الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تاريخ الجزيرة العربية/تاريخ البحرين»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط إصلاح، الأخطاء المصححة: ادوات ← أدوات (13)، اصبح ← أصبح (5)، او ← أو (46)، ايض ← أيض، اخرى ← أخرى (2)، الاهمية ← الأهمية (3)، ال باستخدام [[Project:أو...
سطر 2:
{{ويكيبيديا|تاريخ البحرين}}
{{تنسيق}}
مدخل إلى '''تاريخ البحرين''': يلاحظ القارئ اننا قد تجنبنا عنوان "تأريخ البحرين" لمثل هذا البحث في كتابنا، ونلك اقراراً منا سلفاً بعدم توفر المعلومات وتكامل الموضوع الذىالذي نكتبه عن ارخبيل جزر البحرين ككل. ولهذا آثرنا (عنوان البحرين عبر التاريخ) متتبعين المميزات الرئيسية لتاريخ البحرين بقدر ما يتوفر لدينا من مصادر متباينة في مقاصدها ومضامينها.
 
وعذرنا في ذلك كله الحاح القاصد إلى تحسس الجذور الاصلية لتاريخ بلده- وان لم نتمكن من ربط جميع تلك الجذورفى تركيب متكامل. ونحن في هذا نستشف القديم من مختلف المصادر في الوقت الذىالذي نغربل الحديث منها لكي نكون صورة عن نشأة تأريخ البحرين من خلال تاريخ طويل ومتشابك لحوض الخليج من شرقي شبه الجزيرة العربية.
 
ووجدنا انه من الاهميةالأهمية ان نشير في صدر هذا الكتاب إلى وجود حلقات مفقودة من تاريخ جزر البحرين وما هو وارد منها عبر التاريخ حتى الآن فقد عرض بطريقة متداخلة للغاية، بل ان في بعضها تناقضاً خصوصاً فيما يتعلق بالعهود القديمة وكذلك بالقرون الوسطى اثر تجزئة الدولة الاسلاميةالإسلامية وقبلها مباشرة. وسنحاول ان ننقل إلى القارىء جو هذا التشابك وذلك التعارض. وبسبب هذه العوامل فان تاريخ البحرين لم يزل في حاجة إلى المزيد من الدراسة والاستقصاء، وما هذا الكتاب الا من باب المشاركة المتواضعة نقدمه لمن سيسعى مستقبلا في تحقيق ودراسة "تأريخ البحرين" وتعيين خصائصه.
 
ولعل مما زاد في صعوبة دراستنا صغر رقعة البحرين الممتدة بدورها عبر عمر طويل يعود بها إلى المئات بل إلى الآلاف من السنين كما تشير بذلك بعض نتائج تنقيبات البعثة الدانمركية للآثار في البحرين. وفى هذا لا يخفى على القارئ مدى التشابه الكبير بين مدلول لفظة (البحرين) بمعناها القديم، والتى كانت تمتد من خليج البصرة بجوار الكويت إلى ساحل عمان، وبين البحرين التىالتي تعني ارخبيل جزر البحرين فقط. ولهذا سنلتزم في هذا الكتاب استخدام (البحرين) بين هلالين للدلالة على المعنى القديم اوأو المشتبه فيه، كما سنكتب البحرين بدون أقواس في حالة اعتبارها خاصة بجزر البحرين الحديثة.
 
ولعل القارئ يتساءل هنا معنا متى جاءت هذه التسمية الأخيرة؟ وكيف، وفى أي عصر اختصت جزر البحرين بالاسم الكلي؟..
 
البحرين اسم طالما تردد سماعه في جنبات الخليج (العربي) قديماً وحديثاً. وبين مدلوله القديم والحديث مرت سنون بل قرون بعضها واضح المعالم والبعض الآخر لم يزل مطوياً في صفحات التاريخ يستنهض العقل الباحث في استجلاء الاستفهامات والاجابة عن الاسئلةالأسئلة المختلفة عن حقيقته فهل البحرين القديم هىهي البحرين الحديث؟ وما صلة ديلمون أو تلمون وتايلوس وأرادوس وأوال ومجانا بالبحرين؟ وما سر بحرها المالح والحلو في آن واحد؟ ولماذا تكثر حول جزرها العيون الحلوة وهىوهي بجيولوجيتها جزء من صحراء شبه الجزيرة العربية؟ ما هىهي اسطورة دلمون وانكى آلهة المياه؟ ومن قيعان البحر ننتقل إلى ارضأرض تلك (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَي) التلال المقببة المنتشرة بالمئات فوق مساحة كبيرة نسبياً من البحرين، ما هو تاريخ تلك القبور التىالتي بداخلها؟ ومتى وكيف مر بأرض (البحرين) السومريون وا لآشوريون والثموديون والفينيقيون؟ والدولة العربية الكبرى ما صلتها (بالبحرين)، ومن سكنها من القبائل العربية؟ ومن عاش على ارضها من شعوب الفرس والرومان والجرهائيين؟
 
لعلك أيها القارئ توافقنا اننا بصدد أطول تاريخ على اصغر مساحة من ارضأرض قديمة وحديثة معاً. وربما صاحبت بمطالعاتك ابن بطوطة في رحلاته، اوأو انك طفت مع ياقوت الحموي في "معجم البلدان" اوشاركت ابن الاثير في "الكامل" اوسمعت عن آثار البحرين التىالتي تمتد إلى 50.000 سنة قبل الميلاد. تلك هىهي مجموعة جرر البحرين التىالتي يحاول هذا الكتاب ان يضع بين يديك صورة عنها. وعليك انت ايها القارئ ان توسم تلك الصورة من الزاوية التىالتي تريد عبر تاريخ طويل تناثرت ابعاده ومعالمه بين جنوب وادي الرافدين مروراً بالجرها اوأو هجر إلى ملوخا اوأو عمان على شواطئ الخليج. وهنا تجدر الاشارة إلى انأن الجزر أي البحرين قد اكتسبت التسمية من الكل (البحرين) خلال تقلبات التاريخ وتطوره.
 
وبالاضافة إلى عدد من المسائل التىالتي يتعرض لها هذا الكتاب من تاريخ البحرين فان القارئ سيجد الملاحق بآخره بعضها يكمل ما ورد من مواضيع والبعض الآخر قد يكون منطلقاً لدراسات أخرى في "تاريخ البحرين" مستقبلا. وفى كل هذا نشكر كل من عاوننا من الاصدقاء في امدادناإمدادنا بالمراجع المناسبة، كما نرفع شكرنا الخاص إلى صاحب العظمة حاكم البلاد على كريم رعايته للعلم في سبيل الحقيقة.
 
واذ نتوجه إلى الله القدير بالتوفيق يسعدنا ان نكرر قول السلف الصالح "والله اعلم" فيما قصرنا وفيما اصبنا خدمة للتاريخ
 
== البحرين قديماً ==
بالقرب من منطقة الممطلة جنوب وسط جزيرة البحرين وجدت بعض ادواتأدوات انسانإنسان العصر الحجري القديم Paeolithic له كما وجدت على الجزء الساحلي من تلك المنطقة بقايا بعض ادواتأدوات حجرية يرجح انها من آثار العصر الحجري المتأخر Neolithic ويعتقد الباحثون ان هذه المنطقة (المعروفة حالياً بالجزاير) كانت في تلك العصور الغابرة جزيرة تبعد عن الساحل الغربي حوالي اربعةأربعة كيلومترات. واغلب تلك الادواتالأدوات البدائية التي وجدت في هذه المنطقة وجنوب غربي جبل الدخان كانت من الحجر الصوان، ومن بينها عدد يدوية للقطع والكشط وكذلك مجموعة من رؤوس سهام (نبال) يرجع تاريخها إلى 30 ألفأ أو خمسين الف سنة خلت. وفي هذا السياق ذكر المنقبون بعض احجار مسننة كانت تستخدم مع مواد اخرىأخرى كالمنجل للحصاد مما ينبىء بوجود مجتمع بدائي زراعي في البحرين في العصور السالفة من تاريخ الانساناالإنسانا(1). ومثل هذه القرائن القليلة والبسيطة تنقل خيالنا إلى غابر الازمان لنعيش مع بعض الاساطير التىالتي نسجت حول اسطورة حياة الخلود في دلمون البحرين(2).
 
ولعل القارئ يود ان يستوقفنا هنا متسائلا عن علاقة الاسطورة بموضوعية التأريخ. الم يبدأ تاريخ العالم بأسطورة اوأو بعدة اساطير؟ ولعلنا لا نغالي اذاإذا قلنا ان الاسطورة هي "المراجع الاولى" لتاريخ الانسانالإنسان قبل ان يسطر تاريخه برموز مقروءة سماها الكتابة. والاسطورة كذلك هي التي حفظت لنا خيوطاً رفيعة نهتدي ببعضها إلى ابعاد من التاريخ غير المكتوب.
 
وهكذا بدأ تاريخ (البحرين) بأسطورة ذكر العلامة الدكتور جواد علي جانبأ منها في الجزء الثاني من سفره المعنون "تاريخ العرب قبل الاسلام". وفي هذا اشار "نص أرخ في السنة السابعة من سني فيليبس Phillipus فلفوس وتقابل سنة 317 قبل الميلاد، وهو نص بابلي ورد فيه اسم ارض دعيت برديسو Pardisu كان وتقابل هذه الكلمة كلمة Pildash أن وparades في العبرانية وفردوس في العربية، وتقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين Maggana التي هي "مكان" وبين "بيت نبسانو Bit Napsanu" التي هي جزيرة دلمون. وقد حملت هذه التسمية بعض العلماء على التفكيرفي ان ماورد عن (جنة عدن) في التوراة انما اريد به هذه المنطقة التي تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج.
 
زهرة الخلود
وقبل ميلاد المسيح بمئات السنين كانت اسطورة الفردوس اوأو اسطورة ارضأرض المشرق التي تقع وراء الافق البعيد، كانت تلك الاسطورة يرددها السومريون في حكاياتهم الدينية، فقد وردت في نصوص اسطورة الالهالإله Enki وكيفية نجاته من الفيضان الشهير، ثم بعد ذلك كيف توجه الالهالإله إلى ارضأرض الخلود في دلمون فسكنها. فجاءه جلجامش بطل السومريين ليتعرف منه على سر الحياة ويتعلم عنه اسرار الخلود في دلمون فأفاده عن كيفية موته تحت قاع البحر الذي يمتزج بعيون ماء عذب وبداخل تلك العيون زهرة بيضاء هي (زهرة الخلود)، ولو حصل عليها كتب له الخلود الابدي. وسعى بطل السومريين في الحصول على زهرة الخلود لكن الحية الثعبان(1) سبقته فاكلت الزهرة وهكذا كتب للثعبان الخلود- ولعل ذلك يكون بتغيير جلده رمزاً لتجديد حياته!!(2)
 
وحلقات مفقودة
فتلكم كانت البحرين الفردوس المفقود اوأو ارضأرض الحياة في حوض خليج فارس.(3) وبعد انأن تعاقبت على منطقة الخليج عدة شعوب من الاكاديين والبابليين والبارثيين(1) وغيرهم اخذ الكتاب الكلاسيكيون في محاولة كشف النقاب عن تاريخ البحرين وعلاقة تلك الشعوب بها. فكتب عن الخليج هيردوتس المتوفى 406 لم وهو صاحب النظرية التىالتي تعتبر خليج فارس العربي موطن الفينيقيين(2) وقدذكر البحرين كل من سترابون وبلينوس في القرن الاولالأول من الميلاد، ثم تحدث عنها بطليموس قبل منتصف القرن الثاني الميلادي ايضأأيضأ. وبالطبع اختلفت مسمياتها من قرن لآخر وحسب رواية كل مؤرخ فقد كانت البحرين تعرف باسم Niduk-ki عند الاكاديين، ودلمون(1) و تلمون عند السومريين، وتايلوس Tyros Tylos عند الفينيقيين. وبالقياس إلى من سبقه من المؤرخين فقد اجاد بلينوس (3) في وصف ساحل الخليج، المسمى بالعروض عند المسلمين (... وعلى بعد خمسين ميلا من الساحل ارضأرض تسمى اتينه Attene وتقابلها في البحر جزيرة تسمى تيروس Tyros وهي معروفة بكثرة ما فيها من اللؤلؤ).
 
وفي رأينا ان بين اسطورة السومريين وروايات المؤرخين الكلاسيكيين حلقة مفقودة ليس من اليسير تحديد معالمها في التاريخ القديم للبحرين تماماً كما لا يمكن فصل الماء الاجاج عن الينابيع العذبة في باطن حوض الخليج. ومن المؤكد ان الفردوس المفقود في هذه المنطقة من العالم ليس الفردوس الخاص بالشاعر جون ملتون خلال القرن السابع الميلادي، لان فردوس البحرين وهي ارضأرض الحياة هي حلقة من تاريخ الانسانيةالإنسانية عامة ويجدر بنا شحذ الهمة ومواصلة البحث عن تلك الحلقة المفقودة من اسرار الحياة.
 
ومن مطالعتنا في روايات الاقدمينالأقدمين واقاصيصهم وطوافهم بمنطقة البحرين نستطيع انأن نستخلص الجزء اليسير من معالم ارخبيل البحرين، فنفيد جملة لاتفصيلا بان ساكني هذه المنطقة قديماً كانوا من العمالقة ايأي من العرب البائدة الذين حكموا فيما بين النهرين والخليج. وان الجزر المقابلة للساحل الشرقي من جزيرة العرب كانت تشتهر بالسمك ووفرة اللؤلؤ وان اهلها كانوا يقومون بزراعة التمر بانواعه والقطن. لذا كانت لهم حواضر بها معابد اسطورية، وان جزيرتهم كانت محطة للتجارة العابرة لنقل انواعأنواع البضائع من نحاس وخشب فيما بين الخليج والشرق الاقصى.
 
أكبر مقبرة في العالم
يتحدث العالم عادة عن عجائب الدنيا السبع، فتشتهر بابل بحدائقها المعلقة، والهند بتاج محل كأجمل مقبرة ومصر بأهراماتها الشامخة كأضخم مقبرة.. ولذا فان (البحرين) عامة بل وجزيرة البحرين خاصة تشتهر بأكبر مقبرة تاريخية في العالم كله. وهذه حقيقة لم يكشف النقاب عنها الا منذ بضع سنوات حديثة خلت. وهذه المقبرة الكبيرة عبارة عن مجموعة عديدة من التلال المقببة المتجانسة والتي تنتشر في مساحة واسعة في وسط الجزيرة وشمالها الغربي ويتمركز اغلبها حول قرية عالي (حيث صناعة الفخار التقليدي القائمة حتى اليوم) والتي بها ما يمكن تسميته "بالمقبرة الملكية" لسكان البحرين قديماً)(1)
 
والقبور المنتشرة حول منطقة عالي يرجع اغلبها على الارجح إلى العصر البرونزي وفي المتوسط فأن ارتفاع كل قبر حوالي 2.35 متراً وقطره 17 متراً وعلى بعد 3 امتار من القبر يحيط به جدار دائري. وفي مدخل القبر ذي الحجرة اوأو ذي الحجرتين فوقية وارضية فجوة بعرض متر واحد، تليها إلى الداخل وعلى بعد متر ونصف المترحجارة تؤدي إلى المدخل الرئيسي الذىالذي بنيت حيطانه من قطع حجر جيري مغطى بالملاط. وابعاد حجرة القبر هي 90 سم عرضاً × 180 سم طولا × 116 سم ارتفاعاً وفي الطرف الشرقي منها يوجد قبران متجاوران يفصلهما جدار، أحد القبرين باتجاه شمال شرقي وبأبعاد 38 × 38 × 70 سم وكل قبر مسقوف بقطعة كبيرة من الحجر. اما جسم المدفون فانه يميل على جانبه الايمن- وهذه خاصية تتميز بها قبور البحرين. واغلب ما اكتشف من هذه القبور المقببة قبور ذات اتجاه شمالي غربي/ جنوبي شرقي ولكنها تنتمي إلى عهود مختلفة من التاريخ.
 
ولعل القارىء يستغرب وجود أكبر مقبرة تاريخية على اصغر رقعة ارضيةأرضية في العالم. وبمثل هذا الاستغراب شارك عدد من المؤرخين وعلماء الآثار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة. فجاء نفر منهم بعد البحث والتنقيب باجتهادات متباينة متناقضة، واهم ما انتشر منها الفكرة السائدة بان جزر البحرين كانت الارضالأرض المقدسة لساكني منطقة (البحرين) الذين كانوا يدفنون موتاهم في الجزء الشمالي من وسط جزيرة البحرين. ولكن كيف استطاع الأهون في الزمن الغابر حينذاك نقل موتاهم بحراً إلى جزر البحرين ؟ ومانوع السفن(1) التي كانوا بها يعبرون البحر؟ ام ترى كانت جزر البحرين متصلة بشبه جزيرة العرب في أحد العصور الجيولوجية؟
 
من المعلوم ان شعوباً مختلفة استوطنت (البحرين) وكذلك جزر البحرين. فمنذ آلاف السنين وقبل ميلاد المسيح تعاقبت على هذه المنطقة شعوب بعضها من اصل سامي والبعض الآخر يختلف المؤرخون في تحديد اصلها. فهناك من يرجع نسب ساكني بلدان الخليج إلى سام بن نوح (عليه السلام) معتمدين في ذلك على اقوالأقوال وحكايات دينية. ومن المؤرخين من يرجع نسبهم إلى اجناس مختلفة استناداً إلى عوامل جغرافية واخرىوأخرى لغوية اوأو عرقية. ومهما اختلفت الاقاصيص التاريخية فانه من المرجح حسبما ورد في كتب الاخباريين عامة ان ينتسب ساكنو (البحرين) إلى قبيلة معد بن عدنان التي اليهاإليها ينتمي عرب الشمال.
 
ولعل تلك الاجناس من الشعوب مجتمعة قد تركت لنا أكبر مقبرة في (البحرين) وماحولها بالساحل الشرقي لجزيرة العرب وساحل عمان، والتي يزيد عددها في جزر البحرين فقط على مائة الف مقبرة. واغلب هذه القبور المقببة ذات نمط واحد في بنائها وشكلها وطريقة دفن الموتى. ومقابر البحرين بانتشارها في رقعة واسعة نسبياً تختلف عن تلك المقابر الموجودة في وادي الرافدين اوأو في وادي الاندوس بالهند، وذلك بالرغم من وجود صلة حضارية بين (البحرين) والحضارتين المذكورتين منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، فهل (للبحرين) حينذاك حضارة خاصة بها؟ وفي هذا تشير التنقيبات الحديثة عن الاثارالآثار بان لجزر البحرين حضارة تعرف بدلمون والتي يرجع تاريخها إلى حوالي عام 2300 ق.م
 
حضارة دلمون "تلمون"
سطر 57:
وبهذا يلخص العلامة جواد عقب أهم ما كتب في التاريخ القديم عن جزر البحرين. ومع انه يرجح وجود حضارة خاصة بالبحرين إلا انه لم يعين بالتحديد وجوه التشابه والفروق بين (البحرين) وجزر البحرين في الجزء الثاني من مؤلفه الذي نشره سنة 1953 ويتضح كذلك أن الدكتور جواد علي فيما كتبه عن دلمون لم يحاول أن يبرز العلاقة بين دلمون وبين كل من مجان (يرجح انه عمان حالياً) وملوخا الهند. وربما تكشف التنقيبات الجارية للبعثة الدانمركية في البحرين منذ عام 1953 وبلدان الخليج عن بعض الحقائق حول هذه التسميات ومواضعها الأصلية.
 
ولقد ورد في الجزء الثاني من مؤلف الدكتور جواد علي أيضا ما ملخصه أن: مجان هو القسم الشرقي من الجزيرة (جزيرة العرب) من ارضأرض بابل إلى الجنوب وفي رأي "هومل" كذلك أن مجان كانت في المنطقة المسماة كا 22 كاحل وملوخا هو القسم الغربي من جزيرة العرب أو في القسم الشمالي الغربي منها ولكن نفس المصدر يذكر أن ملوخا تقع في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من (البحرين) إلى عمان وقد اشتهرت ملوخا بوجود الذهب فيها وبالخشب الثمين. وبين هذه وتلك يرى "موسل" انه من الصعب جدا الاتفاق على موقعي (مجان) و (ملوخا) (1) لان مدلول الاسمين قد تغير مراراً. فالذي يفهم من النصوص التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد انهما موضعان يقعان في جزيرة العرب(2) على سواحل الخليج وعلى سواحل البحر الهندي.
 
ويتبين مما تقدم أنه حتى منتصف القرن العشرين كانت مجان في منطقة (البحرين) وان ملوخا في أمكنة مختلفة من جزيرة العرب وبدون تحديد غير أن تنقيبات البعثة الدانمركية للآثار قد استطاعت في السنوات القليلة الماضية أن تعين حدود دلمون التي كانت حاضرتها البحرين، وبذلك بدأت تكشف النقاب عن إمكانية علاقة (البحرين) بكل من مجان Magan و ملوخا Malukha.
سطر 74:
يصف علماء الآثار أختام وادي الاندوس أنها ذات أشكال مربعة بينما أختام وادي الرافدين ذات أشكال أسطوانية. ولكن الأختام الفريدة التي وجدت بقلعة البحرين عند مدينة دلمون الأثرية وبأعداد كثيرة هي ذات شكل دائري خاص. انظر صورة هذا بالإضافة إلى ما عليها من رسوم ورموز مميزة لبيئة البحرين وأهمها نخلة التمر والغزال.
 
وخلاصة المطاف أن تاريخ البحرين يتأرجح خلال مختلف العصور في حلقات غير متصلة بين أسطورة "ارض حياة الفردوس " وبين بعض أختام دلمونية يرجع تاريخها إلى عهد باربار -المعبد الأول- حوالي 3400 سنة ق. م مصنوعة من حجر الأستيت ترمز إلى تجارة دلمون البحرية بالنحاس، وهىوهي عبارة عن دعاء أو صلاة للآلهة (انان) آلهة الأرض عند سكان دلمون لحماية تجارتهم البحرية والعودة إلى الأرض.
 
ويرمز الختم الأوسط إلى نخلة وشخصين دلمونيين وهما ممسكان النخلة بيديهما والنخلة رمز (أنان) آلهة الأرض وشجرتها المفضلة. وممسكان النحاس باليد الأخرى وشخصان واقفان على قطعة من النحاس المصقول. وتبدو طريقة الرسم السومرية. كما يبدو الغزال وهو حيوان انان المفضل. والدعاء: أيها الآلهة انان -آلهة الأرض- باركي تجارتنا بالنحاس حتى نرجع إليك.
سطر 80:
الختم مصنوع من الطين ومحفوظ في المتحف الوطني بالبحرين برقم 358 ويرجع تاريخه إلى المعبد الثالث والختم يرمز إلى تطور الحياة الموسيقية لدى حضارة دلمون حيث أن الموسيقار الدلموني يلعب على آلة القيثارة ذات الصندوق الموسيقي الكبير مع وجود صور عن الحياة الطبيعية الثور والغزال ويرمز الختم إلى مدى تطور الحياة الاجتماعية وخاصة فكرة الأمن والصداقة والمحبة لديهم انظر بحث. علي حبيب بوشهري 1980
 
الموجودات الأثرية التي عثر عليها ضمن حفريات البعثة الدانمركية بجزيرة البحرين، وبين تلك الأساطير وهذه النتف المتبقية من قطع العصر الحجري وأدوات العصر البرونزي يمكن القول بان ساكني منطقة البحرين كانوا من الصيادين ثم اصبحواأصبحوا كذلك مزارعين(1). ومن الزراعة اشتهرت هذه المنطقة وخاصة في عهد الجرها بالتجارة ومقايضة مختلف البضائع مثل الأخشاب والذهب والنحاس، كما كانت تصدر اللؤلؤ إلى ما جاورها من أمصار.
 
وان البحرين كانت أرضا مقدسة ذات حضارة مستقلة في مقوماتها وخصائصها وأثارها. ومن الطبيعي أن يتمازج ساكنو البحرين قديماً مع غيرهم من شعوب الخليج شماله وجنوبه، وكان من نتيجة ذلك الاختلاط أن وردت إلى البحرين عدة طوائف وشعوب من الأمم التي خلفت وراءها آثاراً متباينة غمر التاريخ بين طياته العديد منها، والقليل الذي بقي طمسته الأتربة والتغيرات التي حدثت في منطقة الخليج. ولقد حاول أعضاء البعثة الدانمركية أن يعينوا معالم تلك الموجات البشرية من حاول ما درسوه من طبقات أرضية في قلعة البحرين الأثرية وما جاورها من قرى.
سطر 91:
4- من 500 قبل الميلاد إلى بداية الميلاد وهو عصر الاخمينيين والسلوقيين ويمثله الفخار المصقول ذو الأشكال المختلفة.
 
ويلي تلك العصور حلقة بل حلقات أخرى مفقودة من تاريخ البحرين قبل الإسلام خاصة وهىوهي الفترة التي كانت تشمل بضعة قرون من الزمان والتي لم يكن نصيب تاريخ البحرين خلالها أوفر مما سبق تحصيله.
 
ومسألة التمييز بين البحرين وجزر البحرين كما هي اليوم تكررت في كتابات المؤرخين الإخباريين والذين يشير بعضهم إلى تسمية جزر البحرين بأوال خلال القرن الثاني عشر الميلادي.
سطر 127:
وعلى كل فليس من الممكن اتخاذ موقف إيجابي بالنسبة لهذه المسألة الهامة، ولكن الحقيقة هي أن الديلمونيين قد اتخذوا انزاك Inzak ولاخامون Lakhamun إلهين خاصين بهم يتعبدون لهما، وهما اسمان مهجوران لإلهين من آلهة السومريين.
 
يعود تاريخ اقدمأقدم نص تاريخي جاء ذكر ديلمون فيه إلى 3500 سنة قبل الميلاد تقريباً. كانت الجزيرة في ذلك الحين متصلة تجارياً اتصالا وثيقاً بالولاية السومرية لاغاش Lagash التي كانت ديلمون ترسل لها التمور والنحاس الخام- ولعل الأول مما كان يزرع في جزيرة العرب كما يزرع في البحرين، أما الأخير فيكاد يكون من المحقق انه مما كان يستخرج من مناجم ماغان Magan عمان في العصر الحديث؟. ثم حدث أول احتكاك لدلمون بالتوسع الاستعماري في ذلك الحين.
 
فقد قام في نجود سومر الشمالية الغليظة حوالي سنة 2360 قبل الميلاد ملك طموح بعيد الهمة، هو سرجون الاكدى Sargon of Akad فزحف صوب الجنوب وافتتح من دون هوادة الدويلات السومرية التي كانت تتألف كل منها من مدينة واحدة مستقلة، فتحها واحدة واحدة، ثم التفت صوب الشمال وصوب اليمين: فاجتاح عيلام Elam وسوريا النائية حتى غابات الأرز والجبال الفضية بعد ذلك، وكأنما كان يسوقه سائق إلى الحرب، شرع في إخضاع الجزيرة التي تقع نحو الجنوب في البحر الواطئ أما كيف هاجم ديلمون فلا نعرف عنه شيئاً، ولكن لوحة مسمارية تسمى أحيانا أطلس إمبراطورية لصرجون الاكدى تذكر ديلمون وماغان، البلدين الكائنين خلف البحر الواطئ، والبلاد من مشرق الشمس إلى مغربها التي افتتحها سرجون.. بيده.
سطر 143:
وعلى كل فقد اخذ الإرهاب الآشوري المتزايد يهوى قاسيا في اسكن الثامن قبل الميلاد على رؤوس البلاد المجاورة جميعها، وباللجوء الوحشي للحرب واستعمال سياسة القوة، دفعت آشور جاراتها، واحدة بعد أخرى، أما إلى التسليم والقسم بالآلهة العظمى على الولاء لها وأما على مواجهة التدمير والإرهاب حسب خطة موضوعة. وهذا الاستعمال الوطني للعنف كان من نوع وعلى مقياس لم يعهد لهما ضريب حتى ظهور ألمانيا الهتلرية. أن تاريخ الحروب الآشورية يقطر دماً، فقد كانت لكل ملك من ملوكها قوائم بالمدن التي كما يقول أحدهم دمرتها، وخربتها، أحرقتها بالنار وبالقبائل التي أبيدت برمتها، أو كما يقول أحدهم قطعتها إرباً إرباً.. أطعمت أجسادهم التي بترت أعضاؤها للكلاب، والخنازير، والذئاب، والعقبان، والى طيور السماء واسماك البحار.
 
كانت الجنود الآشورية مسلحة ومدربة على احسن ما يرام، فلم تتوان في اجتياح الصحراء العربية الواسعة خلف البدو، أو في مهاجمة أهالي الجبال في معاقلهم، فاستولت على الشرق الأدنى موجة من القلق والتشاؤم، إذ اصبحأصبح من الجلي أن آشور ما كانت تهدف إلى ما دون الانتشار الواسع والسيادة المطلقة.
 
وتدخل القدر بصورة غير متوقعة فإذا جزيرة ديلمون الصغيرة لم تنج أن تكون ضمن الضحايا الكبرى، على الرغم من بعدها واكتناف الماء بها. فسرجون الآشوري 733-705 قبل الميلاد ، وقد تسمى باسم سرجون الاكدى الذي كان يعيش قبله بألف وستمائة سنة، يهوى تقليد سميه في كل شيء مهما دق وصغر، ولما كان يعرف أن لصرجون القديم قد فتح ديلمون فقد تطلع هو أيضاً إلى بلوغ تلك الغاية، زد على ذلك أن الجزيرة كانت مرموقة من الوجهة التجارية فمن يستولي عليها يسيطر على الطريق البحري الجنوبي، بالإضافة إلى بسط سيطرته العامة على الأقل على القسم الشمالي من الخليج العربي.
سطر 164:
وتكثر في البحرين المساجد على اختلافها، والتي وجدت في بعضها أحجار منقوش عليها كتابات عربية بالأحرف الكوفية والمسمارية كالتي توجد في مسجد الخميس بالبلاد القديم.
 
وأخيراً أبلغني أحد الناس عن حجر عليه كتابة لا يعرف نوع كتابتها أو قراءتها فذهبت إلى ذلك الحجر المطمور في ارضأرض "مدرسة الداوود" بالبلاد القديم. وهذا الحجر من البازلت الأسود، ويشبه في شكله مقدمة السفينة أو لسان الحيوان، وهو بطول قدمين وبوصتين كذلك. وبالرغم من قداسة ذلك المكان الذي وجدت الحجر فيه، فإنني لم أواجه أية صعوبة في الحصول عليه وذلك بعد أن أخبرت "الملأ" بأن ذلك الحجر يخص عبدة النار وانه بمثابة صنم لا يناسب المكان المطمور بأرضه. ولكي ادعم كلامي ووجهة نظري تبرعت ببضع روبيات لترميم مسجدهم.. فما كان من الشيخ "الملأ" واسمه أحمد إلا أن أرسل أحد عبيده ليحفر الأرض وينقل ذلك الحجر إلى منزلي. ومن الواضح أن لهذا الحجر خصائص تتميز بالكتابة المسمارية التي كانت عند بابل وآشور... كما أن قسماً من تلك الكتابة كانت تشبه الأحرف الهيروغليفية.
 
تعليق السير رولنسون؟!
سطر 170:
أن ما اكتشفه الكابتن ديوراند يعطينا فكرة عن الأهمية التاريخية للمناطق البحرية ونشاطها الحضاري عن طريق الملاحة. فمثلا يقر البابليون والذين قد أعطوا الكثير للحضارة، بأنهم أنفسهم قد اخذوا اغلب معارفهم من سكان جزر عجيبة تقع في خليج فارس وتتحدث حكايات الأقدمين عن اوانس Oannes "اله السمك" الذي جاء من وراء البحر الارثيري - المجاور لحدود بابل- وهو الذي علم أهالي ما بين النهرين دجلة والفرات الحروف اللغات والعلوم والفنون من كل نوع وقد كان ذلك في فجر الحضارة.
 
ومن الكتابات المنقوشة يبدو أن Oannes كان هو "خالق البشر رب المعرفة" God of Knowledge وسيد الشعوب القديمة الأولى مثل ايريد Erid وسورباك Surippak وكلخا Khalkha وغالباً ما يعرف اوانس Oannes باسم The God of the House of Water أي رب مملكة الماء بالنسبة لأهمية هذا الاسم حاولت منذ سنوات مضت أن اقترح له لقباً ذا قيمة لغوية فأسميته "هيا Hea" ثم اصبحأصبح هذا اللقب مناسباً ومقبولا يستخدمه الدارسون.
 
والسؤال الرئيسي الذي يفرض نفسه هو التالي: من هم أولئك البدائيون "آباء المعرفة" الذين كانوا أول من أتى بالحضارة ونقلها إلى المقيمين عند ضفاف دجلة والفرات؟ ومن هم أولئك البدائيون الذين حفظت "ذكراهم كذلك أساطير" جنات عدن Garden of Eden وشجرة المعرفة The Tree of Knowledge وحسب تقديراتي الكلام لرولنسون ستطيع أن اقرر بأن أولئك البدائيين كانوا هم الجنس الأسود (Dark Mark) أي أجداد أصحاب الرؤوس السوداء The Black Heads - وربما كانوا هم بنو آدم الأول المذكورين في سفر التكوين. ومن المعلوم أن أولئك الناس لا ينتمون إلى الساميين، لأنه لا يوجد في أساطير وجغرافية منطقة الخليج و البحر الارثيري ما يدل على صلة لهم لا بالعبرانيين ولا بالعرب.
سطر 176:
ولكن اعتماداً على نوعية لغتهم فان هذا "الجنس الأسود" قد ينتمي إلى الاكاديين في بابل. ومن جهة ثانية يمكننا أن نربح بأن سبقهم قبل غيرهم إلى الرقي والحضارة يعود الفضل فيه إلى مركز بلادهم الممتاز بتوسطه ووقوعه على الطريق الكبير بين الشرق والغرب. وفى هذا نلاحظ أن التجارة كانت دائماً تصقل الذكاء وتمهد الطريق الرائدة إلى تحقيق وبلوغ الحضارة. ولعل هذه هي نفس العوامل التي جعلت الفينيقيين يغزون الأوربيين بتقدمهم في عصر فجر التاريخ، وذلك عن طريق نشاطهم في حوض الخليج الفارسي. ومن الجدير ما لاحظته هنا انه منذ الأزمنة الغابرة وحتى في عهد الاسكندر الكبير كانت إمبراطورية التجارة متمركزة في خليج فارس وليست في الساحل الجنوبي لجزيرة العرب ولا في البحر الأحمر، وذلك للأسباب التالية:
 
1- في المرحلة الأولى من نشوء الملاحة لم يجرؤ البحارة على عبور مياه المحيط الهندي بصورة مباشرة من ملبار إلى عدن، بل كان البحارة مضطرين للإبحار بمحاذاة الساحل من مصب نهر الاندوس إلى مدخل الخليج الفارسي. 2- أن الخليج الفارسي برياحه المتغيرة قد كان انسب للملاحة من البحر الأحمر الذي تهب رياحه بصورة مستمرة ولمدة تسعة أشهر في اتجاه واحد، ثم تكون في اتجاه واحد معاكس لمدة ثلاثة أشهر أخرى. 3- أن وادي الرافدين والحدود الشمالية للجزيرة العربية حيت طريق القوافل من الجرهاء، مثلا إلى تدمر لها مميزات كبيرة في النقل البري إلى الجهات الغربية، وهىوهي بلا شك ممرات أفضل من وسط الجزيرة العربية المقفرة الحارة.
 
ولهذه الأسباب وتلك العوامل مجتمعة يعود الفضل في الاحتفاظ بمركز رئيسي في التجارة والملاحة لكل من ملوخا Milukh ومجان Magan وكذلك لاوقير Oqeir يقصد بها العقير -المترجم- والجرهاء Garrha والتي جميعها قد اندثرت فخلفتها على التوالي كل من قيس Keis وهرمز Ormuz والبصرة Bassorah.
سطر 184:
وأما فيما يتعلق بعطارد فان الأدلة على وجود عبادته متوفرة بكل تأكيد.. ذلك أن الكتابات المنقوشة، والتي اكتشفها الكابتن ديوراند على الحجر الأسود الشهير بالبحرين، هي السند الأساسي في دراسة هذا الموضوع ومناقشته " وعلى ذلك الحجر الأسود قد كتب بالهيرية البابلية Herieratic Babylonian وهى كتابات كهنوتية ذات أشكال ابسط من الهيروغليفية -المترجم (ما يمكن ترجمته كالتالي: Hekal Rimugas ،eri- Inzak ، Agiru أي هذا قصر ريموقاس خادم عطارد ومن قبيلة عقير Ogyr ومن الجدير ملاحظته أن الاسم ريموقاس Rimugas هو من اصل آكادي من الناحية اللغوية ، فان الكاسعة أي المقطع اللفظي المضاف في المؤخرة وهى هنا اس (S) سمة بارزة في أسماء "ما قبل اللغات السامية". أما انزاك Inzak ذو المقطع الثنائي لغوياً فانه اسم آكادي للإله Nebo أو Mercury عطارد والذي كان يعبد في البحرين كما أسلفنا.
 
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من العبادات فان الإغريق من أيام الاسكندر يروون لنا عن أهم عبادة كانت في منطقة الخليج الفارسي وهىوهي عبادة الآلهة فينوس Venus آلهة الحب والجمال وهىوهي ذات علاقة بعطارد Mercury أو انزاك Inzak والذي كانت زوجته في بابل تعرف باسم تاسميدت Tasmit ولكن هذه الأخيرة كانت تذكر في النقوش التي تحدثنا عنها آنفاً باسم لاكامون Lakhamun وهىوهي بدورها ذات علاقة باسم زيرو- بانت Ziru-Paint والتي يرجح أنها كانت زوجة مروداش Merodach، وقد كانت هذه الأخيرة كذلك هي القديسة الحارسة لبابل - وفي هذا كله شيء من التداخل والغموض بين اسم زوجة مروداش Merodach واسم زوجة نيبو Nebo أو بالأحرى زوجة عطارد Mercury واللذين يتكرر ذكر اسميهما مقرونين بالزوجة Pap-nun ولكن هذه الأخيرة لها علاقة كذلك بزيرو بانت وتاسميت.
 
والذي يهمنا هنا هو أن رسم النقوش الكتابية لاسم لاكامون Lackmun لا يوجد في أي فقرة أخرى عدا الكتابة التي تذكر اسم -فينوس البحرين The Venus of Bahrain... وهذه الحقيقة اقل ما يمكن أن نقول عنها هي أنها رائعة بلا شك، ذلك بسبب شمولها وتكاملها بالنسبة إلى ما لدينا من مجموعة الأساطير المختلفة وأهمية هذه الحقيقة تزداد حينما نعرف أن اسم لاكامون Lackmun يتكرر ذكره مراراً وهو مقرون باسم الأم الكبيرة "Great Mother" أو بالعنصر الأساسي الأنثوي للطبيعة The Female Principle of Nature وهذا يناسب تماما علاقة اسم زيرو- بانت Ziru-panit بنيدوكي Nidukki أي البحرين كما سبق أن ذكرناه. ولهذا كله أستطيع الكلام لرولنسون أن اقرر بأن لاكامو Lackamu ولاكامون Lackamun هما شكلان أو صورتان لاسم واحد، واقرر كذلك بأن القديسة أي زيو- بانت الحارسة للبحرين هي نفسها الآلهة التي كانت تعبد فيما بعد في بابل وذلك بأشكال من أسماء ثلاثة هي:- زيرو بانت Ziru-panit زوجة ميروداش Merodach تاسميت Tasmit كان زوجة نيبو Nebo *جولا Gula زوجة نينيب Ninip وعلى أية حال فان صفات جولا Gula والتي كان يرد ذكرها مقروناً باسم لاكامو Lackamu وهو العنصر الذكر للطبيعة The Male Principle of Nature تناسب تماماً آلهة البحرين ، وذلك للأسباب التالية:
 
1- أن الأم الكبيرة The Great Mother أي امو الجدات Ummu-alidat بمعنى المولودة الأصل (Genetrix) (هي ذاتها آلهة أصحاب الرؤوس السوداء أي الجنس الأسود). 2- أن تلك الأم الكبيرة هي كذلك ملكة الآلهة بالكرك جزيرة قديمة يرجح أنها مقابل المحمرة بمدخل الفرات (المترجم The Queen of Karrak والتي كانت تبارك أيضا القبور Abrikat Arali) 3- وهىوهي كذلك الملكة الآلهة للحياة The Queen of Life والتي تبعث الموتى، وبذلك تكون سيدة النشور... ولهذا فهي الآلهة التي يرغب أصحاب "الرؤوس السوداء" أي الاريثريين Erytheans أن يدفنوا عند مزارها محرابها المقدس تماماً كما يرغب اليوم الفرس اتباع الأماكن المقدسة Seataries أن يدفنوا بالنجف في كربلاء، وذلك لكون المكان في وادي السلام Wadi-as-Salam وما جاوره هو المقام المقدس الذي سيكتب لهم فيه الحساب. ويمكنني الحديث لرولنسون أن اذكر حادثة أخرى مماثلة تفسر وجو القبور بكثرة في وركا Warka اوأو حوروك Huruk وذلك لنفس السبب أي لكونها مزاراً أي مقاما مشهوراً للآلهة عشتار Ishtar والتي تمثل أيضا قوة الإخصاب والإنتاج في الطبيعة The productive power of nature والتي يرجح أنها في مقدمة القوامين بأمر الانبعاث.
 
والى هنا يصبح من الضروري علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العامل الجغرافي وعلاقته الوثيقة بالعامل الأسطوري إذ بدون هذه العلاقة وتلاحمها لا يمكن تفسير أو معرفة أحد العاملين معرفة ذكية معقولة إلا بدراسة العامل الآخر دراسة مستوفاة. وليكن معلوما هاهنا انه منذ بداية تاريخ الكتابات المنقوشة الآشورية حتى نهاية آخر فترة من عهودها كانت هناك على الدوام إشارة إلى اسم جزيرة تدعى نيدوكي Niduki باللغة الآكادية وكذلك باسم تلوون أو تلمون أي Tilvun or Tilmun باللغة الآشورية. وان هذا الاسم الأخير غالباً ما لينطبق على اسم البحرين بدون أي شك. كما يقترن هذا الاسم "تلمون" باسمين آخرين هما ميلوك Miluk ومجان Makkan مما قد يدل على أن أماكن هذه الأسماء الثلاثة كانت متجاورة. وفي الوقت الحاضر تعرف أن معنى ميلوك Miluk ومجان Magan هما "العلوي" Upper والسفلي Lower على التوالي. وهذا ما يتفق عليه العلماء المختصون في تاريخ الآشوريين ولغاتهم Assyriologists ، فهم عندما يدرسـون مصر، مثلا، يشيرون إلى الإقليم العلوي مصر العليا فالإقليم السفلي مصر السفلي أو وصفهما معاً في لفظة ثنائية باسم واحد Marraim وعلى غرار ذلك كانت توجد ميلوك ومجان "غربية" وأخرى "شرقية" كميناءين في الخليج الفارسي، واللذين كانا مجاورين للبحرين.
سطر 196:
وفي سياق ذلك الأسلوب الاستطرادي المثير ترد أول إشارة عن حكاية نيدوكي Nidukki ضمن لوحة تروي أعمال سرجون الكبير Sargon the Great وذلك حوالي 1600 ق. م حيث نجد وصفاً عن بلوغ ذلك الملك إلى البحر الأدنى أو بالأحرى وصوله إلى خليج فارس وان سرجون الكبير قد اخضع تحت سلطته كلا من نيدوكي Nidukki (أي البحرين) وميناء آخر لم يذكر اسمه تماماً... ونظراً للارتباط الوثيق بين اسم نيدوكي واسم تلمون فانه من الضروري أن نشير إلى الفصول الشهيرة من وقائع السجلات التاريخية لسرجون الأصغر The Younger sargon التي تصف إخضاعه لاوبير Hupir ملك جزيرة البحرين والذي كان هذا الأخير يعيش كالسمكة في الماء وعلى مسافة 30 كاسبو Kaspu أي حوالي ساعتين بما يساوى 210 أميال من مدخل نهر الفرات.
 
وفي كتابات الجغرافيين العرب الأوائل مثل الاصطخري وابن حوقل واتباعهما توجد ثلاث جزر كان يتكرر نذكرها ضمن خليج فارس وهىوهي: خرك Kharak ولافت Laft وأوال Awal وهي حديثاً ما تعرف بأسماء كرك وقشم والبحرين على التوالي. ولكن المناطق الداخلية والساحلية التي يرد ذكرها مع اسم البحرين كانت جميعها تسمى هجر Hajar وهذا الاسم كما يبدو كان عاصمة لجزيرة كبيرة والتي من المحتمل أن تكون البلاد القديم Bilad Kadim من معالمها. وإذا عدنا إلى النقوش الكتابية التي وجدها الكابتن ديوراند على الحجر الأسود في البلاد القديم بالبحرين يمكننا أن نجزم بأن القبيلة الرئيسية التي استوطنت تلك الجزيرة وما جاورها من مناطق هي قبيلة عقيرو Aqiru وهذا الاسم يشابه ما أشار إليه الإغريق باسم عقير Uqeir أو نظيره عجير Ojair وموقع عجير مقابل الجرها
 
أسطورة دلمون "البحرين"
سطر 216:
"أسطورة نشـوء الكون في تزاوج الأرض بالماء"
 
لا تحاول أسطورة تلمون أن تفك معضلة أو تحل مشكلة حياتية، فالغرض من هذه الأسطورة هو تقصي وحدة عليا A Casual Unity! وهىوهي بذاتها قصة وحدة الوجود بظواهرها العديدة المتباينة، والتي ترجع في اصلها المشترك إلى صراع بين طبيعتين هما الذكر والأنثى أي ربما بين أدمآدم وحواء.
 
وأسطورة تلمون تحكي لنا قصة معركة الارادات بين انجذابها مرة وتنافرها مرة أخرى وهىوهي كذلك حكاية صراع واختلاف بين الأرض الأم نينهرساجا Ninhursaga وانكى Enki المياه الآسنة. وتبدأ حوادث هذه الأسطورة على ارضأرض جزيرة تلمون وهىوهي البحرين الحديثة في خليج فارس. وهذه الجزيرة كانت قد منحت للإلهين انكي ونينهرساجا معاً وذلك عندما قررت الآلهة في فجر الخليقة أن تقتسم هذا الكون فيما بينها.
 
وبإيحاء من نينهر ساجا ونزولا عند رغبتها يمد انكي جزيرة تلمون بالماء النقي فيسيله بأراضيها
رقراقاً، ثم اخذ انكي يطلب ودها ويخطبها لنفسه. ومع أن نينهرساجا في البداية تتمنع عنه، تعود في نهاية الأمر فتقبله يلقحها فينجبان ابنتهما نينسار Ninsar آلهة النبات، وهىوهي التي قد ولدت من تزاوج التربة أي الأرض نينهر ساجا بالماء وهو الإله انكي.
 
تلك بداية البداية. ولكن بما أن مياه الفيضان لتدفق سنوياً إلى مجرى النهر وقبل أن تنمو النباتات وتستوي عن عودها، فانه ليس من عادة انكي أن يمكث مع نينهرساجا كزوج.. فتراه يسيل ويجري مبتعداً عنها قبل ولادة آلهة النبات. وفي أخرآخر فصل الربيع تتكاثر النباتات وتتجمع حول الأنهر، وتفد نينسار Ninsar بدلالها النضر إلى حافة النهر حيث كان انكي هنالك كذلك. بيد أن انكي يرى في آلهة النبات فتاة أخرى يافعة، فيراودها ويضاجعها.. ولكنه يستمر في جريانه كعادته فلا يمكث للعيش معها.. وتنجب آلهة النبات بدورها وليدة، تشبه فيما نرجح "الخيوط الليفية" التي بها ينسج الكتان. ونحصل على مثل هذه الخيوط عادة بنقع النباتات في الماء حتى تتهرأ منها مادة لينة، فلا تبقى إلا أجزاء الخيوط المتينة. وهذه الأخيرة هي بمثابة "الطفل المولود" من تزاوج النباتات مع الماء.
 
وهكذا تتكرر الحكاية نفسها بين جريان وتزاوج وتوالد... فآلهة "الصباغة" والتي بها تلون الثياب
تولد بنفس الطريقة... وبعدها كذلك تنجب بدورها اوتو Uttu آلهة "الثياب والنسيج" والى هنا تعود نينهر ساجا Ninhursaga فتدرك ماهية أنكي وطبيعته، فتحذر وتنذر بذلك اوتو Uttu وبالرغم من ذلك التحذير تصر الآلهة اوتو على الزواج من انكي. فتهيم به ليجلب لها انكي هدايا من القثاء والتفاح والعنب - ويبدو أن تلك الهدايا كانت من تقاليد مهر الزواج حينذاك بين الآلهة - وبذلك ستكون له زوجة. ويستجيب انكي لطلباتها، ويتقدم طالباً يدها. وحينما يقف كالمعتاد بهداياه عند بابها... تستقبله اوتو Uttu بكل فرحة وابتهاج وتدخله بيتها... فيسقيها انكي منه خمرة حتى ترتمي اوتو ثملة نشوى... فيقضي منها وطره. عند هذه النقطة تتخلل الأسطورة فجوة تلقى بظلام علي سياق حوادثها.
 
ثم يبرز إلى الوجود ثمانية من الآلهة والتي لم تعلن نينهر ساجا "الأرض الأم" بعد عن أسمائهم ولا عن طبيعتهم حتى ولا تذكر لهم أوصافاً بها يعرفون. وفيما هي حيرى، تكتشف نينهرساجا أن كل ذلك كان قد حدث بفعل انكي وحده... ثم أخفى فعلته وابتبع تلك النباتات بداخله.وبسبب ذلك التجاهل بنينهرساجا والاستخفاف بها تشتعل نار الكره في نفسها فتلعن انكي "اله المياه .. وبتلك اللعنة الكبيرة" من الأرض الأم يمرض انكي، وتحجب المياه النقية 5000 بل تودع في بواطن الأرض المظلمة فتسبب موتاً بطيئاً للحياة... ومع حلول فصل الصيف تجف العيون والأنهر... فلا ماء... ولا حياة أو كذا كادت تكون... عندئذ تنتفض جميع الآلهة وتنزعج... وهنا يخرج الثعلب إليهم ويعدهم بأنه سيرضي نينهرساجا ويعيدها إليهم. ووفى الثعلب بوعده، وعادت نينهرساجا وقلبها الطيب كله رقة وشفقة... فتداوي انكي المريض وتشفيه ثم تساعده على إنجاب آلهته الثمانية... وهىوهي نفس تلك الآلهة التي ابتلعها فضمها إليه وعاشت بداخله ثاوية إلى حين.... حين عادت الحياة إلى كل طرف مريض من انكي... فأصبح حياً.. حياً... وهكذا تنتهي الأسطورة بمنح كل آله من تلك الآلهة قوة ووظيفة في الحياة... وتستمر الحياة في تدفقها تجري.
 
وكما أشرنا سابقاً فان أسطورة تلمون تهدف إلى توضيح فكرة وحدة الوجود "بمسبباتها" في علية تربط بين ظواهر متباينة في هذا الوجود "وهنا يجب أن نلاحظ بأن عليه" مسببات هذه الوحدة هي في سياق وحسب منطق الشعر الأسطوري لا غير. إذ عندما نرى توالد النباتات من تزاوج الأرض "التربة" بالماء، فإننا نقبل ذلك التعليل، ولكن بتحفظ. وهذا التحفظ لا بد منه إذ إننا لاحظنا في نهاية هذه الأسطورة بأن الآلهة التي ولدت من انكي لكي يشفى انكي ثانية من مرضه، أن تلك الآلهة ليس بينها أي ترابط داخلي وثيق لا بالنسبة إلى التربة ولا بالنسبة إلى الماء! ومن قبيل الصدفة قد نعرف أن أسماء تلك الآلهة تحتوي على عناصر تذكرنا بمسميات لأجزاء من انكي الذي أبرئ. فمثلا الآلهة آ- زي-موا A'-zi-mu-a ومعناها "نمو الساعد المستقيم"، قد ولدت بشفاء ساعد انكي - وهذا وجه العلاقة بينهم لا غير. وهنا لابد أن نتذكر تماماً بأنه حسب مفهوم ومنطق "الشعر الأسطوري" فأن كل اسم هو بذاته قوة داخل شخص ما تحركه وتدفع به نحو اتجاه معين. وبما أن اسم "آ- زي- موا" قد يعني "النمو المستقيم للساعد"، مع أننا كما نعلم ليس لهذا الإله من صلة بنمو السواعد، فان السؤال الذي يفرض نفسه: ساعد من قامت تلك الآلهة بمده مستقيماً؟ و جواب الأسطورة هو إذ ساعد انكي. وهذا الجواب قد أورد لإيجاد علاقة سببية فحسب، ولكنه لا يتعمق أكثر فيكشف لنا الصلة الحقيقية بين طبيعة قوى الإلهين نينهرساجا وانكي وهما المعينان أصلاً بالأمر.
سطر 236:
ومن أسطورة تلمون وتتبعنا من خلال حوادثها لذلك التلاحم بين قوى الطبيعة ندرك أهميتها مصادر للحياة: فمن فاعلية تلك الآلهة تأتي نباتات المأكل، ونباتات الثياب "الملبس"... ومن هذه وتلك تتوالد عدة قوى التي مهما صغرت فهي لم تزل زاخرة بنفعها للحياة.. وبذا يصبح الكون عامراً بمزيد من الذكاء والحكمة.. فالحياة تجري..
 
وقبل أن ترك أسطورة تلمون هذه لا بد أن نوجه الأنظار إلى أبيات من"شعر".. أبيات شيقة ممتعة وهىوهي تصف العالم عندما كان عذرياً.. وبكراً فتياً... وذلك العالم الذي لم تبرز معالمه إلا بعد ردح من الزمان..
 
واي زمان لم يكن بعد في فجر هذا الكون... ولم يكن بعد في حينه سوى عالم موعود... بل مجرد برعم وحيد يتململ في ذاته بلا شكل وبلا هوية... فلا الحيوانات ولا بني البشر قد كونوا عاداتهم بعد... ولا سائر المخلوقات قد اكتسبت سمات بعد... ليصبحوا فيما هم عليه في عالم اليوم...
سطر 244:
أن الأبيات الأولى من افتتاحية أسطورة تلمون تخاطب مخاطبة مباشرة كلا من انكي ونينهرساجا... وتشير إليهما معاً في المتن بلفظة You أي انتم... وبعد ذلك تستمر الحكاية بأسلوب وصفي بسيط:عندما كنتم "انتم" تقتسمون الأرض العذراء... مع صحبكم الآلهة.
 
كانت ارضأرض تلمون... ارضأرض ندية طهور...
عندما كنتم "انتم" تقتسمون تلك الأرض الطهور... مع صحبكم الآلهة...
كانت ارضأرض تلمون... ارضأرض نقية تدور..
كانت ارضأرض تلمون... ارضأرض صفاء وحبور...
كانت ارضأرض تلمون... ارضأرض طهر ونور...
وعلى ارضأرض تلمون... وحدكما نزلتا...
وعلى تربتها الطهور... بمفردكما تضاجعتا...
كانت تلكم ارضأرض تلمون ذاتها...
ذاتها... لم تزل تلمون... طهورا...
لم تزل تلمون مشعشعة نورا...
وعلى ارضأرض تلمون لم ينعب غراب
لا بالأمس واليوم نعيق...
وعلى ارضأرض تلمون لم يسمع صياح للديوك...
لا بالأمس ولا اليوم نعيق...
(تلكم تلمون... ارضأرض الخلود...)
الأموريون
الاموريون
يتفق معظم المؤرخين على أن الفينيقيين هم من القبائل السامية المنتمية إلى كنعان والتي كانت تسكن في شمال شبه الجزيرة العربية ثم تركتها، فيما عرف في تاريخ الهجرات الكبيرة من شبه الجزيرة العربية بالهجرة الثانية. أما الهجرة الأولى فقد قام بها الاموريونالأموريون الذين أسسوا دولتهم قبل الكنعانيين واستقروا في شمال الشام في أول الأمر ثم اخذوا ينتشرون في أواسط سورية ولبنان وفلسطين. وقد وردت أول إشارة للأموريين في عهد "سرجون" (2300 ق. م).
 
الكنعانيون
ومع الأمويين -أو في أعقابهم- تقدمت موجة تحمل اسم الكنعانيين "ولسنا ندري تماماً اصل الكلمة فالبعض يشير إلى أن كلمة كنعان تعني الأرض المنخفضة إشارة إلى الساحل الذي استوطنته هذه الجماعة ولكن احدث الآراء يشير إلى أن أصل الكلمة غير سامي بل حورى "كناجى" كنغ بالفينيقية وكنعان بالعبرية. وتعني الصباغة القرمزية التي اشتهروا بها. ولعل كلمة فينيقيا بما تشير إليه من نفس المعنى القرمز أو الأرجوان ترجح هذا المعنى، ولقد أصبحت كلمة فينيقي ترادف كلمة كنعاني منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد
 
صلة الكنعانيين بالاموريين
"والكنعانيون والفينيقيون وثيقو الصلة بالاموريين، أن لم يكونوا فرعين من مجموعة كبرى واحدة تحركت في هجرة واحدة لا في هجرتين متعاقبتين. وتعد لغة الاموريين والكنعانيين لهجتين من فروع كتلة اللغات السامية السورية وأما الخلاف البين بين المجموعتين فينحصر في تأثر الاموريين بحضارة وادي الرافدين من ناحية واستيطان الكنعانيين الفينيقيين عند الساحل مما جعل اتصالهم بمصر أوثق من اتصال الاموريين بها. " (2) وبلاد الكنعانيين تعني أصلا الشقة الساحلية والقسم الغربي من فلسطين ولكنها أطلقت فيما بعد حتى شملت فلسطين جميعاً وجانباً كبيراً من سورية.
 
فينيقيا أو كنعان
كلمتان مترادفتان تعنيان على الأغلب شيء واحداً، فلقد وردت كلمة "كناجى" في اللغة الحورية وتعني اللون الأحمر وتقابلها في الاكدية كلمة كناخى وهي في الفينيقيه كينغ وفي العبرية كنعان في وكلها مسميات تعني الحمرة الأرجوانية وحين احتك اليونان بأهل هذه البقعة من العالم القديم أطلقوا على مجتمعها اسم فينكس Phoenix وهي كلمة تعني كذلك اللون الأحمر وقد تعني نوعاً من النخيل ينمو على شواطئ هذه النواحي وقد اشتقت من هذه الكلمة كلمة فينيقيا. إذن فقد اتفقت التسمية السامية القديمة والسمية اليونانية في أن تربط بين هذه الشعوب واللون الأحمر. والواقع أن هذه المدن الساحلية على شاطئ البحر المتوسط تخصصت منذ عرفت في صناعة نوع من الصبغة الأرجوانية كانت تستخرج من حيوانات بحرية رخوة تكثر قرب شواطئها ومن هنا جاءت نسبتها إلى اللون الأحمر.(1)
 
اصل الكنعانيين والفينيقيين
كنا أشرنا في مستهل هذا الفصل إلى أن فينيقيا وكنعان لشيء واحد وان الكلمة الأولى ترجع إلى اصل يوناني وان الكلمة الثانية ترجع إلى أصول سامية، إلا انه تجب الإشارة إلى أمر هام: ذ لك أن المواطن التي استقرت فيها الشعبة الكنعانية تعني مواضع غير التي استقرت فيها الشعبة الفينيقية ويشير تاريخ الفينيقيين إلى انهم شعبة من الكنعانيين استقرت على الشاطئ عند منحدرات لبنان ومن هنا جاءت التفرقة بينهم وبين الكنعانيين والشواهد تبين أن الكنعانيين هم الأصل وانهم تحركوا إلى غرب فلسطين حيث استقروا قبل قدوم الإسرائيليين وظهورهم في التاريخ ثم تسربوا إلى الشواطئ حين جذبتهم بعض الحقول المثمرة واستلفتت أنظارهم أكثر مما كانت تستلفتها النواحي الجبلية التي ظلت تغطيها الغابات حتى في عهد الإسرائيليين.(1)
 
النظريات المختلفة حول اصل الفينيقيين
وإذن فالفينيقيون الكنعانيون قدموا إلى الشواطئ أما من النواحي الجنوبية للشاطئ السوري أو من النواحي الشمالية لفلسطين. وأما تاريخ قدومهم إلى شاطئ البحر المتوسط فليس في وسعنا أن نكذب ما رواه علماء صور لهيرودت من أن أجدادهم قدموا من شواطئ الخليج الارتيرى وانهم شادوا تلك المدينة في العهد الذي نطلق عليه نحن القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد.. يقول هيرودوت في كتابه السابع "أما الفينيقيون فيقررون انهم كانوا يعيشون قبلا على البحر الارتيري وانهم شقوا طريقهم إلى سورية وانهم يعيشون اليوم على شاطئ البحر"(2) أما جوستنيان Justin في مقتطفاته من تاريخ "بومبيوس تروجي Pompeivs Trogus فيقول: "ينحدر الصوريون من الفينيقيين الذين أزعجهم زلزال في يوم من الأيام فهجروا موطنهم الأصلي في البحر الداخلي في Ad Syrium Stagn وعندما استقروا علي اقرب شاطئ بحر بنوا مدينة أطلقوا عليها اسم صيدا Sidon بسبب كثرة السمك.. لان السمك عند الفينيقيين اسمه Sidon أما البحر الداخلي المذكور هنا Syrium Stagnum فلا يبعد عن الشاطئ السوري، وقد ظن أحيانا انه بحيرة جنيسارة Gennesareth أو بحر الجليل بأسماكه الوفيرة... ولما كانت كلمة Stagnum تعني بحيرة لا مخرج لها فان التفسير يصبح بعيد الاحتمال(3) ويرى Christain Carl Josias Bunsin أن المقصود هنا هو البحر الميت وان الزلزال الذي يروي خبره هو الذي أودى بسدوم وعمورة في القصص الذي ورد في التوراة. وهناك أكثر من رواية تاريخية تؤكد حدوث اضطراب جغرافي في الإقليم الكائن حول البحر الميت، وان ظهور الفينيقيين على صارح التاريخ تحدده هذه الكارثة التي يرجع إليها كذلك تاريخ العنصر الكنعاني كله وبعبارة أخرى نستطيع أن نخرج من هذا كله بأن أسطورة ذات اصل محلي لتعليل نشأة البحر الميت دفعت إلى خلق دائرة أسطورية نواتها إقليم ذلك البحر وما جرى فيه من أحداث كان من أثرها القضاء على حضارة سابقة.. ولكن إذا حاولنا البحث عن أصل الجنس الذي نزلت به النازلة فإننا نصل إلى الكنعانيين في عصر لا يمكن تحديده... يضاف إلى ذلك أن مصادر هيرودوت وجوستنيان لها جذورها في أسطورة كنعانية ترى في البحر الميت وإقليمه نقطة بداية لتقسيم الشعوب لا لأنها كانت كذلك فعاو بل لأنه ليست هناك نقطة بدء معروفة من الناحية التاريخية يستطاع الاطمئنان إليها.
 
وظهور الفينيقيين على الصورة التي ظهروا بها في التاريخ في أول عهدنا بهم كبحارة مهرة وتجار مبرزين... وإذن فالحضارة الفينيقية والمدن الفينيقية ليست ثمرة ظهور قوم يبدءون خطى الحضارة في أناة يتعثرون مرات ليتوقفوا مرة، بل هي ثمرة هجرة لقوم ضاقت بهم الحيلة في أرضهم فنزحوا أقوياء عنها ثم رحلوا لغيرها يستكملون قوتهم ويتابعون نشاطهم ويمارسون حضارتهم على نطاق أوسع.. ولئن صح ذلك فان رواية هيرودوت تستحق أن يعني بأمرها وان شابتها بعض الشكوك من ناحية أخرى ذلك لان الشاطئ الارثيري أو الشواطئ البابلية للخليج العربي وما وراءه لا تصلح مياهه للتجارة والملاحة بالنسبة لندرة الأخشاب وهي الناحية التي برز فيها الفينيقيون... ومهما يكن من أمر فان الفينيقيين كما نرجح مهاجرون كنعانيون من الجنوب تقدموا إلى داخل فلسطين واستقروا بها بعض الوقت ثم انتقلوا أو انتقلت الشعبة الفينيقية منهم إلى الشاطئ السوري للبحر المتوسط، وهم يمثلون على هذه الصورة امتداداً كنعانياً نحو الساحل " (1)
 
ويقول ج. اكونتو في كتابه الحضارة الفينيقية: "من المسلم به منذ العصور القديمة أن الفينيقيين ليسوا من أهل البلاد الأصليين وانهم نزحوا منها حرين إلى البلاد التي نزلوها.. ونحن نسلم اليوم أن الفينيقيين يدخلون في مجموعة الكنعانيين ونجعل اللغة الكنعانية بحسب خواصها ضمن المجموعة ب فيه... ويؤكد سفر التكوين في الإصحاح العاشر وجود علاقة بين كنعان ومصر."(2)
 
الفينيقيون وصلتهم بالخليج
وهكذا كان هيرودوت يعتقد أن الفينيقيين ليسوا من أهل البلاد الأصليين بل يجعلهم نازحين من البحر الارتيري كما ورد ذكره سابقاً أما سترابون فيروي لنا في شيء من الاستغراب أن سكان الخليج العربي أكدوا له انهم يسمون عندهم باسم صيدا وصور واراد Erid وان المعابد عندهم تشبه معابد الفينيقيين ويؤكد بلين هذه الواقعة(3). يقول جان جاك بيريبي: "يرى عدد من الباحثين أن البحرين كانت الموطن الذي نشأ فيه أولئك الفينيقيون ملاحو وتجار البحر الأبيض المتوسط الذين غدوا نقلة الحضارات القديمة. ويوطد هذا الرأي ذلك التشابه المدهش بين العديد من القبور التي عثر عليها في الجزيرة الكبرى وبين النواويس الفينيقية. وقد درس تلك الآثار عدد من العلماء ولكنهم لم يصلوا بشأنها إلى تعليل نهائي مجمع عليه. ومع ذلك يبدو من الثابت تماماً أن الفينيقيين كانت لهم مستعمرات تجارية على الخليج قبل أن يستوطنوا شواطئ البحر الأبيض المتوسط وإذا كان ثمة من شك فانه يدور حول مواقع تلك المستعمرات".(1)
 
وقد اهتم أمين أريحاني بموضوع علاقة الفينيقيين بالخليج وتشابك الدوحة العربية بالدوحة الفينيقية في كتابه (ملوك العرب) وقد جاء فيه: "قال بعض المؤرخين أن خليج العجم هو مهد الحضارة بل مهد الجنس البشري وان سكانه الأقدمين أي سكان الجزر فيه، هم أول من رفعوا شراعاً في البحار واقتحموا أخطار الأسفار فمارسوا الملاحة أتقنوا علمها وكانوا الصلة العامة بين الشرق والغرب. وقال آخرون أن الفينيقيين هم من هذه الديار العربية، فقد جاء في بعض كتابات المصريين القديمة ذكر البنط Pount وهو اسم الفينيقيين قبل أن يحلوا باود الشام... والظاهر انهم من أصل عربي فقد نقلت التقاليد القديمة انهم ظعنوا من الديار المجاورة لخليج فارس إلى سواحل البحر المتوسط. ويعتمد الريحاني في استنتاجه هذا على ما كشفت عنه الحفريات من آثار في منطقة الخليج وما تواتر على ألسنة أئمة هذا العلم."(2)
 
وحول صلة الفينيقيين بالخليج هناك كتابات عدة تجعل اصل منشأ الفينيقيين قي الخليج العربي، ومن هذه المراجع كتاب " تاريخ سوريا قبل الفتح الإسلامي " لامين خليفة ومنها "دائرة معارف القرن العشرين" لمحمد فريدى وجدي المجلد السابع الذي يقول فيه: "كانت مدائن الكنعانيين علي سواحل الخليج العربي في إقليم بلاد العرب المعروف الآن باسم البحرين أو القطيف"(1). كما أن هناك كتاب "حقائق الأخبار عن دول البحار" تأليف الأمير الاى إسماعيل سرهنك ناظر المدارس الحربية باسطنبول جاء فيه: "لقد أجمع المؤرخون على أن شعوب الفينيقيين لا يعلم بالتحقيق غير انه منذ نحو 2500 سنة قبل الميلاد تقريباً أخذت سواحل البحر المتوسط في آسيا تعمر بسكان أتوا إليها من بلاد المشرق وقالوا انهم من الكنعانيين وهذا النسل هو من كنعان بن حام(؟؟) ير من نوح عليه السلام وأصل مدائن الكنعانيين بحسب أقوال المؤرخين كانت أولا على سواحل الخليج العربي في إقليم بلاد العرب المعروف الآن باسم (القطيف أو البحرين) (2) كما يقول أمين خليفة في كتابه "تاريخ سوريا قبل الفتح الإسلامي". "لقد ورد سابقاً أن الموجات السامية قصدت القطر السوري ليس من الجنوب فقط بل من الشرق أيضا وان قبائل عديدة بعد أن توطنت بلاد بابل وشواطئ خليج العرب لم يطب لها المقام هناك فزحفت عبر الصحراء وبعد أن تجولت في الطرف الغربي من الهلال الخصيب استقرت في سهوله وبين جباله الشاهقة ولدى البحث يترجح لنا أن الفينيقيين هم من جملة الشعوب التي اتبعت هذه الخطة فقد كانوا يسكنون أولا على شواطئ خليج العرب حيث اتسع لهم المجال لممارسة الملاحة والتجارة "ولابد أن تيار المهاجرة الذي قذف بسواهم من الشعوب إلى سوريا جاء بهم أيضا فتوجهوا إليها حوالي القرن الثامن والعشرين قبل المسيح وذلك من باب الترجيح، فنزلوا على ساحل البحر المتوسط الممتد من جزيرة أرواد شمالا إلى جبل الكرمل جنوباً".(3)
 
المكتشفات الأثرية في البحرين و علاقتها بالفينيقيين
اعتماداً على تشابه الأسماء مثل مدينة صور في عمان وعراد ارادوس Aradus في البحرين، جاء بحاثة إنجليزي يدعى تيودوربنت وقام باكتشافات أثرية عام 1988 م سمى بعدها هذه القبور بأنها فينيقية إلا أن بعض الباحثين الآخرين عارضوا استنتاجات بنت وقالوا أن هذه القبور يرجع تاريخها إلى عهد اقرب من عهد الفينيقيين وان ارضأرض البحرين كانت في الأزمنة السابقة قد استخدمت كمدفن للموتى الذين يؤتى بهم من الساحل المقابل للبحرين من أرض لنجة حتى بوشهر ومن المحتمل أن الموتى يؤتى بهم من شبه الجزيرة العربية). إلا أننا عندما نأخذ بهذه النتيجة لا نستطيع أن نتجاهل استنتاجات هيرودوت وسترابون القائلين بأن هذه القبور فينيقية فقد استخدمت كمدافن موطن الفينيقيين وهذا لا يمنع من الاستنتاج أيضا أن هذه القبور رغم أنها فينيقية فقد استخدمت كمدافن لأناس ينتمون إلى عصر أقرب من عصور الفينيقيين ولهذا فان الحضارة التي استخدمت هذه القبور ربما هي حضارة قريبة الصلة من الفينيقيين.(1) أن الحل النهائي لهذه المسألة الصعبة يمكن الوصول إليه فقط عن طريق البحث المنتظم في عدد أكبر من القبور في جزيرة البحرين. ومقارنتها بنظيراتها في مناطق أخرى من بلاد الشرق القديم.
 
وربما من المناسب أن نعيد إلى الأذهان رأي الرحالة العربي أمين الريحاني وهو يشير إلى نظرة إنسانية عميقة حيث يقول: "ولا فرق عندي في كل حال إذا كان العرب الأصل أو الفرع، فإذا كانوا الأصل فمرحباً بالفينيقيين أبنائهم، وإذا كانوا الفرع فمرحباً بالمنحدرين من الفينيقيين"(3)
 
في عهد الجرهائيين، مع ملوك الحيرة
سطر 306:
 
مدينة الجرهاء عند الكتاب المعاصرين لها:
وقد اقتصر استرابون على ذكر (Aradus)(Macae)(Garrha)(Tyre) وهىوهي مواقع تقع على ساحل العروض أي الساحل الشرقي لجزيرة العرب والمطل على الخليج أما Garrha فمدينة تقع على خليج عميق، أسسها مهاجرون كلدانيون من أهل بابل في ارضأرض سبخة، بنوا بيوتهم بحجارة من حجارة الملح، ترش جدرانها بالماء عند ارتفاع درجة الحرارة لمنع قشورها من السقوط، وتقع على مسافة 200 استاديون(1)(Stadia) من البحر، وهم يتاجرون بالطيب والمر والبخور، تحملها قوافلهم التي تسلك الطرق البرية. أما ارسطوبولوس فيدعي انهم ينقلونها بالبحر إلى بابل ثم إلى مدينة Thapascus وهىوهي الدير أو الميادين، ومنها يعاد نقلها بالطرق البرية إلى مختلف الأنحاء. وقد أشار إلى هذه المدينة كتاب آخرون عاشوا بعد ايراتوستينس صاحب خبر Gerra Garrha المدون في جغرافية استرابون. أشار إليها مثلا بوليبوس Ploybius عام 204-122 ق. م، واغاثار سيدس المتوفى عام 145 أو 120 ق. م وكذلك ارتميدوروس Artmidoros من أهل مدينة افسوس Ephesus وخلاصة ما أوردوه عن مدينة الجرهاء أنها كانت مركزاً من المراكز التجارية الخطيرة وسوقاً من الأسواق المهمة في بلاد العرب، وملتقى طرق تلتقي فيها القوافل الواردة من العربية الجنوبية والواردة كذلك من الحجاز ومن الشام والعراق. كما أن الجرهاء كانت سوقاً من أسواق التجارة البحرية، تستقبل تجارة إفريقية والهند والعربية الجنوبية، وتعيد تصديرها إلى مختلف الأسواق بطريق القوافل البرية حيث ترسل عن طريق حائل و تيماء إلى موانئ البحر المتوسط ومصر، أو بالطريق البري إلى العراق ومنه إلى الشام . وقد ترسل بالسفن إلى سلوقا Seleucia أو بابل في Thapascus ومنها بالبر إلى موانئ البحر المتوسط ولا حاجة بي أن أقول(1) أنها كانت تستقبل تجارات البحر المتوسط والعراق والأسواق التي تعاملت معها، لتتوسط في إصدارها إلى العربية الجنوبية وإفريقية والهند وربما إلى ما وراء الهند من عالم ينتج ويتسهلك أيضا. فالجرهاء سوق وساطة، والوسيط يصدر ويستورد، وبعمله هذا يكنز الثروة والمال.
 
ويتاجر الجرهائيون مع حضرموت، فتصل قوافلهم إليها في أربعين يوماً وهىوهي محملة بحاصلات العربية الجنوبية، وحاصلات إفريقية المرسلة بواسطتها، وهىوهي بضاعة نافقة ذات أثمان عالية في الأسواق التجارية في ذلك العهد. وقد كان لمدينة الجرها ولا شك تاريخ قديم قبل أن يصل خبرها إلى مسامع ايراتوستينس واليونان. فصيت عريض مثل صيت Garrha والجرهائيين لا يمكن أن يكون ابن ساعته ويومه. انه حاصل سنين ومن يدري فلعله حاصل عصور. لقد كان الجرهائيون من كبار الرأسماليين في العربية الشرقية، نافسوا السبأيين وكانوا هم ومنافسوهم أبناء سبأ من أغنى شعوب الجزيرة.. كانت ثروتهم عظيمة ثقيلة، عمادها الذهب والفضة والأحجار الكريمة، اتخذوا من الذهب كؤوساً وآنية وأثاثاً وجملوا سقوف بيوتهم وأبواب غرفهم به وبالأحجار النفيسة الغالية، وهذه الثروة العظيمة هي التي حركت الطمع في نفس الملك انطيوخوس الثالث Antiochus III فجعلته يقود أسطوله في عام 205 ق. م. فيقطع به نهر دجلة، ثم الشط للاستيلاء على المدينة الغنية الكانزة للذهب والفضة واللؤلؤ وكل حجر كريم، وإذلال القبائل المجاورة لها، وإلحاقها بحكومته. وتقول الرواية أن المدينة المسالمة التجارية أرسلت رسولا إلى الملك يحمل رجاءها إليه إلا يحرمها نعمتين عظيمتين أنعمتهما الآلهة عليها: نعمة السلام ونعمة الحرية- وهما من اعظم نعم الآلهة على الإنسان. فرضي الملك من حملته هذه بالرجوع بجزية كبيرة من فضة وأحجار كريمة، فأبحر إلى جزيرة تيلوس Tylos ومنها إلى سلوقيةSeleucia في عام 205- 304 ق. م. وهكذا اشترت المدينة جرها سلمها وحريتها من هذا الطامع بالمال. وصدق أهل الجرها -إذا كانت الرواية صحيحة- فالسلم والحرية من اعظم نعم الله على الإنسان.
 
ويتبين من وصف استرابون للحجارة التي بنيت مدينة الجرها بها ومن ادعاء بلينوس أيضا أن أبراج المدينة وسورها قد بنيت بقطع مربعة من صخور الملح، كما يتبين أنها بنيت في ارضأرض سبخة، وان هذا السبخ هو الذي أوحى إلى مخيلة الكلاسيكيين ابتداع قصة حجر الملح الذي بنيت به ديور المدينة وسورها، وفي التاريخ قصص أخرى من هذا القبيل عن قصور ومدن شيدت بحجارة من معدن الملح ويظن أن Gerra أو Gerraei -على حسب اختلاف القراءات- هو موضع ذكره بطليموس وهىوهي مدينة الجرها. وذكرت بلينوس أنها تقع على خليج يسمى باسمها Gerraicus Sinus ويبلغ محيطها خمسة أميال خمسة آلاف خطوة وعلى مسافة خمسين ميلا من الساحل أي خمسين ألف خطوة تقع منطقة تدعى Attene وفي مقابل مدينة Garrha من جهة البحر وعلى مسافة خمسين ميلا تقع جزيرة Tylos المشهورة بوجود اللؤلؤ فيها.
 
وتحدث سترابون عن أمة عربية سماها جرهين(2) وقال انهم أغنى العرب يقتنون الرياش الفاخرة ويتمتعون بكل أسباب الرخاء والترف، ويكثرون من آنية الذهب والفضة والفرش الثمينة. ويزينون جدران منازلهم بالعاج والذهب والفضة والحجارة الكريمة. وقال أيضا أن مدينتهم جرا Garraha أو جرها واقعة في بقعة كثيرة الملح تبعد نحو 200 استاده عن البحر. وأفاد اغاثار سيدس بأنهم من أغنى أهل الأرض، وسبب غناهم اتجارهم بغلال بلاد العرب والهند. فيحملونها على قوافل إلى الغرب، أو بحراً إلى بابل من فرضة جرا، ولهم سفن ضخمة تسير في المحيط الهندي ومراكب تسير في الأنهر يصلون بها إلى بابل. وقد يصعدون بها في دجلة إلى مدينة اوبيس، ومنها تنقل البضائع الهندية والعربية وتنتشر في بلاد مادى وارمينيا وما جاورهما وان هذه الأمة اصلها من بابل.
 
وفي كتاب العرب والملاحة في المحيط الهندي يتحدث الأستاذ فضلو حوراني عن مملكة ارضأرض البحر التي كانت في الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية والتي قد تكون لها صلة بأخبار الجرهائيين.
 
=== موقع الجرهاء ===
مما سبق يتضح اختلاف الباحثين حول موقع الجرها Garrha التي يرى شبر نجر وجلاسر أنها هي الجرعاء وقد كانت قائمة بالقرب من فرضة العقير الحالية. بينما يؤكد Philby أن جرها هي العقير نفسها وان الاسم الجديد العقير ينطق Ojair احتفظ في بنيته بالاسم القديم جرها. ويورد سليمان حزين في كتابه Arabia and the Far East (صفحة 142) والذي نشر في القاهرة عام 1942 بأن الجرها هي القطيف. أما الأستاذ جرجي زيدان في كتابه المشار إليه يرى انه لم يذكر العرض أمة ولا دولة ولا عشيرة بهذا الاسم. ويخالفه في ذلك بعض المستشرقين الذين يعتبرونها من أمم البحرين على خليج فارس وان جرا أو جرها هي الجرعاء وهىوهي فرضة من فرض تلك الناحية بالاحساء، وان لها ذكراً في شعر العرب. وقد يكون الجرهيون من أهل اليمامة وانه قد جرى تحريف لفظة الجرهيين بالقريين نسبة إلى قرية اسم اليمامة القديم، وهذه الأخيرة كانت عامرة أيام طسم وجديس وان أحد ملوكها كان عمليقاً.. والعمالقة أصلهم من بابل. وأخيراً يعلق الدكتور جواد علي على ما ذكر من اختلاف وجهات النظر حول الجرها وموقعها بأن هذه وتلك آراء وتخمينات قد لا تفيد كثيراً، وان الخبر اليقين لا بد أن يأتي عن طريق التنقيب والحفريات. وان مدينة عظيمة كالجرهاء وان جار عليها الزمان وندرت المصادر فيها لا بد من مواصلة الدراسة عنها
 
الرأي في أقوالهم
تحدثنا النقوش الاكاديةالأكادية أن خليجنا كان يدعى البحر المر أو البحر الأدنى، أما سواحله العربية فكانت تدعى ارضأرض البحر وكلديا أي ارضأرض الكلدان وكذلك ارضأرض الحياة ودلمون أو تلمون كما سبق ذكره. وان كثيراً من الأسماء التي أتى عليها الزمن وغمرها النسيان أصبحت نسياً منسياً ولم تعرف عنها شيئاً لسنوات أو قرون طويلة إلى أن كشفت عنها تنقيبات الآثار منذ وقت قريب. وهكذا في رأينا كان حظ جرها Gerrha والجرهيين بالنسبة لأحفادهم في الخليج فقد نسوا اسمهم وجانبا من ماضيهم المجيد فلم يذكر الجرهيين أحد من مؤرخي العرب. ولولا ما كتبه مؤرخو اليونان لما عرفنا عن الجرها شيئا يستحق الذكر.
 
وبينما يرجح الباحثون أن مدينة الجرهاء تقع على الساحل العربي في الخليج من الجزيرة العربية اختلفوا في تحديد موقعها. ولكن الأماكن التي ذكروها تكاد تنحصر في مساحة تمتد من القطيف إلى سلوى، ولم يخالفهم في ذلك إلا الأستاذ جرجي زيدان حيث ذكر أن الجرهاء في اليمامة. وهذا الرأي الأخير قد يكون بعيد الاحتمال استنادا إلى ما ورد في أخبار الجرهيين، ولو انه قال أن القريين سكان اليمامة الأقدمين كانوا على صلة وثيقة بالجرهائيين لكان ذلك أقرب إلى الصحة نظرا لاتصال أهل اليمامة بسكان البحرين وارتباطهم معهم في أكثر حقب العهود التاريخية.
سطر 328:
وقد كانت العقير قديما هي فرضة الأحشاء وذلك قبل أن يحتل ميناء الدمام مكانته في الوقت الحاضر. وعلى مسافة قريبة منه جزيرة الزخنونية ثم غبة أم الصخال وهى بحر عميق صالح لعبور السفن ويمتد من سواحل العقير إلى أن يقارب السواحل الجنوبية الغربية لجزر البحرين. وعلى بعد ما يقارب عشرين ميلا من فرضة العقير تقع جزيرة أوال وهى أكبر جزر البحرين التجارية، حيث يقابل العقير على سواحل أو ان أيضا ميناء العقارية. وقد كان هذا الأخير أو البندر كما يسمى محليا عامرا حينما كانت العقير عامرة أيضا. وبعد أن اضمحلت العقير اضمحلت معه كذلك أهمية العقارية.
 
ومما تقدم ذ كره من أقوال المؤرخين وخاصة سترابون نستدل أن جرا أو الجرهاء كانت تبعد عن ساحل البحر 200 استاديون وإذا كانت الاستاده تساوي 400 ذراع فان المسافة المذكورة تكون حوالي 37 كيلومترا. وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" صفحة 137: "وكان سوقها على كثيب يسمى الجرعاء تتبايع عليه العرب" فانه من الأرجح أن الجرهاء عاصمة الجرهائيين كانت في الأحساء حيث المياه الغزيرة. وقد يكون الكثيب ركام تلك المدينة فاحتفظت باسم سوقها. ومن وصف المؤرخين اليونانيين نجد أن الجرهاء كانت في ارضأرض سبخة وان محيطها يبلغ خمسة أميال ولها سور وأبراج مبنية من صخور الملح ولعلهم كانوا يعنون به الجص.. وربما أن أحد الكتاب اليونانيين شاهد الجص قبل حرقه، وحينما استفسر عنه افادوه أنهم بذاك الحجر يبنون بيوتهم.. ومن المعلوم عندنا أن الجص قبل حرقه يشبه الملح(1) وفي القديم لم يكن لديهم أفضل من تلك المادة أي الجص للبناء، وان كنا نرجح انهم قد عرفوا ما نسميه بالجص الخكرى ومصدره الرواسب الطينية التي تستخرج عادة من جداول مياه الري والصرف السيبان الزراعية ثم تقرص تلك الرواسبب أقراصا وتوضع في الشمس حتى تجف فتحرق وتدق بعد الحرق. وينتج عن هذه العملية مادة شديدة المقاومة للماء والرطوبة ومن الجدير ذكره أن العيون القديمة قي البحرين كانت مبنية من نوع هذا الجص.
 
ولا شك أن الجرهيين كانوا منتشرين في جميع أنحاء إقليم البحرين وسواحله فقد عرف انهم قوم يعشقون البحر. وأما مدينة الجرهاء وترجح أنها الجرعاء فقد كانت عاصمتهم وبها عرفوا وإليها ينتسبون، كما انتسب البابليون إلى بابل. ويحضرنا هنا ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب "لا تكونوا كالنبحل تنتسبون إلى مدنكم بل انتسبوا إلى قبائلكم". وأما ما ذهب إليه الأستاذ جرجي زيدان من أن أهل الجرها هم أهل اليمامة وان لفظة الجرهيين تحريف للقريين نسبة إلى قرية اسم اليمامة قديماً الخ، فإننا نستبعد ذلك لان اليمامة بعيدة عن الساحل، ولم يعرف عن سكان اليمامة اتهم أهل سفن وملاحة. وان كنا لا نستبعد في هذا إمكانية وجود وحدة سياسية بين أهل اليمامة والجرهيين، ومن المحتمل أن يتولى الاخيرون من سكان البحر لن شئون الملاحة بينما يقوم سكان الدمامة بمهام النقل البري.
سطر 362:
ولعل التاريخ بخل علينا بالشيء الكثير عن تلك الفترة التي مرت علي هذا الإقليم تحت حكم قبيلة تنوخ، ولكن يحدثنا انهم بعد أن استقر حكمهم في البحرين تطلعت نفوسهم إلى ريف العراق مغتنمين فرصة الخلاف والشقاق بين ملوك الطوائف حينذاك، فأجمعوا على المسير إلى العراق.
 
وتتابعت غاراتهم على أطراف العراق فكان أول من أغار منهم عليه حسب رواية ابن الأثير الحيقاد بن الحنق وهو في جماعة من قومه وأخلاط من الناس فوجدوا الاراميين -وهم الذين ملكوا ارضأرض بابل وما يليها حتى ناحية الموصل- يقاتلون الاردوانيين من ملوك الطوائف ما بين نفر وهىوهي قرية من سواد العراق إلى الابلة، فدفعوهم عن بلادهم. والاراميون من بقايا ارم فلهذا سموا الاراميون وهم نبط السواد. ثم طلع مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم وغيرهما من تنوخ إلى الانبار على ملك الاراميين، وطلع كذلك نماره ومن معه إلى نفر على ملك الاردوايخين وكانوا لا يدينهن للأعاجم، تم نزلوا فيما بين الانبار والحيرة في الاخبية لانهم كانوا لا يسكنون بيوت المدر.
 
واول من ملك منهم هو مالك بن فهم وكان منزله فيما يلي الانبار ثم بعد موت مالك خلفه أخوه عمرو بن فهم وتلاه جذيمة الابرش بن مالك. ووصف المؤرخون(1) جذيمة بأنه ملك عظيم ومن أفضل ملوك العرب رأيا وحزماً وأشدهم نكاية، وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب، وغزا بجيوشه أراضي كثيرة. وحيث انهأنه لم يكن له ولد يرثه فقد خلفه على الملك ابن أخته عمرو بن عدي بن نصر بن الخم وكان بدء حكمه سنة 268 م. وكان عمرو بن عدي جد الملوك اللخميين المناذرة واول ملك من ملوك العرب اتخذ الحيرة عاصمة لملكه، وهو أول من ذكره أهل الحيرة في كتبهم.
 
هذا ومن المشهور حسب أقوال المؤرخين أن إقليم البحرين كان خلال تلك الفترة تحت حكم المناذرة حلفاء الإمبراطورية الساسانية. ولقد كان للساسانيين بدورهم نفوذ على ملوك هذه الدولة وهو نفوذ يمتد تارة ويتقلص تارة أخرى تبعا للظروف ولشخصيات الملوك من الطرفين.
سطر 395:
النعمان بن المنذر الملقب ابوقابوس 613 582
اياس بن قبيصة 618 613
زاديه 638 618
 
ملوك الدولة الحميرية الثانية في اليمن (التبابعة)
سطر 417:
ابرهة 575 525
سيف بن ذى يزن ؟ 570
بطل الأقاصيص الشعبية ؟ 575
 
ملوك الإمبراطورية الساسانية
سطر 441:
كسرى انوشيروان ابن قباذ 531 499
هرمز الرابع بن كسرى 579 531
كسرى ابروزير ابن هرمز 590 579
 
استخرج المؤلفان هذا الجدول الأعور لأهميته وذلك بعد دراسات مقارنة لبضعة مراجع اثبتناهاأثبتناها في آخر هذا الكتاب.. وقد أجريت على هذا الجداول بعض التعديلات.
 
وهنا نود أن نتوقف قليلا لنلقي نظرة سريعة على الدول المجاورة والتي كان لها بحكم الجوار تأثير كبير على تاريخ البحرين السياسي بوجه خاص ونعني بتلك ثلاث دول هي:-
سطر 464:
وكان أهل الشام وحوران وما يليهما يؤرخون في ذلك الوقت بالتقويم
 
البصروي نسبة إلى بصرى عاصمة حوران، وهو يبذأ بدخولها في حوزة الروم سنة 105 للميلاد. فإذا أضفنا هذا العدد إلى 223 المذكور على الحجر اصبحأصبح المجموع 328 للميلاد وهىوهي نفس السنة التي ذكرناها أعلاه والتي توفى فيها امرؤ القيس.
 
ومما سجل على قبره أن امرأ القيس قد اخضع لسلطانه قبائل معد وفروعها وأن نفوذه امتد إلى البحرين والحجاز ونجد وأطراف العراق والشام واليمن، كما أنه حارب شمر يرعش الحميري وحاصر مدينة نجران، وهذا ما يؤيده العلامة ابن خلدون بقوله: "ولما طك عمرو بن عدى ولى بعده على العرب وسائر من بادية العراق والحجاز ونجد والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له البدء، وهو أول من تنصر من ملوك ال نصر(1) كما ذكر ابن خلدون أن امرأ القيس قد تملك في عهد سابور ذي الأكتاف(2)
سطر 497:
وبعد أن مات امرؤ القيس في الشام ودفن على حدودها حيث يوجد قبره ظل بنوه لمدة سنتين خارج الحكم إلى أن نشبت الفتنة في الحيرة عام 330 م حينما قتل جحجبان بن عتيق اللخمي أوس بن قلام الذي أوردنا ذكره. ويحدثنا المؤرخون بأنه بعد أن يئس أبناء امرئ القيس من مناصرة الروم لهم عادوا بزعامة عمرو بن امرئ القيس إلى حكم الحيرة بعد مقتل أوس.
 
وذلك لان الفرس اتصلوا بهم ليحاربوا معهم ضد الروم. وهكذا اصبحأصبح حكم اللخميين خاضعا أيضا لسلطان الفرس ونفوذهم الذي كان يشتد حيناً ويضعف حينا أخرآخر أتقيس لشخصية الملوك من الطرفين، أو لقرب وبعد أي إقليم من عاصمتهم. وعليه نرجح أن إقليم البحرين كان خاضعا لنفوذ اللخميين التابعين، كما هو معروف، بدورهم للإمبراطورية الساسانية، ولم يكن حكم الأخير على البحرين حكما مباشرا إلا في بعض الفترات.
 
البحرين من القرن الرابع إلى ظهور الإسلام
سطر 512:
 
== إمارة كندة ==
اختلف الرواة في اصل قبيلة كندة هل هم قحطانيون أم عدنانيون. يرى الأستاذ جرجي زيدان أن كندة بطن من كهلان وأصلهم فيما رواه الثقاة من البحرين والمشقر وانهم اجلواأجلوا عنها حضرموت وعددهم ثلاثين ألف نفس في زمن لا يمكن تحديده، ثم أقاموا هناك إلى ما شاء الله وفي بلد يعرف باسمهم كنده، وهذه الأخيرة مرتفع من الأرض يشرف على حضرموت وتصب أوديته فيه، ثم إلى صهرة وقصبته الكبرى دمون. أقام الكنديون هناك دهرا من الزمان وهم على وفاق مع الحميريين حكام تلك البلاد. وكان الحميريون يستخدمون خاصة كندة وكنارهم في بعض مصالحهم ويدخلونهم في حاشيتهم أو بطانتهم.
 
أما الدكتور جواد علي فبعد أن يستعرض مختلف الروايات عن الكنديين يرى أن كندة كانت قبيلة على اتصال وثيق بالقبائل الحجازية المنتسبة بدورها إلى معد وعدنان، وربما كان اتصال كندة هذا أوثق وأقوى من اتصالها بقبائل قحطان خلافا لما يرى النسابون من أن كندة تنتمي إلى قبائل قحطان.
سطر 533:
في أوائل القرن السادس استطاع الحارت الكندي أن يقوى سيطرته على الجزيرة العربية ويضم إلى سلطانه كثيرا من القبائل العربية مما أثار عليه سيد الخورنق الملك المنذر ابن ماء السماء الذي لا يقل عنه دهاء وحنكة.وهكذا بدأ الصراع بين الملكين سجالا تمكن الحارث أن يبعد المنذر من الحيرة ويسيطر عليها فترة من الزمن.
 
ويعزو الاخباريون أن سبب احتلال الحارث للحيرة أن قباذ ملك الفرس لما اعتنق المزدكية طلب من المنذر موافقته على اعتناقها فرفض ووافقه الحارث على الدخول في مذهبه الأمر الذي جعل قباذ يساعد الحارث في احتلال الحيرة التي هرب منها المنذر. وبعد وفاة قباذ عام 531م واستيلاء ابنه كسرى انوشروان على الحكم ومطاردته لاتباع مزدك، تمكن المنذر من استعادة ملكه في الحيرة وهرب الحارث بدوره منها هو وأهله إلى ارضأرض كلب حيث قتل هناك وبعد أن غنم المنذر أمواله وهجانه تمكنت بنو تغلب من أسر ثمانية وأربعين رجلا من بني حجر آكل المرار، فأمر المنذر بقتلهم. وقد رثاهم امرؤ القيس بقصيدته التي يقول فيها:
ملوك من بني حجر بن عمرو يساقون العشية يقتلونا
 
سطر 577:
وقد تبودلت عدة مراسلات(2) بين رسول الله ص وأهل البحرين اختتمت بزيارة وفد منهم له يترأسهم عبد الله بن عوف الاشج. وقد كان هذا الأخير دميماً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه بسمتين هما الحلم والأناة. وفي أثناء زيارة وفد البحرين كان عبد الله بن عوف الاشج يسائل رسول الله (ص) عن الفقه والقرآن فتعلم منه الكثير من أمور الدين.
 
وبموت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ارتد من في البحرين كما ارتدت أطراف جزيرة العرب عن الإسلام(3). ولكن الجارود وهو بشر بن عمرو العبدي قام في بني قومه من عبد القيس يدعوهم للتمسك بالإسلام حتى نجح في إقناعهم وثبتوا على دين الحق. أما بقية أهل البحرين بزعامة الحطم بن ضبيعة فقد ارتدوا عن الإسلام وملكوا عليهم المنذر بن النعمان الملقب بالغرور. ولما بلغ ذلك الخليفة أبو بكر أرسل إليهم العلاء بن الحضرمي(4) الذي سار إليهم ونزل برجاله في جواثا حصن البحرين حينذاك. ولما زحفت إليه ربيعة تحاصره خرج الضوء إليها واشتد القتال الذي دام سجالا لبضعة أيام. وفى ذلك قال عبداللهعبد الله الكلابي:
ألا أبلغ أبا بكر الوكا وفتيان المدينة اجمعينا
فهل لك في شباب منك امسوا اسارى في جواث محاصرينا
سطر 586:
صورة رسالة الرسول (ص) إلى المنذر بن ساوى التميمي والي البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني احمدأحمد الله إليك الذي لا اله غيره واشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فانه من ينصح إنما ينصح لنفسه وانه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وان رسلي قد اثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في فاترك المسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وانك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.
محمد رسول الله
 
سطر 601:
وكانت تلك الحادثة هي السبب في عزل العلاء عن حكم البحرين. وعلى أثر ذلك مرض العلاء وهو في طريقه إلى البصرة، وتوفى رحمه الله في موضع يسمى العدان(1) عام 24 هـ أو 25 هـ على الأرجح. وبعد وفاته ولى عمر عثمان ابن أبي العاص الثقفي على البحرين. ولكن أمير المؤمنين عزله لفترة حكم خلالها كل من قدامة بن مظعون ومعه أبو هريرة بن أميمة كذلك واليا على الصلاة والخراج. ثم عاد عثمان بن ابي العاص الثقفي يحكم البحرين إلى عمان. وفي أثناء حكمه تمكن ثانية من فتح اصطخر بفارس، كما أرسل جيشا من بني عبد القيس إلى "نانة" القريبة من بومباي بالهند. ثم تتابعت جيوش بني عبد القيس على الهند حتى استطاعت فتح جزيرة سيلان أيضا في عهد الفاروق عمر بن الخطاب.
 
وفي بداية خلافة عثمان بق عفان عام 24 هـ انتفضت اصطخر ثانية بزعامة ملكها شهرك، فأرسل عثمان بن ابي العاص من البحرين أخاه الحكم بن أبي العاص. وبعد أن واتت الأخير الإمدادات بقيادة عبيد الله بن يعمر استطاع جيش المسلمين فتح مدينة اصطخر وقتل ملكها الفارسي كما أتموا بعد ذلك فتح سابور وكازرون وجنابه. ولما قتل عثمان بن عفان كان على البصرة والبحرين عبداللهعبد الله بن عامر يساعده عبداللهعبد الله بن قيس الفزارى.
 
وبعد أن بويع علي ابن ابي طالب رضي الله عنه عام 35 هـ كانت جماعة من بني عبدالقيس تؤيده وتحارب في صفه ضد معارضيه. وفي عهد الإمام علي عين عمرو بن أبي سلمه لحكم البحرين ثم عزله وولى عليها النعمان بن العجلان الأنصاري.