌ لكي تستمرَ حياتنا على هذه الأرض ، كما بدأت أولَ مرةٍ مع أبينا آدمَ وأمِّـنا حواءَ بفطرتها النقيةِ الصافية ، ثم فيما بعدُ مع نبي الله نوح ٍ ( عليه السلام ) ومَنْ معه مِنَ المؤمنينَ بالحقيقةِ الواضحةِ الجليَّة . احتفاظ ُ آدمَ وحواءَ بالفطرةِ التي خلقهما الله عليها ألزمهما التوبة َ والندم ، التوبة َعن مخالفةِ أمر الله ، والندمَ على إتباع الشيطان ، لا لشيءٍ إلا أنْ يكونا ملكين أو يكونا مِنَ الخالدين ! واحتفاظ ُالأرض بالحقيقةِ أوجبَ عليها أنْ تغتسلَ بمياه الطوفان العظيم الـذي أغرقَ جميعَ الكافرين . إلا أنَّ ما يجبُ أنْ يلفتَ انتباهنا حقـًا ويستحوذ َعلى عقولنا ومشاعرنا جميعـًا ، هو محاولة ُالإجابةِ على التساؤل التالي : .. ( أيّ ُ نموذج ٍ للبناء نريدُ أنْ يكونَ عليه هذا الإنسان ) ؟ .. ولكي تصبحَ محاولاتنا مثمرة ً ونصلَ إلى نتائجَ مقبولة ، يجبُ أنْ نعترفَ أولا ً بصعوبةِ الإجابة ( بل باستحالتها ) خصوصـًا إذا ما ظللنا متمسكينَ بعنصريتنا المَقيتة ، وبأننا الأفضلُ دائمـًا مِنْ غيرنا ! لاشك أنه لا فضلَ لأحدنا على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح ، ولا شك أيضـًا أنَّ الناسَ ( جميعَ الناس ) سواسية ٌ كأسنان المشط .
" بسم الله الرحمن الرحيم " ( يا أيها النـَّاسُ إنـَّا خلقناكمْ مِنْ ذكر ٍ وأنثى وجعلناكمْ شُعوبًا وقبائلَ
لتعارفوا إنَّ أكرمكمْ عندَ اللهِ أتقاكمْ إنَّ اللهَ عليمٌ خبير (13) ) .
"صدق الله العظيم" .. ( الحجرات ) .. وما دامَ الأمرُ كذلك .. فلماذا لا نعودُ إلى البداية ؟ كانتِ البداية ُبالنسبةِ لنا ، قولَ رَبِّـنا عزَّ وجلَّ لملائكتهِ الكرام : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( وإذ قالَ ربكَ للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأرض خليفة ، قالوا أتجعلُ فيها مَنْ يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماءَ ونحنُ نسبحُ بحمدكَ ونقدسُ لك ، قال إنِّي أعلمُ ما لا تعلمون (30) وعلمَ آدمَ الأسماءَ كلها ثم عرضهمْ على الملائكةِ فقالَ أنبئوني بأسماء هؤلاء إنْ كنتمْ صادقين (31) قالوا سبحانكَ لا عِلْمَ لنا إلا ما علمتنا إنكَ أنتَ العليمُ الحكيمْ (32) ) . " صدق الله العظيم " .. ( البقرة ) .. إذنْ فبداية ُالحديثِ كانت مِنْ قِبَل المولى لملائكتهِ الكرام ، زيادة ً لهم في التكريم والتشريف .. ولم يكن ما أبداه الملائكة بهذا التساؤل سوى محاولة ًمنهم ليستزيدوا من نور الله وأنسه . كما فعل موسى ( عليه السلام ) حين خاطبَ ربَّـه بقوله : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( قالَ هيَ عصايَ أتوكؤُ عليها وأهشُّ بها على غنمي وليَ فيها
مآربُ أخرى (18) ) . " صدق الله العظيم " .. ( طه ) ..
غيرَ أنَّ الباعثَ لا يخلو أيضـًا ـ كما هو واضح ـ من قلق ٍ شديدٍ لـدى هؤلاء الملائكةِ على مستقبل الأرض جَـرَّاءَ استعمار آدمَ وذريتِهِ لها .. فمِنْ أينَ جاءَ هذا القلق ؟ واقعُ الحال أنَّ الملائكة َلم تتحدثْ إلا بما عَلِمَتْ : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( قالوا سبحانكَ لا عِلْمَ لنا إلا ما علمتنا إنكَ أنتَ العليمُ الحكيمْ (32) ) " صدق الله العظيم " .. ( البقرة ) .. فقد أطلعهم ربهم على أشياءَ وأخفى عنهم أشياءَ أخرى ، وما أخفاهُ عنهم سيكونُ هو بعينهِ السببَ الوحيدَ في زوال قلقهم هذا ، وهو أيضـًا السببُ الوحيدُ في بقاء الحياة واستمرارها على كوكب الأرض إلى ما شاء الله . مما سبق ، نستطيعُ أنْ نستشفَّ ـ ونرجو أنْ نكونَ على صواب ـ أنَّ ما خفيَ على الملائكةِ وكان سببـًا في زوال قلقهم بعد أنْ أطلعهم اللهُ عليه ، وما سوفَ يكونُ مصدرَ الحمايةِ الإلهيةِ لهذه الأرض ، هو ما تجلى في قوله سبحانه وتعالى : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( وعلمَ آدمَ الأسماءَ كلها ثم عرضهمْ على الملائكةِ فقالَ أنبئوني بأسماء هؤلاء إنْ كنتمْ صادقين (31) ) . " صدق الله العظيم " .. ( البقرة ) ..
العِلمُ إذنْ هو الحصنُ الحصينُ والملاذ ُ الآمِنُ لبني البشر في الحياة الدنيا .. ولكن أيّ ُعلم ٍ هو المقصود ؟! ظاهرُ الآيةِ يشيرُ بوضوح ٍ إلى أنَّ هذا العِلْمَ يتناولُ الأسماء ( أسماءَ كلِّ المخلوقات ) وهي مهما اختلفت وتنوعت تصبّ ُ في أحدِ نوعين ِ مِنَ العلوم : .. ( العلومُ الكونية " و " العلومُ الشرعية ) .. العلومُ الكونية ُلا خلافَ عليها ، لأنها مجردُ أدواتٍ في أيـادي الناس يستخدمونها على أيِّ وجهٍ شاءوا ، إذ ليس فيها تكليفُ افعل ولا تفعل .. أما العلومُ الشرعية ُ فغيرُ مُرَحَّـب ٍ بها في معظم الأحوال ، خصوصـًا بالنسبةِ لمَنْ يريدُ أنْ يتبعَ هواهُ ليعيثَ فسادًا في الأرض . يقولُ العارفون : .. ( القرآنُ كونُ اللهِ المَسْـطـور ، والكونُ كتابُ اللهِ المَنـْثـور ) .. وبناءً على ذلك ، فبأيِّ الوجهين نبدأ ، سوفَ نصلُ بإذن اللهِ تعالى إلى الوجهِ الآخر . غيرَ أنَّ أحدَهم نظرَ حوله ـ بل تحت قدميه ـ وقال: .. ( أرحامٌ تدفع ، وقبورٌ تبلع ، وما يُهلكنا إلا الدهر ) .. ( فما الـذي حدا به ليصلَ إلى ما وصلَ إليه ) ؟! الراجحُ فيما أرى ، أنه تحصلَ على بعض العلم ولم يجن ِ أية َ ثمرة ٍ من ورائه ، وكأنه في الحقيقةِ لا يرى ولا يسمعُ ولا يعلمُ شيئـًا ، فمثله كمَنْ هو في الظلماتِ ليسَ بخارج ٍ منها .
ليسَ العِـلـْمُ بذاته إذن هو المقصود .. ولكنهُ العِـلـْمُ الـذي يُـثـمِـرُ في صدر صاحبهِ فيأتيهِ بالحكمة ، والتي ترقى به بعد ذلكَ إلى ... إلى مقام الخـَشْـية : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( ومِنَ النَّاس والدوابِّ والأنعام مختلفٌ ألوانهُ كذلك ، إنما يخشى الله اللهَ مِنْ عباده العلماءُ ، إنَّ اللهَ عزيزٌ غفور (28) ) . " صدق الله العظيم " .. ( فاطر ) ..
خلاصة ُ القول ِ أيها القارئُ العزيز ، أنَّ آدمَ كي يؤديَ المَهَّمَة َ التي كلفه المولى بها ( عبادة ُالله وعمارة ُالأرض ) ينبغي عليه أنْ يأخذ بالأسبابِ التي تلزمه على كلِّ حال ٍ أنْ يتعلمَ الأسماء ( العلوم ) ، وبـدون إغفال أيِّ علم ٍ( اسم ٍ) منها ، الأمرُ الـذي اقتضى وجودَ مَنْ يذكره دائمـًا بالمَهَّمَةِ التي كُـلـِّـفَ بأدائها . إنهم أنبياءُ اللهِ ورسلُهُ الكرام ، تترى عليه لتبينَ له ما يتوجبُ عليه أنْ يتقيَهُ ويتجنبَهُ ليسلمَ ليس فقط في الدنيا ، بل وفي الآخرة أيضـًا ( فما حياتنا الدنيا إلا مزرعة ً للآخرة التي هي الحيوان ، ولو كنا نعلمُ حقَّ العلم ، ونعرفُ حقَّ المعرفة ، لتغيرت أحوالنا ، ولعدنا إلى الجنةِ التي خرجنا عليها ، فأ ُخـْرجـْـنـا منها ! ) .
عزيزي القارئ : أيٌ مِنْ هؤلاء الأنبياء والرسل ، يصلحُ بالتأكيد
لأنْ يكونَ القدوة َ والنموذجَ والمثلَ الأعلى لنا لتستقرَ الأمورُ كما
أراد الخالقُ العظيم . إنهم كالجبال الشوامخ التي لا غنى عنها
لاستقرار الأرض وحفظها مِنْ أيِّ مكروه ، بقيَ شيءٌ واحدٌ هو :
لكي نتخذ َ مِنْ إنسان ٍ ما النموذجَ الـذي نتمثله ، والهدفَ الذي
نسعى دائمـًا لتحقيقه ، يجبُ أنْ نعلمَ عنه كلَّ شيء .
( فمن تـَراهُ المُـرشَحَ مِنْ بين هؤلاء الأخيار ،
لتلك الوظيفةِ الخطيرة ) ؟
نعم عزيزي القارئ ، إنه : الرسولُ الخاتم ، الشَّافِعُ المُشَفـَّع ، الصادقُ الأمينُ بوصفِ النـَّاس .. ذو الخلق العظيم ، الرحمة ُالمهداة ، والنعمة ُالمسداة ، والسراجُ المنير بوصفِ رَبِّ العالمين ، إنه : .. ( مُـحَـمَّـدٌ رَسولُ الله ، صَـلـَّى الله ُعَـلـيهِ وسَـلـَّم ) .. & أخيرًا ، وقد وفقني اللهُ لأصلَ إلى رحابك يا رسولَ الله ، فتشملني أنوارك ، وتغمرني آياتُ كرمك وعطفك و حنانك : ( أشعرُ بالخجل الشديد ، ولا يسعني إلا أنْ أعتذرَ لك ، لأني في معرض حديثي مدحتُ أناسـًا غيرك ، متوهمـًا أنَّ لديهم حاجتي ودوائي ! ) .
- ( الآنْ ، وأنا بينَ يديكَ يا رسولَ الله ) :
.. ( وقـدْ عرفتُ أنكَ أنتَ القدوة ، وأنكَ أنتَ النموذج ) ..
- ( أتساءَلُ مُجددًا ) :
هل كان لزامـًا علىَّ أنْ أبدأ مِنَ السفح ِ لكي أصلَ إلى القمة ، حيثُ مكانـُكَ فألقاك ؟ وهل كان لزامـًا علىَّ أنْ ألقاك ، لكي أجلسَ بينَ يديكَ وأنصت ، لأفهمَ و أتعلم : ( ماذا يعني ، وكيفَ يكونُ الإنسان ) ؟!
أنـا الآخـرُ بينَ النظريةِ والتطبيق : ( أنـا الآخـر ) مفهومٌ إنسانيّ ٌ راق ٍ ليسَ في مقدور أيِّ شاعر ٍ مهما بلغ َمن صفاءٍ في الذهن ، أو عالم ٍ مهما بلغ َمن رقةٍ في المشاعر ، أنْ يتصورَ ـ ولو لمجرد التصور فقط ـ إمكانية َ تحقيقِهِ على أرض الواقع ، لا في جيلنا الحالي ، ولا حتى بعدَ عشرةِ أجيال ٍ قادمةٍ على الأقل ! ومعَ ذلك ، فليسَ للتشاؤم أو التفاؤل دخلٌ فيما أقول .. وربما كان هذا الطرْحُ محاولة ً يائسة ً مني للخروج مِنَ المأزق الكبير الذي اصطنعه البعضُ وسقط فيه الجميع .. بل أظنه رَدَ فعل ٍ واع ٍ لأحداثٍ تتسارعُ بشكل ٍ لا نستطيعُ تفسيرَه على وجهٍ مقبول ، واستشرافـًا صادقـًا لما يمكنُ أنْ يكونَ في المستقبل القريب . فإذا ما كنا صادقينَ في توجهاتنا نحو هذا المستقبل ، علينا فقط أن نغيرَ من سياساتنا في التعامل مع الواقع ، وبدلا ً من أن نعلنَ الحربَ على الإرهاب ( دونَ أن نحددَ على وجهِ اليقين ِ مفهومَه ومصدرَه ) ، أرى أنه مِنَ الضروري والواجب ، أن تكونَ حربُنا المقدسة ُحقــًا ، حربـًا على العنصريةِ التي أفرزت لنا هذا الإرهاب .
عزيزي القارئ : ربما يكونُ مِنَ المفيدِ أنْ ننحىَ الواقعَ جانبـًا ـ ولو لبعض الوقت ـ ودعنا نعودُ لما تصورناه سَلـَفـًا : .. ( منظومة ُبناء الإنسان ) .. ولننظرْ إليها الآنَ نظرة ً جديدة ، نرى مِنْ خلالها أنَّ بناءَ المجتمع الإنسانيِّ الـَّذي نطمحُ في بنائه ، ليس إلا رحلة ً طويلة ً و شاقة ، تبدأ بنـَواةٍ صغيرة ، وتنتهي بشجرةٍ مثمرةٍ وارفةِ الظـِّـلال . النـَّواة ُ الصغيرة ُ عزيزي القارئ ، هي ( أنا الأولى ) ، ذاتي التي بين جنبيَّ ، والتي لا يمكنُ تقسيمَها أو تجزئتـَها . أما الشجرة ُ المثمرة ُ وارفة ُ الظلال ِ فهي ( أنا العليا ، أنا الإنسان ) الغاية ُوالهدفُ الـذي نسعى إليه ونتبناه . وكُلّ ُ ما بينهما مِنْ ( أنـَات ) ، ليست إلا طريقٌ و وسيلة ٌ للوصول إلى الهدف . ورُغـْمَ أنَّ الطريقَ وعرة ٌ والرحلة َ شاقة ٌ كما اتفقنا ، لا بُـدَّ من خوض غمارها .
كُلّ ُ أنا مِنْ هذه الأنـَات عزيزي القارئ ، يسبقها آخرٌ ويليها آخر ، هي بالنسبةِ لسابقتها شاملة ، وبالنسبةِ للاحقتها جزئية . أما ( أنا العليا ، أنا الإنسان ) فهي المجموعة ُ التي ينبغي أنْ تشملَ الكُلَّ ، وتظللَ على الجميع .. إنها : .. ( طعامُ إنسان المستقبل ، وكساؤه ، ومسكنه الـَّذي يؤويه ) ..
وأخيرًا ، عزيزي القارئ : . ( لستُ الشاعرَ الفيلسوفَ الـَّذي يُضارعُ جُبران ) . ( ولا العالمَ الرقيقَ الـَّذي يُبارى ابنَ خلدون ) كما لا أدعي لنفسي معرفة َ الحقيقةِ أو القدرة َعلى تصورها ومع ذلك : ما أطرحه الآنَ ليسَ أحْلامًا بالتأكيد وحتى لو كانت أحلامًا فما أكثرَ الحقائقَ في عالمنا المعاصر التي كانت ـ فيما مضى ـ مُجَـرَّدَ أحْلام !
( الفصـلُ الثالث )
انهيارُ الاتحاد السوڤييتى ( دروسٌ و عِـبَـر )
@ أولا ً : أسبابُ انهيار الاتحاد السوڤييتى : ربما يكونُ مِنَ المفيدِ لنا عندَ تناول هذا الموضوع بالبحثِ والدراسة ، أنْ نعودَ أولا ً إلى فترة حكم " جورباتشوف " وما واكبها من متغيراتٍ اقتصاديةٍ داخلَ وخارجَ الاتحاد السوڤييتى . & ففي الوقت الذي كانت تقوى فيه اقتصادياتُ الدول الرأسمالية ( أمريكا والدول الغربية ) لأسباب ٍعديدة ، يأتي في مقدمتها : بزوغ ُ شمس الديمقراطيةِ السياسية ، ونجاحُها في رسم سياساتٍ رشيدة ، تعتمدُ على العلم والبحث العلمي .. خصوصـًا في مجال الإلكترونيات والحاسبات الآلية والأتمتة ، وتدفعُ بقوةٍ في اتجاه تطور المجتمعات الرأسمالية وتقدمها . & نجدُ أنَّ السياساتِ الخاطئة َ التي اتبعها نظامُ الحكم في الإتحاد السوڤييتى آنذاك ، لم تكن لتعبرَ عن الاشتراكيةِ لذاتها كفلسفةٍ ولا كمبادئ ، بقدر ما كانت تعبرُ عن نظرةٍ شموليةٍ مستبدة ٍ ومتسلطةٍ لدى أصحاب القرار السياسي ( إنه حكم الفرد ) ! فضلا ًعن إهمال البحث العلمي وعدم الأخذ بأدواته بالقدر الكافي : إما لقلةِ الإيمان به كوسيلةٍ فاعلةٍ لإحداث التقدم ، أو لضعفِ القدرة على التمويل كنتيجةٍ مباشرةٍ لتدهور الاقتصاد ، أو لأنه لم يكن مُدْرَجـًا على سُـلـَّم الأولويات ، حيث كان التوجهُ الأولُ إلى محاولةِ إصلاح السياسات نفسها قبل المضي قـُدُمـًا نحو تنفيذها على أرض الواقع ، وما يستلزمُ ذلك من أنشطةٍ داعمةٍ وأهمها البحث العلمي . على أنَّ محاولات الإصلاح تلك ـ وهنا مكمن الخطورة ـ لم يتم صياغتها بقيادةٍ جماعية ( الهيئة القومية للحزب الشيوعي ) وإنما جاءت وفقـًا لما تصور جورباتشوف بمفرده .. وتمثل هذا فيما أعلنه من تحرير ٍللاقتصاد ( البروستريكا ) والمصالحة ( الجلاسنوف ) . ولكن للأسف الشديد ، ولأنَّ القيادة لم تكن جماعية : انشقَّ " يلتسين " وراح يستقل بالقرار في جمهورية روسيا ، وتعثرت خطواتُ الإصلاح التي أرادها جورباتشوف ! ولكي تصبحَ الصورة ُ كاملة ً ومعبرة ً لما وقع من أحداثٍ أدت في النهايةِ إلى انهيار قطبٍ كبير ٍكان يُسْهِمُ بشكل ٍفعال ٍفي حفظ التوازن والاستقرار في عالمنا ، يجبُ ألا نغفلَ الدورَ الهامَ والمؤثرَ الـذي قام به وزيرُ خارجيةِ الاتحاد السوڤييتى آنذاك " شيڤر نادزا " في تغيير صورة النظام ، ولكن لمصلحةِ مَنْ ؟! .. والإجابة واضحة :
- لقد صبَّ ما فعله الزعماءُ الثلاثة بالفعل في مصلحة الولايات
المتحدة الأمريكية والغرب . ولا أقول في مصلحةِ الرأسمالية ( عقيدة ً أو فكرًا أو أسلوبـًا في الحياة ) لأنه وبكل بساطة ، كان مِنَ الممكن لكلا الكيانين أن يتعايشا معـًا ، بل وكان بإمكانهما أيضًا أن يتبادلا المنجزاتِ فيما يصب ـ وهو الأهم ـ في تقويةِ أواصر ِ الأسرةِ الدوليةِ ككل ، وفى مصلحةِ الإنسان :
.. ( أيـًا ما كان مكانه ، وأيـًا ما كانت عقيدته ) ..
لقد اتخذ جورباتشوف عدة إجراءاتٍ لمصلحةِ أمريكا والغرب على حسابِ بلاده منها : 1/ تحرير أوروبا الشرقية . 2/ ضرب الشيوعية داخلَ وخارجَ الاتحاد السوڤييتى . 3/ الوقوف مع التحالف الغربي ضد صدام حسين . 4/ الموافقة على تخفيض التسليح . وبعد الانتهاء من حرب تحرير الكويت ، ذهب جورباتشوف إلى اجتماع السبعة الكبار في لندن يطلب الثمن . ( فماذا كان الرد الـذي تلقاه ) ؟! " إنَّ ما اتخذه الاتحاد السوڤييتى من إجراءاتٍ ديمقراطية ، ما زالت
غيرَ كافيةٍ حتى تدفعَ الدولُ الغربية ُ في المقابل أية َمساعدات " !
وفى الحقيقةِ كانت الرؤية ُواضحة ً أمامَ ( بوش ) : فكلما زاد مِنَ الضغط على الاتحاد السوڤييتى ، كلما كبرتِ الفرصة ُ لانهياره .. وهذا ما حدث بالفعل : ــ ( لقد رجعَ جورباتشوف من اجتماع لندن بخفي حنين ، وأثناء عودته كانت أمريكا تعترفُ باستقلال جمهوريات البلطيق الثلاثة ! ) واضطر جورباتشوف آمِلا ً في المعونةِ الغربية ، أن يرضخَ للموقفِ ولا يتحركَ لمقاومةِ إعلان الاستقلال !
ورُغـْمَ نـُبْـلُ الغايةِ التي كان يسعى من أجلها جورباتشوف ( تمويل الإصلاحات الاقتصادية ببلاده ) لم تكن أبدًا تكفى لتبرير الوسيلةِ المترديةِ التي اتبعها وأدت في النهايةِ إلى انهيار الإتحاد السوڤييتى : ( طلبُ العون مِنَ الأعداء ) ! إذ ْ ماذا يمنعُ الجمهورياتِ الأخرى أن تأخذ نفسَ القرار ؟! وعزَّ على جنود الحرس القديم ، أن يشهدوا بأعينهم انهيارَ بلادهم دون أن يفعلوا شيئـًا ، فتحركوا ليحدثَ انقلابُ أغسطس 1991م . ورُغـْمَ أنَّ أهَمَّ القوى الرئيسية اشتركت في الانقلاب ، إلا أنه باء بفشل ٍ ذريع ! حيث احتشد حوالي ( عشرون ألف مواطن ) ، وأحاطوا بمبنى البرلمان يُبْدون استعدادهم للموتِ أمامَ دبابات ومصفحات الجيش ، لحماية يلتسين وللدفاع عن الديمقراطيةِ التي توهموها ، وخصوصـًا بعد أن تعاطفَ معهم بعضُ أفراد ٍ مِنَ القواتِ المسلحة . وعندما فقد الجيشُ السيطرة َعلى الموقف وغابَ دورُ القواتِ المسلحة , خسرت قياداتُ الانقلابِ المعركة . وهكذا سنحتِ الفرصة ُ لباقي الجمهوريات لتعلنَ استقلالها عن الإتحاد السوڤييتى واحدة تِلـْوَ الأخرى . وذرًا للرمادِ في العيون ، أعلنت ثلاثُ جمهورياتٍ كبرى إتحادها في " كومونولث " سرعان ما بادرت أمريكا بمباركته ! ( وبذلك انتهى للأبد ما كان يُسَمى يومـًا ما " بالإتحادِ السوڤييتي" )
ثانيا : انهيارُ الاتحاد السوڤييتي ( الدروسُ والعِـبَـر ) : المحصلة ُالنهائية ُـ عزيزي القارئ ـ أنَّ جورباتشوف الفرد لم ينجحْ في تنفيذ طموحاتهِ الإصلاحية ، وفقد موقعه الرئاسي , وكل ما فعله هو أنه كتب بيديهِ نهاية َالإتحاد السوڤييتى ، ولم يتغيرْ شيءٌ في روسيا ! ظلَّ هناكَ ديكتاتورًا جديدًا اسمه يلتسين ، واستمرَّ اقتصادُ روسيا في التدهور ، وازدادَ الفقرُ قسوة ، وزادت قبضة البنك الدولي على القرار الروسي إحكامـًا ! إنَّ المسألة َ التي يجبُ علينا مناقشتها هي : ( ثقافة المجتمع ) . لقد استبدلَ الشعبُ في الاتحاد السوڤييتى نظامـًا استبداديـًا بنظام ٍ آخرَ أكثرَ استبدادية ! وماذا فعلَ يلتسين ، غيرَ أنه مارسَ الديكتاتورية َ في أبشعَ صورها . وقبلَ أنْ يتنازلَ عن الحكم ، أتى بنائبٍ له ليتولى الحُكْمَ من بعده ، لا لشيءٍ إلا لكي يحافظ له على ما نهبه هو وعائلته أثناءَ توليه الحُكْم! & وهذا بالضبط ـ عزيزى القارئ ـ ما يحدثُ مثله في جميع بلادنا العربية بلا استثناء ، جمهورية ً كانت أو ملكية ! إنها مسألة ُ ثقافة : ( ثقافة ٌ لا تسمحُ حتى الآن بالممارسةِ الديمقراطيةِ السليمة ) !
فلكي نستطيعَ أنْ نتكلمَ عن قوميةٍ عربيةٍ أو حياة ٍ ديمقراطية ، ويكونُ لكلامنا مردودٌ إيجابي ، يجبُ أنْ يتوفرَ لدينا حدٌ أدنى من الثقافة ( أرى أنه غيرُ متوفر ٍ في الوقتِ الراهن ) على الأقل لـدى الجموع الغفيرة مِنَ المواطنين الـذين نتوجهُ إليهم بالحديثِ ، وعليهم نعلقُ جميعَ آمالنا وطموحاتنا في إحداثِ التغيير المنشود . وعلى عكس ما يحدثُ الآنَ في بلادنا العربية ، وما حدثَ في الإتحاد السوڤييتى من قبل ، تتجهُ الـدولُ الأوروبية ُ إلى الوحدة الكاملة ، معتمدة ًعلى ركائزَ عدة ٍ منها : 1/ رسوخ الديمقراطيةِ على مدى عقودٍ طويلةٍ مِنَ الزمن . 2/ ارتفاع المستوى الثقافي بين سكان تلك البلاد ( وهو الأهم ) . مما جعلَ الفردَ يتخطى بتفكيره الحواجز النفسية والإقليمية الضيقة مقـتـنعـًا بأن الوحدة ستصب في مصلحته النهائية , وأصبح باستطاعته أن يتطلعَ إلى العيش في بلاد قوية ( تقفُ بكل ثقةٍ واقتدار بين العمالقةِ الكبار ) وحتى إن لم يكن ذلك كذلك ، فعلى الأقل سوف تحافظ أوروبا على نصيبها من الكعكة التي تقوم أمريكا حاليـًا بإعدادها ، لتلتهمَ فيها كُـلَّ خيرات وثروات العالم الثالث ! & وأي من الدول الضعيفة تستطيعُ أنْ تنافسَ أو تتجرأ حتى على
الدخول في حلبات المنافسة ؟!
ــ إنها بالتأكيد لن تستطيعَ أن تنفذ َ تلك الشروط َ والطلباتِ
القاسية َ للجات .
ففي عصر الكيانات الكبيرة ، لا أملَ في أيِّ حياة ٍ للدول الضعيفةِ بدون وحدتها . وفى مناخ ٍ سياسي ٍ يسوده عدمُ الثقةِ بين قياداتنا العربية ، لا نستطيعُ أنْ نتحدثَ عن وحدة ٍعربيةٍ من أيِّ نوع ، ولا حتى عن حدٍ أدنى مِنَ التعاون . وهنا نجدُ أنفسنا أمامَ معضلةٍ كبيرة ٍ وسؤال ٍ صعب ٍ هو : لماذا تنشأ الصراعاتُ والأزماتُ من حين ٍلأخر بين الدول العربية ؟! إنَّ مجردَ المحاولة للرد على هذا التساؤل ، سوف يأخذنا إلى رحلةٍ طويلةٍ وشاقة ، نضطر فيها إلى سردِ الأحداثِ التي مرت بالأمة العربية منذ نهضتها وحتى الآن . على أنه يمكننا أن نختصرَ ذلكَ كـُلَّهُ بالبدءِ بحديثِ النكبة : .. ( نكبةِ الأمةِ العربيةِ كلِّها في فلسطين عام 1948 م ) ..
عزيزي القارئ : إنَّ السمة َ الرئيسية َ لهذه الروايةِ المفجعةِ هي : ( ضياعُ ثقافةِ الأمةِ و ضياعُ دينِها ) !
فتحتَ ضرباتِ الماركسيةِ مِنْ ناحية ، وأفكار التنوير الغربي المزعوم مِنْ ناحيةٍ أخرى ، كان الكُلّ ُضِدَ الاتجاه القومي المخلص! فالشيوعية ُ لا يعنيها وحدة ُالأمةِ العربية ، أما العصابة ُالأخرى ، أولائك الذين يتخذون مِنَ البيتِ الأبيض قِبْلة ً لهم : ( فيرونَ القومية َ العربية َ دعوة ً عنصرية ) ! والأخطرُ من كلِّ ذلك ، هؤلاء الذين يدعوننا للانغلاق على أنفسنا ، والاكتفاء بجذورنا الفرعونيةِ فقط ! أوليسَ هذا أيضـًا دعوة ٌ للعنصرية ؟ فأيّ ُ تناقض ٍ هذا ؟! نعم ، نحن أصحابُ حضارةٍ قديمةٍ وعريقة ، ولكن .. ماذا بَقِىَ لنا منها غيرُ الأطلال ؟! نحن دائمـًا لا نكـُفّ ُعن الإدعاء بأننا مصريونَ حتى النخاع .. فما دليلنا على ذلك ؟ وما الـذي أثمرته فينا مصريتنا ؟! نعم ، هذا من حقنا ولا يستطيعُ أحدٌ أن ينكره علينا ، بشرطٍ واحدٍ فقط : ( هو ألا ننسى أنَّ لنا جذورًا عربية ، ليس من الحكمةِ أنْ نتخلصَ منها ، فتقلعنا رياحٌ قادمة ٌمن الغرب أو الشرق وبدون رحمة ! ) . وفى الحقيقة ، أننا لم نكن أبدًا بحاجةٍ إلى أن نستقىَ ثقافاتٍ من هنالك أو هناك ، بقدر حاجتنا إلى إحياء تراثنا وثقافتنا الخاصة بنا . ومَنْ يراجع كتبَ التاريخ ، يتأكد مِنْ أنَّ مصرَ كانت دائمـًا تلبي دعوة إقليمها الـذي هو في أشدِ الحاجةِ إلى قيادتها و حمايتها . هذا حين كانت حضارتها العريقة وثقافتها العربية الأصيلة وفكرها الحر المستنير ، كائناتٍ حية ً تعيشُ بوضوح ٍ في سلوك أبنائها ، حكامـًا ومحكومينَ على حد ٍسواء .
غيرَ أنه مِنَ الحِكمةِ أيضـًا ، أنْ نقرَ أنَّ مصرَ لم تلعبْ هذا الدَّوْرَ العظيمَ إلا لوعيها الكامل وحرصها الشديد على مصلحتها أولا ً وأخيرًا .. فالأمنُ القومي العربي ، هو المدخلُ الصحيحُ للأمن القومي المصري ، والعكسُ أيضـًا صحيح . وفصلُ أحدهما عن الآخر ، أو محاولة إقناعنا بأنهما متعارضان ، هو أمرٌ مرفوضٌ جملة ً وتفصيلا ً ، نظرًا لما فيه من سوء قصدٍ لا يخفى على أحد ، ولا يأتي إلا من عـدو ٍ شديد المكر و الخداع . ومع ذلك : فلا المنفتحينَ على الشرق أو الغرب على صواب ، ولا المنغلقينَ على أنفسهم داخل نطاق القومية الضيق ، أو نطاق الوطنيةِ الأكثرَ ضيقـًا قد أفلحوا . .. ( إنهم جميعـًا وبلا استثناء مخطئونَ وخاسرونَ بالتأكيد ) ..
عزيزي القارئ : إنَّ التمسكَ بهويةٍ جامدةٍ ومتحجرةٍ في أيِّ إطار ٍ وعلى أيِّ مستوى ( وهمٌ كبير ) .. أما التخبط َوالترددَ بين هوياتٍ متعددة ٍعلى غير هـدى ، وبدون ِ وعى ٍ ( وهمٌ أكبر ) . ولفض هذا الاشتباك ، أقترحُ عليك عزيزي القارئ :
- العودة إلى الفصل السابق من الكتاب :
.. ( أنا الآخر .. أنا الإنسان ، فكرة ٌ للتأمل ِ و دعوة ٌ للثورة ) ..
والـذي يتبينُ لنا مِنْ خلالهِ أنهُ ليسَ مِنَ الحِكْمَةِ في شَيءٍ التمسكَ بهُويةٍ لذاتها ، أو التفريط َ فيها والتخلصَ منها بدون حاجةٍ ملحة ، وإبداء الأسباب المقنعة . بل إنه لـَمِنَ الفطنةِ أنْ نظلَّ محتفظين بكـُلِّ الهويات التي ساهمت في تكويننا ، من غير أن نسقط أية َهويةٍ منها أو نغفلَ عنها ، بشرط ٍ واحدٍ فقط ، هو : ( أنْ تبقى كامنة ) . هوية ُالآخر ـ عزيزي القارئ ـ وطبيعة القضية التي يجرى التفاوضُ ( ولا أقول الصراع ) بخصوصها ، هي المتغيرات التي تقوم من تلقاء نفسها بتفعيل وتنشيط الهوية المناسبة للتعامل مع هذا الآخر ، ومن موقع قوةٍ يعتمد على المرونةِ والتأثير والفاعلية .
فإذا كان الآخرُ عربيـًا ، فأنا مصري .. وإذا كان الآخرُ أعجميـًا ، فأنا عربي .. أما إذا كان الآخرُ زلزالا ً أو وباءً أو طوفانـًا ، أو حتى العنصرية َ نفسَها : .. ( فـأنـا إنـْسـان ) ..
( الفصـل الرابع )
يـومُ البـعث ( النموذجُ المصري ) من ( ثورات الربيع العربي )
@ ( قلمٌ حُـرٌ وصفحة ٌ بيضاء .. قلبٌ ينبضُ بالحياةِ وفكرٌ
مبدعٌ متدفقٌ خلاق .. رؤية ٌ صحيحة ٌ ثاقبة ٌ كسماء ٍ صافية ٍ بلا غيوم .. قيمٌ إنسانية ٌ نبيلة ٌ منزهة ٌ عن أيِّ أطماع ٍ دنيئةٍ أو مصالحَ ضيقةٍ بَلـْهاء .. عقيدة ٌ قوية ٌ وإيمانٌ ثابتٌ راسخ ٌ رسوخَ الجبال ِ الشوامخ ، لا يزعزعه شيء : لا ألاعيبُ السحرةِ ولا مكرُ الماكرينَ ولا حقدُ الحاقدينَ ولا سَجَعُ الكُهَّان ) .
- ( مِنْ وجهةِ نظري المتواضعةِ على الأقل ) :
هو كل ما يمكنُ أن نحتاجَ إليه ، فيما نعيشهُ الآنَ ونعايشهُ مِنْ تحولاتٍ سريعةٍ متلاحقةٍ أشدِّ ما يكونُ التسارُع ، عميقةٍ ومتجذرةٍ بدرجةٍ أكبرَ مِنْ تصور أيِّ باحثٍ ومِنْ خيال أيِّ شاعر ٍأو فنان . وما نحنُ مقبلونَ عليه في الأيام القليلةِ القادمة ، والمقبلةِ علينا بـخـَيْـلها وخـُيَلائها ، فيما نتوجسُ منه ونخشاه ، أو بما تحمله لنا معها مِنْ بذخ ٍ عظيم ٍ وثراء ٍ أعظم ، يمثلُ لنا ولجميع الشعوب المقهورة : ( بعثـًا جديدًا لمستقبل ٍأفضل ، ينعمُ فيه الجميعُ برغد العيش ونسيم الحرية ) .
- ( غيرَ أنه مِنَ الحِكْمَةِ بمكان ٍ أنْ نتدبرَ قولَ رَبِّـنا عزَّ وجل ) :
" بسم الله الرحمن الرحيم " ( أحسبَ النـَّاسُ أنْ يُتركوا أنْ يقولوا آمنا وهمْ لا يُفتنونْ (2) ولقد فتنا الذين مِنْ قَبْلهم فليعلمنَّ اللهُ الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين (3) )
" صدق الله العظيم " .. ( العنكبوت ) ..
يجبُ علينا إذنْ أنْ نتحسبَ لما يمكنُ أنْ يجرى من أحداث ٍ مؤسفةٍ وتداعياتٍ خطيرة ، كنتيجةٍ طبيعيةٍ لغلبةِ السيناريو الأول : . ( الأكثرَ واقعيةٍ في تقديري ، رُغـْمَ مَـيْـلهِ للتشاؤم ) . فلنتشبثْ بأطواق النجاة ، ولا نغرقْ في تفاصيلَ تجنحُ بنا عن المسار الصحيح للثورة العظيمةِ المباركة . ولأنَّ الشيطانَ يكمنُ دائمـًا في التفاصيل ، يتعينُ علينا أنْ نعملَ فقط وفقـًا للأساليبَ العلمية ، وبطرق ٍ منطقيةٍ ومنهجية ، بعيدًا عن أيِّ عواطفَ هوجاء ، أو شعارات ٍ مزيفة . على أنْ نركزَ مجهوداتنا وطاقاتنا في تلك القضايا الكلية ، التي تضمنُ لنا ـ على أقل تقدير ـ سلامة َ ما يجرى من تفاعلاتٍ يغلى بها الشارعُ المصري ، كمدًا ونقمة ً على الفساد الذي استشرى في جسدِ أمِّـنا الطيب الطاهر ، وكأنه سرطانٌ فتاكٌ أعْجَـزَ أمهرَ الأطباءِ عن التعامل معه للقضاء عليه أو على الأقل للحد من خطورته وتحجيمه.
ورُغـْمَ أنَّ القضايا الكلية َ قليلة ُ العدد ، وليس عليها أيّ ُ خلافٍ ( كالعدل ِ والحريةِ والمساواة ) إلا أنَّ كيفية َ تحقيقِها على أرض الواقع ، هو ما يجلبُ لنا دائمـًا الكثيرَ والكثيرَ مِنَ المتاعب ! نستوي في ذلك مصريونَ وغيرُ مصريين ، في المجتمع المصري ، أو في أيِّ مجتمع ٍ إنساني آخر ، يطمحُ البشرُ فيه إلى بناء الحضارة التي تعينهم على تحدى فكرة الموتِ والفناء ، ومحاولةِ تحقيق فكرةِ الخلود . رُغـْمَ علمهم يقينـًا واقتناعهم الكامل بحتميةِ الموت ، بل وضرورته لهم أفرادًا وشعوبـًا وأممـًا . فالخلودُ إذن ـ قارئي العزيز ـ هو الأمرُ المستحيلُ بالنسبةِ لأيِّ مخلوق ٍ مهما علا في سُـلـَّم الرقى والمعرفة .
- المعرفة ُ الحَـقـَّـة ُ تعلمنا :
أنَّ الخلودَ لا ينبغي أنْ يكونَ إلا للخالق وحده ، سبحانه وتعالى ، المنزه عن أيِّ نقص ، والمتصف بكلِّ صفات الكمال والجلال ، الواجدُ الموجودُ وجودًا حقيقيـًا لا لبسَ فيه ولا يعرفُ النسبية . ولا أقصدُ بالنسبيةِ هنا ، نسبية َ أينشتين العلمية بالطبع ، ( هذا الإنسانُ المبدعُ الرائع ) والذي ما كانَ ليقصدَ أبدًا وهو في محرابه ( معمله ) عاكفـًا يعبدُ اللهَ على طريقته ، أنْ تؤدى نظريته فيما بعد إلى احتمال تدمير الأرض وفنائها واختفائها مِنَ الوجود !
ولكنني أقصدُ نسبية ً أخرى ( نسبية ً أعمَّ وأشمل ) تصبحُ فيها كل الأشياء وكل الأفكار وكل القضايا ، مرتبطة ًببعضها ارتباطـًا عضويـًا وثيقـًا ، بحيث لا نستطيعُ أنْ نتناولَ أيـًا منها بالبحثِ والدراسة ، بصورة جزئيةٍ وبمعزل ٍعن باقي القضايا المتعلقةِ بها ، والمؤثرةِ فيها وفيما يمكنُ أنْ نتوصلَ إليهِ مِنْ نتائج . ومرة أخرى ، فأنا لا أقصدُ بهذا الارتباط الوثيق : علاقة الاقتصاد بالسياسةِ مثلا ً، أو علاقة السياسةِ بالمجتمع ، ولا حتى علاقة كلِّ ما سبق بالتكنولوجيا وثورة الاتصال ، وتأثره بصراع المصالح وتوازنات القوى من جانب ، وصراع الحضارات من جانبٍ آخر ( كمفهوم ٍ خبيث ، من نسج خيال ٍ مريض ) يصرُ دائمـًا على أن يدفعَ بالجنس البشرى كلـِّه إلى حافةِ الهاوية ! .. ( وبكلِّ ما لديه من إمكانات ٍ هائلة ) .. بدئـًا بإعلام ٍ مغرض ٍ خسيس ٍ ومأجور ، له باعٌ طويلٌ ودورٌ بارزٌ في نشر نوع ٍ معين ٍ مِنَ الثقافةِ يزدرى الأديانَ ( كلَّ الأديان ) ، ويتبنى العنصرية َ ويَحُضّ ُعلى الإباحةِ الجنسية ، ويشجعُ على التطرفِ يمينـًا أو يسارًا .. مرورًا بعمليات الفساد وغسيل الأموال ، وانتهاءً بالحروب القذرة ، والإرهاب ، وتجارة السلاح ، والمخدرات و... والبشر !
عزيزي القارئ : إنَّ كلَّ ما وردَ مِنْ عواملَ يرتبط ُ بعضُها بالبعض الآخر ، يؤثِرُ فيها ويتأثرُ بها بدرجةٍ أو أخرى .. لا يمثلُ أكثرَ مِنْ بُعْدٍ واحدٍ فقط ، يشكلُ مع أبعادٍ أخرى ـ لا تقلُ عنه أهمية ـ المجالَ الذي يتحركُ فيهِ الإنسانُ ويتغيرُ مع الزمن . فهل إلى الأفضل ؟ ربما . إنه الأمرُ الذي نبغيه جميعـًا ونتمناه .. ولكن ليس كل ما يتمناه المرءُ يدركه ، فواقع الحال ينبئُ بعكس ذلك تمامـًا !
ومِنَ الجدير بالذكر ، أنَّ هذه الأبعاد أو المحاور ليست بالشيء الجديدِ ولا هي مِنْ بنات أفكاري ، وإنما هي تراثٌ بشرىٌ قديمٌ وجليل ـ أذكركم به فقط ـ يدورُ في فلكه كل ما أنتجه هذا البشرُ مِنْ فن ٍ وعلم ٍ وأدب . ( خالدٌ مَنْ ماتَ في سبيل مجردِ الحفاظ عليه ، بالله عليكم ، كيف يصبحُ لو أضاف ) ؟! عزيزي القارئ : إنَّ علاقة َ الإنسان بخالقِهِ ورازقِه ، مَنْ كرَّمه بالعلم ، وهداهُ بنور الإيمان في ظلمات البر والبحر ، لهى حقـًا أولُ هذه المحاورَ وأهمّـُها على الإطلاق ، إذ إنها بداية ُ أيِّ إصلاح ٍ وهي أيضـًا غايته . .. ( شاءَ مَنْ شاء .. وأبى مَنْ أبى ) ..
ولعلك تلحظ أيها القارئُ العزيز ، ما بين مفهوم الصلاح ومفهوم الإصلاح ، من جناس كامل وتجانس عجيب ، يأخذ بالألبابِ ويحيى مَواتَ القلوب ، فهما وجهان لعملةٍ واحدة ، كما أنَّ كلا ً منهما سببٌ للآخر ِ ونتيجة ٌ له . " بسم الله الرحمن الرحيم " ( أفمنْ أسسَ بُنيانَهُ على تقوى مِنَ اللهِ ورضوان ٍ خيرٌ أم مَنْ أسسَ بُنيانَهُ على شَفا جُرُفٍ هار ٍ فانهارَ بهِ في نار ِ جهنمَ واللهُ لا يهدي القومَ الظالمين (109) ) . " صدق الله العظيم " .. ( التوبة ) .. وأما علاقة ُالإنسان ِ بأخيهِ الإنسان داخلَ نطاق الأسرةِ أو الجماعةِ أو المجتمع المحلى أو الإقليمي أو حتى الدولي ، بكل فروعها الكثيرة وتفصيلاتها المتشعبة ، ومجالات عملها المعقدة المتشابكة ، والتي يصعبُ حصرُها وثبرُ أغوارها على الأقل بالنسبةِ للمثقف العادي .. أرى أنه على أهميتها ( المحورَ الثاني فقط ، ترتيبـًا في السرد والأهمية ) . وعلى الرغم من ذلك ، فقد بات يشغلنا كثيرًا ويستحوذ على عقولنا ومشاعرنا لدرجةٍ جعلتنا ننكرُ ونتجاهلُ ما عداه من محاور !
وليسَ مِنْ تفسير ٍمقنع ٍلهذه الحالةِ المَرَضِـيَّةِ المستفحلة ، والميئوس من شفائها ، سوى أنها مجردُ تعبير ٍ أمين ٍ وصادق ٍ لمدى التدني والهبوط في الثقافةِ التي سادت مجتمعاتنا المحلية على الأقل ـ ومنذ وقتٍ ليس بالقليل ـ فسقطنا فيه جميعـًا : ( حكامـًا ومحكومين ، أنصارًا أو معارضين ، من عامةِ الناس
أو الصفوة والمقربين ، من المثقفين أصحاب الفكر والرأي المشاركين بالفعل وظاهرين في المشهد أو من المهمشين ، متدينين أو علمانيين ، سلفيين و إخوان .. اشتراكيين أو ليبراليين ) .
يؤكدُ صحة َهذا التحليل ، وسلامة َما أوصلنا إليه ، ما وردَ مِنْ دروس ٍوعِبَر ٍفي قصةِ العميان والفيل لأديبنا الكبير " طه حسين " ورُغـْمَ أنه كان كفيفـًا ، فقد بصَّرنا بما عجزنا عن رؤيته ونحنُ أصحاءُ مبصرون ! .. ( فشتانَ ما بين عمى البصر وعمى البصيرة ) .. وبالمناسبة ، فلكي أكونَ أكثرَ صدقــًا مع نفسي ، وإقناعـًا للقارئ العزيز ، ليسَ مِنَ الحكمةِ في شيء : . ( أنْ ادعى لنفسي ما أنكره بالنسبة لغيري ) .
- ما أنا إلا أعمى ضمن عميان كثيرين ، أحاول فقط أن :
.. ( أن أشاركهم شرفَ البحث عن الحقيقة ) ..
ويأتي البعد الثالث عزيزي القارئ ، فيحدثنا عن علاقة الإنسان ببيئته وبالكون ، الكون الذي أتى الله طائعـًا فأفسدناه بجهلنا أحيانـًا ، وبأطماعنا وأحقادنا أحيانـًا أخرى ، وباعتدائنا السافر المَقِـيتِ على نواميسه طوال الوقت ! وهي نواميسُ غاية ً في الإتقان والرشد ، إذ يكفى أنْ نعلمََ أنَّ مَنْ أوجدها وأمرها بالعمل ، هو مَنْ أوجدنا ، وهو أيضـًا مَنْ أوجدَ هذا الكونَ العظيم ، لكي نذوبَ خجلا ً وندمـًا وحسرة ، حين نتذكرُ وندركُ و نقيمُ أفعالنا الغيرَ لائقةٍ لابنا ولا بهـا . " بسم الله الرحمن الرحيم " ( ظَهَرَ الفسادُ في البرِّ والبحر ِ بما كسبتْ أيدي النَّاس ليذيقَهم بعضَ الذي عملوا لعلهمْ يرجعون (41) قلْ سيروا في الأرض فانظروا كيفَ كانَ عاقبة ُ الذينَ مِنْ قـَبْـلُ كانَ أكثرُهُمْ مُشركين (42) فأقمْ وجْهَكَ للدين القيِّم ِ مِنْ قـَبْـل ِ أنْ يأتيَ يومٌ لا مَرَدَ لهُ مِنَ اللهِ يومئذٍ يَصَّدَّعون (43) مَنْ كَفَرَ فعليهِ كُفرُهُ ومَنْ عَمِلَ صالحًا فلأنفسهمْ يَمْهَدون (44) ) " صدق الله العظيم " .. ( الروم ) .. عزيزي القارئ : نحنُ جميعـًا أبناءٌ عاقونَ جاحدونَ لأم ٍ واحدة ٍ طيبةٍ وكريمة ، نزلنا من رحمها في يوم ٍ من الأيام ، وسنعودُ إليه حتمـًا في يوم ٍ آخر .
- هذه الأم ّ ُ الرؤومُ المتسامحة ، الشقية ُ بأبنائها :
( ليست إلا كوكب الأرض .. ذلك الكوكب المسكين ) ! عزيزي القارئ : قد يكونُ في تصوري هذا رومانسية ٌ أبالِغُ فيها بعضَ الشيءِ بالنسبة للبعض ، ولكنها بالتأكيد واهمة ، أو لعلها تكونُ محضَ خرافةٍ أو هذيان ٍ بالنسبةِ للكثيرين . ( وهذا من حقهم ) خصوصـًا وأنها لا تتفقُ في قليل ٍ أو كثير ، مع ما آلت إليه أحوالنا .. نحنُ بنو أدمَ وحواء . عزيزي القارئ : لقد حَـمَّـلـَـنا اللهُ أمانتـَهُ واستخلفنا الأرضَ لنعبده بعمارتها وبما أنزله إلينا من شرائعَ وأديان ٍعن طريق رسل ٍ اختارهم بعلمه وحكمته . فما حملنا الأمانة َ بل ضيعناها ، وما عَمَّرْنا الأرضَ بل أفسدناها ، وما عبدناهُ حقَّ عبادته ، بل خالفنا أوامره ، وعصيناه واتبعنا الشيطانَ إلا قليلا . ومن جهةٍ أخرى وبتصور ٍآخر لا يختلفُ كثيرًا عن التصور السابق ، فإنَّ تلك المحاورَ الثلاثة ، يمكنُ أن تمثلَ أضلاعَ مثلث ٍ واحد ، لن نستطيعَ أن نـُغـْفِـلَ أيَّ ضلع منها على الإطلاق ، فنسقطه من حساباتنا ولا نوقعه في اللوحة الخالدة التي نشتركُ جميعـًا فى رسم تفاصيلها ( أبيض وأصفر ، زنجي وأحمر .. عربي وأعجمي ، يهودي ومسيحي ومسلم ) . عندئذ لن يكونَ لنا هذا الدورُ الفـَعـَّالُ أو الأثرُ الطيبُ المأمول ، والذي به ومن خلاله يمكنُ أن ننسجمَ مع باقي مخلوقاتِ الله في كونهِ الفسيح ِ الواسع .
( الفصلُ الخامس )
الإصـلاح ( منظومة ُعمل ) و ( منهاجُ حياة )
@ مصرُ وطنٌ نعيشُ فيه : ( هذه حقيقة ) لا جدالَ فيها ، ولا تقبلُ التأويل .. إنه الواقعُ الذي نحيا تفاصيلـَه ساعة ً بساعة ، ودقيقة ً بدقيقة ، بحلوها ومرها ، من غير زيفٍ أو تزوير ، ولا حتى مُجردَ رتوش ٍ قليلةٍ لريشةِ سياسي ٍ مبدع ، محاولة ً يائسة ً منه لإضفاء مَسْحَةٍ مِنْ جَمال ٍ مُـفـْتـَعَـل ، على المشهَـدِ الذي بدا للعيان مليئـًا بالقبح . مصرُ وطنٌ يعيشُ فينا : ( هذا حق ) حقي في أنْ أحْـلـُمَ بوطن ٍأصنعه بنفسي لا أنْ يُصْـنَعَ لي ، ومجتمع ٍأشاركُ في ترسيخ قيمه وثقافته لا أنْ تـُفـْرَضَ علىَّ فرضـًا ، وأجْـبَرُ على أنْ أعيشَ في ظلها وأموت . ولإنْ كانتِ الحياة تبدأ دائمـًا بطرح الأسئلة .. فمِنْ حقنا ، بل مِنْ واجبنا أنْ نتساءل : ( بأيِّ وحـدة يمكنُ أنْ نقـيسَ المسـافة َبيـنَ الواقع والحُـلـْم .. بـيـنَ الـقـبح والجمال .. بينَ الوطـن الـَّذي نعـيـشُ فـيه ، والوطـن الـَّذي يعـيـشُ فـينا ) ؟! ( بالميل ، بالفرسخ ، بالعقدة .. أم بالسنين الضوئية ) ؟ أعتقدُ أنَّ الوحدة َ الأخيرة َ ربما تكونُ هي الأنسب ، غيرَ أنه مِنَ المؤكد أيضـًا أنها ( أقصِدُ السنة َ الضوئية ) سوف تظلمُ إذا ما شرعنا في ذلك !
ليست دعوة ً منى للقنوط واليأس والإحباط كما قد يظنّ ُ البعض ، بل قراءة ً اعية ًلحاضر ٍمر ، ومستقبل ٍأخشى أنْ يكونَ أكثرَ مرارة . أيها المتفائلون .. أجيبوا علينا بالله عليكم : ماذا فعلنا منذ قيام الثورةِ وحتى الآن غيرَ الكلام ؟ ألا ترونَ معي أنَّ أكثرَ مؤسساتنا إنتاجـًا وفاعلية ً هي المؤسسة ُ الإعلامية ؟! نستطيعُ أنْ نتفاءلَ جميعـًا بقدر ما نتفاعل ، ونصبحَ فاعلينَ لا مفعولا ً بنا ، ونستبشرَ بمستقبل ٍ أفضلَ بحجم ما نساهمُ بهِ مِنْ قوة ِ دفع ٍ في الاتجاهِ الصحيح . واضعينَ نُصْبَ أعيننا حتمية َوجودِ مَنْ يدفعُ في الاتجاهِ المضاد : ( حفاظـًا على المصالح ) ؟ ربما . ( مؤامرة ًخسيسة ً للالتفافِ على الثورة ، نكاية ً بها وبالشعب
الثائر ) ؟ ربما . ( نقصـًا في الوعي والإدراك .. ترتبَ عليهِ
ـ وبدون قصد ـ عدمُ التمييز بينَ الصديق والعدو ) ؟! ربما . ليسوا سواء ، فلكلِّ حادث ٍحديث ، ولكلِّ فعل ٍ رَدُ فعل ، يتناسبُ معه ومع فاعله ، وهو الأمرُ الذي يفرضُ علينا حقـًا أساليبَ عمل ٍ أقربَ إلى الحِكْمةِ والرشد ، لن نستطيعَ أنْ نتمكنَ منها ونقومَ بتفعيلها كما يجبُ في ظلِّ استمرار ما يسمى : ( بـسـيـاسـةِ الـقـطـيـع ) ! ( عـلـيـنـا إذنْ أنْ نـتـغـيـرَ نـحـنُ أولا ً .. قـَبْـلَ أنْ نـبـدأ فـي تـغـيـيـر مـا حـولـنـا ) .
علمـًا بأنَّ التغييرَ مِنْ أجل ِ التغيير ، لا جَـدْوى منهُ ولا طائِلَ مِنْ ورائِهِِ غيرُ الخسران ِ والنـَّدَم .. كما أنَّ انتهازَ الفرص ِ لتنفيذِ أجنداتٍ خاصةٍ ومصالحَ ضيقةٍ بلهاء ( أمرٌ أخطر ) . أما اللعِبَ بعواطفِ الناس ، وبمشاعرهم الدينية .. فهو الأمرُ الأكثرُ خطورة ( إنه الطـَّامَّة ُ الكبرى ) ! وعلى هذا ، فإنَّ تحديدَ مجال التغيير أولا ًهو بيتُ القصيد : بأيِّ مجال ٍ يجبُ أنْ نبدأ ؟ بالمجال الاقتصاديِّ كما كنا نعملُ دائمـًا قبلَ الثورةِ وبدون نهاية ؟! أم بالمجال السياسي ، كما يدعو الثائرون ؟! أم بالمجال الثقافي ، كما يرى معظمُ المثقفين ؟! الذينَ يريدونَهُ تغييرًا عميقـًا يستهدفُ جذورَ المشكلةِ لا أطرافها , وتغييرًا دائمـًا يمثلُ المخاضَ لميلادِ مصرَ الجَـديدة : .. ( مصرُ ما بعـدَ الثورة ، مصرُ التي نحْلـُمُ بها وتعيشُ فينا ) .. أم بالمجال الاجتماعي ، كما يريدُ أغلبُ المصريين : ( الداعمُ الرئيسيّ ُ للثورة ) مَنْ دفعوا دماءَ أبنائهم وقودًا لها ، ومَنْ يعيشونَ كالأمواتِ في عشوائيات ٍ نخجلُ مِنْ مجردِ ذكرها أو الحديثِ عنها ؟!
المنطقُ السليمُ يستبعدُ فكرة َ أنْ ننطلقَ وبنفس القوةِ في جميع المسارات .. هذا ما تفرضُهُ علينا عواملُ كثيرة ٌ منها : محدودية ُ الإمكانيات وضيقُ الوقت ، فضلا ًعن الضغط الكبير والمتعاظم الذي يمارسُهُ الشارعُ المصريّ ُ على صانع القرار . ستكتشفُ معي أيها القارئُ العزيز : أننا في أمس الحاجةِ لخارطةِ طريق ٍ مِنْ نـَوْع ٍ خاص ٍ جدًا , تجسدها برامجُ زمنية ٌ للإصلاح ، يُعـْنى كل برنامج ٍ منها بأحَـدِ المجالاتِ السالفةِ الذكر ، شريطة َأنْ يبدأ بالواقع كما هو وبدون أيِّ تحفظ ٍ أو تدخل ٍ يَعـْمَدُ إلى تهوين الأمور أو تهويلها , وينتهي بتحقيق أهدافٍ محددةٍ نختارُها بعنايةٍ شديدةٍ مِنْ بين ما نادت به الثورة ُ ويلبي حاجاتِ الثائرين . " بسم الله الرحمن الرحيم " ( وما أرْسلنا مِن قـَبْـلكَ إلا رجالاً نوحي إليهم ، فاسألوا أهلَ الذكر إن كنتمْ لا تعلمون (43) ) . " صدق الله العظيم " .. ( النحل ) ..
.. وحتى لا نقعَ في المحظور وتلتبسَ علينا المسائل ..
- يجبُ أن نستحضرَ في أذهاننا صورة ً سيئة ً لكي نتجنبها :
( إنها صورة ُ المنبت ، لا أرضـًا قطعَ ولا ظهرًا أبْقى ) !
يساعدنا في هذا ـ كثيرًا ـ أنْ يكونَ لدينا مفهومـًا واضحـًا للإصلاح ،
فالإصلاحُ مِنْ وجهةِ نظري المتواضعةِ على الأقل :
.. ( منظومة ُعمل ٍ متكاملةٍ ومنهاجُ حياة ٍ شامل ٍ ومستمر ) .. لضمان جودةِ ما يمارسُهُ البشرُ مِنْ أنشطةٍ إنسانيةٍ متنوعة ، تحسبـًا للأخطاء البشرية ، والتي لا يمكنُ مواجهتـُها إلا بتقنينِها ووضعِها في إطار الممكن والمسموح ، فإذا ما تمكنَ مجتمعـُنا مِنَ النهوض والرقي بقيمِهِ وثقافاتِهِ وسلوكياتِ أفرادهِ إلى مستوي ما .. ( نستطيع إذا أردنا ) .. أنْ نضيـقَ هذا الممكن ، وذلك المسموح ليرتفعَ الأداءُ إلي مستوي أعلي وأعلي وهكذا ... هكذا بدون نهاية ، فالإصلاحُ ليس له مِنْ نهايةٍ ولا غايةٍ إلا تحقيقَ السعادةِ المفقودةِ دائمـًا .. ( وبناءَ المدينةِ الفاضلة ) .. ( التي لنْ نستطيعَ بناءَها ، مهما حاولنا ) !
( الفصلُ السادس )
الإبـداع ( مفهومه و حدوده )
@ لا إبداعَ بدون حرية : حقيقة ٌ لا يستطيعُ أنْ ينكرَها أحد ، حتـَّى الجاحدونَ والأفاقونَ والمتآمرون ، لا يستطيعـونَ أنْ يقـنعـونَـنـا بعكس ذلك . إذ أنَّى يتسنَّى لهم أنْ يسوقوا لنا ادعاءَهم الغبيَّ بغيابِ الشمس ، وقدْ أثارَ ضوءُها عيونَهم وألهبتْ حرارتـُها جلودَهم ؟! ومع ذلك ، فكثيرًا ما يترددُ الحقّ ُبينَ الناس ولا يُقـْصَـدُ به إلا الباطل ، وما أكثرُ أنْ تشيعَ الفتنة ُ فيهم تحتَ عباءة الدين والقيم والأخلاق ، ولَكَمْ عَـرَفـْنا وألِـفـْـنـا ورأينا بعيوننا كيفَ تصولُ الفوضى وتجول ، باسم الحريةِ تارة ، وباسم العدالةِ تارة ً أخرى ، وباسم الديمقراطيةِ في جميع الأحوال ! أية ُحرية ، وأية ُعدالة ، وأية ُديمقراطية .. تلك التي يمكنُ أنْ تنبُتَ ، وتنمو ، وتترعرع .. في مجتمع ٍ فقدَ مقوماتِه ، وباع قيمَه ، وتنازل عن دينهِ وأخلاقه ؟!
- نحن نعى وندركُ أنَّ الإبداعَ في أيِّ مجال :
.. ( علمي ٍ كان أو فني ٍ أو أدبي ) .. وعلى أيِّ مستوى من النشاط الإنساني الفردي أو الجماعي ، إنما يأتي في مرحلةٍ لاحقةٍ للنجاح ( الفاشلونَ لا يبدعون ) . وبمعنى أنه : ينبغي علينا أنْ نتعاملَ معهما ( النجاحُ والإبداع ) بنفس الأسس ، وبأساليبَ ومناهجَ متقاربةٍ إلى حدٍ كبير .
ورُغـْمَ ذلك ، نقرّ ُ ونعترفُ أنَّ للإبداع مناخَه الخاصَّ به ، وأجواءَه التي تلائمه . فبينما يُقاسُ النجاحُ بتحقيق هدفٍ منشودٍ يُحددُ سلفـًا قبلَ الشروع في العمل ، نجدُ أنَّ الإبداعَ لا يمكنُ قياسُهُ إلا بحجم التغيير الذي أحدثه بالفعل .. وخلافـًا للنجاح ، فإنَّ الإبداعَ لا تحُده طرقٌ مألوفة ٌ للتفكير ، أو أنماط ٌبعينها للعمل والإنجاز . الأمرُ الذي اقتضى مساحة ً أكبرَ مِنَ الحرية ، في الاختيار بينَ بدائلَ كثيرة ، شريطة َ أنْ يكونَ جميعُها صحيح ، وأعودُ فأكرر : .. ( الاختيارُ بينَ بدائلَ جميعُها صحيح ) .. ( ولكن إلى أيِّ مدى تكونُ تلك الحرية ُ مقبولة ً ومستساغة ) ؟ أعتقدُ مِنْ وجهةِ نظري المتواضعة ، أنَّ مدى الحريةِ المطلوب ، وسقفـَها المنشود ، مسائلُ تتعلقُ مجددًا بتحقيق الأهداف ، وإنْ لم تكن مباشرة ً ومُعْـلَـنة ( الغايات ) . وعلى فرض أنَّ الإنسانَ مخلوقٌ راشد .. يجبُ أنْ تأتى أعمالُه متسمة ًبالحكمةِ والرشد ، وبعيدة ً كُلَّ البعدِ عن الغوغائيةِ والارتجال ، وهو ما يقتضى بالضرورة ، وجودَ ضوابط َ تحكمُ الإبداعَ ولا تقوده ، تهديهِ وتـُرْشِدُهُ إلى طريق الخير ، دونَ أنْ تقيدَه وتشلَّ حركته .
غيرَ أنه مِنَ الغريبِ حقـًا ، والعجيبِ في نفس الوقت : أنَّ فكرة َ الضوابط هذه ، تصبحُ صحيحة ً ولا غبارَ عليها ، إذا مارسها الآخرُ في مجتمعه ، فإذا عملنا بها في مجتمعاتنا العـربيةِ والإسلاميةِ المُستهدَفة ، أصبحنا متحجرين ، ووصفونا بالتخلف ، وألصقوا بنا تـُهَـمَ الإرهابِ والأصولية ! وليسَ أدلّ ُعلى ذلك مِنْ تجريم الغربِّ لممارسةِ تقنيةِ الاستنساخ في مجالاتٍ بعينها ، لـَمَّا تبينَ له خطورة ُ النتائجَ المتوقعةِ على مستقبل الجنس البشرى بسببها . ألا يُعـَدّ ُهذا .. قيدًا على حريةِ الفكر والإبداع ؟! ملحوظة : ليستِ الأصولية ُ تهمة ً تشينُ صاحبَها ، بل هي لِمَنْ يعرفها ( شرفٌ عظيمٌ ووسامٌ رفيعٌ على صدر مَنْ يتصفُ بها ) ، وسأبينُ هذا لاحقـًا . حدودُ وضوابط ُحريةِ الفكر ِوالإبداع : قد تتمثلُ هذه الضوابط ُ في : ( قيم المجتمع ومعتقداته ، أو الأعراف السائدة والتقاليد الموروثة ، فضلا ًعن ميل الإنسان الفطري للعدل ، وبحثه الدؤوب عن الحقيقةِ والجمال ) . وهذان الأخيران ـ بإذن الله ـ سوف يضمنان لنا سلامة َ ما سبقهما مِنْ ضوابط .
وعلى وجه العموم ، ما شُرِّعَـتِ الضوابط ُ ولا تـَمَّ التفكيرُ فيها أصْلا ً، إلا لكي تحفظ َ لنا سلامة َالعلاقةِ بين الجزء والكل ، وبينَ القصد والأثر ، و بين المقدمات والنتائج .
- ( وبهذا يتحقق التوازن الضروري ) :
.. ( بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ) .. فمن غير المعقول ، أن يفشلَ المبدعُ في تحقيق ما أنجزه إنسانٌ بسيط ٌ ، عمل فقط وفق العادي والمألوف . ومن غير المقبول كذلك ، أنْ يسيرَ بنا المبدعُ في طرق ٍ وعرة ، ويتجهَ بنا نحو أساليبَ يؤدى تطبيقـُا إلى زيادة الحيود والانحراف ، وفى النهايةِ إلى فشل ٍ مُـريع ٍ لا يمكنُ التعافي منه . كما أنه ليس من المنطق السليم ، أن يبدأ المبدعُ في صياغةِ قصيدة ٍ مثلا ً، فإذا به قد كتب رواية ً أو قصة . أو أن يبدأ في إنتاج رغيفِ خبز ٍ آدمي في متناول أيادي الفقراء ( وما أكثرُهم في بلادنا ) فإذا به قد صنعَ سيارة ً فارهة ، لا يركبها إلا الخاصَّة ُمنهم ! بقيتْ نقطة ٌأخيرة ٌعزيزي القارئ ، أرى ضرورة َاستجلائها الآن ، وقبلَ أنْ ننتقلَ إلى الفقرة ِالتالية : ( أوهمونا أنَّ الإبداعَ هو الثمرة الوحيدة التي يمكنُ توقعها ، حصادًا لأجواء الحريةِ المطلقة : حريةِ العقيدة ، وحريةِ الفكر ، وحريةِ التعبير ، وحريةِ السلوك ) . والآن : نحنُ جميعـًا نؤمنُ بما أوهمونا به ، مِنْ غير أنْ نكونَ على قلبِ رجل ٍ واحد ، ونقصدَ نفسَ الأشياء ! ( لا بُدَّ إذنْ مِنْ تصحيح المفاهيم ، لدى مَنْ يعتبرونَ الحرية َ
ـ على هذا النحو ـ مدخلَهم المُفـَّضَلَ لعالم ٍ تسوده الفوضى والعشوائية ُوالانغماسُ في الرذائل ، وبدون قيودٍ ولا حتى ضوابط َ تـَحُدّ ُمِنْ انطلاقهم نحْوَ سعادة ٍ يتوهمونها هم وحدُهم ) .
عزيزي القارئ : ( نصبحُ جميعـًا مبدعين ، إذا استطعنا أنْ ننظرَ للمسألةِ الواحدة
من زوايا مختلفة ، ونفكرَ فيها بطرق ٍجديدةٍ ومبتكرةٍ وصحيحة ) .
الإبداع ، طرقٌ أخرى للتفكير : لقد تحدثنا بإيجاز ٍعن الإبداع ، ولكننا لم نعملْ به ، ومع ذلك : ما رأيك أيها القارئُ العزيز ، لو حاولنا ( مجردَ محاولة ) أنْ نعملَ بهذا المبدأ المعجز حقــًا ، فيما بقى لنا من حـُوار ؟ فهل هذا يُعـَدّ ُ مِنْ وجهةِ نظركَ فعلا ً مستحيلا ً ؟! أولا ً : ( لا إبداعَ بدون حرية ) قولٌ يشيرُ إلى نصف الحقيقةِ المُشوش ، ويَعـْمـَـدُ صاحبه إلى التأكيد على أنَّ الحرية َ المطلقة َ والمطلقة َ فقط ، هي المدخلُ الوحيدُ لعالم الإبداع ! .. ( أرجو مراجعة الفقرة السابقة ) ..
ثانيـًا : ( لا حرية َ بدون إبداع ) هو نصفُ الحقيقةِ المُغـَيـَّب ، ومنه نستطيعُ أنْ نفهمَ أنَّ الحرية َ شيءٌ عزيز ٌجدًا وبعيدُ المنال ، ولن يُوهبَ لك ولا لي بدون تضحياتٍ كبيرة ٍ من جانبنا .. كالماء والهواء مثلا ً .. وحتى هذا ( باتَ أمرًا مشكوكًا فيه ) ! إنَّ سبيلنا الوحيدَ للحصول على حريتنا ، هو أن نصبحَ مبدعين . فليسَ مِنَ اللائق ولا مِنَ المعقول ، أنْ يعيشَ المبدعُ على فـُتاتِ موائدِ الآخرين ، وأنْ ينظرَ للحياة ِوللكون بمنظور ٍلا يخصه ، ثـُمَّ يريدُ أنْ يكونَ مُـبْـدِعـًا مثـلهم ! غيرَ أنَّ مفهومَ الإبداع هـنا يعنى شيئـًا مختلفـًا ، إنه يعنى الإنتاج : إنتاجُ حاجاتِنا مِنْ طعام ٍ وكساءٍ ودواءٍٍ وسلاح ، وإنتاجُ الأفكار ِ المتعلقةِ بها ، وإنتاج الثقافة .. وبطرق ٍ مختلفة ٍ أيضـًا . خلاصة ُالقول عزيزي القارئ ، أنه باستطاعتنا الآن تكوينَ جملةٍ مفيدة ٍ مؤداها : ( لا إبداعَ بدون حرية و لا حرية َبدون إبداع ) .
عزيزي القارئ : الحرية ُوالإبداعُ وجهان لعملةٍ واحدة ، كلٌ منهما سببٌ للآخر ونتيجة ٌ له .. فلماذا نصرّ ُعلى التفكير في اتجاه ٍ واحد ، ونصرخُ دائمـًا : ( لا إبداعَ بدون حرية ) ؟!
ليسَ مِنَ الصوابِ ولا مِنَ الرشدِ أو الحكمة ، أنْ نكتفي بأحدهما ونغفلَ الآخر .. علينا أنْ نحاربَ من أجل أنْ نعيشَ أحرارًا في أوطاننا ، مما يساعدُ على خلق ِ مناخ ٍ مشجع ٍ وداعم ٍ للإبداع ، وبنفس القدر مِنَ الحماسةِ والإصرار ، علينا أنْ نعيشَ مبدعينَ للحصول على حريتنا التي هي حياتنا . وأخيرًا ، أرجو أن تكتمل فكرتي بطرح التساؤل التالي : ماذا تعنى كلمة " حرية " بالنسبة لي ولك ؟ ألا تعنى التخلصَ مِنَ القيود ؟ إذنْ فما هي تلكَ القيودُ التي تريدُ أنتَ وأريدُ أنا أنْ نتخلصَ منها ؟ هل تعنى الدينَ والقيم ؟ هل تعنى التاريخ َ والتراث َ والهوية ؟ ما هو الشيءُ أو الأشياءُ التي يريدوننا أنْ نتخلصَ منها ، لكي تصبحَ فرصتـُنا للإبداع أكبرَ كما يزعمون ؟! عزيزي القارئ : ليسَ مُهمًا ما يُرادُ لنا أو ما يُرادُ بنا .. المُهمّ ُحقـًا هو ما نريده نحن . نستطيعُ بالفعل أنْ نحققَ بعضَ النجاح ، إذا قمنا باستنساخ تجربة ً ناجحة ً مِنْ هنالك أو هناك ، ولكن : ماذا يجدي أنْ نكسبَ كُلَّ ما في العالم ونخسرَ أنفسنا ؟! وفى النهاية ، لنْ نستطيعَ بتقليدنا ـ مهما كانَ متقنـًا ـ أنْ نخترقَ حاجزَ الإبداع ! .. ( فكما أنَّ الفاشلينَ لا يبدعون ، فإنَّ المقلدينَ لا يبدعونَ أيضًا ) .. مفهومٌ مختلفٌ للإبداع : يمكننا الآنَ أنْ نتناولَ قضية َ الإبداع بمفهوم ٍ مختلف ، وننظرَ إليها نظرة ً مغايرة ، نرى من خلالها أنَّ الإبداعَ مجردُ تعبير ٍ صادق ٍ عن النفس والهوية ، وهو ما يعنى ببساطة : أننا لنْ نتمكنَ مِنْ أنْ نصبحَ مبدعينَ إلا إذا عدنا أولا ً لنفوسِـنا ، أو عادت إلينا نفوسُـنا ، ونفوسُـنا هي هويتنا ، وهويتنا هي أصولنا .. أصولنا الثقافيةِ والحضاريةِ والتاريخية ، وأصولنا القيميةِ والأخلاقيةِ أيضًا ( الأصولية ُ التي أعرفها ، والتي تعنيني ) . وهي بهذا تصبحُ شرفـًا عظيمـًا لصاحبها ووسامـًا رفيعـًا على صدر مَنْ يتصفُ بها .. ولهذه الأصول مفاتيحُ بالطبع : ( أولها الدينُ واللغة ) لنْ نستطيعَ مهما فعلنا ، أنْ نتفاعلَ مع الحياة والكون بشكل ٍصحيح ، من خلال قيم ٍغريبةٍ عنا ، ولغةٍ لا نحسنُ فهمَ مفرداتها ، فضلا ًعن التعامل بها . المناخُ المواتي للإبداع : المناخُ المواتي للإبداع على أهميته ، يأتي بعدَ أنْ نكونَ قدْ حسمنا وبشكل ٍصارم ٍقضية َالهوية . ( مَنْ نحن ، وماذا نريد ، وكيف ننظرُ للحياة ونتعاملُ معها ) ؟ بعدَ ذلكَ نستطيعُ أنْ نناقشَ بلا عناء ٍ مسألة َ المُـناخ ِ الإبداعي .
ماذا نقصدُ بالمُناخ ِالإبداعي ، ما هي عناصره ومقوماته ، وأخيرًا : ماذا نستطيعُ أنْ نفعلَ لنتخلصَ مِنْ كُلِّ ما مِنْ شأنهِ أنْ يعكرَ صَفـْوَ الإبداع في بلادنا ، ويعرقلَ مبدعينا ويكبلـَهم ؟! واسمحْ لي عزيزي القارئ ، أنْ انتقلَ بكَ مباشرة ًإلى الجزء الأخير مِنَ التساؤل ، لأهميته وجدواه مِنْ ناحية ، ولأنَّ ما قبله مجردُ تحصيل حاصل ٍ مِنْ ناحيةٍ أخرى . أعتقدُ جازمًا : أنَّ الفسادَ موروثـًا كانَ أوْ وافدًا ، لهوَ أعظمُ قيودِ الإبداع على الإطلاق . مع ضرورةِ التنبيهِ على أنَّ الوافدَ مِنَ الفساد ، أشدّ ُ خطرًا مِنَ الموروث ، ودونَ أنْ يكونَ لذلكَ بالضرورة ارتباط ٌ بنظريةِ المؤامرة ، إضافة ً إلى أنَّ معظمَ ما توارثناه مِنْ فسادٍ كانَ وافدًا علينا منذ زمن ٍ بعيد ! الإفسادُ وقضية ُ الإبداع : بداية ً : يجبُ علينا أنْ نتبينَ الفرقَ الكبيرَ بينَ الفسادِ والإفساد ، وأنَّ ما نقصده هنا هو الإفسادُ وليس الفساد ، وأنَّ مَنْ نعنيهم بدرجةٍ أكبرَ هم المفسدون وليس الفاسدون . الفاسدون مرضى : يتوجبُ علينا مساعدتهم على التداوي وعلى التوبةِ وعلى التطهر ، أما المفسدون : فهم أعداؤنا الحقيقيون ، علينا أن نقاومهم بكل شدة ، ونواجههم بكل عنف ، لنقطع عليهم دروبهم ، ونحبط مخططاتهم ، تمهيدًا للقضاء عليهم وعلى فتنهم .
ومع ذلك .. فالمفسدونَ ليسوا سَـواء ، إنهـم دركات : هناك مَنْ يفسدُ الأرض ، وهناك مَنْ يفسدُ الماءَ والهواء ، وهناك مَنْ يفسدُ الحياة َ السياسية َ والاقتصادية َ والاجتماعية . غيرَ أنَّ أخطرَهم على الإطلاق وأشدَّهم وطأة ًعلى المناخ الإبداعي وعلى المبدعين ، هم مَنْ يفسدونَ الثقافة .
ولكن ، كيف يتم إفسادُ الثقافة ؟ يتم ذلك بالتغريب وطمس الهوية ، أو بخلط الأوراق وتلويث المفاهيم وتغييب الوعي .. وبصورة ٍ أخرى ، يتم الإفسادُ الثقافي بإعادة ترتيب الأولويات على نحو ٍ خاطئ ، ولفت انتباهنا إلى قضايا أقل ما يمكن أنْ يُقالَ عنها أنها قضايا هامشية ، ولا ترقى لأنْ تصبحَ قضايا رأى عام ، أو أنْ تشكلَ وجدانَ أمة ( أية أمة ) ، فما بالنا بالأمةِ الإسلامية ، وقد جعلها اللهُ ـ عن حق ـ خيرَ أمةٍ أ ُخرجت للناس ! ( تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ وتؤمنُ بالله ) . قبلَ كُلِّ ذلك وبعده ، فإنَّ تعطيلَ الإرادة وسوءَ الإدارة ، لهي الورقة الرابحة في أيـادي المفسدينَ على أيِّ حال .
الإبداعُ مسئولية : الإبداعُ هو أكثرُ وسائل الإنسان فاعلية ً لإحداث التغيير . وبهذا المعنى يصبحُ الإبداعُ مسئولية ، مسئولية ٌ تقعُ على عاتق المبدع وحده ، عما يمكن أنْ يصيبَ مجتمعَهُ مِنْ تغيير ٍ جراءَ ما أبدع ، وهو تغييرٌ نوعىٌ بكُلِّ تأكيد . فهل إلى الأفضل ؟ ربما ، هذا ما نريده وندعو إليه وندعمه ، غيرَ أنَّ المبدعَ هو في النهايةِ إنسان ، له مصالحُ وله أهواء ، وقد يسعى في سبيل تحقيق مصالحه ، أنْ يضحى بمصالحَ غيره .. ومَنْ يضمنُ لنا عكسَ ذلك دائمـًا ؟! ( الوَجْهُ الحَسَنُ للإبداع عزيزي القارئ ، لا يمكنُ تحقيقه إلا بالمعرفةِ والحكمةِ معـًا ) ، غيرَ أنه لا معرفة بدون تفكير ، كما أنه لا تفكير بدون عقل ، وسواءُ عَمِلَ هذا العقلُ بشكل ٍ تقليدي نمطي ، أو بشكل ٍ فيه إبداع ، يلزمه مادة ٌ للتفكير ، تأتيه عن طريق الحواس ( كالسمع والبصر مثلا ) .. فحواس الإنسان وعقله يأتيانه بالعلم والمعرفة ، ويزجان به زجـًا داخل نطاق المسئولية .. أما قلبه وأما بصيرته ، فيأتيانه بالحكمة ، الضامنُ الوحيدُ لحسن التوجهِ وحسن العَـمَـل . الحكمة ُعزيزي القارئ ، طوقُ النجاة ، الحوكمة التي تـُعْـنى بأعظم موردٍ في حياة الإنسان ، إنها تـُعْـنى بالإنسان نفسه .
وبصورة أخرى ، نستطيع أن نقول : .. ( لكي يحسنَ الإنسانُ إدارة ما حوله مِنْ مواردَ ويبدع ) .. . ( عليه أنْ يحسنَ إدارة نفسه أولا ً ) . تقييمُ الإبداع : بداية ً ، أرجو ألا يكونَ في كلامي هذا صدمة ً عنيفة ً للكثيرين ، ممن يعتبرونَ أيَّ كلام ٍ عن تقييم الإبداع تقييدًا له .. خصوصـًا أولائك الذين يتشدقونَ بالحرية ، وقدْ حُرموا منها ، ويتطلعونَ إلى الحياة التي ينعمُ بها غيرهم مِنْ بني البشر ، ولا يملكونْ إلا أنْ يشاركوهم بالمشاهدة فقط !
لهؤلاء أقدم اعتذاري ، وبلسانهم أتساءل : هل يمكن تقييم الإبداع ، وكيف تـُقاسُ أعمالُ المبدع حتى تـُقـَيـَّمَ أو يُـقـَيـَّمَ هو بها ؟ ولهؤلاء أيضا أقول : ( إنَّ الإبداعَ عملٌ إنساني ، يأخذ ُمِنْ صفاتِ المبدع ، وهو في
النهايةِ إنسان ، مهما وصل ، ومهما علا شأنه ـ في سلم الرقي والمعرفة ، ليسَ بمعصوم ٍ ولا بمُقـَدَس ) .
وعلى هذا ، ( فليس للإبداع الإنساني قداسة ً ولا عصمة ) . وإذا كانَ تقييمُ الأعمال النمطيةِ أمرٌ مهمٌ لاستمرار النجاح في الحياة ، فهو بالنسبةِ لأعمال المبدعينَ أمرٌ أهم ، لاستمرار الحياة نفسها .
عزيزي القارئ : قسَّمَ علماءُ الطبيعةِ الكمياتِ التي يتعاملونَ بها ، عندَ دراسةِ ظاهرة ٍ فيزيائيةٍ ما ، إلى قسمين : ـ الأول ، يكفى معرفة ُ قيمتهِ المطلقةِ فقط لتحديده ، مثل الطول والمساحة والحجم .. أما الثاني ، مثل السرعة والعجلة والقوة ، فيلزم إضافة ً لما سبق ، معرفة ُ الاتجاه أيضـًا . وما علاقة ُ ذلك بالإبداع ؟! علاقة ٌ وثيقة ٌ جدًا .
- ( إذ إنَّ الإبداعَ تغييرٌ نوعىٌ كما اتفقنا ) ..
( ولكي يتمَّ تقييمُهُ على نحو ٍ صحيح ، يلزمُ إضافة ً إلى قياس حجم التغيير الذي أحدثه في ثقافاتِ الناس وسلوكياتهم ، معرفة ُ إلى أيِّ اتجاه ٍ كانَ هذا التغيير ، وهل كانَ إضافة ً لمكتسباتِ الإنسان ، أمْ انتقاصـًا منها ، وهدمـًا لمنجزاته وحضارته ؟! ) . وبهذا يصبحُ مِنَ الممكن تقييمُ الإبداع ، بل إنه لأمرٌ ضروريٌ وحيويٌ لأيِّ مجتمع ٍ متطور ، يتحسبُ دائمـًا لما يمكنُ أنْ يكونَ في مستقبله القريبِ والبعيد ، كنتيجةٍ مباشرة ٍ لأعمالِهِ ولأعمال مبدعيهِ في الوقتِ الحاضر .
- عزيزي القارئ :
.. ( ليـسَ بكثـير ٍ مِـنَ الأهميةِ أنْ تدفـعَ بقـوة ٍ أكـبـر ) .. ( ادفعْ بقدر ما تستطيع ) . ( طالما كنتَ تدفعُ في الاتجاه الصحيح ) . صورٌ مِنَ الإبداع الإنساني : يذخرُ التاريخُ الإنساني ( القديمُ والحديثُ على حَـدٍ سَـواء ) ، بصور ٍ شتى للإبداع ، والتي حفرت لنفسها علاماتٍ واضحةٍ في ذاكرة البشر ، فصارت بالنسبةِ له إما علاماتٍ مضيئةٍ يَسْعَـدُ بها ويفخرُ بمَنْ أبدعها ، أو تشوهاتٍ وندبـًا تؤذيه وتسيءُ إليه ، يتمنى لو تمكنَ مِنْ نسيانها ، ويظل دائمـًا يلعنها ويلعنُ مَنْ أبدعها . ومع ذلك ، فما زالَ الإنسانُ مغرمًا بإعادة نفس التجربة ، وتكرار نفس الأخطاء .. ثـُمَّ يتألمُ ويشتكى وينسى أو يتناسى ، ثـُمَّ يعاود الكـَرَّة ، ثمَّ يتألمُ ويشتكى وينسى أو يتناسى ، وهكذا ... هكذا بدون نهايةٍ أو حَـد .. وعجبـًا ، يسمى ذلك تراثـًا !
- وإليك عزيزي القارئ :
بعض الصور الحسنة للإبداع الإنساني علها تذكرنا بأهم ما فينا
وأفضل ما يمكننا فعله : ( إنه الإبداع الحسن )
الإبداع الذي يسعدنا ، ويسعد أحفادنا
نفخر به الآن . ( ويفاخر به أحفادنا ما بقيت الحياة ) .
1/ اللغة ُوالكتابة ُوصناعة ُالورق ، ثمَّ الطباعةِ لاحقـًا .. إبداعاتٌ إنسانية ٌ يصْعُـبُ تصورُ حياة الإنسان بدونها . 2/ تقسيمُ الزمن وقياسه ، بدءً بالسنةِ الشمسية ، وصولا ً للفيمتو ثانية .. مَكَّنَ الإنسانَ مِنَ التعامل مع الطبيعةِ بشكل ٍ أفضل ، والتعمق في أسرارها أكثرَ وأكثر . 3/ الأسلوبُ العلميّ ُ في التفكير والبحث .. أفضلُ ما أنتجَ العقلُ البشرىّ ُعلى الإطلاق ) والذي يعملُ في مجالين : الأول ، يُلـْزمُ الباحثَ بأصول ٍ فنية ( إتباع خطوات محددة متتابعة ومنطقية ، تبدأ بتحديدِ المشكلة وتنتهي بالاستنتاج ، مرورًا بالاستقصاء وجمع المعلومات ، ثم فرض الفروض والتجريب العملي ) . أما المجالُ الثاني ( أصولٌ أخلاقية ) .. فيجنبُ الباحثَ مِنَ الوقوع في الهوى والأفكار المسبقة ، عن طريق إلزامه بالحيدةِ الصارمةِ والتجردِ الكامل . 4/ كانَ إنتاجُ البارودِ لأول مرةٍ بمعرفةِ ( ألفريد نوبل ) فتحـًا جديدًا ، مَكَنَ الإنسانَ مِنَ العمل وفـْقَ أساليبَ جديدةٍ في مجالاتٍ كثيرةٍ مثل : تمهيد الطرق وإنشاء السدود وشق الترع وغيرها . ولأنَّ الإنسانَ بما يحمله مِنْ أطماع ٍوأحقادٍ لا تُعَد ولا تحصى قد حولَ هذا الإبداعَ العظيمَ والماردَ الجبارَ إلى مجردِ شيطان ٍ رجيم ، فقد آلَ المبدعُ على نفسه وعادَ مرة أخرى فأنشأ لنا ما نسميه اليوم : ( جائزة نوبل ) جذبـًا لاهتماماتِ الناس من ناحية ، وتعريفهم بأهمية السلام مقابل الحروب التي قتلتهم ودمرت أراضيهم من ناحيةٍ أخرى . ولأنَّ المفسدينَ أيضًا مبدعون ، فما لبثوا أنْ انحرفوا بالجائزة عن مسارها الصحيح ، وأخرجوها مِنْ إطارها الـَّذي رُسِمَت فيه ، فأصبحتْ غالبًا جائزة ً لمَنْ ضلَّ وأضل ، وهـدية ً لمَنْ فسدَ وأفسد . الآن ، لو عادَ نوبل إلى عالمنا الغريبِ هذا مرة ً أخرى .. فماذا بمقدوره أنْ يبدعَ مجددًا لتصحيح هذا الخلل ، ولجبر كسور ما أبدعَ في حياته مِنْ قبل ؟! 5/ تاجرُ البندقيةِ لأديبنا الكبير ( وليم شكسبير ) : لم نستوعبْ بعد كُلَّ معانيها ، وما يمكنُ أنْ تحمله مِنْ إسقاطات ، على الواقع المذري الـَّذي نعيشه .. وإلا ما استمرت النزاعاتُ والحروبُ تحصدُ أرواحَ الملايين في كُلِّ أرجاء المعمورة ، وبـدون رحـمةٍ أو عـقل . 6/ سحرة الفرعون كانوا مبدعين ، فقد استرهبوا أعينَ الناس وجاءوا بسحر ٍعظيم ، وبلغَ مِنْ عظمةِ سحرهم أنْ أوجسَ منهم خيفة ً موسى ، فقد رأى بعينيه كيف كانَ تأثيرُ هؤلاء السحرة بما فعلوه على جموع المشاهدين .
ولأنَّ موسى مؤيدٌ مِنْ قِـبَـل السماء ، فلم يكن الفرعونُ وسحرته يواجهون موسى ومن معه مِنَ المؤمنينَ فحسب ، بل كانوا في تحدٍ سافر ٍ لإرادة السماء .. فماذا كانتِ النتيجة ؟! لقد انقلبَ السحرُ على الساحر ، وتحولَ يومُ الزينةِ بالنسبةِ للفرعون وأنصاره إلى مأتم ٍ كبير ، قـُبـِرَتْ فيه أحْلامُهم وما كانوا يعرشون . وتنبه الناسُ مِنْ غفلتهم .. فلم يعودوا أسرى لثقافةٍ خبيثة ، تفرقُ بينهم وتجعلهم شيعـًا ، تستضعفُ طائفة ً منهم ، تذبِّحُ أبناءَهم وتستحيى نساءَهم وتذيقـُهم من ألوان العذابِ والمهانةِ الشيءَ الكثير . وكانَ من بين المحررين سحرة ُ الفرعون ِ أنفسُهم ، ولكنهم في الحقيقةِ لم يكونوا كغيرهم ، لقد كانوا مبدعين : مبدعينَ في الأسر ( أسر ثقافة الفرعون وعمله ) ، ومبدعينَ بعدَ أنْ حررهم موسى " عليه السلام " بإذن ربِّهِ منها . في البداية ، كان إبداعُهم لفنون السحر تجارة ً مع الشيطان ، فما إن ألقى موسى عصاه ، والتي تحولت في لمح البصر إلى ثعبان ٍ مبين ٍ جعـلَ يلقفُ ما كانوا يأفكون ، تبينَ لهؤلاءِ السحرة ِ الفرقُ الكبيرُ بينَ الحقِّ والباطل ، وهم أعْرَفُ الناس بالباطل ــ ــ فقد شاركوا ـ مِنْ قـَبْـلُ ـ في صنعه . وخروا لله ساجدين وقالوا : ( آمَنـَّا برَبِّ العالمينَ ، رَبِّ موسى وهارون ) .
وجاء ردّ ُالفرعون سريعـًا ومزلزلا ً ، يهددهم فيه بما لديه من أبشع ألوان التعذيب والتقتيل . فما كان لهم من جوابٍ إلا أن قالوا في تحدٍ صريح لهذا الطاغية : ( لا ضَيْرَ إنـَّا إلى رَبِّنا مُنقلِبون ، فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضي هذه الحياة َ الدنيا ) .
" بسم الله الرحمن الرحيم " ( فلمَّا جاءَ السَّحَرَة ُ قالوا لِـفِـرْعَوْنَ أئِنَّ لنا لأجْرًا إن كُـنـَّا نحنُ الغالبين (41) قالَ نَعَـمْ وإنَّكمْ إذاً لـَّمِنَ المُقـَرَّبين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقو حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما كانوا يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمَنـَّا برَبِّ العالمينَ (47) رَبِّ موسى وهارون (48) قالَ آمنتمْ لهُ قـَبْـلَ أنْ آذنَ لكمْ ، إنهُ لكبيرُكُمُ الذي علمكمُ السِّحْرَ فلسوفَ تعلمون ، لأقطعنَّ أيديكمْ وأرجلكم مِنْ خلاف ٍ ولأصلبنكم أجمعين (49) قالوا لا ضَيْرَ إنـَّا إلى رَبِّنا مُنقلِبون (50) إنـَّا نَطمَعُ أن يَغفِرَ لنا رَبُّنا خطايانا أن كُنَّا أوْلَ المؤمنين (51) ) . " صدق الله العظيم " .. ( الشعراء ) ..
لقد كان لهم بهذا موقفٌ نبيل ، لو تأثرنا به حقـًا وفعلنا مثله فيما نعيشُهُ الآنَ ونعايشُهُ مِنْ أحداثٍ تجعلُ الولدانَ شيبا ، ما بقيَ فرعونٌ واحدٌ يعيثُ فسادًا في الأرض . وهو موقفٌ ـ من وجهة نظري ـ فيه من الإبداع ما فيه .. إبداعٌ يتجلى منه وبكل وضوح ماذا يمكنُ أنْ يفعله الإيمانُ الحقّ ُ بنفس الإنسان ، إذ يحرره من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الأحد ، الذي لا شبيه له ولا ولد ، سبحانه وتعالى المبدع الحق ، فقد أبدع هذا الكونَ العظيمَ على غير مثال ٍ سبق .. تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن ، ويسبح الرعد بحمده والشفق .
وأخيرًا عزيزي القارئ : لا أجدُ ما أختم به حديثي هذا ، أفضلَ مما جاءَ على لسان كليم ِاللهِ موسى ( عليه السلام ) : " بسم الله الرحمن الرحيم " ( قالَ ربِّ إنِّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم
(16) قالَ رَبِّ بما أنعمتَ علىَّ فلن أكونَ ظهيرًا للمُجْـرمين (17) ) .
" صدق الله العظيم " .. ( القصص ) ..
( الفصـلُ السـابع )
أنــا الإنســان ( ديـوانُ شعـر )
( إهْـــداء )
.. ( إلـى أولائـكَ الـذيـنَ يـحْـمِـلونَ مَـعِـي نـفـسَ الـهُـمـوم ) .. ويـحْـلـُمـونَ مَـعِـي نـفـسَ الأحـلام إلـى أولائكَ الـمـرابـطـيـنَ فـي كُـلِّ زمـان ٍ ومـكـان : أهدى كلماتي ( باقـة زهـر ) لتعبـرَ عـن تقديـري العظـيم لهم ، وامتناني الأعـظم لما بذلوا ويبذلون مـن تضحياتٍ جـسام ، في سبيـل أن نعـيـشَ جمـيعـًا كمـا أراد خالقنـا عـزَّ وجـل ، .. ( بشـرًا نـدب عـلى الأرض ، متطلعيـنَ إلى السمـاء ) .. نحمـلُ بداخلنـا بـذورَ الغـوايـة ، ( وبنفـس القـدر )
نحمـلُ أسـبـابَ الهـدايـةِ والفـلاح
.. ( أدعـو اللهَ لهـم بالنصـر المـؤزر ) .. ( وأرجـو أن يوفقـني سبحانـه وتعـالى لأكـونَ واحدًا منهـم )
( يوسف محمد مختار )
( الـمـحـتـويـات )
1/ دُعــاء . 2/ أحـبـك يـا مَنْ خلقتَ الحُوار . 3/ النـَّـاس . 4/ مَـخـافـَة ُ اللـه . 5/ احْـفـَـظ ْ فـُـؤادَك . 6/ النـَّـعْـــت . 7/ رَأيْـتُ السَّــمــاء . 8/ عَــرَفــات . 9/ شَــرَكُ الحَـيـاة . 10/ جَـلـْجَـلـَة . 11/ رسـولٌ و رسـالة . 12/ المَـديـنـَة ُ الفـاضِـلة . 13/ لـن أرْقـصَ يَـوْمـًا في العُـرْس . 14/ سَـلِـمَـتْ يَـمـيـنـُكَ يـا زُوَيْـد . 15/ رَســـولُ السَّـــلام . 16/ لـوْ تـَدَبَّـرْتَ قـَلـيـلا ً .
17/ المَّـارقـون . 18/ الصَّـادقـون . 19/ الدِّيـنُ والحَـيـاة . 20/ حَـوْضُ الأشْـواك . 21/ نـورُ اليَـقـيـن . 22/ وَقـْـفـَة . 23/ البـِشــارَة . 24/ يَـوْمـي وأمْـسـي . 25/ حَـديـثُ شَــرْنـَقـَة . 26/ نـَصـيـحَـة . 27/ لا أراحَ اللهُ يَـوْمـًا ظـالِـمـًا. 28/ بـأىِّ فـَضْـل ٍ أسْـتـَحِــق ؟! 29/ أنــا . 30/ وطـني وأحْـلامي . 31/ الفـَصْـلُ المُـبـيـن . 32/ أنـا الإنـْـســان . 33/ فـَجْـرُ الحُـب .
1/ ( دُعَـاء ) .
يَـارَبِّـي أنـْـتَ خـَـلـَـقـْـتـَـنِـي و رَزَقـْـتـَـنِـي
الخَـيْـرُ أرْجُـو أنْ يَـكـُونَ مُـرَادِي
أسْـعَـى بـنـُوركَ فِـي الـوُجُـودِ ولـَـيْـتـَـنِـي
أسْـعَـى بـنـُوركَ فِـي رَمَـادِ رَمَـادِي
أشْـكـُو إلـيْـكَ ظـَلامَ نـَـفـْسِـي كُـلـَّمَا
أدْنـَـيْـتُ مِـنْـكَ يُـعِـيـدُنِـي لِـعِـنـَادِي
فـَأعُـودُ أضْـرَعُ بـالـدُّعَـاءِ ولـَـيْـتـَـنِـي
أحْـمِـي الـدُّعَـاءَ مِـنَ الـضَّـلال الـبَـادِي
فـاشْـمَـلْ بـعَـفـْـوكَ ذنـْـبـَهَـا فـَلـَعَـلـَّهَـا
تـَقـْوَى عَـلى الأطـْمَـاع والأحْــقـَادِ
وأقِـمْ عَـلـَـيْهَـا طِـيـبَـهَـا وطـَبـِـيـبَـهَـا
واحْـكـُمْ بـعِـلـْمِـكَ مَـا تـَرَاهُ رَشَـادِي
2/ ( أحِـبّـُـكَ يَـا مَنْ خـَلـَقـْتَ الحُوَار ) .
أحِـبّـُـكَ يَـارَبِّي فِـي كُـلِّ بَحْـر ٍ أحِـبّـُـكَ يَـارَبِّي فِـي كُـلِّ غـَارْ
أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ بـهِ اهْـتـَدَيْـتُ لِـحُـسْـن الـحَـدِيـثِ وصِـدْق الحُـوَارْ
أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ
أحِـبّـُـكَ رَبًـا وبَـيْـتـًا يُـزَارْ وشِـرْعـًا يُـطـَـبَّـقُ فِـي كُـلِّ دَارْ
أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ
أحِـبّـُـكَ فِـي الصَّـدْر نـُورًا بـنـَارْ وسِـحْـرًا تـَجَـلـَّى لِـفِـكـْري فـَـثـَارْ
أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ خَـلـَـقـْـتَ الـحُـوَارْ
أحِـبّـُـكَ فِـي كُـلِِّّ شَـمْـس ٍ وظِـلْ أحِـبّـُـكَ فِـي كُـلِِّّ جُـزْءٍ وكُـلْ
أحِـبّـُـكَ فِـي كُـلِِّّ سِـر ٍ دَفِـيـن ٍ ومَـا قـَـدْ ظـَهـَرْ
أحِـبّـُـكَ فِـي اسْـتـِدَار الـقـَـمَـرْ ومَـدِّ الـطـَّريـقِ وشَـقِّ البَـصَــرْ
أحِـبّـُـكَ يَـا مَـنْ وَهَـبْـتَ الـحَـيَـاة َ كَـريـمًـا تـَعُـودُ لِـمَـنْ يَـعْــتـَـذِرْ
3/ ( النـَّاس ) .
الـنـَّاسُ فِـي بَـعـْض الأمُـور سَـوَاءُ مَـنْ أخـْـبَـتـُوا للـهِ أوْ مَـنْ نـَاءُوا
الـكُـلّ ُ فِـي فـَضْـل الـكَـريـم مُـنـَعَّــمٌ والـكُـلّ ُ فِـي جَـنـْبِ الإلـهِ أسَـاءُوا
4/ ( مَـخَـافـَة ُاللـه ) .
إنْ أنـْتَ خِـفـْتَ اللـهَ صَـارَتْ كُـلّ ُ الطـَّوَاغِـيـتُ فِـي عَـيْـنـَيْـكَ فِـئْـرَانـا
وإنْ أ ُسْـعِـدْتَ بـوَصْـل ٍ مِـنـْهُ لـَنْ تـَرْضَـى بـغـَيْـر الـوَصْـل جَـنـَّاتٍ وأفـْـنـَانـا
5/ ( إحْـفـَـظ ْ فـُؤادَك ) .
يَـا صَـاح ِلا تـَعْـبَـأ ْ لِـقـُبْـح ٍ قـَـدْ بَـدَا مَـا كُـلّ ُمَـا يَـردُ الـعُـيُـونَ جَـمَـالُ أوْ كُـلّ ُمَـا يُـرْضِـي الـنـّـُفـُوسَ بـحُـسْـنِـهِ يَـلـْقـَـى قـَـبُـولا ًعِـنـْدَ مَـنْ قـَـدْ مَـالـُوا فـاحْـفـَظ ْ فـُؤادَكَ مِـنْ بَـذاءَةِ بَـعـْضِـهـمْ وأجـِرْ سَـمَـاعَـكَ مِـنْ يَـقـُولُ وقـَالـُوا
6/ ( الـنـَّعـْـت ) .
الـنـَّحْـتُ نـَعْـتٌ عَـلى الـحَـجَـرْ والـنـَّعْـتُ نـَحْـتُ الـَّـذِي سَـطـَرْ والـحُـسْـنُ حُـسْـنُ الـمُـبْـدِعِـيـنَ إذا تـَـدَانـَوا بـالـفِـكَـرْ فـَـلِـمَـنْ يَـطـُولُ حَـدِيـثـُـنـَا
بَـيْـنَ الـمَـتـاحِـفَ والـصّـُوَرْ ؟
ولِـمَـنْ يَـؤولُ مَـصِــيـرُنـَا
بَـعـْدَ الـمَـثـالِـبَ والـدّ ُرَرْ ؟!
7/ ( رَأيْـتُ السَّـمَـاء ) .
رَأيْـتُ السَّـمَـاءَ وطـَيْـفَ الـنـّـُجُـوم ِ طـَريـقـًا ولـكـنْ لِـمَ لا يُحَـدْ ؟!
فـَـفِـي كُـلِّ خـَطـْو ٍ وفِـي كُـلِّ مِـيـل ٍ وفِـى كُـلِّ أرْض ٍ وفِـي كُـلِّ حَـدْ
رَأيْـتُ السَّـمَـاءَ بـكُـلِّ الـهـُمُـوم ِ بـكُـلِّ الـغـُيُـوم ِ بـكُـلِّ الـمَـدَدْ
سَـبـِـيـلَ الـَّـذِي فِـي يَـدَيَّ ولـكِـنْ سَـبـِـيـلـُـنـَا فِـي كُـلِّ شَـيءٍ يُحَـدْ
ومَـدّ ُ الـسَّـمَـاءِ بِـغـَيْـر انـْـتِـهَـاءٍ كَـمَـدِّ الـبـِحَـار بـكُـلِّ الـزَّبَـدْ
كَـرَسْـم الـمَـحَـاجـِر فِـي مُـقـْـلـَـتـَيَّ وبَـعـْـضُ الـجَـمَـال يُـثِــيـرُ الـرَّمَـدْ
فـَلا الـحُـسْــنُ صَـدَّ ذنـُوبَ الـحِـسَـان ِ ولا الـفِـكـْرُ عـَـدَّ عُـيُـوبَ الـحَـسَـدْ
ذِئـابٌ مِـنَ الـشَّـرْق طـَاحَـتْ وصَـاحَـتْ ذئـَابٌ مِـنَ الـغـَرْبِ نِـدٌ بـنـِدْ
وتـَاهَـتْ عُـلـُومُـنـَا فِـي كُـلِّ دَرْبٍ وشُـلـَّـتْ عُـقـُولـُـنـَا عَـنْ أيِّ رَدْ
لِـيَـبْـقـَى الـسّـُؤالُ بـغـَيـْر جَـوَابٍ طـَريـقُ الـسَّـمَـاءِ لِـمَ لا يُـحَـدْ ؟! لِـمَ لا يُـحَـدّ ُ ؟! لِـمَ لا يُـحَـدْ ؟! وحِـرْتُ مَـعَ الـبَـحْـر فِـي كُـلِّ جَـذر ٍ وحَـارَ مَـعِـي الـبَـحْـرُ فِـي كُـلِّ مَـدْ
عِـقـَابُ الـسَّـمَـاءِ وخَـيْـرُ الـسَّـمَـاءْ لِـمَ لا يُـحَـدّ ُ ؟! لِـمَ لا يُـحَـدْ ؟!
8/ ( عَـرَفـَاتْ ) .
عَـرَفـَاتْ ، عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
عَـرِّفِـي الـنـَّـفـْسَ بـرَبِّـكْ عَـفـِّـفِـي الـحُـسْـنَ بـحُـسْـنـِّـكْ طـَهـِّري الـحُـبَّ بـحُـبِّـكْ غـَيْـرُ مَـا فِـيـكِ مَـاتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
بَـعْـدَ أنْ صَـفَّ نـَهْـرُكْ أتـْعَـبَ الـقـَاربَ بُـعْـدُكْ أنـْشُـدُ الأمْـنَ بـحِـصْـنِـكْ وحَـنِـيـنَ الذكْـرَيَـاتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
كُـلـَّمَـا أدْنـَيْـتِ مِـنـِّي زالـتْ الـغـَفـْـلـَة ُعَـنـِّي أشْـعُــرُ الآنَ بـأنـِّي كُـنـْتُ بـالأمْـس رُفـَاتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
كَـفـْكِـفِـي الـدََّمْـعَ بـعَـيْـنِـي عَـلـِّلِـي الـهَــمَّ بـأنـِّي حِـرْتُ بـالـحُـزن وأنـِّي لِخـَيْـر مَـا فِـيـكِ آتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
أطـْعِـمِـي الـجُـوعَ بـزَمْـزَمْ آمَـنَ الـقـَـلـْبُ وسَـلـَّمْ وتـَمَـلـَّى و تـَعَـلـَّمْ بَـعْــدَ رَمْـي الـحَـصَـيَـاتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
أحْـضُـنُ الآنَ رمَـالـَك وتِـلالـَك وجـِبَـالـَك زَلْـزَلَ الـرّ ُوحَ وأحْـيَـاهَـا جَـمـالـُك وجَـلالـُك هُـوَ عِـيـدُك و وعِـيـدُك ذلـَـلَ الـصَّـعْـبَ لِـذاتْ عَـرَفـَاتْ .. يَـا عَـرَفـَاتْ
9/ ( شَــرَكُ الـحَـيَـاة ) .
كُـلّ ُ الـدّ ُرُوبِ سَـلـَـكْـتـُهَـا وسَـألـْتُ مَـنْ قـَـبْـلِـي سَـلـَـكْ
وخَـبَـرْتُ مِـنْ أخـْبَـارهَـا أرْضًـا وبَحْـرًا أوْ فـَـلـَـكْ
عَـشِـقـْتُ أنـْـفـَاسَ الـضّـُحَـى ودُجـىً بـلـَيْـل ٍ قـَـدْ حَـلـَـكْ
ونـَثـَرْتُ نـَفـْسِـي فِـي فـَضَـاءٍ أوْحَـى لِـي مَـا أوْحَـلـَـكْ
فـَعَـرَفـْتُ أنـِّي هَـالِـك ٌ ومُـوَدِّع ٌ مَـنْ قـَـدْ هَـلـَـكْ
مَـا أوْهَـنَ الـعُـمْـرَ الـَّـذِي يَـمْـضِـي وقـَـدْ أفـْضَـى لِـشَـكْ
تـُرْدِي الـجَـهَـالـَة ُعَـالِـمًـا ويَـضِـيعُ فِـي الـدنـْيَـا مَـلـَـكْ
ويَـتِـيهُ فِـي أحْـلامِهِ قـَـلـْبٌ مُـعَـنـَّى بـالـشَّــرَكْ
نـَبـَضَـاتـُهُُ أنـْبَـاؤهَـا أنَّ الـحَـيَـاة َ هِـيَ الـشَّــرَكْ
والـخَـلـْقُ فِـي أرْجَـائِهَـا لاه ٍ بـأعْـتـَى مُـعـْـتـَرَكْ
10/ ( جَـلـْجَـلـَة ) .
شَـهـِدَ الـشّـُهُـودُ بـأنَّ لِـي وَلـَعـًا بـالـصَّـالِـحِـيـنَ وأنـَّـنِـي إنـْسَـانْ إذ ْ أسْـتـَمِـدّ ُ مِـنَ الـسَّـمَـاحَـةِ مَـنـْطِـقِـي فـَـيَـمُـدَّنِـي بـالـعَـفـْو والإحْـسَـانْ ألِـفٌ رَقِـيـقٌ لا تـُرَدّ ُ سَـمَـاحَـتِـي بـالـطـّـُهْـر كـالأطـْفـَال كـالـحِـمْـلانْ لا أبْـتـَغِـي مِـمَـا يَـدُورُ بـسَـاحَـتِـي بَـغـْـيـًا يُـزيـلُ نـَزاهَـة َ الـمِـيـزانْ ويَـرُومُ مِـنْ مَـوْج الـبُحُـور مَـآثِـرًا تَـفـْـنَـى مَـعَ الأيَـام والأزْمَـانْ يَـشْـتـَط ّ ُ فِـي صَـلـَفٍ بـمَـاض ٍ قـَـدْ بَـلـَى وتـآكَـلـَتْ مِـنْ مَـائِـهَـا الشّـُـطـْـئـَانْ وتـَضَـاءَلـَتْ أضْـوَاءُهَـا فـَتـَدَثـَّـرَتْ بـالـخِـزْي بـالإذلال بـالإذعَـانْ مَـا بَـالُ أقـْوَام ٍ تـَـنـَاءَى مَـجْـدُهُـمْ فـَغـَدَوا كَـدودِ الأرْض كـالـجُـرْزانْ
لـَمْ يـألـَفـُوا شَـرَفَ الـجـِهَـادِ بـجَـهْـلِهـمْ زَعَـمُـوا الـحَـضَـارَة َ مَـرْقـَصًـا وقِـيَـانْ لـمْ يَـعْـرفـُوا عُـرْفـًـا ولا كـَانَ لـَهـمْ فِـي الـحَـقِّ سَـهْـم ٌ نـَاصَـروا الـخـُذلانْ تـَرَكـُوا الأصَـالـَة َ فِـي ذرَاهَـا تـَـنـْـتـَحـِـبْ إنَّ الأصُـولَ بـشَـرْعِـهـمْ عُـدْوَانْ هَـجَـرُوا الـمَـسَـاجـِدَ لـمْ يُـدِيـرُوا دَوْرَهَـا فـَـتـَحَـوَّلـُوا مِـنْ هَـجْـرهـمْ عُـمْـيَـانْ يَـتـَخـَـبَّـطـُونَ مِـنَ الـضَّـلالـَةِ فِـي الـهَـوَى بَــلْ هُـمْ عَـلى شُـرُفٍ مِـنَ الـنـِّيـرَانْ وأقـُومُ أصْـرُخُ لا تـَبـِـيـعـُوا دِيـنـَكُمْ بـالـمَـال أوْ بـالـجَـاهِ لـلـشَّــيْـطـَانْ لـلـطـَّامِـعِـيـنَ الـحَـاقِـدِيـنَ تـَجَـمَّـعُـوا يَـبْـغـُونَ كُـفـْرًا فِـي رُبَـا الإيـمَـانْ ! وأظـَـلّ ُ أصْـطـَرخ ُ الـقـُلـُوبَ لـَعَـلـَّهَـا تـَـنـْـأى عَـن الإفـْـسَـادِ والـعِـصْـيَـانْ ويـظـَـلّ ُ يَـشْـدُو مِـنـْبـَري ولِـمِـنـْبـَري فِـي الـحَـقِّ جَـلـْجَـلـَة ٌ وسِـحْـرُ بَـيَـانْ تـَسْـمُـو بـهَـا نـَفـْسِـي ويَـعْـلـُو قـَدْرُهَــا يَـوْمَ الـتِـقـَائِـي بـالـنـَّبي الـعَـدْنـَانْ 11/ ( رَسُـول ٌ و رسَـالة ) . تـَلـَفـَّتُ حَـوْلِـي .. فـَـلـَمْ أرَ غـَـيْـرَ عَـدَاءٍ قـَبـيح ٍ
ولـَمْ أرَ غـَـيْـرَ الأسَـى والضَّـجَـرْ
ولـَمْ أرَ ضَـوْءًا بـِشَـمْـس النـَّهَـار ِ ولـَمْ أرَ فِـي الأفـْق سِـحْـرَ الـقـَمَـرْ تـَلـَفـَّتُ حَـوْلِـي .. لـَعَـلـِّى أجـِدْ وَاحَـة ً فِـي زَمَـان ٍ
يَـلـُفّ ُ الـبَـرَايـا بـِزيـفِ الصّـُـوَرْ
فـَـلـَمْ أرَ غـَـيْـرَ الـرَّدَى والـفـَـنـَاءْ ولـَمْ أرَ غـَـيْـرَ ارْتِـدَادِ الـبَـصَــرْ تـَلـَفـَّتُ حَـوْلِـي .. وكُـلـِّى أمَـلْ لـَعَـلـِّى أجـِدْ مَـا يُـعِـيـنُ الـفـُؤادَ عَـلى حَـمْـل ذاكَ الأذى الـمُـسْـتـَطـَرْ لـَعَـلَّ ابْـتـِسَـامَة َ طِـفـْـل ٍ وَلِـيـدٍ
تــُزيـح ُعَـن الـكَهْـل سُـوءَ القـَدَرْ
فـَـلـَمْ أرَ غـَـيْـرَ نـَحـيـبِ بُـكـَاءٍ
يَـرُدّ ُ الـثـَّـكـَالـَى لـمُـر ٍ أمَــرْ
ولـَمْ أرَ غـَـيْـرَ احْـتِـدام الـمَـنـَايَـا وَكَـفّ ُ الـحَـيـاةِ بهَـا تـُحْـتـَضَــرْ فـَلا تـَسْـألـُونِـي .. عَـن ِ الـعَـدْل والـفـَضْـل والأمْـنِـيَـاتْ ولا تـَسْـألـُوا الـنـِّيـلَ عَـنْ شَـاطِـئَـيْـهِ ولا تـَسْـألـُوا اللـيْـلَ عَـنْ أمْـسِـيَـاتْ فـَلا الـبِّـرُ عَـادَ كـَمَـا يَـنـْبـَـغِـي ولا الـشَّــرُ زالَ بـعُـرْفِـي ومَـاتْ أشَّــرُ مِـنَ الشَّــر أنْ نـَتـَّـقِـيـهِ بـقـَتـْل الحُـقـُوق ودَفـْن الـرّ ُفـَاتْ وغـَلـْق الـعُـيُـون عَـن الـنـَـُور لـَمَّـا
تـَبَـدَّى وأبْـدَى نـَذِيـرًا وفـَاتْ
ومَـرَّ بـصَـدْري فـَأدْرَكْـتُ أنـِّي
نـَذِيـرٌ لـقـَوْمِـي بـنـَبْـذِ السّـُـكـَاتْ
12/ ( الـمَـديـنـَة ُ الـفـاضِـلـَة ) .
أنـا مَـنْ بَـنـَيْـتُ مِـنَ الـخـَيـال مَـديـنـَة ً وسَـطـَرْتُ مِـنْ أوْهـامـهـا دُسْـتـوري وصَـنـَعْـتُ مِـنْ مَـوْج الـبـُحـور مَـلاحِـمًـا ونـَثـَرْتُ في الأجْـواء عِـطـْـرَ زُهـوري وجَـعَـلـْتُ أنـْـفـُخُ في تـُراب حَـديـقـَـتي
حَـتـَّى أشَــعَّ الطـِّيـنُ بـالـنـّـُور ِ
ورَفـَضْـتُ أنْ أحْـيـا كَـمـا يَحْـيـا الـوَرى بَـيْـنَ الـطـّـُيـور سَـعـادَتي وحُـبـوري طـَوَّفـْتُ في الآفـاق مُـبْـتـَهـِجــًا بـِمـا رَصَـدَتْ عُـيـوني أوْ وَعـاهُ شُـعـوري وأطـَلـْتُ في التـِّرْحـال ِ حَـتـَّى أنـَّـني مـا عـادَ لي وَطـَنٌ حَـقٌ بـمَـنـْظـوري فـَرَجَعْـتُ أبْـتـَهـِلُ الـقـَصـيـدَ مُـؤَمِّـلا ً فـَلـَعَـلـَّهُ وَطـَني .. ولـَعَـلـَّهُ دوري وبَـدَأتُ أقـْـرَأ ُ مـا كَـتـَبْـتُ فـَسـاءَني أنـِّى قـَعـيـدٌ مـا بَـرَحْـتُ سُـطـوري
13/ ( لـَنْ أرْقــُصَ يَـوْما ً في الـعُـرْس ) .
الـعُـمْـرُ شَـظـايـا أ ُقـْصـوصَة ْ تـَرْويهـا أحْـداثُ الأمْـس ِ تـَتـَشَـكَّـلُ وَهْـمـًا في الأحْـلام ِ وتـَسْـكُـنُ في غـُرْبَـة نـَفـْسي تـَتـَعـاظـَمُ شِـعْـرًا كـالأشْـجـار ِ وتـَهْـوي في ظـُلـْمَة يَـأسى تـَتـَصـارَعُ في نـَزْف حُـروفي تـَتـَسـارَعُ أبْعَـدَ مِـنْ حِـسِّي وتـَعـودُ لِـتـُسْـعِـدَ راويَـتي بـالحُـزْن الـمُـتـْرَع في كَـأسي تـَتـَمـادى في الـعَـرْض وتـَحْـكي وأنـا مَـصْـلـوبٌ مِـنْ رَأسي أسْـتـَعْـذِبُ حـيـنــًا مـا تـَرْوي وأقـاومُ أحْـيـانــًا هَـمْـسي وتـُعـانِـدُ راحِـلـَتي أبَـدًا لـَنْ تـَمْـضيَ في أرْض الـبـؤْس ِ
ويَـزيـدُ مَـعَ الـسَّـرْد يَـقـيـني بـالـخَـطـَر الـدَّاهِم في أ ُنـْسي بـالـظـُـلـْم الـنـَّابي يـَغـْـلِـبُـني ويُـحـابي مَـنْ يَـحْـفِـرُ رِمْـسي بالسّـُـم الـقـاتِـل يُـحْـيـيـني لـَنْ أحْـيـا مِـنْ غـَـيـِر الـقـُـدْس ِ لـَنْ أقـْبَـلَ يَـوْمـًا مـا رَفـَضـَتْ أحْـجـارُ الأزْهَـر في بَـأس ِ فـَلـْيَـسْـقـُط ْ أنـْصـارُ الـهَـيْـكَـلْ ولـْيَـسْـقـُط ْ مَـنْ نـادَى بـِحَـبْـسي مـا فـَعَـلـوا إلا مَـفـْسَـدَة ً مـا زَعَـمـوا إلا مـا يُـنـْـسِي أنـْوارَ الـحَـقِّ الـمَـأمـولـَة ْ لِـيَـعـيـشَ الـنـَّاسُ بـِلا شَـمْـس ِ مـا أوْضَـعَ أنْ يَـحْـكُـمَ فـيـنـا عُــبَّـادُ الـسّـُـلـْطـَةِ والـكُـرْسي مـا أضْـيَـعَ أنْ نـَهْـجُـرَ ديـنــًا مُـكْـتـَمِـلَ الـبـِنـْيـَةِ والـجَـرْس ِ ونـَظـَلّ ُ نـُهـادي عـاديـنـا ونـَدورُ ونـَرْقـُصُ في الـعُــرْس ِ 14/ ( سَـلِـمَـتْ يَـمـيـنـُـكَ يـا زُوَيْـد ) . إهداء إلى " مُـنـْـتـَـظـَر الزَّيْـدي " ( الفارس الـَّذي يقاتلُ الأعداءَ بالحذاء ) سَـلِـمَـتْ يَـمـيـنـُـكَ يـا بُـنـَيَّ وحُـزْتَ فـَوْقَ الـمَـجْـد مَـجْـدْ
أذهَـبْـتَ غـَيْـظ َ قـُـلـُوبـنـا
ورَفـَعْـتَ هـامَـتـَـنـا بــرَدْ
أضْـحى الـحِـذاءُ سَـبـيـلـَهُ وسَـبـيـلـَـنـا في كُـلِّ وَغـْـدْ
جَـزَّ الرِّقـابَ ولـَمْ يَـعُـدْ يَـحْـفـَـلْ بـلـَوْم ٍ أوْ بـِصَـدْ
حَـقــًا صَـدَقـْتَ ولـَمْ يَـكُـنْ
جـُرْمــًا فـَعَـلـْتَ ونـَعْـتـَـقِـدْ
مـا ضـاعَ قـَوْم ٌ بَـيْـنـَهـمْ مَـنْ كـانَ مِـثـْـلـُـكَ يـازُوَيْـدْ أنـا ذا أراكَ كَـمـا أرى أبْـطـالَ بَـدْر ٍ أوْ أ ُحُـدْ
وضَـعـوا الـقـَواعِـدَ لـلـوَرى في الـحَـقِّ لـَمْ يَـخـْـشـوا أ َحَـدْ
فـَتـَنـَزَّلـَتْ في أمْـرهـمْ طـَهَ مُـحَـمَّـدْ والـصَّـمَـدْ
وازْدانَ مِـنْ أنـْوارهـمْ مَـنْ سـارَ لـلـبُـشْـرى وجَّـدْ
حَـقــًا صَـدَقـْتَ ولـَمْ يَـكُـنْ جـُرْمــًا فـَعَـلـْتَ ونـَعْـتـَـقِـدْ
مـا ضـاعَ قـَوْم ٌ بَـيْـنـَهـمْ مَـنْ كـانَ مِـثـْـلـُـكَ يـازُوَيْـدْ
يـا أ ُمَّـة َ الـقـُرْآن هـذا شَـرْعُـكُـمْ إنْ تـَعْـرفـوهُ فـَجـاهِـدوا أعْـداءَكُـمْ
لا تـَرْكـَنـوا لـلحاقِـديـنَ يَـسـوؤُهـمْ
نـَهْـج ٌ قـَويـم ٌ أنـْزَلَ اللهُ لـَكُـمْ
هُـبّـُـوا لـنـُصْـرَة ديـنِـكُـمْ ونـَبـِيِّـكُـمْ لا تـُغـْـلـَبـونَ وفى هُـداهُ دَلـيـلـُكُـمْ
هَـيَّـا ولـَبـّـُوا دَعْـوَة َ الـرَّبِّ المـُعـيـنْ تـَلـْقـَوْنَ عِـزًا فـَوْقَ عِـزِّ ثــَبـاتـِكُـمْ
فـَإلى مَـتى تـُـسْـقـَوْنَ مِـنْ نـَفـْس الـمَـعـيـنْ وإلى مَـتى تـَسْـتـَمْـرؤونَ سُـبـاتـَكـُمْ
وإلى مَـتى تـَحْـيـونَ كَـالـمَـوْتى ولا تـَسْـعـونَ يَـوْمــًا في اجْـتـِنـاب خِـلافِـكُـمْ
يـا أ ُمَّـة َ الإسْـلام هـذا ديـنـُكُـمْ شَـرَفٌ عَـظـيـمُ الـقـَدْر مُـنـْـتـَـظـَـرُ
شَـرَفٌ أضـاءَ الـكَـوْنَ مَـشْـرقـُهُ يَحْـمي الحَـيـاة َ فـَلا مَـوْتٌ ولا حَـذ َرُ
لـَوْ تـُدْركـونَ جَـلالَ الأمْـر مـا شَـقِـيَّـتْ نـَفـْس ٌ لـَكُـمْ تـَنـْأى تـَهْـوي وتـَـنـْـتـَحِـرُ
أوْ تـَشْـعُـرونَ جَـمـالَ الأجْـر مـا بَـقِـيَّـتْ صُـوَرُ الـجَـمـال بـنـَبـْض الـعَـيْـن فـاعْـتـَبـِروا
ولـْيَـسْـتـَـقِـمْ بـالـدِّيـن ثـُمَّ الـدِّيـن مَـوْكِـبُـكُـمْ لا خـَيْـرَ في غـَرْس ٍ مِـنْ غـَيْـر مـا ثـَـمَـرُ
ولـْيَـسْـتـَعِـنْ بـالـعِـلـْم ثـُمَّ الـعِـلـْم كَـوْكَـبـُكُـمْ لا خـَيـْرَ في طـَـقـْس ٍ مِـنْ غـَـيْـر مـا مَـطـَرُ
15/ ( رَسُـولُ الـسَّـلام ) .
إلى روح الشهيد " ياسر عرفات "
( البطل الذي قتله الأعداء .. وظلمه الأصدقاء )
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ ورَمْـزًا تـَفـَرَّدَ فِـيـنـَا وقـَامْ وفـَجْـرًا تـَبـَدَّى لِـكُـلِّ الـعُـيُـون وبَـدَّدَ بـالحُـبِّ قـَلـْبَ الـظـَّلامْ فـَكـَانَ عَـلى الـبُـعْـدِ نـَجْـمًـا تـَهَـادَى
وكـَانَ عَـلى الـقـُرْبِ بَـدْرَ الـتـَّمَـامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى إلى الـمُـلـْتـَقـَى
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى جَـنـَّةِ الـخـُلـْدِ لـَنْ تـَسْـتـَعِـدَّ
لـغـَيْـركَ مَـهْـمَـا يَـكُـنْ مِـنْ كِـرَامْ
بـِظِـل ٍ ظـَلِـيـل ٍ وسِـحْـر ٍ جَـلِـيـل ٍ وفـَيْـض ٍ مِـنَ الـنـّـُور والانـْسِـجَـامْ بـِوَصْـل الـحَـبـيـبِ الـذِي تـَرْتـَضِـي تـَفـَضَّـلَ بـالـوَصْـل خـَيْـرُ الأنـَامْ إلى الـمُـلـْتـَقـَى إلى الـمُـلـْتـَقـَى
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
عَـرَفـْتَ الـحَـيَـاة َعَـلى وَجْـهـِهَـا
نِـضَـالا ً تـَخـَطـَّى حُـدُودَ الـكَـلامْ
وعُـمْـرًا يَـفِـيـضُ عَـلى الأرْض أمْـنـًا
ويَـنـْدَح ُعَـنـْهَـا شُـرُورَ الـلـئـَامْ
ويَـطـْرَح ُعَـنـْهَـا سُـمُـومَ الأفـَاعِـي ويَـغـْرسُ فِـيهَـا بـُذورَ الـوئـَامْ إلى الـمُـلـْتـَقـَى إلى الـمُـلـْتـَقـَى
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
تـَمَـثـَّـلـْتَ فِـيـنـَا بـِغـَيْـر افـْـتِـعـَال ٍ دُرُوبًـا مِـنَ الـصِّـدْق والاحْـتِـرَامْ وعِـشْـتَ الـبُـطـُولـَة َ فِـي زَهْـوهـَا
فـَصَـارَتْ لـَكَ الـيَـوْمَ نِـعـْمَ الـوسَـامْ
وصِـرْتَ الـشَّـهـِـيـدَ الـذِي نـَفـْـتـَدِي ونـَفـْخـَرُ أنـَّا شَـهـِدْنـَا الـمُـقـَامْ إلى الـمُـلـْتـَقـَى إلى الـمُـلـْتـَقـَى
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
تـَصَـدَرْتَ شَـعْـبًـا وأ ُمـَّة ْ فـَأذكَـتْ بـِرُوحِـكَ هِــمَّـة ْ وأضْـحَـتْ كَـشَـمْـس الأصِـيـلْ تـَجُـودُ بـِسِـر الـوُجُـودْ وأصْـبَحْـتَ لـَحْـنـًا شَـجـِـيـًا يُـثِـيـرُ الـنـَّدَى والـجُـنـُودْ ونـَبْـضًـا عَـفِـيـفـًا أبـِـيًـا يُـذكِّـرُنـَا بـالـجُـدُودْ ويَـدْفـَعُ عَـنـَّا هُـمُـومَ الـحَـيَـارَى ويَـدْفـَعُ أحْـلامَـنـَا لـلأمَـامْ إلى الـمُـلـْتـَقـَى إلى الـمُـلـْتـَقـَى
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
إلى الـمُـلـْتـَقـَى يَـا رَسُـولَ الـسَّـلامْ
16/ ( لـَوْ تـَدَبَّـرْتَ قـَـلِـيـلا ً ) .
يَـبْـسُـط ُ الأرْزاقَ رَبّ ُ الـكَـوْن ِ لا أنـْتَ .. ولا مَـنْ كـَانَ قـَبْـلـَكْ يِـا بَـصِـيـرَ الـعَـيْـن لـَوْ أبْـصَـرْتَ حَـقــًا كُـنـْتَ أبْـصَـرْتَ جَـهْـلـَكْ تـَـدَعِـي أنـَّـكَ تـُعْـطِـي ؟! تـَـدَعِـي أنـَّـكَ تـَمْـنـَعْ ؟! كَـمْ أضَــلَّ الـكِـبْــرُ أقـْوَامًـا وغـَـرَّكْ أنـْتَ فـَوْقَ الأرْض تـَـسْـعَـى كـَانَ أمْـرُ الـخَـلـْـق أمْـرَكْ يَـا حَـكِـيـمًـا إذ ْ تـَمَـنـَّى يـا مَـلِـيـكـًا مَـا مَـلـَـكْ لـوْ تـَـدَبَّـرْتَ قـَـلِـيـلا ً ؟! لـوْ تـَـدَبَّـرْتَ قـَـلِـيـلا ً
مَـا تـَرَدَّيْـتَ ولا
أرْدَيْـتَ غـَـيْـرَكْ 17/ ( الـمَارقـُون ) . فِـي قـَـيْـدِ أسْـري لـَمْ أزَلْ فِـي قـَاع بـِئـْري لـَمْ أزَلْ فِـي بَـطـْن حُـوتِـي لـَمْ أزَلْ فِـي جَـوْفِ كَـهْـفِـي لـَمْ أزَلْ مِـنْ غـَيْـر نـَائِحَـةٍ لـَـنـَا تـَبْـكِـي سُـطـُوري فِـي وَجَـلْ مَـصْـلـُوبَـة ً تـَمْـضِـي الـحَـيَـاة ُ بـِلا بَـريـق ٍ أوْ أمَـلْ الـشَّـرُ أحْـكَـمَ قـَبْـضَـتـَهْ والـمَـكْـرُ أمْـسَـى مُـقـْـلـَـتـَهْ والـجُـورُ أمْـعَـنَ فِـي الـضَّـلال ِ فـَـلـَمْ يُـوَار ِ سَـوْأتـَهْ الـمُـفـْسِـدُونَ تـَآمَـرُوا صَـنـَعُـوا بهـذا دَوْلـَتـَهْ والـمُـجْـرمُـونَ تـَآزَرُوا جَـعَـلـُوا لهـذا سَـطـْوَتـَهْ والـمَـارقـُونَ بـِكُـلِّ أرْض ٍأضْـرَمُـوا حَـرْبًـا ضَـرُوسًـا كـَيْ يُـزَكّـُـوا رَايَـتـَهْ
حَـشَـدُوا الـحُـشُـودَ كـَأنـَّهُـمْ
يَـحْـيَـوْنَ مِـنْ مَـجْـدِ الـطـّـُغـَاة ْ
والـمَـوتُ لـلأرْض الـتِـي
حَـمَـلـَتْ وأنـَّتْ بـالـحَـيَـاة ْ!
واللهُ مِـنْ فـَوْق الـطـّـُغـَاةِِ مُـقـَدِرٌ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ .. تـَبْـقى الـحَـيَـاة ْ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ُ رَحِـيـمَـة ً وأمِـيـنـَة ً
وجَـمـيـلـَة ًً تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ُ لِـكُـلِّ صُـنـَّاع الـحَـيَـاة ْ الـمُـؤمِـنِـيـنَ الـعَـامِـلِـيـنْ
الـصَّـالِـحِـيـنَ الـمُـصْـلِـحِـيـنْ
الـمُـخـْـلِـصِـيـنَ لـعِـلـْمِـهـمْ ولـدِيـنِـهـمْ
ولأمِّـهـمْ تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ
تـَبْـقـَى الـحَـيَـاة ْ
18/ ( الصَّـادِقـُون ) .
لـَـيْـسَ سِـرًا أنـَّـنِـي كُـنـْتُ أ ُعَـانِـي مِـنْ صَـدِيق ٍ بـَاعَ أوْرَاقَ الـقـَـضِــيَّـة ْ
لـَـيْـسَ سِـرًا أنـَّـنِـي الآنَ أ ُعَـانِـي مِـنَ الأهْـوَاءِ مِـنْ نـَفـْـسِـي الـشَّـقِــيِّـة ْ
بَـيْـنَ أمْـس ٍ مَـرَّ والـيَـوْم ِ قـُرُونْ كـّمْ مِـنَ الأجْـيَـال ِ وَلـَّى ؟ كـَمْ تـَوَلـَّى مَـنْ يَـخـُونْ ؟!
هـذه الأوْطـَانُ هَـانـَتْ كـُلـَّمَـا هَـانـَتْ نـَهُـونْ
حِـكْـمَـة ُ الأقـْـدَار لـَوْ أحْـكَـمْـتَ نـَـقـْـلا ً لـَيْـسَ يَـجْـنِـي الـظـّـُـلـْـمَ إلا الـظـَّالِـمُـونْ
لـَنْ يُـصِـيـبَ الـشَّـرُ إلا فـَاعِـلـَهْ لـَنْ يَـنـَالَ الـبِّـرَ إلا الصَّـادِقـُونْ
صَـادِقٌ مَـنْ عَـاشَ يَـبْـنِـي قِـيَـمًـا تـَسْـتـَمِـدّ ُالحـُسْـنَ مِـنْ شَـرْع ٍ مَـصُـونْ
صَـادِقٌ مَـنْ مَـاتَ يَـحْـمِـي قِـيَـمًـا فِـي قـُلـُوبٍ سَـاءَهَـا هـذا الـمُـجُـونْ
صَـادِقٌ مَـنْ كـَانَ فِـي إحْـسَـانِهِ مِـثـْـلُ نـَبـْع ٍ فـَاضَ بـالـوَصْـل الـحَـنـُونْ
صَـادِقٌ حِـيـنَ يُـصَـلـِّي صَـادِقٌ حِـيـنَ يُـغـَـنـِّي صَـادِقٌ حِـيـنَ يُـعَـانِـي مِـنْ بَـلاءٍ أوْ جُـنـُونْ
19/ ( الـدِّيـنُ و الـحَـيَـاة ) .
تـَـفـْـنـَى الـحَـيَـاة ُ بـِلا حُـلـْم ٍ نـُطـَاردُهُ تـَـفـْـنـَى الـحَـيَـاة ُ بـِلا أمَـل ٍ يُـنـَادِيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا عَـمَـل ٍ نـُـتـَمِـمُـهُ تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ إذا غـُـلـَّـتْ أيـَادِيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِذِي عَـبَـثٍ يُـبَـدِدُنـَا ولا يَـدْري ... فـَيُرْدِيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا غـَيْـثٍ يُـجَـدِدُنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ إذا مَـا شـَابَ وادِيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا حِـس ٍ نـَجُـوز ُ بـِهِ تِـيهَ الـفـَضَـاءِ فـَلا شُـهُـبًـا تـُرَدِّيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا حِـصْـن ٍ نـَـلوذ ُ بـِهِ إنْ غـَابَ قـَائِـدُنـَا وانـْـقـَضَّ عـَادِيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ إذا
مَـا ارْتـَدَّ رائِـدُنـَا أوْ سَـادَ فـَاسِـدُنـَا أوْ ضَـلَّ نـَادِيـنـَا
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا عِـلـْم ٍ بـِهِ نـَسْـعـَى تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا حِـلـْم ٍ يُـقـَـوِّيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا حُـبٍ يُـجَـمِّـعُـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا عَـفـْو ٍ يُـعَـافِـيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا شَـمْـس ٍ تـُبَـشِّـرُنـَا بَـعْـدَ الـظـَّلام بـِنـُور اللهِ يَـأتِـيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا عَـلـَم ٍ يُـعَـلـِّمُـنـَا شُـكْـرَ الإلهِ وبَـعْـضُ الـشّـُـكْـر يَـكْـفِـيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا أسْـمَـاءَ قـَدْ جَـاءَتْ مَـعَ الـمُـخْـتـَار تـُرْشِـدُنـَا وتـَهْـدِيـنـَا تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا أضْـوَاءَ قـَدْ زانـَتْ وَجْـهَ الـحَـيَـاةِ وبـالأحْـيَـاءِ تـُحْـيـيـنـَا ( تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ْ )
تـَـفـْـنـَى الـحَـيـَاة ُ بـِلا
عَـهْـدٍ نـُعـَاهِـدُهُ بـِلا صَـبْـر ٍ نـُكـَابـِدُهُ
بـِلا دِيـن ٍ يُـدَاويـنـَا
20/ ( حَـوْضُ الأشْـوَاك ) .
يَـا مَـنْ تـَجْـنِـي حَـوْضَ الأشْـوَاكْ أتـَرَانِـي فِـي الأشْـوَاكِ أسِـيـرْ أمْ أنَّ الـشَّـوْقَ يُـرَاودُنِـي فـالحُـلـْمُ عَـسِـيـرْ والـصّـُـبْـحُ سَـيَهْـفـُو ويُـغـَـنـِّي ويَـطِـيـرْ إنـِّي أخْـطـُـفُ شَـمْـسِـي خـَطـْـفــًا والـنـَّجْـمُ يُـرَاقِـبُـنِـي فـَيَـسِـيـرْ ويَـظـَـلّ ُ يُـرَدِدُ مِـنْ خَـلْـفِ سَـحَـابِ الـتـَّبْـشِـيـرْ أنـِّى سَـأسِـيـرْ سَـأسِـيـرْ
أنـِّى أمْـضِـي بَـيْـنَ الأحْـزانْ وسَـألـْبَـسُ ثـَوْبَ الأحْـزانْ فـأرُوحُ وأغـْدُو وأصَـلـِّي خَـلـْـفَ الأحْـزانْ وأدَارى كَـفـِّي فِـي كَـفـِّي فـَيَـذوبُ الـضَّـوْءُ الـمُـتـَخَـفـِّي بَـيْـنَ الأحْـزانْ لـَكـنـِّي أسِـيـرْ
سَـأسِـيـرْ
21/ ( نـُورُ الـيَـقِـيـن ) .
مَـالِـي أتـُوقُ لِـوَاحَـتِـي بَـيْـنَ الـضّـُـلـُوع فـَلا أبـِـيـنْ وأجُـولُ بَـيْـنَ مَـلامِـح ٍ صَـفـْـرَاءَ بَـاهِـتَـةِ الـجَـبِـِـيـنْ وأ ُسَـائِـلُ الـنـَّجْـمَ الـَّـذِي مَـا كـَانَ يُـدْركُـهُ الأ ُفـُولْ هَـلْ كُـنـْتَ إلا ذلِـكَ الـوَهْـمَ الـدَّفِـيـنْ ؟!
هَـلْ كـَانَ ضَـوْءُكَ يَـخْـدَعُ الأبْـصَـارْ أمْ كُـنتَ تـَهْـوَى الارْتِـحـَالْ وتـَرَكْـتَ فِـي الأفـُق البَـعِـيـدْ بَـعْـضَ الـقـَريـضْ أوْ ذلِـكَ التـِّـذكـَارْ ؟!
قـَـدْ كـَانَ حُـسْـنـُكَ يَـزْدَري سِـحْـرَ الـقـَمَـرْ رُغـْمَ الحَـريقْ بـجَـمْـر قـَـلـْبـِكَ والسَّـفـَرْ رُغـْمَ الـطـَّـريـقْ وظـُلـْمَـةِ الآفـَاقْ فـَـكَـمَـالُ وَصْـفِـكَ فـَوْقَ إدْرَاكِ الـبَـشَـرْ
فـَـلِـمَـنَْ يَـجُـودُ بـحُـمْـق أحْـلام المَـسَـاءْ ويَـذودُ عَـنـِّي صِـدْقَ أحْـلام الـنـَّهَـارْ إنـِّي أقـُولُ ولـَسْـتُ أخـْـشَـى الانْـتِـظـَارْ سَـأكـُونُ فِـي يَـوْم ٍ شِعَـارْ
يَـحْـمِـي الـحَـيَـاة َ لـكُـلِّ عَـاشِـقْ ويُـزيـلُ مِـنْ قـَلـْبـِي الـمَـوَاتْ يُـحَـاورُ الأشْـبَـاحَ والـمَـشَـانِـقْ يُـعِـيـدُ لِـي بَعْـضَ الـسِّـمَـاتْ حُـرًا طـَلِـيـقـًا لـَـسْـتُ أخـْـشَـى أنْ أ ُجَـنْ وهِـبَـاتُ رُوحِـي تـَرْتـَضِـي بَـعْـضَ الـمِـحَـنْ أشْـتـَاتُ مِـنْ صُـوَر الأنِـيـنْ أريـدُ ألا تـَأتـَـلِـفْ
وتـَـلـُـفّ ُ كَـفـِّي بَـيْـنـَهَـا
كَـيْـمَـا أضِـيعْ ولـَنْ أضِـيعْ سَـتـَكـُونُ لِـي نـَفـْسٌ قـَريـرَة ْ ولـَوْ أبـِيـتُ بـلا يَـدِي وتـَكـونُ لِـي فِـيكُمْ شَـعِـيـرَة ْ أ ُزَفّ ُ فِـي ثـَوْبٍ نـَـدِي يَـقـُودُنِـي نـُورُ الـيَـقِـيـنْ ولـَسْـتُ أنـْسَـى مَـرْقـَـدِي
22/ ( وَقـْـفـَـة ) .
رَفـَعْـتُ الـعِـلـْمَ حَـتـَّى كـَانَ مِـنـِّي
أثِـيـرُ سَـريـرَتِـي ورَبـِـيـبُ بَـيْـتِـي
ورَافـَقـْتُ الـمَعـَاجـِمَ حِـيـنَ أسْـدَتْ
إلىَّ بـنـُصْـحِهـَا فِـي كُـلِّ وَقـْت ِ
فـَلـَمْ أنـْعـَمْ بتـَرْدِيـدِ الـغِـنـَاءْ
ولـَمْ أ ُرْوَ بأنـْهـَار السَّحَـرْتِـي
وكـَانَ العَـدّ ُ مِـنْ كُـلِّ الوُجُـوهْ
مَـثـَارَ حَـمِـيَّـتِـي وقـَرينَ مُـقـْـتِـي
وقـَدْ دَافـَعْـتُ عَـنْ نـَفـْسِـي ولـكنْ
أطـَاحَ العَـدّ ُ مِـنْ قـَلـْبـِي هـِبَـاتْ
فـَرَدَّ الـنـَّفـْسَ لـلـتـَقـْصِـيـر تـَارَة ْ
وعَـادَى الرّ ُوحَ فِـي كُـلِّ الـسِّـمَـاتْ
ولـمْ أقـْـوَ عَـلى الـتـَصْـدِيـق يَـوْمًـا
بـأنَّ الـعِـلـْمَ فِـي كَـفـِّي رُفـَاتْ
وأنَّ الـسِـحْـرَ يَـجْـري مِـنْ أمَـامِـي
فـَلا أقـْـوَى عَـلى لـَـثـْم الـحَـصَـاة ْ
ولـَمْ أصْـبـِرْ عَـلى سِـجْـني وبُـؤْسي
ولا أقـْوى عَـلى تـَحْـريـر ذاتْ
23/ ( الـبـِـشَـارَة ) .
ذنـُوبـِي عَـلـَّمَـتـْـنِـي كَـيْـفَ آوي إلـَى جـُرْحِـي بـلـَيْـل ٍ ثـُمَّ أ ُمْـسِـي
أفـَـكِّـرُ مُـمْـعِـنـًا فِـيـمَـا تـَـدَاعَـى
مِـنَ الأحْـدَاثِ فِـي يَـوْمِـي و أ َمْـسِـي
وأدْعُـو مُـخْـلِـصًـا مِـمَـا أعَـانِـي
ولا أسْـتـَاءُ إذ ْ يَـشْـتـَدّ ُ هَـمْـسِـي
وأخـْـفِـي السّـُـقـْـمَ عَـمَّـنْ كـَانَ حَـوْلِـي
وفِـى جَـوْفِـي أنـُوءُ بـكُـلِّ حِـسِّـي
فـَلا أ ُلـْـقِـي الـمَلامَة َ فِـي عَـزُول ٍ
يُـقـَـدِّرُ مَـا عـَـسَـاهُ يَـكـُونُ رِمْـسِـي
ولا آسَـى لِـقـَسْـوَتِـهـمْ خُـصُـومِـي وأَنْ أقـْسُـو عَـلى نـَفـْسِـي بـنـَفـْسي
حَـرِّيٌ بـالـَّـذِي يَـرْجُـو الـنـَّجَـاة َ مِـنَ الأهْـوَاءِ أنْ يَـأبَـى الـتَّـأسِّـي
ولا يَـرْضَـى بـأحْـقـَادٍ كَـذوبَـة ْ وأنْ يَـصْـبـِرْ .. فـَلا يَـنـْـأى بـيَـأس ِ
فـبالأحْـقـَادِ يَـبْـقـَى الـحَـاقِـدُونَ وفِـى الأحْـقـَادِ مَـوْلِـدُ كُـلِّ بُـؤْس ِ
بـغـَيْـر الـحُـبِّ لا تـَأتِـي الـبـِشَـارَة ْ وغـَيْـرُ الـحُـبِّ لـمْ يَـخـْطـُرْ بـرَأسِـي
نِـدَاءُ الـطـَّيـبـيـنَ إذا تـَـنـَادوا فـَصَـارَ الـحُـبّ ُ مَـغـْـزلـَهُـمْ وفـَأسِـي
24/ ( يَـوْمِـي و أمْـسِـي ) .
أنـَا أيّـُهـَا الـشَّـفـَـقُ الـشَّـاعِـريّ ُ مَـلـُولٌ سَــؤومْ أفـَـتـِّـشُ عَـنْ أمْـسِـيَـاتٍ عِــذابْ وعَـنْ أمْـنِـيَـاتٍ بـِطـَعْـم الـكُـرُومْ أسَـائِـلُ الأمْـسَ يَـمْـضِـي لِـيَـأتِـي ويَـأتِـي لِـيَـمْـسَـحَ عَــنـَّـا الـهُـمُـومْ أنـَا أيّـُهَـا الـشَّـفـَـقُ الـشَّـاعِـريّ ُ رَحِـيـمٌ رَؤومْ أنـَادِي وأصْـرُخ ُ أبْكِـي الخـُصُـومْ أنـَا أيّـُهَـا الـشَّـفـَـقُ الـشَّـاعِـريّ ُ أحِـبّ ُ الغِـنـَاءْ
وأصْـدَحُ بـالـلحْـن ِ
أنـَّى أرُومْ إذا فـَرَّ حُـبِّـي وإنْ رُدَّ قـَـلـْبـِي وإذ ْ يَـرْقـُصُ اللحْـنُ فـَوْقَ المَـلـُومْ ولـكِـنْ أجـِـبْـنِـي لـمَـاذا الـتـَّجَـنـِّي لـمَـاذا نـُريـدُ امْـتِـلاكَ الـسّـُمُـومْ ؟! فـَقـَدْ عِـيـلَ صَـبْـري ولـَسْـتُ أبَـالِـي إذا كـَانَ قـَلـْبـِي حَـزيـنـًا كـَـلـُومْ سَـأزْهَـدُ إنْ كـَانَ زُهْـدِي دَواء ْ وأقـْـنـَعُ بـالـعَـيْـش بَـيْـنَ الـتـّـُخـُومْ وأرْضَـى بـمَـا قـَدْ بـُـلِـيـتُ ولـكـنْ سَـأمْـضِـي إلى أنْ تـَـلِـيـنِـي الـنـّـُجُـومْ سَـأمْـضِـي وأكْـتـُبُ فِـي كُـلِّ آنْ بـأنـِّي وَحِـيـدٌ وقـَوْمِـي كِـثـَارْ وأنـِّي شَـريـدٌ بـأرْض الـعـُـمُـومْ وأنـِّي رَسُـولٌ وقـَدْ ضَـاقَ قـَوْمِـي بـتِـلـْكَ الـسّـُـنـَـنْ وأنـِّي سَـأفـْـنـَى إذا كُـنـْتُ أهُـوَى نِـقـَاشَ الـزَّمَـنْ وغـَيْـري يُـريـدُ اقـْـتِـنـَاصَ الـغـُـيُـومْ
سَـأمْـضِـي وأرْنـُو طـَـريـقَ الـتـَّـرَوِّي لِـمَـا قـَـدْ يَـكـُونُ لِـبَـيْـتِـي الـشَّـؤومْ إذا كـَانَ صِـهْـري رَفِـيـقــًا عَــدُوِّي وقـَدْ كـَانَ صِـهْـري رَقِـيـقــًا رَحُـومْ
سَـأمْـضِـي وأذكُـرُ مَـا قـَـدْ حَـيـِـيـتْ بـِأنـِّي وُجـِـدْتُ ومَـا كُـنـْتُ أبْـغِـي وُجُـودَ الـعـَـدَمْ وأنـِّي سَـئِـمْـتُ اجْـتِـرَارَ الـثـَّـوَانِـي فـَـيَـوْمِـي كـَأمْـسِـي وأمْـسِـي كَـفِـيـلٌ بـِبَـثِ الـوُجُـومْ
25/ ( حَـدِيـثُ شَــرْنـَـقـَـة ) .
مِـنْ شَـرْنـَـقـَـتِـي يَـبْـزُغ ُ فـَجْـرُ الحُـبِّ وتـَسْـطـَعُ شَـمْـسُ الإيـمَـانْ فـَـيَـكـونُ الـنـّـُورْ وتـُـضَـاءُ الـدّ ُورْ ويَهونُ عـَـذابُ الإنـْسَـانْ الـقـَـلـْـبُ يُـضِـيءُ فـَلا يَـنـْسَـى والـكَـوْنُ يُـضِـيءُ فـَلا يَـأسَـى والـكَـوْنُ سَـلامٌ وأمَـانْ الـكَـوْنُ سَـلامٌ وأمَـانْ ! فِـي شَـرْنـَـقـَـتِـي أغـْـفـُو حِـيـنَ أريدُ وأصْـحُـو حِـيـنَ أنـَامْ وأنـَا فِـي صَـحْـوي ومَـنـَامِـي أسْـتـَرْسِـلُ فِـي الـعِـشْـق وأحْـلـُمْ أتـَجَـرَّدُ مِـنْ أثـْـقـَال الـهَـمِّ وأحْـلـُمْ أغـْزلُ مِـنْ أطـْيـَافِ الحُـلـْم خـُيـُوط َ الـقـَـزِّ وأخْـطـُرُ فِـي أثـْوَابِ الحِـكْـمَـةِ والـتـِّيـجَـانْ قـَـدَري أنْ أتـَسَـامَى فـَوْقَ الـعَـقـْـل ِ وأحْـيـَا بَـيـنَ قـُصُـور الـجَّـانْ لا يَـعْـنِـيـني جَـهْـلُ الـجَـاهِـل ِ حِـيـنَ يَـقـُولُ وحِـيـنَ يَـصُـولُ وحِـيـنَ يـُـصَـانْ لا أكْـتـَرثُ بـحِـقـْـدِ الـحَـاقِـدِ حِـيـنَ يُهَـدِّدُ بـالـزلـْزَال وبـالـبُـرْكـَانْ لـَنْ أتـَـقـَاعَـسْ حِـيـنَ يَـفـُورُ الـشِـعْـرُ بـصَـدْري كـَيْ يَـأمُـرَنِـي بـالـعِـصْـيـَانْ فـَأنـَا مَـجْـبُـولٌ مُـنـْـذ ُ خُـلِـقـْتُ عَـلى إحْـيَـاء الـثـَّـوْرَة والـعِـصْـيَـانْ إلى شَـرْنـَـقـَـتِـي تـَأتِـي وُفـُودُ الـنـَّاس حَـجـِـيـجًـا لـلحُـرِّيَـة ْ لـلـعَـفـْوِّيَـة ْ لـلـصِـدْق وللإحْـسَـانْ
تـَجْـتـَمِـعُ بـسـَاحَـةِ قـَصْـري فِـي مَـمْـلـَكَـتِـي فِـي شَـرْنـَـقـَـتِـي كـَيْ تـَـتـَوَضَّـأ ْ كـَيْ تـَـتـَـطـَـهَّـرْ تـَـغـْـتـَـسِـلُ بـحُـبٍ وحَـنـَانْ وأنـَا كَـالـنـَّحْـلـَةِ مَـشْـغـُولٌ أوْ قـُـلْ كَـالـطـَيْـر وكَـالأغـْصَـانْ أهْـوي وأطِـيـرْ وأحَّـلِـقُ فِـي أجْـوَاءِ الـحُـسْـن ِ صَـبـَاحَ مَـسَـاءْ كـَيْ أصْـنـَعَ مِـنْ نـَزْفِ دِمَـائِـي مِـنْ نـَـبْـض عُـرُوقِـي مِـنْ سَـيْـل دُمُـوعِـي أصْـنـَافَ الـبَـهْـجَـةِ والألـْحَـانْْ
26/ ( نـَصِــيـحَـة ) .
ضَـاقـَتْ بـكَ الـدنـْيـَا ونـَقـَضَـتْ غـَزلـَهَـا مِـنْ بَـعْـدِ حِـلـْم ٍ أوْرَثـَـتـْـكَ خـَبَـالا وأتـَـتـْـكَ مِـنْ بَـعْـدِ الـسَّـلام بـمَـكْـرهـَـا حَـمَـلـَتْ عَـلـَيْـكَ مِـنَ الـعَـنـَاءِ جـِـبَـالا وأرَتـْـكَ وَجْـهًـا عـَابـِسًـا مُـتـَجَـهِّــمًـا قـَـدْ كُـنـْـتَ تـَـرْجُـو أنْ يَـزيـدَ جـَـمَـالا هـَـوِّنْ عَـلـَيْـكَ أخِـي ولا تـَرْضَـخْ لـَهـَا كـَانَ الـعَـزيـزُ بـرَبِّـهِ جـَوَّالا لـَـكَ مَـا تـَـشَـاءُ مِـنَ الـدرُوبِ لـَعَـلـَّهـَا تـَـهْـدِيـكَ نـَـبْـعًـا لا يَـكـُونُ سَـرابَـا أطـَـرَقـْـتَ أبْـوَابـًا تـَصِـيـحُ فـَـلـَمْ تـَجـِدْ
مِـنْ نـَاصِـح ٍ فِـيهـَا لِـكَـيْ يُـجـِـيـبَ سُـؤالا ؟!
فـَـرَجَـعْـتَ تـَـكْـبُـو فِـي الـهُـمُـوم ولـَـمْ تـَـرَ فِـي ظِـلِهـِـنَّ سُـوَى الـجَـحِـيـم ِ مَـآلا وأرَاكَ تـَسْـتـَجْـدِي الـلـئِـيـمَ كَـرَامَـة ً يَـفـْـنـَى الـلـئِـيـمُ ولا يُـقِـيـلُ عـِـقـَالا
فـَإلـيْـكَ نـُصْـحِـي بَـعْـدَ أيِّ مُـصِـيـبَـةٍ ألا تـَرُومَ مِـنَ الـضَّـبَـابِ هـِـضَـابَـا قـُـمْ وارْتـَج ِ وَجْـهَ الـكَـريـم وفـَضْـلـَهُ فـَالـمُـسْــتـَجـِـيـرُ بـربِّـهِ مَـا خـَابَـا يَـلـْـقـَى الـمَـعـُونـَة َعـِـنـْـدَ صَـدِّ الـمِـحَـنْ بَـلْ قـَـدْ يَـرَاهـَا مِـنـْحَـة ً وثـَوَابَـا فـَـوْقَ الـخـُطـُوبِ وإنْ نـَزَلـْـنَ قـَبـِـيـلا يَـبْـنِـي الـحَـكِـيـمُ مِـنَ الـيَـبَـابِ قـِـبَـابَـا
27/ ( لا أرَاحَ اللهُ يَـوْمـًا ظـَالِـمـًا ) .
بـِتّ ُ أبْـكِـي لـَمْ أجـِدْ مِـنَ الـدُّنـْيـَا سُـوَى طـَعْـم ِ الألـَمْ خِـنـْجَـرٌ فِـي الـصَّـدْر ِ نـَارٌ فِـي الـدِّمـَاءْ
لـَيْـسَ يَـدْري الـظـّـُـلـْـمَ إلا مَـنْ ظـُـلِـمْ يَـطـْـلـُبُ الـثـَّـأرَ ألا طـَـلـَبَ الـدَّوَاءْ ؟!
نص غليظجـِئـْتُ أشْـكِـي لـَيْـسَ لِـي إلا دُمُـوُعِـي والـقـَـلـَـمْ أيْـنَ مَـنْ كـَانـُوا قـَريـبـًا أصْـدِقـَاءْ ؟!
أفـْسَـدَ الإيـذاءُ وَصْـلَ الـوَاصِـلِـيـنْ صَـارَ وَهْـمـًا أنْ نـُلاقِـي الأوْفِـيـَاءْ لـَسْـتُ أبْـغِـي الـوَهْـمَ حَـلا ً طـَالـَمـَا أيْـقـَـظ َ الـدَّمْـعُ سُـبـَاتَ الـحـَالِـمِـيـنْ فـارْتـَـقِـبْ يـَا قـَـلـْبُ نـَبـْضًـا مُـخْـلِـصًـا يَـكْـسِـرُ الـقـَـيْـدَ ويَهْـفـُو لـلـنِـدَاءْ
بَـيْـدَ أنَّ الـنـّـُصْـحَ أجْـدَى هَـلْ تـُـلـَبـِّي الـنـَّـاصِـحِـيـنْ ؟ دَعْـكَ مِـنْ عَـوْن ِ الـحَـيـَارَى الـضَّـائِـعِـيـنَ الـنـَّـادِمِـيـنْ أصْـدُقْ الـنـِّـيَـة َ وَادْعُ راجـِـيـًا عَـوْنَ السَّـمـَاءْ
لا أرَاحَ اللهُ يَـوْمًـا ظـَالِـمًـا يَـسْـلـُبُ الحَـقَّ ويَـبْـغِـي يَـزْرَعُ الـفِـتـْـنـَة َ فِـيـنـَا ثـُـمَّ يُـقـْـصِـي الشّـُـرَفـَاءْ
28/ ( بأيِّ فـَضْـل ٍأسْـتـَحِـقْ ) ؟!
صَـدِّقـُونِـي : لـَـسْـتُ نـَـبـِـيًـا
ولـَـمْ أ ُبـْـعـَـثْ بـرسَـالـَة ْ
لـَـمْ أهَـدِّدْ وَثــَـنـًا
ولـَمْ أحَـطـِّمْ صَـنـَمًـا
مَـا أسَـأتُ لِـكَاهِـنْ
ولا تـَجَـرَّأتُ يَـوْمًـا عَـلى إطـْـفـَاءِ نـَاركُـمُ الـمُـقـَـدَّسَـة ْ
فـلـمَـاذا ؟!
لـمَـاذا أ ُسـْجـَـنُ مَـعَ يُـوسُـفْ
وأ ُذبَـحُ مَـعَ يَـحْـيَى ؟!
لـمَـاذا ؟!
لـمَـاذا تـُحَـاولـونَ
صَـلـْـبـِي مَـعَ عِـيـسَى
وَرَجـْـمِـي مَـعَ نـُوحْ
وإحْـرَاقِـي مَـعَ إبْـرَاهِـيـمْ ؟!
أنـا لـَـيْـسَ لِـي طـُهْـرُ مُـوسَى ولا صِـدْقُ مُـحَـمَّـدْ
فـبـمَـاذا ؟!
بـمَـاذا أسْـتـَحِـقّ ُ كُـلَّ هـذا الـشَّـرَفْ ؟!
وبـأيِّ فـَضْـل ٍ أنـُوءُ بـكُـلِّ هـذا الـعَــنـَاءْ ؟!
29/ ( أنـَـا ) .
سَـأظـَـلّ ُ أبْـحَـثُ عَـنْ أنـَا حَـتـَّى أمُـوُتْ فِـي قـَاع بـِـئـْـر ٍ فِـي الـسَّـمَـاءِ بـِجَـوْفِ حُـوتْ
سَـأظـَـلّ ُ أبْـحَـثُ عَـنْ أنـَا حَـتـَّى أعِـيـشْ مِـثـْـلَ الـضَّـوَاري ؟ رُبَّـمَـا مِـثـْـلَ الـنـّـُـسُـورْ مِـثـْـلَ الـحَـمَـائِـمَ والـنـَّـسَـائِـمَ والـزُّهُـورْ حِـلـْـمٌ تـَـغـَـذى بـالـسَّـلام ِ ودُونـَهُ الـقـَـلـْـبُ الـجَــسُـورْ
سَـأظـَـلّ ُ أبْـحَـثُ عَـنْ أنـَا حَـتـَّى أكـُونْ حَـتـَّى أكـُونَ كَـمَـا أنـَا مِـنْ غـَـيْـر ريـشْ مِـنْ غـَـيْـر أحْـقـَادٍ تـُوَاري نـَـفـْـسَـهَـا خـَـلـْـفَ الـقِـنـَاعْ مِـنْ غـَـيْـر أطـْـمَاع ٍ تـَـطِـيـشْ
أنـا لا أريـدُ سُــوَى أنـَا فِـي كُـلِّ حَـالْ مَـا طـَارَ طـَـيْـرٌ واقـْـتـَـفـَى أثـَـرَ الـمُـحَـالْ مَـهْـمَـا تـَـبَـدَّلـَـتِ الأمَـاكِـنُ والـزَّوَايَـا والـظـِّـلالْ مَـهْـمَـا تـَـغـَـيَّـرَتِ الـفـُـصُـولْ
الـحُـلـْـمُ شَـمْـسٌ سَـاطِـعَـة ْ والـعِـلـْـمُ مَـعْـنـَاهُ الـوُصُـولْ مَـاذا تـَـقـُولْ ؟! نـَـبْـضِـي تـَـوَقـَّـفَ حِـيـنَ أجْـهَـلُ مَـنْ أنـَا ويَـصِـيـرُ مَـثـْـوَايَ الأفـُولْ وبـِنـَاءُ ذاتِـي يَـقـْـتـَـضِـي حِـفـْـظ َ الأصُـولْ تِـبْـرٌ تـَـسَـرْبَـلَ بـالـتـّـُرَابِ وفـَـوْقـَـهُ ظـُـلـَـمٌ ونـُورْ وهَـدِيـرُ أفـْـكَاري وفـَـيْـضُ مَـشَـاعِـري تـَـجْـري كَـمَـا تـَـجْـري الـبُحُـورْ
مَـنْ ذا يَـغـُوصُ لِـيَـكْـتـَـشِـفْ نـَـفـْـسًـا تـُعَـانِـي أوْ تَـثـُورْ ؟! فـَـلـَـرُبَّـمَـا وَجَـدَ الـلآلِـئَ والدّ ُرَرْ ولـَـرُبَّـمَـا وَجَـدَ الـسَّـعَـادَة َ والـحُـبُـورْ ولـَـرُبَّـمَـا وَجَـدَ الـدَّوَاءَ لِـكُـلِّ دَاءٍ لـَـمْ يَـزَلْ يَـعْـصَـى عَـلـَى حِـيَـل ِالأطـِّـبَـةِ والـبُخُـورْ
30/ ( وَطـَـني وأحْـلامي ) .
دَعْـني أرْقـُصُ فـَوْقَ الـسَّـطـْـرْ أنـْـسُـجُ بَـعْـضَ حُـروفِ الـضَّـادِ وأصْـنـَعُ مِـصْـيَـدَة ً لـلـشَّـمْـسْ ( لا ) لـَنْ أتـَوَرَّعَ أنْ أسْـتـاءَ ولـَنْ أتـَوَرَّعَ أنْ أحْـتـَجْ إنـِّي أرْفـُضُ هـذا الحَوْفْ أرْفـُضُ كُـلَّ مَـعـاني الخَوْفْ أرْفـُضُ أنْ تـَـبْـتـاعَ ضَـمِـيـري أوْ تـَـشْـري روحي بـالـسَّـيْـفْ دَعْـني أفـْـرحْ دَعْـني أشْـعُـرُ بـالألـْوانْ أمْـشي في طـُرُقـاتِ الـبَـلـْـدَة ْ أنـْـشَـقُ رائِحَة َ الأزْهـارْ أحْـمي غـُـصْـنــًا في بُـسْـتـانْ أفـْـتـَـحُ أحْـضـاني لـلـنـَّـاسْ لـكـنْ احْـذرْ أنْ تـَـلـْهـو تـيـهــًا بـالحَـرْفْ أنْ تـَـدْخـُـلَ قـَـلـْبي ظـالِـمْ قـَـلـْبي طـاهِـرْ لا تـَـدْخـُـلُ قـَـلـْبي أحْـقـادْ دَعْـني أرْقـُصُ فـَوْقَ الـسَّـطـْـرْ أنـْـسُـجُ بَـعْـضَ حـروفِ الـضَّـادِ وأصْـنـَعُ مِـصْـيَـدَة ً لـلـشَّـمْـسْ ( لا ) لـَنْ أتـَغـَـنـَّى بـالـمَـحْـبـوبْ إلا أنْ يَـرْعى وطـَـني لـَنْ أتـَـثـاءَبْ .. أرْفـُضُ أنْ يَـتـَـثـاءَبَ طِـفـْـلي لـَنْ نـَـنـْـتـَـظِـرَ طـُلوعَ الـفـَجْـرْ سَـوْفَ أرُدّ ُ الـصَـفـْعَـة َ صـاعْ سَـوْفَ نـَرُدّ ُ ظـَلامَ الـيَـأسْ ( لا ) لـَنْ نـَـتـَـنـَـسَّـمَ رَطـْـنـَة َ روسّـُو أوْ ڤـولـْتـيـرْ فـيـنـا قـْـلـْـبٌ يَـنـْـبُـضُ كالأحْـيـاءْ .. فـيـنـا رَأسْ هـذي قـَـدَمي تـَـسْـعى وتِـلْـكَ الـيَـدْ .. تِـلْـكَ الـيَـدْ دَعْـني أكْـتـُـبُ ديـني وَطـَـني دَعْـني أكْـتـُـبُ اسْـمي حَـرْفــًا بـالـعَـرَبـية ْ دَعْـني أكْـتـُـبُ اسْـمَ بـلادي .. اسْـمَ بـلادي اسْـمَ بـلادي لـَنْ يَـتـَبَعْـثـَرَ في أمْـصـارْ لـَنْ يُدْفـَنَ أبَـدًا في الـرَّمْـلْ سَـوْفَ يَـفورُ الاسْـمُ بـمـاء الـنـَّهْـرْ نَـهْـرٌ يَجْـري جَـداولَ في شـُطـْـئـانْ نَـهْـرٌ يَـرْوي هـذا الـقـَـفـْـرْ نَـهْـرٌ يَـمْحـو هـذا الـفـَـقـْـرْ دَعْـني أرْقـُصُ فـَوْقَ الـسَّـطـْـرْ أنـْـسُـجُ بَـعْـضَ حـروفِ الـضَّـادِ وأصْـنـَعُ مِـصْـيَـدَة ً لـلـشَـمْـسْ
دَعْـني أبْـكي دَعْـني أضْـحَـكْ أهْـمِـسُ أصْـرُخْ أهْـمِـسُ في أذن الـمَـوْلـودِ وأصْـرُخُ في وَجْـه الـعـالـَمْ تـَنـْـبُـتُ في أرْضِي زَهْـرة ْ تـَنـْـبُـتُ في أرْضِي زَهْـرة ْ .. ( لـَنْ أسْـتـَكْـثِـرَ فـيـهـا دَمْ ) ..
31/ ( الـفـَصْـلُ الـمُـبـيـن ) .
قـُمِـي انـْهـَضِـي يـا رَابـِعَـة ْ قـُمِـي انـْهـَضِـي يـا رَابـِعَـة ْ واسْـتـَـنـْهـِضِـي هِـمَـمَ الـرِّجَـال ِ الـمُـخْـلِـصِـيـنَ لِـدَرْءِ سُـوءِ الـفـَاجـِعَـة ْ يـا رَابـِعَـة ْ .. يـا رَابـِعَـة ْ
قـُمِـي وصَـلـِّي فِـي رُكـُوع ٍ خـَاشِـعَـة ْ ومُـري الـفـُرَاتَ لِـكَيْ يُـؤَذنْ فِـي صَلاةٍ جـامِـعَـة ْ يـا رَابـِعَـة ْ .. يـا رَابـِعَـة ْ
هَـا قـَدْ بُـلِـيـنـَا بـالـطـّـُغـَاةِ الـمُـسْـرفِـيـنْ الـمَـارقِـيـنَ بـكُـلِّ دِيـنْ فـَكَـيْـفَ نـَخْـتـَلِـسُ الـدِّعَـة ْ ؟! يـا رابـِعَـة ْ .. يـا رابـِعَـة ْ
مِـنْ أيْـنَ لِـي بـالـمُـسْـلِـمِـيـنْ الـصَّـالِـحِـيـنَ الـمُـصْـلِـحِـيـنْ ؟! بـالـصِّـدْق ِ فِـي زَمَـن ٍ كـَذوبٍ لا يُـبَـالِـي مَـنْ عَـلـَيْـهِ ومَـنْ مَـعَـه ْ ؟! يـا رابـِعَـة ْ .. يـا رابـِعَـة ْ
هـلْ زالـتِ الأنـْوارُ عـنـَّـا واسْـتـحـالـتْ حِـمَـمـًا تـَحْـرقُ الـنـَّاجـيـنَ فِـي نـار ِالـسَّـمـومْ ؟! هـلْ جَـفـَّـتِ الأنـْهـارُ في الأرض ِالـَّـتي طـَيـَبَ اللهُ ثـَراهـا بالـنـّـُجـومْ ؟! مِـنْ قـًديـم ٍ دانـَتِ الأرضُ لــنـا كَـمْ كَـسَــوْنـاهـا سَـلامــًا يَـحْـتـَمي فـيـهِ الـخـُصـومْ كَـمْ غـَرَسْـنـا الـحُـبَّ فـيـهـا قِـيَـمــًا تــَسـْـتــَمِـدّ ُ الـحُـسْـنَ مِــنْ شَـرْع ِالـسَّـمـاءْ فـاسـتـضـاءَ الـكـونُ مِـنْ مِـشْـكـاتـه كُـلّ ُ لـيـل ٍمِـنْ سَـنـا اللهِ أضـاءْ
أيْـنَ ذاكَ الـعَـدْلُ
مِـنْ تِـلْـكَ الـوَلايَا النـَّاعِـرَاتْ ؟!
أيْـنَ ذاكَ الـطـّـُهْـرُ
مِـنْ تِـلْـكَ الـبَغـَايَا العـَاهِـرَاتْ ؟!
قـَدْ أقـَمْـنـَا الـدِّيـنَ أحْـقـَابـًا مّـدِيـدَة
مَـنْ بـِغـَيـر ِالـدِّيـن ِ يَحْـيَا ؟!
كـُلّ ُ مَـا يَحْـيَا مَـوَاتْ
كـَيْـفَ يَـهْـدِي اللهُ قـَوْمـًا شَـيَّـعـُوا رُوحَ الـحَـيَـاءْ لـَنْ يَـدُومَ لِـمَـا أشَـاعـُوا مِـنْ سُـمُـوم ٍ فِـي الـهَـوَاءْ سَـوْفَ يُـفـْـنِـيـهـمْ جَـمِـيـعـًا كُـلّ ُ مَـاضِـيـهـمْ هَـبَـاءْ سَـوْفَ يُـرْدِيـهـمْ بـِصُـبْـح ٍ يَـجْـعَـلُ الـقـَوْلَ هُـرَاءْ
ثـُمَّ يُـبْـقِي اللهُ قـَوْمًـا يَـرْتـَضِـيـهـمْ لـلـوَفـاءْ بـالـوَصَــايـا الـعـَشْـر ِ والـبُـشْـرَى لِـعِـيـسَى بـالـمَـثـانِي الـسَّـبْـع ِ مِـنْ قـُرْآن ِ طــَهَ حِـيـنَ يُـرْضِي اللهُ قـَـلـْـبـًا مُـؤمِـنـًا يَِـجْـتـَبـِـيـهِ الـخَـلـْقُ في دُنـْيـا ودِيـنْ مَـنْ بـِهِ في الـحَـقِّ خَـيْـرُ الـشَّـاهِـدِيـنْ يَـفـْصِـلُ الـمِـيـزانَ بـالـفـَصْـل ِالـمُـبـِيـنْ حِـيـنَ لا يُـغـْـنِي قـَريـنٌ عَـنْ قـَريـنْ دُونَ أنْ يَـزْدانَ بـالـقـَـلـْبِ الأمِـيـنْ
32/ ( أنـا الإنـْـسـانْ ) .
لِـمـَنْ أسْـعـَى أقـولُ الـحَـقَّ لا أجْـنِي عَـلى أحَـدٍ ولا آوي إلى كُـتـُبٍ أ ُنـَّمِـقـُهـا وأَطـْويـهـا ؟!
لِـمـَنْ أسْـعـَى أقـولُ الـحَـقَّ في زَمَـن ٍ يَـدوسُ كَـرامَـة َ الإنـْـسـانْ ويَـأوي الـظـّـُـلـْمَ والـطـّـُـغـْيـانْ يُـصَـدِّقُ فِـرْيـَة ً نـُسِـجَــتْ يُـسـانِـدُهـا ويَـحْـمِـيهـا ؟!
لِـمـَنْ أسْـعى وقـَوْلُ الـحَـقِّ أرَّقـَنِي وأعْـيانِي وأسْـقـَط َ زَهْـرَ بُـسْـتـانِي فـُروع ٌمـا لـَهـا ثـَـمَـرٌ أ ُعـاهِـدُهـا وأسْـقِـيهـا ؟! لِـمـَنْ أسْـعـَى أسُـوقُ قـَضِـيَّـتِي نَـظـْمـًا بـكُـلِّ لِـسـانْ وأرْوي الصَّـمْـتَ أغـْنِـيَـة ً لِـمَـنْ يَـحْـيـا بـلا عُــنـْوانْ يَـضـيـعُ الـصِّـدْقُ في زَمَـن ٍ يَـبـيـعُ الـدِّيـنَ والأوْطـانْ ويَـمْـضِي لا يُـبـالِي الـعَـدْلَ والـرَّحْـمَـة ْ ولا الإحْـسـانْ
أنـا مَـنْ عِــشْــتُ لا أرْضَـى بـغـَيْـر ِ الـنّـُورْ ولا أقـْتـاتُ في أرْضِـي بـغـَيْـر ِ الـحُـبْ أقـولُ لـكُـلِّ مَـنْ يَـأبَى سَـبـيـلَ الزورْ سَـنَـبْـقى دائِـمــًا نـَسْـعـَى لأجْـل الـعَـدْلْ
لأجْـل حُقوق ِ مَنْ دُفِنوا بـلا أكْـفـانْ وشَـعْــب ٍ بـاتَ في سِـجْـن ٍ بـلا جُـدْرانْ ولـيـل ٍ طـالَ في سَـمْـعـي وفى بَـصَـري وفى الأكْـوانْ ويَـأتي حُـكْـمُ الـسَّـامِـرِيِّ يَـقـولُ الأمْـنُ لـلـسَّـجَّـانْ فـيُـقـْضَـى الأمْـنُ لـلـسَّـجَّـانْ ! نـَمـوتُ بـِكُـلِّ مـا فـيـنا مَـشـاعِـرُنـا مَـآقـيـنـا ويَـبْـقى الـعَـدْلُ لا يَـفـْـنى ولا يَـرْقى إلـَيْهِ بَـنـانْ أنـا عَـدْلٌ ، أنـا الـرَّحْـمَـة ْ أنـا الإنـْـسـانْ أنـا عَـدْلٌ ، أنـا الـرَّحْـمَـة ْ أنـا الإنـْـسـانْ أنـا عَـدْلٌ ، أنـا الـرَّحْـمَـة ْ أنـا الإنـْـسـانْ
33/ ( فـَجْـرُ الـحُـب ) .
يـا رَفـيـقَ الـعُـمْـر أبـْـشِــرْ سَــوفَ يـأتـيـنـا صَـبـاحْ يَـمْـلأ ُ الأرْضَ سَـلامـًا يَـنـْشُـرُ الـعَـدْلَ الـقـُراحْ تـَرْتـَوي الآلاءُ مِـنْ كَـفـَّيْهِ صَـفـْوًا وانـْشِـراحْ قـَدْ أوذيـنـا .. لا نـُبـالي وانـْتـَشَـيْـنـا بـالـجـِراحْ وعَـشِـقـْـنـا الحُـزنَ عِـشْـقَ الـرّ ُوح ِ لـلـهـو الـمُـبـاحْ واجْـتـَبَـيْـنـا مِـثـلَ طِـفـْـلـَيْـنـا خَـيـالا ً وقـُصُـورًا مِـنْ رِيـاحْ غـَيْـرَ أنَّ الـيَـوْمَ قـَـلـْبي رَفَّ في صَـدْري وصَـاحْ لـنْ أ ُبـالي بـالـلـيـالي لـنْ أ ُبـالي بـالـنـّـُواحْ لـنْ أ ُبـالي مـا عَـهـِدْنـا مِـنْ ضَـلال ٍ في الـبـِطـاحْ يـا رَفـيـقَ الـعُـمْـر أبـْـشِــرْ إنَّ فـَجْـرَ الـحٌـبِّ لاحْ يـا رَفـيـقَ الـعُـمْـر أبـْـشِــرْ سَــوفَ يـأتـيـنـا صَـبـاحْ نـاصِـعَ الـبَـهْـجَـةِ أنـْـقى مِـنْ مَـلاكٍ في وشـاحْ طـاهِـرَ الـقـَلـْبِ نـَقِـيـًا كَـرَسـول ٍ بـالـسَّـماحْ فـامْـض ِ لـلحَـقِّ وهَـيَّـا لا تـُبـال ِ بـالـصِّـيـاحْ لا تـُبـال ِ بـالـلـيـالي لا تـُبـال ِ بـالـنـّـُواحْ لا تـُبـال ِ مـا عَـهـِدْنـا مِـنْ ضَـلال ٍ في الـبـِطـاحْ يـا رَفـيـقَ الـعُـمْـر أبـْـشِــرْ سَــوفَ يـأتـيـنـا صَـبـاحْ يـا رفـيـقَ الـعـمـر أبـْـشِــرْ إنَّ فـَجْـرَ الـحٌـبِّ لاحْ
.. ( تمَّ بحمدِ اللهِ وتوفيقه ) .. ( الـتعـريـف بـالـمـؤلـف )
الاسـم : ( يـوسـف محمـد مختـار إسمـاعيـل ) .
تاريخ وجهة الميلاد : المنيـا ( 31 / 3 / 1961م ) .
المـؤهـل : ( بكالوريـوس الهنـدسـة الميكانيكية ،
جـامعـة المنيـا ـ 1985 م ) .
العمل : ( مهندس بشركة السكر والصناعات التكاملية المصرية ) .
النشاط الأدبى : ( شاعر ) .
أعمـال سـابقـة : لا يوجد .
العمـل الأول : ( أنا الآخر .. أنا الإنسـان ) .
رقم الإيـداع : ( 21698 / 2012 ) .
هناك ملفات عن Human sciences في ويكيميديا كومنز. |