الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تاريخ الجزيرة العربية/تاريخ البحرين»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تجربة بوت التدقيق الإملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا، باستخدام Regex.
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 1:
مدخل الىإلى تاريخ البحرين: يلاحظ القارئ اننا قد تجنبنا عنوان "تأريخ البحرين" لمثل هذا البحث فىفي كتابنا، ونلك اقراراً منا سلفاً بعدم توفر المعلومات وتكامل الموضوع الذى نكتبه عن ارخبيل جزر البحرين ككل. ولهذا آثرنا (عنوان البحرين عبر التاريخ) متتبعين المميزات الرئيسية لتاريخ البحرين بقدر ما يتوفر لدينا من مصادر متباينة فىفي مقاصدها ومضامينها.
 
وعذرنا فىفي ذلك كله الحاح القاصد الىإلى تحسس الجذور الاصلية لتاريخ بلده- وان لم نتمكن من ربط جميع تلك الجذورفى تركيب متكامل. ونحن فىفي هذا نستشف القديم من مختلف المصادر فىفي الوقت الذى نغربل الحديث منها لكي نكون صورة عن نشأة تأريخ البحرين من خلال تاريخ طويل ومتشابك لحوض الخليج من شرقي شبه الجزيرة العربية.
 
ووجدنا انه من الاهمية ان نشير فىفي صدر هذا الكتاب الىإلى وجود حلقات مفقودة من تاريخ جزر البحرين وما هو وارد منها عبر التاريخ حتى الآن فقد عرض بطريقة متداخلة للغاية، بل ان فىفي بعضها تناقضاً خصوصاً فيما يتعلق بالعهود القديمة وكذلك بالقرون الوسطى اثر تجزئة الدولة الاسلامية وقبلها مباشرة. وسنحاول ان ننقل الىإلى القارىء جو هذا التشابك وذلك التعارض. وبسبب هذه العوامل فان تاريخ البحرين لم يزل فىفي حاجة الىإلى المزيد من الدراسة والاستقصاء، وما هذا الكتاب الا من باب المشاركة المتواضعة نقدمه لمن سيسعى مستقبلا فىفي تحقيق ودراسة "تأريخ البحرين" وتعيين خصائصه.
 
ولعل مما زاد فىفي صعوبة دراستنا صغر رقعة البحرين الممتدة بدورها عبر عمر طويل يعود بها الىإلى المئات بل الىإلى الآلاف من السنين كما تشير بذلك بعض نتائج تنقيبات البعثة الدانمركية للآثار فىفي البحرين. وفى هذا لا يخفى على القارئ مدى التشابه الكبير بين مدلول لفظة (البحرين) بمعناها القديم، والتى كانت تمتد من خليج البصرة بجوار الكويت الىإلى ساحل عمان، وبين البحرين التى تعني ارخبيل جزر البحرين فقط. ولهذا سنلتزم فىفي هذا الكتاب استخدام (البحرين) بين هلالين للدلالة على المعنى القديم او المشتبه فيه، كما سنكتب البحرين بدون أقواس فىفي حالة اعتبارها خاصة بجزر البحرين الحديثة.
 
ولعل القارئ يتساءل هنا معنا متى جاءت هذه التسمية الأخيرة؟ وكيف، وفى أي عصر اختصت جزر البحرين بالاسم الكلي؟..
 
البحرين اسم طالما تردد سماعه فىفي جنبات الخليج (العربي) قديماً وحديثاً. وبين مدلوله القديم والحديث مرت سنون بل قرون بعضها واضح المعالم والبعض الآخر لم يزل مطوياً فىفي صفحات التاريخ يستنهض العقل الباحث فىفي استجلاء الاستفهامات والاجابة عن الاسئلة المختلفة عن حقيقته فهل البحرين القديم هى البحرين الحديث؟ وما صلة ديلمون أو تلمون وتايلوس وأرادوس وأوال ومجانا بالبحرين؟ وما سر بحرها المالح والحلو فىفي آن واحد؟ ولماذا تكثر حول جزرها العيون الحلوة وهى بجيولوجيتها جزء من صحراء شبه الجزيرة العربية؟ ما هى اسطورة دلمون وانكى آلهة المياه؟ ومن قيعان البحر ننتقل الىإلى ارض تلك (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَي) التلال المقببة المنتشرة بالمئات فوق مساحة كبيرة نسبياً من البحرين، ما هو تاريخ تلك القبور التى بداخلها؟ ومتى وكيف مر بأرض (البحرين) السومريون وا لآشوريون والثموديون والفينيقيون؟ والدولة العربية الكبرى ما صلتها (بالبحرين)، ومن سكنها من القبائل العربية؟ ومن عاش على ارضها من شعوب الفرس والرومان والجرهائيين؟
 
لعلك أيها القارئ توافقنا اننا بصدد اطول تاريخ على اصغر مساحة من ارض قديمة وحديثة معاً. وربما صاحبت بمطالعاتك ابن بطوطة فىفي رحلاته، او انك طفت مع ياقوت الحموي فىفي "معجم البلدان" اوشاركت ابن الاثير فىفي "الكامل" اوسمعت عن آثار البحرين التى تمتد الىإلى 50.000 سنة قبل الميلاد. تلك هى مجموعة جرر البحرين التى يحاول هذا الكتاب ان يضع بين يديك صورة عنها. وعليك انت ايها القارئ ان توسم تلك الصورة من الزاوية التى تريد عبر تاريخ طويل تناثرت ابعاده ومعالمه بين جنوب وادي الرافدين مروراً بالجرها او هجر الىإلى ملوخا او عمان على شواطئ الخليج. وهنا تجدر الاشارة الىإلى ان الجزر أي البحرين قد اكتسبت التسمية من الكل (البحرين) خلال تقلبات التاريخ وتطوره.
 
وبالاضافة الىإلى عدد من المسائل التى يتعرض لها هذا الكتاب من تاريخ البحرين فان القارئ سيجد الملاحق بآخره بعضها يكمل ما ورد من مواضيع والبعض الآخر قد يكون منطلقاً لدراسات أخرى فىفي "تاريخ البحرين" مستقبلا. وفى كل هذا نشكر كل من عاوننا من الاصدقاء فىفي امدادنا بالمراجع المناسبة، كما نرفع شكرنا الخاص الىإلى صاحب العظمة حاكم البلاد على كريم رعايته للعلم فىفي سبيل الحقيقة.
 
واذ نتوجه الىإلى الله القدير بالتوفيق يسعدنا ان نكرر قول السلف الصالح "والله اعلم" فيما قصرنا وفيما اصبنا خدمة للتاريخ
 
==البحرين قديماً==
بالقرب من منطقة الممطلة جنوب وسط جزيرة البحرين وجدت بعض ادوات انسان العصر الحجري القديم Paeolithic له كما وجدت على الجزء الساحلي من تلك المنطقة بقايا بعض ادوات حجرية يرجح انها من آثار العصر الحجري المتأخر Neolithic ويعتقد الباحثون ان هذه المنطقة (المعروفة حالياً بالجزاير) كانت في تلك العصور الغابرة جزيرة تبعد عن الساحل الغربي حوالي اربعة كيلومترات. واغلب تلك الادوات البدائية التي وجدت في هذه المنطقة وجنوب غربي جبل الدخان كانت من الحجر الصوان، ومن بينها عدد يدوية للقطع والكشط وكذلك مجموعة من رؤوس سهام (نبال) يرجع تاريخها الىإلى 30 ألفأ أو خمسين الف سنة خلت. وفي هذا السياق ذكر المنقبون بعض احجار مسننة كانت تستخدم مع مواد اخرى كالمنجل للحصاد مما ينبىء بوجود مجتمع بدائي زراعي في البحرين في العصور السالفة من تاريخ الانسانا(1). ومثل هذه القرائن القليلة والبسيطة تنقل خيالنا الىإلى غابر الازمان لنعيش مع بعض الاساطير التى نسجت حول اسطورة حياة الخلود في دلمون البحرين(2).
 
ولعل القارئ يود ان يستوقفنا هنا متسائلا عن علاقة الاسطورة بموضوعية التأريخ. الم يبدأ تاريخ العالم بأسطورة او بعدة اساطير؟ ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان الاسطورة هي "المراجع الاولى" لتاريخ الانسان قبل ان يسطر تاريخه برموز مقروءة سماها الكتابة. والاسطورة كذلك هي التي حفظت لنا خيوطاً رفيعة نهتدي ببعضها الىإلى ابعاد من التاريخ غير المكتوب.
 
وهكذا بدأ تاريخ (البحرين) بأسطورة ذكر العلامة الدكتور جواد علي جانبأ منها في الجزء الثاني من سفره المعنون "تاريخ العرب قبل الاسلام". وفي هذا اشار "نص أرخ في السنة السابعة من سني فيليبس Phillipus فلفوس وتقابل سنة 317 قبل الميلاد، وهو نص بابلي ورد فيه اسم ارض دعيت برديسو Pardisu كان وتقابل هذه الكلمة كلمة Pildash أن وparades في العبرانية وفردوس في العربية، وتقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين Maggana التي هي "مكان" وبين "بيت نبسانو Bit Napsanu" التي هي جزيرة دلمون. وقد حملت هذه التسمية بعض العلماء على التفكيرفي ان ماورد عن (جنة عدن) في التوراة انما اريد به هذه المنطقة التي تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج.
 
زهرة الخلود
وقبل ميلاد المسيح بمئات السنين كانت اسطورة الفردوس او اسطورة ارض المشرق التي تقع وراء الافق البعيد، كانت تلك الاسطورة يرددها السومريون في حكاياتهم الدينية، فقد وردت في نصوص اسطورة الاله Enki وكيفية نجاته من الفيضان الشهير، ثم بعد ذلك كيف توجه الاله الىإلى ارض الخلود في دلمون فسكنها. فجاءه جلجامش بطل السومريين ليتعرف منه على سر الحياة ويتعلم عنه اسرار الخلود في دلمون فأفاده عن كيفية موته تحت قاع البحر الذي يمتزج بعيون ماء عذب وبداخل تلك العيون زهرة بيضاء هي (زهرة الخلود)، ولو حصل عليها كتب له الخلود الابدي. وسعى بطل السومريين في الحصول على زهرة الخلود لكن الحية الثعبان(1) سبقته فاكلت الزهرة وهكذا كتب للثعبان الخلود- ولعل ذلك يكون بتغيير جلده رمزاً لتجديد حياته!!(2)
 
وحلقات مفقودة
فتلكم كانت البحرين الفردوس المفقود او ارض الحياة في حوض خليج فارس.(3) وبعد ان تعاقبت على منطقة الخليج عدة شعوب من الاكاديين والبابليين والبارثيين(1) وغيرهم اخذ الكتاب الكلاسيكيون في محاولة كشف النقاب عن تاريخ البحرين وعلاقة تلك الشعوب بها. فكتب عن الخليج هيردوتس المتوفى 406 لم وهو صاحب النظرية التى تعتبر خليج فارس العربي موطن الفينيقيين(2) وقدذكر البحرين كل من سترابون وبلينوس في القرن الاول من الميلاد، ثم تحدث عنها بطليموس قبل منتصف القرن الثاني الميلادي ايضأ. وبالطبع اختلفت مسمياتها من قرن لآخر وحسب رواية كل مؤرخ فقد كانت البحرين تعرف باسم Niduk-ki عند الاكاديين، ودلمون(1) و تلمون عند السومريين، وتايلوس Tyros Tylos عند الفينيقيين. وبالقياس الىإلى من سبقه من المؤرخين فقد اجاد بلينوس (3) في وصف ساحل الخليج، المسمى بالعروض عند المسلمين (... وعلى بعد خمسين ميلا من الساحل ارض تسمى اتينه Attene وتقابلها في البحر جزيرة تسمى تيروس Tyros وهي معروفة بكثرة ما فيها من اللؤلؤ).
 
وفي رأينا ان بين اسطورة السومريين وروايات المؤرخين الكلاسيكيين حلقة مفقودة ليس من اليسير تحديد معالمها في التاريخ القديم للبحرين تماماً كما لا يمكن فصل الماء الاجاج عن الينابيع العذبة في باطن حوض الخليج. ومن المؤكد ان الفردوس المفقود في هذه المنطقة من العالم ليس الفردوس الخاص بالشاعر جون ملتون خلال القرن السابع الميلادي، لان فردوس البحرين وهي ارض الحياة هي حلقة من تاريخ الانسانية عامة ويجدر بنا شحذ الهمة ومواصلة البحث عن تلك الحلقة المفقودة من اسرار الحياة.
سطر 37:
يتحدث العالم عادة عن عجائب الدنيا السبع، فتشتهر بابل بحدائقها المعلقة، والهند بتاج محل كأجمل مقبرة ومصر بأهراماتها الشامخة كأضخم مقبرة.. ولذا فان (البحرين) عامة بل وجزيرة البحرين خاصة تشتهر بأكبر مقبرة تاريخية في العالم كله. وهذه حقيقة لم يكشف النقاب عنها الا منذ بضع سنوات حديثة خلت. وهذه المقبرة الكبيرة عبارة عن مجموعة عديدة من التلال المقببة المتجانسة والتي تنتشر في مساحة واسعة في وسط الجزيرة وشمالها الغربي ويتمركز اغلبها حول قرية عالي (حيث صناعة الفخار التقليدي القائمة حتى اليوم) والتي بها ما يمكن تسميته "بالمقبرة الملكية" لسكان البحرين قديماً)(1)
 
والقبور المنتشرة حول منطقة عالي يرجع اغلبها على الارجح الىإلى العصر البرونزي وفي المتوسط فأن ارتفاع كل قبر حوالي 2.35 متراً وقطره 17 متراً وعلى بعد 3 امتار من القبر يحيط به جدار دائري. وفي مدخل القبر ذي الحجرة او ذي الحجرتين فوقية وارضية فجوة بعرض متر واحد، تليها الىإلى الداخل وعلى بعد متر ونصف المترحجارة تؤدي الىإلى المدخل الرئيسي الذى بنيت حيطانه من قطع حجر جيري مغطى بالملاط. وابعاد حجرة القبر هي 90 سم عرضاً × 180 سم طولا × 116 سم ارتفاعاً وفي الطرف الشرقي منها يوجد قبران متجاوران يفصلهما جدار، احدأحد القبرين باتجاه شمال شرقي وبأبعاد 38 × 38 × 70 سم وكل قبر مسقوف بقطعة كبيرة من الحجر. اما جسم المدفون فانه يميل على جانبه الايمن- وهذه خاصية تتميز بها قبور البحرين. واغلب ما اكتشف من هذه القبور المقببة قبور ذات اتجاه شمالي غربي/ جنوبي شرقي ولكنها تنتمي الىإلى عهود مختلفة من التاريخ.
 
ولعل القارىء يستغرب وجود أكبر مقبرة تاريخية على اصغر رقعة ارضية في العالم. وبمثل هذا الاستغراب شارك عدد من المؤرخين وعلماء الآثار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة. فجاء نفر منهم بعد البحث والتنقيب باجتهادات متباينة متناقضة، واهم ما انتشر منها الفكرة السائدة بان جزر البحرين كانت الارض المقدسة لساكني منطقة (البحرين) الذين كانوا يدفنون موتاهم في الجزء الشمالي من وسط جزيرة البحرين. ولكن كيف استطاع الأهون في الزمن الغابر حينذاك نقل موتاهم بحراً الىإلى جزر البحرين ؟ ومانوع السفن(1) التي كانوا بها يعبرون البحر؟ ام ترى كانت جزر البحرين متصلة بشبه جزيرة العرب في احدأحد العصور الجيولوجية؟
 
من المعلوم ان شعوباً مختلفة استوطنت (البحرين) وكذلك جزر البحرين. فمنذ آلاف السنين وقبل ميلاد المسيح تعاقبت على هذه المنطقة شعوب بعضها من اصل سامي والبعض الآخر يختلف المؤرخون في تحديد اصلها. فهناك من يرجع نسب ساكني بلدان الخليج الىإلى سام بن نوح (عليه السلام) معتمدين في ذلك على اقوال وحكايات دينية. ومن المؤرخين من يرجع نسبهم الىإلى اجناس مختلفة استناداً الىإلى عوامل جغرافية واخرى لغوية او عرقية. ومهما اختلفت الاقاصيص التاريخية فانه من المرجح حسبما ورد في كتب الاخباريين عامة ان ينتسب ساكنو (البحرين) الىإلى قبيلة معد بن عدنان التي اليها ينتمي عرب الشمال.
 
ولعل تلك الاجناس من الشعوب مجتمعة قد تركت لنا اكبرأكبر مقبرة في (البحرين) وماحولها بالساحل الشرقي لجزيرة العرب وساحل عمان، والتي يزيد عددها في جزر البحرين فقط على مائة الف مقبرة. واغلب هذه القبور المقببة ذات نمط واحد في بنائها وشكلها وطريقة دفن الموتى. ومقابر البحرين بانتشارها في رقعة واسعة نسبياً تختلف عن تلك المقابر الموجودة في وادي الرافدين او في وادي الاندوس بالهند، وذلك بالرغم من وجود صلة حضارية بين (البحرين) والحضارتين المذكورتين منذ اكثرأكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، فهل (للبحرين) حينذاك حضارة خاصة بها؟ وفي هذا تشير التنقيبات الحديثة عن الاثار بان لجزر البحرين حضارة تعرف بدلمون والتي يرجع تاريخها الىإلى حوالي عام 2300 ق.م
 
 
سطر 68:
من المعروف لدى علماء الآثار أن المقابر الخاصة بحضارة وادي الاندوس توجد عادة في الحقول والمزارع خارج المدن حيث يدفن أو يحرق الناس موتاهم، وأما سكان وادي الرافدين بالعراق فانهم كانوا يدفنون موتاهم داخل البيوت حيث كانت توجد مقابرهم. ولكن سكان حضارة دلمون ومقابر جزر البحرين خاصة اتخذوا مقابرهم تحت التلال المقببة أماكن لموتاهم في غرف حجرية ذات نمط مميز كما سبق وصفه. ولعل آلاف المقابر المقببة التي مازالت قائمة اليوم عند قرية عالي هي ما تختص به دلمون عما جاورها من حضارات كانت الاتصالات بها وثيقة.
2- نوعية الفخار:
من العينات التي حصلت عليها البعثة الدانمركية للآثار بجزر البحرين تبين أن شكل القلل والأواني الفخارية تختلف في نقوشها وأشكالها عن نظيراتها في حضارتي الاندوس ووادي الرافدين. وهذا دليل على أصالة صناعة الفخار في البحرين. ومن الجدير بالذكر أن هذه الصناعة لم تزل من الصناعات التقليدية المحلية في منطقة عالي أيضا وحيث تتمركز اكثرأكثر المقابر الأثرية.
3-الأختام الدائرية:
يصف علماء الآثار أختام وادي الاندوس أنها ذات أشكال مربعة بينما أختام وادي الرافدين ذات أشكال أسطوانية. ولكن الأختام الفريدة التي وجدت بقلعة البحرين عند مدينة دلمون الأثرية وبأعداد كثيرة هي ذات شكل دائري خاص. انظر صورة هذا بالإضافة إلى ما عليها من رسوم ورموز مميزة لبيئة البحرين وأهمها نخلة التمر والغزال.
سطر 149:
ولكن آشور حاولت بالتهديد والضغط الاقتصادي أن تسيطر على ديلمون، فكانت توفق من حين لآخر في استخلاص إتاوة من أبناء الجزيرة. فالنقوش من عهد سرجون تذكر أن "اوبرى Uperi ملك ديلمون الذي يعيش كالسمكة على بعد ثلاثين ساعة ومثلها معها، وسط البحر في مطلع الشمس، قد سمع عن قدرتي العظمى فحمل إلي هداياه." ويخبرنا سنحاريب Sennacherib بن سرجون انه عندما خرب بابل تخريباً تاماً سنة 689 قبل الميلاد أرسل بعض أنقاض المدينة إلى ديلمون ويزيد "أن الديلمونيين نظروا إليها فاستولى عليهم الخوف والهلع من آشور فجاءوا بذخائرهم إلى آشور وأرسلوا مع ذخائرهم الصناع، جمعوهم من هنا وهناك من بلادهم، وعجلات نحاسية، وأدوات نحاسية واوان من صناعة بلادهم.
 
ثم حان الوقت الذي حصلت فيه آشور على اكثرأكثر من جزية طارئة، فقد أصبحت ديلمون في عهد آشور بانيبال Ashur Banibal مقاطعة آشورية.أما كيف حدث هذا فلا نعرف عنه شيئاً، ولكن من المحتمل أن التسليم لم يزد كثيراً على كونه اسمياً فقط، إذ لا دليل على إنزال حامية آشورية في الجزيرة.
 
وأخيراً جاء اليوم الذي تنال فيه آشور جزاءها. فمنذ عهد آشور بانيبال كان هناك تصميم على الثورة بين الكلدان والقبائل العربية، ويبدو أن للديلفونيين يداً فيها، فقد جمع أحد زعماء الثورة كنزا في الجزيرة. لقد أخمدت آشور الثورة بقسوة دامية، ولكنها مع جبروتها سقطت إلى الأبد سنة 605 قبل الميلاد بين أفراح الشعوب التي سخرتها كل هذه المدة الطويلة.
سطر 174:
ولكن اعتماداً على نوعية لغتهم فان هذا "الجنس الأسود" قد ينتمي إلى الاكاديين في بابل. ومن جهة ثانية يمكننا أن نربح بأن سبقهم قبل غيرهم إلى الرقي والحضارة يعود الفضل فيه إلى مركز بلادهم الممتاز بتوسطه ووقوعه على الطريق الكبير بين الشرق والغرب. وفى هذا نلاحظ أن التجارة كانت دائماً تصقل الذكاء وتمهد الطريق الرائدة إلى تحقيق وبلوغ الحضارة. ولعل هذه هي نفس العوامل التي جعلت الفينيقيين يغزون الأوربيين بتقدمهم في عصر فجر التاريخ، وذلك عن طريق نشاطهم في حوض الخليج الفارسي. ومن الجدير ما لاحظته هنا انه منذ الأزمنة الغابرة وحتى في عهد الاسكندر الكبير كانت إمبراطورية التجارة متمركزة في خليج فارس وليست في الساحل الجنوبي لجزيرة العرب ولا في البحر الأحمر، وذلك للأسباب التالية:
 
1- في المرحلة الأولى من نشوء الملاحة لم يجرؤ البحارة على عبور مياه المحيط الهندي بصورة مباشرة من ملبار إلى عدن، بل كان البحارة مضطرين للإبحار بمحاذاة الساحل من مصب نهر الاندوس إلى مدخل الخليج الفارسي. 2- أن الخليج الفارسي برياحه المتغيرة قد كان انسب للملاحة من البحر الأحمر الذي تهب رياحه بصورة مستمرة ولمدة تسعة اشهرأشهر في اتجاه واحد، ثم تكون في اتجاه واحد معاكس لمدة ثلاثة اشهرأشهر أخرى. 3- أن وادي الرافدين والحدود الشمالية للجزيرة العربية حيت طريق القوافل من الجرهاء، مثلا إلى تدمر لها مميزات كبيرة في النقل البري إلى الجهات الغربية، وهى بلا شك ممرات افضلأفضل من وسط الجزيرة العربية المقفرة الحارة.
 
ولهذه الأسباب وتلك العوامل مجتمعة يعود الفضل في الاحتفاظ بمركز رئيسي في التجارة والملاحة لكل من ملوخا Milukh ومجان Magan وكذلك لاوقير Oqeir يقصد بها العقير -المترجم- والجرهاء Garrha والتي جميعها قد اندثرت فخلفتها على التوالي كل من قيس Keis وهرمز Ormuz والبصرة Bassorah.
سطر 229:
ثم يبرز إلى الوجود ثمانية من الآلهة والتي لم تعلن نينهر ساجا "الأرض الأم" بعد عن أسمائهم ولا عن طبيعتهم حتى ولا تذكر لهم أوصافاً بها يعرفون. وفيما هي حيرى، تكتشف نينهرساجا أن كل ذلك كان قد حدث بفعل انكي وحده... ثم أخفى فعلته وابتبع تلك النباتات بداخله.وبسبب ذلك التجاهل بنينهرساجا والاستخفاف بها تشتعل نار الكره في نفسها فتلعن انكي "اله المياه .. وبتلك اللعنة الكبيرة" من الأرض الأم يمرض انكي، وتحجب المياه النقية 5000 بل تودع في بواطن الأرض المظلمة فتسبب موتاً بطيئاً للحياة... ومع حلول فصل الصيف تجف العيون والأنهر... فلا ماء... ولا حياة أو كذا كادت تكون... عندئذ تنتفض جميع الآلهة وتنزعج... وهنا يخرج الثعلب إليهم ويعدهم بأنه سيرضي نينهرساجا ويعيدها إليهم. ووفى الثعلب بوعده، وعادت نينهرساجا وقلبها الطيب كله رقة وشفقة... فتداوي انكي المريض وتشفيه ثم تساعده على إنجاب آلهته الثمانية... وهى نفس تلك الآلهة التي ابتلعها فضمها إليه وعاشت بداخله ثاوية إلى حين.... حين عادت الحياة إلى كل طرف مريض من انكي... فأصبح حياً.. حياً... وهكذا تنتهي الأسطورة بمنح كل آله من تلك الآلهة قوة ووظيفة في الحياة... وتستمر الحياة في تدفقها تجري.
 
وكما أشرنا سابقاً فان أسطورة تلمون تهدف إلى توضيح فكرة وحدة الوجود "بمسبباتها" في علية تربط بين ظواهر متباينة في هذا الوجود "وهنا يجب أن نلاحظ بأن عليه" مسببات هذه الوحدة هي في سياق وحسب منطق الشعر الأسطوري لا غير. إذ عندما نرى توالد النباتات من تزاوج الأرض "التربة" بالماء، فإننا نقبل ذلك التعليل، ولكن بتحفظ. وهذا التحفظ لا بد منه إذ إننا لاحظنا في نهاية هذه الأسطورة بأن الآلهة التي ولدت من انكي لكي يشفى انكي ثانية من مرضه، أن تلك الآلهة ليس بينها أي ترابط داخلي وثيق لا بالنسبة إلى التربة ولا بالنسبة إلى الماء! ومن قبيل الصدفة قد نعرف أن أسماء تلك الآلهة تحتوي على عناصر تذكرنا بمسميات لأجزاء من انكي الذي أبرئ. فمثلا الآلهة آ- زي-موا A'-zi-mu-a ومعناها "نمو الساعد المستقيم"، قد ولدت بشفاء ساعد انكي - وهذا وجه العلاقة بينهم لا غير. وهنا لابد أن نتذكر تماماً بأنه حسب مفهوم ومنطق "الشعر الأسطوري" فأن كل اسم هو بذاته قوة داخل شخص ما تحركه وتدفع به نحو اتجاه معين. وبما أن اسم "آ- زي- موا" قد يعني "النمو المستقيم للساعد"، مع أننا كما نعلم ليس لهذا الإله من صلة بنمو السواعد، فان السؤال الذي يفرض نفسه: ساعد من قامت تلك الآلهة بمده مستقيماً؟ و جواب الأسطورة هو إذ ساعد انكي. وهذا الجواب قد أورد لإيجاد علاقة سببية فحسب، ولكنه لا يتعمق اكثرأكثر فيكشف لنا الصلة الحقيقية بين طبيعة قوى الإلهين نينهرساجا وانكي وهما المعينان أصلاً بالأمر.
 
ومع ذلك كله فان أسطورة تلمون حسب طبيعتها هي وقياساً على منطق الشعر الأسطوري تعمق فينا فهمنا لقوتين كبيرتين في هذا الكون هما:"الأرض الأم والماء". وأنه في عالم وادي الرافدين Mesopotamia فان الفهم بمعناه الفلسفي يقصد به الاستبصار النفساني Psychological Insight وفي هذا تسطر لنا أسطورة تلمون معرفة عميقة باللافرضية Antithesis التي تفسر بحق ذلك التفاعل المثمر المنتج بين القوى المتصارعة في الطبيعة، ثم نتابع ذلك التفاعل الأسطوري وهو يرقى إلى الذروة "الدراماتيكية" متجلية بنى وضوح في الحكم على الماء وهو ينبوع الحياة "بالعدم والزوال إلى الأبد"... ثم ينعطف ذلك التفاعل فجأة بوقفة هادئة تعيد التوافق الودي والتوازن الطبيعي الجميل إلى الكون... وكذا الحياة تجري.
سطر 271:
 
اصل الكنعانيين والفينيقيين
كنا أشرنا في مستهل هذا الفصل إلى أن فينيقيا وكنعان لشيء واحد وان الكلمة الأولى ترجع إلى اصل يوناني وان الكلمة الثانية ترجع إلى أصول سامية، إلا انه تجب الإشارة إلى أمر هام: ذ لك أن المواطن التي استقرت فيها الشعبة الكنعانية تعني مواضع غير التي استقرت فيها الشعبة الفينيقية ويشير تاريخ الفينيقيين إلى انهم شعبة من الكنعانيين استقرت على الشاطئ عند منحدرات لبنان ومن هنا جاءت التفرقة بينهم وبين الكنعانيين والشواهد تبين أن الكنعانيين هم الأصل وانهم تحركوا إلى غرب فلسطين حيث استقروا قبل قدوم الإسرائيليين وظهورهم في التاريخ ثم تسربوا إلى الشواطئ حين جذبتهم بعض الحقول المثمرة واستلفتت أنظارهم اكثرأكثر مما كانت تستلفتها النواحي الجبلية التي ظلت تغطيها الغابات حتى في عهد الإسرائيليين.(1)
 
النظريات المختلفة حول اصل الفينيقيين
وإذن فالفينيقيون الكنعانيون قدموا إلى الشواطئ أما من النواحي الجنوبية للشاطئ السوري أو من النواحي الشمالية لفلسطين. وأما تاريخ قدومهم إلى شاطئ البحر المتوسط فليس في وسعنا أن نكذب ما رواه علماء صور لهيرودت من أن أجدادهم قدموا من شواطئ الخليج الارتيرى وانهم شادوا تلك المدينة في العهد الذي نطلق عليه نحن القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد.. يقول هيرودوت في كتابه السابع "أما الفينيقيون فيقررون انهم كانوا يعيشون قبلا على البحر الارتيري وانهم شقوا طريقهم إلى سورية وانهم يعيشون اليوم على شاطئ البحر"(2) أما جوستنيان Justin في مقتطفاته من تاريخ "بومبيوس تروجي Pompeivs Trogus فيقول: "ينحدر الصوريون من الفينيقيين الذين أزعجهم زلزال في يوم من الأيام فهجروا موطنهم الأصلي في البحر الداخلي في Ad Syrium Stagn وعندما استقروا علي اقرب شاطئ بحر بنوا مدينة أطلقوا عليها اسم صيدا Sidon بسبب كثرة السمك.. لان السمك عند الفينيقيين اسمه Sidon أما البحر الداخلي المذكور هنا Syrium Stagnum فلا يبعد عن الشاطئ السوري، وقد ظن أحيانا انه بحيرة جنيسارة Gennesareth أو بحر الجليل بأسماكه الوفيرة... ولما كانت كلمة Stagnum تعني بحيرة لا مخرج لها فان التفسير يصبح بعيد الاحتمال(3) ويرى Christain Carl Josias Bunsin أن المقصود هنا هو البحر الميت وان الزلزال الذي يروي خبره هو الذي أودى بسدوم وعمورة في القصص الذي ورد في التوراة. وهناك اكثرأكثر من رواية تاريخية تؤكد حدوث اضطراب جغرافي في الإقليم الكائن حول البحر الميت، وان ظهور الفينيقيين على صارح التاريخ تحدده هذه الكارثة التي يرجع إليها كذلك تاريخ العنصر الكنعاني كله وبعبارة أخرى نستطيع أن نخرج من هذا كله بأن أسطورة ذات اصل محلي لتعليل نشأة البحر الميت دفعت إلى خلق دائرة أسطورية نواتها إقليم ذلك البحر وما جرى فيه من أحداث كان من أثرها القضاء على حضارة سابقة.. ولكن إذا حاولنا البحث عن أصل الجنس الذي نزلت به النازلة فإننا نصل إلى الكنعانيين في عصر لا يمكن تحديده... يضاف إلى ذلك أن مصادر هيرودوت وجوستنيان لها جذورها في أسطورة كنعانية ترى في البحر الميت وإقليمه نقطة بداية لتقسيم الشعوب لا لأنها كانت كذلك فعاو بل لأنه ليست هناك نقطة بدء معروفة من الناحية التاريخية يستطاع الاطمئنان إليها.
 
وظهور الفينيقيين على الصورة التي ظهروا بها في التاريخ في أول عهدنا بهم كبحارة مهرة وتجار مبرزين... وإذن فالحضارة الفينيقية والمدن الفينيقية ليست ثمرة ظهور قوم يبدءون خطى الحضارة في أناة يتعثرون مرات ليتوقفوا مرة، بل هي ثمرة هجرة لقوم ضاقت بهم الحيلة في أرضهم فنزحوا أقوياء عنها ثم رحلوا لغيرها يستكملون قوتهم ويتابعون نشاطهم ويمارسون حضارتهم على نطاق أوسع.. ولئن صح ذلك فان رواية هيرودوت تستحق أن يعني بأمرها وان شابتها بعض الشكوك من ناحية أخرى ذلك لان الشاطئ الارثيري أو الشواطئ البابلية للخليج العربي وما وراءه لا تصلح مياهه للتجارة والملاحة بالنسبة لندرة الأخشاب وهي الناحية التي برز فيها الفينيقيون... ومهما يكن من أمر فان الفينيقيين كما نرجح مهاجرون كنعانيون من الجنوب تقدموا إلى داخل فلسطين واستقروا بها بعض الوقت ثم انتقلوا أو انتقلت الشعبة الفينيقية منهم إلى الشاطئ السوري للبحر المتوسط، وهم يمثلون على هذه الصورة امتداداً كنعانياً نحو الساحل " (1)
سطر 288:
 
المكتشفات الأثرية في البحرين و علاقتها بالفينيقيين
اعتماداً على تشابه الأسماء مثل مدينة صور في عمان وعراد ارادوس Aradus في البحرين، جاء بحاثة إنجليزي يدعى تيودوربنت وقام باكتشافات أثرية عام 1988 م سمى بعدها هذه القبور بأنها فينيقية إلا أن بعض الباحثين الآخرين عارضوا استنتاجات بنت وقالوا أن هذه القبور يرجع تاريخها إلى عهد اقرب من عهد الفينيقيين وان ارض البحرين كانت في الأزمنة السابقة قد استخدمت كمدفن للموتى الذين يؤتى بهم من الساحل المقابل للبحرين من أرض لنجة حتى بوشهر ومن المحتمل أن الموتى يؤتى بهم من شبه الجزيرة العربية). إلا أننا عندما نأخذ بهذه النتيجة لا نستطيع أن نتجاهل استنتاجات هيرودوت وسترابون القائلين بأن هذه القبور فينيقية فقد استخدمت كمدافن موطن الفينيقيين وهذا لا يمنع من الاستنتاج أيضا أن هذه القبور رغم أنها فينيقية فقد استخدمت كمدافن لأناس ينتمون إلى عصر أقرب من عصور الفينيقيين ولهذا فان الحضارة التي استخدمت هذه القبور ربما هي حضارة قريبة الصلة من الفينيقيين.(1) أن الحل النهائي لهذه المسألة الصعبة يمكن الوصول إليه فقط عن طريق البحث المنتظم في عدد اكبرأكبر من القبور في جزيرة البحرين. ومقارنتها بنظيراتها في مناطق أخرى من بلاد الشرق القديم.
 
وربما من المناسب أن نعيد إلى الأذهان رأي الرحالة العربي أمين الريحاني وهو يشير إلى نظرة إنسانية عميقة حيث يقول: "ولا فرق عندي في كل حال إذا كان العرب الأصل أو الفرع، فإذا كانوا الأصل فمرحباً بالفينيقيين أبنائهم، وإذا كانوا الفرع فمرحباً بالمنحدرين من الفينيقيين"(3)
سطر 324:
تحدثنا النقوش الاكادية أن خليجنا كان يدعى البحر المر أو البحر الأدنى، أما سواحله العربية فكانت تدعى ارض البحر وكلديا أي ارض الكلدان وكذلك ارض الحياة ودلمون أو تلمون كما سبق ذكره. وان كثيراً من الأسماء التي أتى عليها الزمن وغمرها النسيان أصبحت نسياً منسياً ولم تعرف عنها شيئاً لسنوات أو قرون طويلة إلى أن كشفت عنها تنقيبات الآثار منذ وقت قريب. وهكذا في رأينا كان حظ جرها Gerrha والجرهيين بالنسبة لأحفادهم في الخليج فقد نسوا اسمهم وجانبا من ماضيهم المجيد فلم يذكر الجرهيين أحد من مؤرخي العرب. ولولا ما كتبه مؤرخو اليونان لما عرفنا عن الجرها شيئا يستحق الذكر.
 
وبينما يرجح الباحثون أن مدينة الجرهاء تقع على الساحل العربي في الخليج من الجزيرة العربية اختلفوا في تحديد موقعها. ولكن الأماكن التي ذكروها تكاد تنحصر في مساحة تمتد من القطيف إلى سلوى، ولم يخالفهم في ذلك إلا الأستاذ جرجي زيدان حيث ذكر أن الجرهاء في اليمامة. وهذا الرأي الأخير قد يكون بعيد الاحتمال استنادا إلى ما ورد في أخبار الجرهيين، ولو انه قال أن القريين سكان اليمامة الأقدمين كانوا على صلة وثيقة بالجرهائيين لكان ذلك أقرب إلى الصحة نظرا لاتصال أهل اليمامة بسكان البحرين وارتباطهم معهم في اكثرأكثر حقب العهود التاريخية.
 
وبالرغم من اختلاف الباحثين، فانه حسب معرفتنا بمنطقة الخليج نؤيد القول الأرجح بأن الجرها هي الجرعاء والتي ذكرها الهمداني أيضا في كتابه " صفة جزيرة العرب "وان فرضتها هي العقير التي نعرفها حاليا باسم العجير. ونحن نعرف أن العقير وما جاورها من منطقة الأحشاء تكثر فيها السباخ، فهناك سبخة المريقب وسبخة أم حشيشة وسبخة ابي الحمام كما أن المسافة بين هذه السباخ وبين ساحل البحر بقرب العقير تربو كل ثلاثين ميلا كما سبق وصفه.
 
وقد كانت العقير قديما هي فرضة الأحشاء وذلك قبل أن يحتل ميناء الدمام مكانته في الوقت الحاضر. وعلى مسافة قريبة منه جزيرة الزخنونية ثم غبة أم الصخال وهى بحر عميق صالح لعبور السفن ويمتد من سواحل العقير إلى أن يقارب السواحل الجنوبية الغربية لجزر البحرين. وعلى بعد ما يقارب عشرين ميلا من فرضة العقير تقع جزيرة أوال وهى اكبرأكبر جزر البحرين التجارية، حيث يقابل العقير على سواحل أو ان أيضا ميناء العقارية. وقد كان هذا الأخير أو البندر كما يسمى محليا عامرا حينما كانت العقير عامرة أيضا. وبعد أن اضمحلت العقير اضمحلت معه كذلك أهمية العقارية.
 
ومما تقدم ذ كره من أقوال المؤرخين وخاصة سترابون نستدل أن جرا أو الجرهاء كانت تبعد عن ساحل البحر 200 استاديون وإذا كانت الاستاده تساوي 400 ذراع فان المسافة المذكورة تكون حوالي 37 كيلومترا. وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" صفحة 137: "وكان سوقها على كثيب يسمى الجرعاء تتبايع عليه العرب" فانه من الأرجح أن الجرهاء عاصمة الجرهائيين كانت في الأحساء حيث المياه الغزيرة. وقد يكون الكثيب ركام تلك المدينة فاحتفظت باسم سوقها. ومن وصف المؤرخين اليونانيين نجد أن الجرهاء كانت في ارض سبخة وان محيطها يبلغ خمسة أميال ولها سور وأبراج مبنية من صخور الملح ولعلهم كانوا يعنون به الجص.. وربما أن أحد الكتاب اليونانيين شاهد الجص قبل حرقه، وحينما استفسر عنه افادوه أنهم بذاك الحجر يبنون بيوتهم.. ومن المعلوم عندنا أن الجص قبل حرقه يشبه الملح(1) وفي القديم لم يكن لديهم افضلأفضل من تلك المادة أي الجص للبناء، وان كنا نرجح انهم قد عرفوا ما نسميه بالجص الخكرى ومصدره الرواسب الطينية التي تستخرج عادة من جداول مياه الري والصرف السيبان الزراعية ثم تقرص تلك الرواسبب أقراصا وتوضع في الشمس حتى تجف فتحرق وتدق بعد الحرق. وينتج عن هذه العملية مادة شديدة المقاومة للماء والرطوبة ومن الجدير ذكره أن العيون القديمة قي البحرين كانت مبنية من نوع هذا الجص.
 
ولا شك أن الجرهيين كانوا منتشرين في جميع أنحاء إقليم البحرين وسواحله فقد عرف انهم قوم يعشقون البحر. وأما مدينة الجرهاء وترجح أنها الجرعاء فقد كانت عاصمتهم وبها عرفوا وإليها ينتسبون، كما انتسب البابليون إلى بابل. ويحضرنا هنا ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب "لا تكونوا كالنبحل تنتسبون إلى مدنكم بل انتسبوا إلى قبائلكم". وأما ما ذهب إليه الأستاذ جرجي زيدان من أن أهل الجرها هم أهل اليمامة وان لفظة الجرهيين تحريف للقريين نسبة إلى قرية اسم اليمامة قديماً الخ، فإننا نستبعد ذلك لان اليمامة بعيدة عن الساحل، ولم يعرف عن سكان اليمامة اتهم أهل سفن وملاحة. وان كنا لا نستبعد في هذا إمكانية وجود وحدة سياسية بين أهل اليمامة والجرهيين، ومن المحتمل أن يتولى الاخيرون من سكان البحر لن شئون الملاحة بينما يقوم سكان الدمامة بمهام النقل البري.
 
ونعود إلى رأي المستر فلبي Philby الذي يظن أن جرها هي نفسها العقيرو أن الاسم الجديد احتفظ في بنيته بالاسم القديم. فمما لا شك فيه أن العقير كانت قديما وحديثا كذلك هي ميناء الأحساء أي أن العقير ميناء الجرعاء، ولكنه ليس بالجرعاء نفسها والتي وصفها سترابون بأنها تبعد عن ساحل البحر 200 استاديون كما أسلفنا. وقد ذكر المؤرخ بلينوس بأن في مقابل مدينة جرها من جهة البحر وعلى مسافة خمسين ميلا تقع جزيرة تيلوس المشهورة بوجود اللؤلؤ فيها. وهذه المسافة هي المسافة بين جزيرة البحرين وواحة الأحساء وليس العقير. وجزيرة تيلوس هي على الأرجح جزيرة أوال أو البحرين والتي أشار إليها سترابون (1( بقوله: بأن المقابر الموجودة في جزر تيلوس البحرين aradus, Tyrus تشابه مقابر الفينيقيين وان سكان الجزيرة يروون أسماء جزائرهم ومدنهم فينيقية مثل Tylus التي بها اكبرأكبر مقبرة في العالم أو aradus أي جزيرة عراد بالمحرق.
 
ثم ذكر بلينوس موضعا آخر يبعد عن الجرها اسمه Chatemi أو Atten ويرجح انه الخط من ساحل الخليج. ولهذا نستبعد أيضا ما ذكره الأستاذ سليمان حزين من أن الجرهاء هي القطيف.
سطر 386:
المنذر بن المنذر (اخوه) 500 493
النعمان بن الأسود 504 500
علقمة ابوأبو يعفر 507 504
امرؤ القيس بن النعمان 514 507
المنذر بن مرؤ القيس، الملقب بابن ماء السماء 523 514
سطر 498:
وقال ابن خلدون عن سابور ذي الأكتاف: "حتى إذا كبر وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ست عشرة سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه. وكان أول شيء ابتدأ به هو شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم.
 
ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم، وهم غازون بلاد فارس فقتلهم أبرح القتل. وعن قصيدة لقيط كاتب البلاط الفارسي يحق لنا أن نتساءل: هل جهز سابور سبعين ألف جندي وقادهم بنفسه لمحاربة قبيلة واحدة فقط في ذلك الوقت؟ نرجح الجواب بالنفي. وفي هذا نرى أن سابور نحو الأكتاف قد جهز تلك القوة الكبيرة حينذاك وترأس قيادتها بنفسه لمحاربة الدولة العربية الناشئة بزعامة امرئ القيس بن عمرو. فتحركت جيوش سابور تجاه عاصمة الدولة العربية في الحيرة سنة 325 م(2) واشتبكت مع العرب في حروب ضارية. ولما كان الفرس اكثرأكثر تنظيما وأقوى سلاحا استطاع سابور أن يحتل الحيرة منتصرا وولى عليها أوس بن قلام (1) بعد أن تقهقر امرؤ القيس بجنوده تجاه إقليم البحرين. ثم تبعه سابور أسرف في القتل في الخط وهجر حتى سالت دماء العرب على الأرض، وتابع سابور زحفه إلى اليمامة وهو يغور المياه ويخلع أكتاف العرب تنكيلا بهم، ولذلك سموه سابور ذا الأكتاف. ويحدثنا العلامة ابن خلدون نقلا عن السهيلي بأن سابور قال: إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة.
 
واثر تلك الهزيمة التحث امرؤ القيس إلى دولة الروم في الشام وعلى رأسها قسطنطين الكبير الذي تحالف معه فأسكنه حوران على أطراف مملكته وبما أن قسطنطين هو أول من تنصر من ملوك الروم واول من عمل على تنشيط الحركة التبشيرية واجتهد في تنظيمها ونشرها، فقد اعتنق امرؤ القيس النصرانية أيضا. وقبل ذلك كان هذا الأخير وثنيا يدلنا على ذلك اسمه امرؤ القيس أي خادم القيس، والقيس اسم لصنم من أصنام العرب التي كانوا يعبدونها.
سطر 516:
وبما أن هاتين الدولتين ليس لهما مطامع في داخلية جزيرة العرب وصحاريها فقد أعاد الفرس إلى اللخميين سلطانهم على الحيرة بعد قتل اوس بن قلام كما أسلفنا، ثم تحالفت الدولة الساسانية مع هذه الإمارة واتخذت منها أداة رادعة لصد هجمات القبائل العربية المتكررة على حدود مملكتها، كما جعلتها عونا لها في الحروب التي تنشب بين الساسانيين وبين الروم.
 
أما التبابعة في اليمن فقد وسعوا نفوذهم في جزيرة العرب في عهد ابوأبو كرب. اسعد بن ملكيكرب وابنه حسان أضيف إلى لقبهما ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم طودم (وتهمتم) أي وأعرابها في الجبال وتهامه. ويروى الاخباريون أن حسان بن أسعد بن ملكيكرب ساعد أخاه لامه حجر بن عمرو سيد قبيلة كنده على تأسيس إمارة كنده التي امتد سلطانها على قبائل معد، وكانت هذه القبائل تابعة لسلطة تبابعة اليمن كما كانت إمارة المناذرة تابعة للفرس حينذاك. ولما كان لأمراء كئدة دور كبير في تاريخ إقليم البحرين ونجد فإننا سنذكر هذه الإمارة باختصار.
 
==إمارة كندة==
سطر 584:
وقد تبودلت عدة مراسلات(2) بين رسول الله ص وأهل البحرين اختتمت بزيارة وفد منهم له يترأسهم عبد الله بن عوف الاشج. وقد كان هذا الأخير دميماً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه بسمتين هما الحلم والأناة. وفي أثناء زيارة وفد البحرين كان عبد الله بن عوف الاشج يسائل رسول الله (ص) عن الفقه والقرآن فتعلم منه الكثير من أمور الدين.
 
وبموت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ارتد من في البحرين كما ارتدت أطراف جزيرة العرب عن الإسلام(3). ولكن الجارود وهو بشر بن عمرو العبدي قام في بني قومه من عبد القيس يدعوهم للتمسك بالإسلام حتى نجح في إقناعهم وثبتوا على دين الحق. أما بقية أهل البحرين بزعامة الحطم بن ضبيعة فقد ارتدوا عن الإسلام وملكوا عليهم المنذر بن النعمان الملقب بالغرور. ولما بلغ ذلك الخليفة ابوأبو بكر أرسل إليهم العلاء بن الحضرمي(4) الذي سار إليهم ونزل برجاله في جواثا حصن البحرين حينذاك. ولما زحفت إليه ربيعة تحاصره خرج الضوء إليها واشتد القتال الذي دام سجالا لبضعة أيام. وفى ذلك قال عبدالله الكلابي:
ألا أبلغ أبا بكر الوكا وفتيان المدينة اجمعينا
فهل لك في شباب منك امسوا اسارى في جواث محاصرينا
سطر 604:
فلا يعبدون الله قوماً تتابعوا فقد خضبوا يوم اللقاء العواليا
 
ولكن انتصار العلاء لم يدم طويلا إذ أن الفرس قد أسرعوا ثانية فقطعوا الطريق على المسلمين إلى البصرة وذلك بعد أن أغرقوا اكثرأكثر سفنهم. ولما سمع عمر بذلك غضب على العلاء فأمر بعزله، ثم كتب إلى عتبة بن غزوان أمير البصرة يأمره بنجدة المسلمين. فأرسل هذا الأخير جيشا بقيادة ابي سبره بن ابي درهم الذي ساحل بالناس حتى انضم إلى خليد بن المنذر، ثم اشتبكوا في قتال ضد المشركين فانتصروا عليهم، وعادوا إلى البصرة محملين بالغنائم.
 
وكانت تلك الحادثة هي السبب في عزل العلاء عن حكم البحرين. وعلى أثر ذلك مرض العلاء وهو في طريقه إلى البصرة، وتوفى رحمه الله في موضع يسمى العدان(1) عام 24 هـ أو 25 هـ على الأرجح. وبعد وفاته ولى عمر عثمان ابن أبي العاص الثقفي على البحرين. ولكن أمير المؤمنين عزله لفترة حكم خلالها كل من قدامة بن مظعون ومعه أبو هريرة بن أميمة كذلك واليا على الصلاة والخراج. ثم عاد عثمان بن ابي العاص الثقفي يحكم البحرين إلى عمان. وفي أثناء حكمه تمكن ثانية من فتح اصطخر بفارس، كما أرسل جيشا من بني عبد القيس إلى "نانة" القريبة من بومباي بالهند. ثم تتابعت جيوش بني عبد القيس على الهند حتى استطاعت فتح جزيرة سيلان أيضا في عهد الفاروق عمر بن الخطاب.