الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تاريخ الإسلام/الدولة الفاطمية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط بوت: قوالب الصيانة و/أو تنسيق
ط تدقيق إملائي، الأخطاء المصححة: الإدب ← الأدب، أهليه ← أهلية، حيث إنه ← حيث أنه (6)، أعتبر ← اعتبر، الأمامة ← الإمامة (2 باستخدام أوب (0)
سطر 90:
فلفظ الشيعة في الآية الأولى تعني القوم, وفي الثانية: تشير إلى الأتباع الذين يوافقون على الرأي والنهج ويشاركون فيهما( ).
أولاً تعريف الشيعة اصطلاحًا:
كلمة «شيعة» اتخذت معنى اصطلاحيًا مستقلاً, حيث أطلقت على جماعة اعتقدوا أن الأمامةالإمامة ليست من المصالح العامة التي ترجع إلى نظر الأمة, ويتعين القائم بها بتعيينهم, بل إنها ركن الدين وقاعدة الإسلام, ولا يجوز لنبي إغفالها ولا تفويضها إلى الأمة, بل يجب عليه أن يعين الإمام للأمة( ).
فقد قال أبو الحسن الأشعري في صدد ذكره للشيعة: «وإنما قيل لهم الشيعة: لأنهم شايعوا عليًا - رضوان الله عليه- ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله ×»( ).
وقال عبد الرحمن بن خلدون: «اعلم أن الشيعة لغة هم الصحب والأتباع, ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه
سطر 163:
هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر عند الشيعة الإمامية, والشيعة الاثنى عشرية يعتقدون في هؤلاء الأئمة اعتقادات كلها غلو وإطراء وضعوها من عند أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان.
ومن معتقداتهم في أئمتهم: أنهم معصومون «من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سن الطفولة إلى الموت عمدًا وسهوًا, كما يجب أن يكونوا معصومين من السهو والخطأ والنسيان؛ لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم من ذلك حال النبي»( ).
ووصفوا أئمتهم بصفات جاوزوا فيها المنقول والمعقول, فعلى سبيل المثال ما ذكره الكليني في كتابه الكافي المسمى عندهم «أصول الكافي» حيث إنهأنه عقد أبوابًا فيها أحاديث من إفكهم وزورهم كلها تضمنت غلوهم في أئمتهم.
وإليك بعض عناوين تلك الأبواب:
«باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه»( ), «باب أن الأئمة هم أركان الأرض»( ), «باب أن الأئمة عندهم جميع الكتاب التي نزلت من عند الله عز وجل, وأنهم يعرفونها على اختلاف أدلتها»( ), «باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة»( ), «باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل»( ), «باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم»( ), «باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء»( ), «باب أن الله لم يعلم نبيه علمًا إلا أمر أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه شريكه في العلم»( ), «باب أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وما عليه»( ), «باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون بعده»( ), «باب في أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون عن البينة»( ), «باب أنه ليس شيء من الحق في أيدي الناس إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل»( ).
وهكذا أخي القارئ: نجد الغلو الممقوت عند علماء الاثنى عشرية, فإذا راجعت (مرآة العقول) للمجلسي وجدته في مستنقع الغلو الآسن وقع حيث زعم أن عصمة الأئمة فوق عصمة الأنبياء, لأنهم أعلى درجة منهم( ). وأما إمامهم المعاصر, ومرجعهم الأعلى, وآيتهم العظمى, وهو من يعرف بزعيم الثورة الإيرانية فيحتاج إلى شيء من البيان والإيضاح, لالتباس الأمر على شباب أهل السنة, بل حتى على دعاتهم وبعض علمائهم الذين انخدعوا بشعارات الشيعة البراقة لكسب أهل السنة, غير مبالين بعهود أعطوها, ومواثيق ألزموا بها أنفسهم بل غدروا بهم في إيران وقتلوهم وسجنوهم, وهدموا بيوتهم, فإذا راجعت كتاب «وجاء دور المجوس»( ) رأيت العجب العجاب في أعمالهم الشنيعة وأقوالهم القبيحة حيث إنأن الكتاب أجاد في كشفهم وفضحهم وبين عوراتهم ووسائلهم في التستر وعلاقتهم ببقية فرق الشيعة في وقوفهم سدًا منيعًا ضد أهل السنة.
إن الاثنى عشرية لم يحترموا عقلاً ولم يقدسوا شرعًا ولم يلتزموا نقلاً ولم يكرموا علماءهم ولا شيوخهم, بعكس أهل السنة الذين أعطوا لهؤلاء الأئمة من الحق والتكريم وإنزالهم منزلتهم التي يستحقونها, ويعجبني في هذا المقام ما قاله الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- مبينًا عقيدة أهل السنة فيهم: «فمولانا الإمام علي: من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم, نحبه أشد الحب, ولا ندعي عصمته, ولا عصمة أبي بكر الصديق, وأبناه الحسن والحسين سبطا رسول الله × وسيدا شباب أهل الجنة, ولو استخلفا لكانا أهلاً لذلك.
وزين العابدين: كبير القدر, من سادة العلماء العاملين, يصلح للإمامة, وكذلك ابنه جعفر الباقر, سيد إمام فقيه يصلح للخلافة.
سطر 207:
إن كل محاولات التقريب بين السنة والشيعة باءت بالفشل؛ لأن الخلاف بيننا وبينهم في الأصول وليس في الفروع.
ولن يجتمع السنة والشيعة إلا إذا تخلى أحد الطرفين عن معتقده.
فإن علماء الشيعة يرون التقريب مع أهل السنة, عندما يشتم أهل السنة الصحابة ويعتقدون معتقداتهم الباطلة, وهذا ما خرج به الشيخ الدكتور مصطفى السباعي من تجربته في هذا الموضوع مع أحد شيوخ الشيعة, واسمه عبد الحسين شرف الدين الموسوي حيث إنأن الدكتور السباعي كان متحمسًا لفكرة التقريب واتصل بسياسيين وأدباء وتجار, وأعطوه عهودًا وكلامًا معسولاً وعلى رأسهم الشيخ الشيعي عبد الحسين الذي كان متحمسًا ومؤمنًا بها, وإذا بالشيخ الموسوي يخرج كتابًا في أبي هريرة مليء بالسباب والشتائم, بل انتهى فيه إلى القول: «بأن (أبا هريرة ) كان منافقًا كافرًا وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار»( ).
يقول السباعي: «لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه, وفي كتابه معًا, ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي»( ).
وإن أهداف الشيعة من مسألة التقريب: أن يفتح لهم مجال لنشر عقائدهم في ديار السنة, وأن يستمروا في طعن الصحابة الكرام, وأن يسكت أهل السنة عن بيان الحق, وإن سمع الروافض صوت الحق يعلو ماجوا وهاجوا قائلين: إن الوحدة الإسلامية في خطر.
سطر 232:
6- الجهاد في كتب الشيعة مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير, ولا شهيد إلا للشيعة, والشيعي شهيد ولو مات على فراشه, والذين يقاتلون في سبيل الله من غير الشيعة فالويل يتعجلون.
ثم قال الشيخ بعدما نقل شواهد هذه المسائل من كتب الشيعة المعتمدة مخاطبًا شيوخ الشيعة: هذه ست من المسائل, عقيدة الشيعة فيها يقين, فهل يبقى في توحيد كلمة المسلمين في عالم الإسلام أمل وهذه عقيدة الشيعة؟.
وهل يبقى بعد هذه المسألة, وبعد هذه العقيدة, لكلمة التوحيد في قلوب أهليهاأهليةا من أثر, وهل يمكن أن يكون للأمم الإسلامية, ولهم هذه العقيدة, في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعي؟.
وذكر غير ذلك من المسائل, في انحراف الشيعة ثم قال: «فتفضلوا أيها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتوحد الإسلام وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين» فانتظر الشيخ سنة وزيادة, ولم يسمع جوابًا من أحد إلا من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة, قد قام بوظيفته وتفضل على بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين, وما كان كتابه إلا طعنًا في العصر الأول, وكان طعنه أشد من كتب الشيعة, ثم كتب الشيخ موسى جار الله كتابه القيم وسماه «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» ويقول: إنني أدافع بذلك عن شرف الأمة وحرمة الدين, وأقضي به حقوق العصر الأول عليَّ وعلى كل الأمة( ).
وتوفى هذا الشيخ الجليل بمصر سنة 1369 هـ فعليه من الله الرحمة والرضوان وجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وتعمدت هذا الإطناب لخطورة الدعوة الشيعية في العصر الحديث, حيث إنهاأنها تحالفت مع النصيرية في سوريا, ومع حزب أمل الشيعي في لبنان, وتحالفت سرًا مع اليهود والنصارى للقضاء على هذه الأمة العظيمة, كما أنني طالعت اهتمامهم البالغ بالشمال الأفريقي وغربه وحرصهم على إيصال نفوذهم إليه, والعمل على إرجاع ركامهم القديم.
ونجحوا في المغرب, وجندوا شبابًا في الجزائر, وأثروا في تونس, وتحالفوا مع ليبيا في أهدافهم الاستراتيجيةالإستراتيجية في حرب العراق.
بل تأكدت وجود مجموعات لا يستهان بها من أبناء الشمال الإفريقي في إيران للتتلمذ على يد شيوخهم والرجوع بأفكارهم المسمومة إلى بلاد الفاتحين العظام مراعين في ذلك السرية والتدرج ودقة التنظيم.
واستغلوا الأحداث الدامية في الجزائر بين الحكومة وإخواننا المسلمين, فأظهر الإعلام الإيراني عطفه وتأييده للحركة الإسلامية في الجزائر, فتأثر كثير من إخواننا بهذا الإعلام المزيف الماكر الخادع.
سطر 307:
ذكر الإمام الذهبي ترجمة لعبيد الله المهدي في سير أعلام النبلاء فقال:
«عبيد الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام, وأعلنوا بالرفض, وأبطنوا مذهب الإسماعيلية وبثوا الدعاة يستغوون الجبلية والجهلة»( ).
وذكر ما قيل عنه في نسبه ثم قال: والمحققون على أنه دعي بحيث إنأن المعز منهم لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه, قال: غدًا أخرجه لك, ثم أصبح وقد ألقى عُرَمَة من الذهب, ثم جذب نصف سيفه من غمده, فقال: هذا نسبي, وأمرهم بنهب الذهب, وقال: وهذا حسبي( ). أما مفتي الديار الليبية -رحمه الله- الشيخ طاهر الزاوي فقد قال في ترجمة عبيد الله المهدي: «هو مؤسس الدولة العبيدية وأول حاكم فيها, وهو عراقي الأصل, ولد في الكوفة سنة 260هـ, واختبأ في بلدة سلمية بؤرة الإسماعيلية الباطنية في شمال الشام. ومن يوم أن ولد إلى أن استقر في سَلمية كان يعرف باسم سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح.
وفي منطقة سلمية مقر الإسماعيلية مات علي بن حسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق, وأقام له الإسماعيلية مزارات سرية, وقرروا نقل الإمامة من ذرية إسماعيل بن جعفر الصادق إلى ابنهم بالنكاح الروحي( ), ثم قال: «هذا أصل عبيد الله المهدي, وهذا أصل العبيديين المنسوبين إليه».
وقد خالفهم في نسبتهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق جميع المسلمين في المغرب وفي كل مكان, وفي مقدمة الذين أنكروا عليهم هذا النسب الأشراف العلويون, وإنما هم منسوبون إلى سعيد بن أحمد القداح الذين ادعوا أنه ابن إسماعيل بن جعفر الصادق من طريق النكاح الروحي الذي ذكرناه آنفًا.
سطر 441:
 
وبقى مصلوبًا حتى تمزق جلده وأذرته الرياح, وكان ذلك في المحرم سنة 336هـ, وواصل ابنه الثورة مطالبًا بثأر أبيه, فأرسل إليه المنصور قائده زيري بن مناد( ) فقتله, وانتهى أمر أبي يزيد الخارجي وابنه.
لم تكن ثورة أبي يزيد ذات خطة واضحة, ولم تكن لها أهداف لتكوين دولة, حيث إنهأنه استطاع بجيوشه أن يكبل العبيديين خسائر فادحة, وينتزع منهم الملك ويحاصرهم في المهدية, ومع هذا وقف حائرًا فأساء السيرة مع كثير من القبائل, ففقدت الثقة فيه وانفضت من حوله, وإنما الواضح في ثورته الانتقام وسفك الدماء من مخالفيه بطريقة وحشية همجية تدل على قلب حقود لكل من يخالفه, واستغرقت هذه الثورة النارية أربعة عشر عامًا انشغلت بها دولة العبيديين الروافض.
ولعل هذا من سنة الله في تسليط بعض الظالمين على بعض, حيث قتل الألوف من أتباع الطرفين وفقد الأمن والأمان في الشمال الإفريقي.
* * *
سطر 1٬329:
وأنا على شرفي منجس ( )
 
وبعد اشتداد الحصار على النصارى طلبوا الأمان ونزل ملك بيت المقدس يترفق السلطان وذل ذلاً عظيمًا, فأجابهم صلاح الدين, ودخل المسلمون القدس ووفوا بالصلح المضروب مع النصارى, وشرعوا في تنظيف المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير, وأعيد على ما كان عليه زمن المسلمين, وغسلت الصخرة بالماء الطهور وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر, وأبرزت للناظرين, وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين, ووضع الصليب عن قبتها وعادت إلى حرمتها, وامتن السلطان صلاح الدين على بنات الملوك ومن معهن من النساء والصبيان والرجال, ووقعت المسامحة في كثير منهم وشفع في أناس كثير فعفا عنهم, وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر, ولم يأخذ منه شيءًا مما يقتني ويدخر, وكان رحمه الله كريمًا مقدامًا شجاعًا حليمًا( ), وكان ذلك في بيت المقدس فقال: «لما تطهر بيت المقدس مما فيه من الصلبان والنواقيس والرهبان والقسس, ودخله أهل الإيمان, ونودي بالأذان وقرئ القرآن ووحد الرحمن, وكانت أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان, بعد يوم الفتح بثمان, فصف المنبر إلى جانب المحراب, وبسطت البسط وعلقت القناديل وتلي التنزيل, وجاء الحق وبطلت الأباطيل, وصفت السجادات وكثرت السجدات وأقيمت الصلوات, وأذن المؤذنون, وخرس القسيسون, وزال البؤس, وطابت النفوس, وأقبلت السعود, وأدبرت النحوس, وعُبِد الله الأحد الذي +لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [الإخلاص: 4،3]. وكبره الراكع والساجد, والقائم والقاعد, وامتلأ الجامع, وسالت لرقة القلوب المدامع, ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال, ولم يكن عيَّن خطيب فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيبًا, فلبس الخلعة السوداء وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة, وذكر فيها شرف بيت المقدس, وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات, وما فيه من الدلائل والأماراتوالإمارات, وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في الروضتين بطولها وكان أول ما قال: +فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الأنعام:45].
ثم أورد تحميدات القرآن كلها, ثم قال: «الحمد لله معز الإسلام بنصره, ومذل الشرك بقهره, ومصرف الأمور بأمره, ومزيد النعم بشكره, ومستدرج الكافرين بمكره, الذي قدر الأيام دولاً بعدله من طله وهطله «الندى والمطر», الذي أظهر دينه على الدين كله, القاهر فوق عباده فلا يمانع, والظاهر على خليقته فلا ينازع, والآمر بما يشاء فلا يدافع, أحمده على إظفاره وإظهاره, وإعزازه لأوليائه ونصره أنصاره, حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر إجهاره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد, شهادة من طهر بالتوحيد قلبه, وأرضى به ربه, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك, ورافض الإفك, الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السموات العلى, إلى سدرة المنتهى +عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى", +مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى" [النجم: 17،15]. وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان, وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان, وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن, وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك, ومكسر الأصنام, وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان»( ).
واستمر في خطبته الرفيعة المنيعة الممزوجة بالعاطفة الجياشة والمشاعر والأحاسيس المحبوسة إلى أن قال: فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية, والوقعات البدرية, والعزمات الصديقية, والفتوحات العمرية, والجيوش العثمانية, والفتكات العلوية, جددتم للإسلام أيام القادسية والوقعات اليرموكية, والمنازلات الخيبرية, والهجمات الخالدية, فجزاكم الله عن نبيكم أفضل الجزاء, وشكرًا لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء, وتقبل الله منكم ما تقربتم إليه من مهراق الدماء, وأثابكم الجنة فهي دار السعداء, فاقدروا –رحمكم الله- هذه النعمة حق قدرها, وقوموا إلى الله بواجب شكرها فله النعمة بتخصيصكم بهذه النعمة وترشيحكم لهذه الخدمة( )... إلى آخر ما جاء في الخطبة.
وبعد أن تم هذا الفتح العظيم توافد إلى السلطان الشعراء والعلماء والكتاب والمؤرخون ينثرون أمامةإمامة من بلاغة الشعر, وحكم المقال ما قد ملأ الكتب الطوال, وإليك ما قاله الشاعر أبو الحسن بن علي الجويني:
جند السماء لهذا الملك أعوان
من شك فيهم فهذا الفتح برهان
سطر 1٬433:
وبأمثال هؤلاء ينصر الله دينه ويسدد رمي أوليائه, وقد أكرم الله تعالى صلاح الدين بهذا العالم الجليل الأديب الفقيه الوزير الناصح الزاهد التقي الورع المنفق صاحب الدعوة المستجابة.
وفاته:
في سنة 596هـ لبى القاضي الفاضل نداء ربه عندما كان أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال وإقبال الإدبارالأدبار, وهذا يدل على أن لله به عناية( ).
وذكر صاحب النجوم الزاهرة أنه كان بين الملك العادل أبي بكر بن أيوب والفاضل وحشة فلما بلغ الفاضل مجئ العادل إلى مصر دعا الله أن يقبضه إليه فمات قبل دخول العادل, فعندما كان العادل داخلاً من باب النصر, كانت جنازة القاضي الفاضل خارجة من زويلة( ).
ب- وفاة السلطان الناصر صلاح الدين:
سطر 1٬609:
53- مهما استطال الظلم وامتد وتوسع فلابد من نهاية له سواء تمثل في فرد أو في دولة, وهذه النهاية خاضعة لتقدير الله وفق سنته وقانونه في استدراج الظالمين والانتقام منهم وجعلهم عبرة لغيرهم, فأين حكام العبيديين وأين ملكهم ودولتهم؟
54- إن الجهاد عندما تقوم به الأمة كلها بقيادة أهل الحل والعقد يعطي أكله بعد حين, وعندما يتصدى لقيادة الجهاد جهال وأنصاف علماء وشباب متحمسون تكون النتائج وخيمة.
55- إنني أعتبراعتبر ما قام به صلاح الدين ونور الدين من أعمال مجيدة ثمرة لمجهود علماء وفقهاء ومربين بذلوا جهودًا عظيمة أخرجت هذا الجيل الذي قضى على دولة العبيديين وكسر شوكة النصارى في حطين, وطهر المسجد الأقصى من أسر الحاقدين.
56- إن الاهتمام بصفات القادة الربانيين والعلماء العاملين يفيد الأمة في تربيتها الطويلة وإعدادها الجاد لعودة صولتها وجولتها في دنيا الوجود على منهج قويم وتوجيه سليم.
57- إن هذا المجهود قابل المتواضع للنقد والتوجيه وما هو إلا محاولة متواضعة وبيني وبين الناقد قول الشاعر: