الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تاريخ الإسلام/الدولة الفاطمية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
أنشأ الصفحة ب''''<big> صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي الدولة الفاطمية تأليف http://slaaby.com/ ...'
 
ط روبوت: تغييرات تجميلية
سطر 47:
أما بعد:
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك, وعظيم سلطانك, لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
هذا الكتاب الثالث «الدولة الفاطمية» يتحدث عن الدولة العبيدية «الفاطمية» الرافضية منذ نشأتها وحتى سقوطها, ويتعرض للبحث في فرق الشيعة وخطرها على الأمة الإسلامية المجيدة, ويحاول أن يسلط الأضواء على أسباب نجاح الدولة الباطنية في الشمال الإفريقي, ويبين حقيقة الصراع بين الرافضة وأهل السنة, ويذكر أساليب الرافضة المتنوعة في محاربة أهل السنة, وموقف أهل السنة من ذلك, ويتطرق إلى المجهودات العظيمة التي قام بها أهل الشمال الإفريقي للقضاء على الدولة العبيدية ودور العلماء من أهل السنة في التعليم والتربية وحمل السلاح ضد الروافض.
ويسلط الأضواء على تأثير الدولة الصنهاجية في نشر معتقدات أهل السنة وإزالة جذور الروافض من الشمال الإفريقي كله, وخصوصًا في زمن المعز بن باديس الصنهاجي وابنه تميم بن المعز, ويسرد الأحداث التي وقعت بين الدولة العبيدية في مصر والدولة الصنهاجية, ويشرح الأسباب التي كانت سببًا في سقوط الدولة الصنهاجية, وينتقل بالقارئ إلى الصراع بين الروافض في مصر وأهل السنة في العراق ليؤكد على معنى مهم, وهو أن تاريخ الشمال الإفريقي جزء من تاريخ الأمة يتأثر بالأحداث التي تقع في مصر والحجاز والشام والعراق وفي غيرها, سلبًا وإيجابًا, وأننا لا نستطيع أن نفصل تاريخ الأمة بعضه عن بعض, ويركز على فقه التمكين عند القائدين العظيمين نور الدين محمود, وصلاح الدين الأيوبي من خلال سيرتهم الجهادية المباركة, وعن جهود العلماء والمحدِّثين والمربين الذين ساهموا في ظهور جيل النصر والتمكين, ويحاول أن يفسر سنن الله في المجتمعات والدول والشعوب من خلال التفسير التاريخي للأحداث, ويشير إلى معرفة سنن الله, وكيفية التعامل معها من خلال الوقائع التاريخية, وأهمية العلماء في قيادة الأمة نحو المجد والعزة والكرامة, والحرص على الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية التي تحقق بها النصر على الأعداء, ويتحدث عن أهمية سنة التدرج في تغيير الشعوب, وبناء الدول, ويعطي للتربية الربانية أهمية قصوى في تحقيق الأهداف العظمى للأمة سواء على مستوى القادة في أخلاقهم وعلمهم وجهادهم, أو على مستوى الشعوب في استجابتها لكتاب ربها وسنة نبيها وقيادتها المخلصة.
وهذا الجهد المتواضع لم يأت بجديد, وإنما هو جمع وترتيب ومحاولة للتحليل والتفسير للأحداث التاريخية في هذه الحقبة الزمنية التي وقعت في الشمال الإفريقي, والتي تأثرت بالمشرق الإسلامي في حركتها التاريخية, فإن كان خيرًا فمن الله وحده, وإن أخطأت السبيل فأنا عنه راجع إن تبين لي ذلك, والمجال مفتوح للنقد والرد والتعليق والتوجيه.
سطر 117:
ب- وفاة السلطان الناصر صلاح الدين.
ج- الملامح الرئيسية في شخصية صلاح الدين.
د- من أروع المراثي في صلاح الدين.
هـ- من أروع الرسائل في أخبار وفاة صلاح الدين.
ثم نتائج البحث.
سطر 180:
وذكر ابن عساكر بإسناده إلى أبي الجلاسي قال: سمعت عليًا يقول لعبد الله السبئي: «ويلك, والله ما أفضى إليَّ بشيء كتمه أحد من الناس وقد سمعته يقول: «إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا» وإنك لأحدهم»( ).
فعلي  حكم على ابن سبأ بأنه خبيث, وهم بقتله, ولما تراجع عن قتله نفاه إلى المدائن, وبين بأنه أحد الدجالين.
وقال الحافظ الذهبي في شأن ابن سبأ: عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل, أحسب أن عليًا حرقه بالنار, وزعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه علي فنفاه علي بعد ما هم به»( ).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن أورد روايات في ذمه: «وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ, وليست له رواية ولله الحمد, وله أتباع يقال لهم السبئية يعتقدون إلهية علي بن أبي طالب, وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته»( ).
قلت: والحرق بالنار منهي عنه شرعًا, كان يكفي قتلهم بالسيف.
سطر 228:
وإليك بعض عناوين تلك الأبواب:
«باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه»( ), «باب أن الأئمة هم أركان الأرض»( ), «باب أن الأئمة عندهم جميع الكتاب التي نزلت من عند الله عز وجل, وأنهم يعرفونها على اختلاف أدلتها»( ), «باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة»( ), «باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل»( ), «باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم»( ), «باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء»( ), «باب أن الله لم يعلم نبيه علمًا إلا أمر أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه شريكه في العلم»( ), «باب أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وما عليه»( ), «باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون بعده»( ), «باب في أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون عن البينة»( ), «باب أنه ليس شيء من الحق في أيدي الناس إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل»( ).
وهكذا أخي القارئ: نجد الغلو الممقوت عند علماء الاثنى عشرية, فإذا راجعت (مرآة العقول) للمجلسي وجدته في مستنقع الغلو الآسن وقع حيث زعم أن عصمة الأئمة فوق عصمة الأنبياء, لأنهم أعلى درجة منهم( ). وأما إمامهم المعاصر, ومرجعهم الأعلى, وآيتهم العظمى, وهو من يعرف بزعيم الثورة الإيرانية فيحتاج إلى شيء من البيان والإيضاح, لالتباس الأمر على شباب أهل السنة, بل حتى على دعاتهم وبعض علمائهم الذين انخدعوا بشعارات الشيعة البراقة لكسب أهل السنة, غير مبالين بعهود أعطوها, ومواثيق ألزموا بها أنفسهم بل غدروا بهم في إيران وقتلوهم وسجنوهم, وهدموا بيوتهم, فإذا راجعت كتاب «وجاء دور المجوس»( ) رأيت العجب العجاب في أعمالهم الشنيعة وأقوالهم القبيحة حيث إن الكتاب أجاد في كشفهم وفضحهم وبين عوراتهم ووسائلهم في التستر وعلاقتهم ببقية فرق الشيعة في وقوفهم سدًا منيعًا ضد أهل السنة.
إن الاثنى عشرية لم يحترموا عقلاً ولم يقدسوا شرعًا ولم يلتزموا نقلاً ولم يكرموا علماءهم ولا شيوخهم, بعكس أهل السنة الذين أعطوا لهؤلاء الأئمة من الحق والتكريم وإنزالهم منزلتهم التي يستحقونها, ويعجبني في هذا المقام ما قاله الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- مبينًا عقيدة أهل السنة فيهم: «فمولانا الإمام علي: من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم, نحبه أشد الحب, ولا ندعي عصمته, ولا عصمة أبي بكر الصديق, وأبناه الحسن والحسين سبطا رسول الله × وسيدا شباب أهل الجنة, ولو استخلفا لكانا أهلاً لذلك.
وزين العابدين: كبير القدر, من سادة العلماء العاملين, يصلح للإمامة, وكذلك ابنه جعفر الباقر, سيد إمام فقيه يصلح للخلافة.
سطر 270:
ولن يجتمع السنة والشيعة إلا إذا تخلى أحد الطرفين عن معتقده.
فإن علماء الشيعة يرون التقريب مع أهل السنة, عندما يشتم أهل السنة الصحابة ويعتقدون معتقداتهم الباطلة, وهذا ما خرج به الشيخ الدكتور مصطفى السباعي من تجربته في هذا الموضوع مع أحد شيوخ الشيعة, واسمه عبد الحسين شرف الدين الموسوي حيث إن الدكتور السباعي كان متحمسًا لفكرة التقريب واتصل بسياسيين وأدباء وتجار, وأعطوه عهودًا وكلامًا معسولاً وعلى رأسهم الشيخ الشيعي عبد الحسين الذي كان متحمسًا ومؤمنًا بها, وإذا بالشيخ الموسوي يخرج كتابًا في أبي هريرة  مليء بالسباب والشتائم, بل انتهى فيه إلى القول: «بأن (أبا هريرة ) كان منافقًا كافرًا وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار»( ).
يقول السباعي: «لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه, وفي كتابه معًا, ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي»( ).
وإن أهداف الشيعة من مسألة التقريب: أن يفتح لهم مجال لنشر عقائدهم في ديار السنة, وأن يستمروا في طعن الصحابة الكرام, وأن يسكت أهل السنة عن بيان الحق, وإن سمع الروافض صوت الحق يعلو ماجوا وهاجوا قائلين: إن الوحدة الإسلامية في خطر.
تجربة الشيخ موسى جار الله:
سطر 281:
العقائد من الكتب لتجتث جذورها من القلوب.. وإلا فإن الكلمات هراء وأثر المؤتمرات عداء( ).
فرأى الشيخ ببصيرته النافذة وعلمه الغزير أن نقد عقائد الشيعة هو أول مرحلة من تأليف قلوب الأمة, لا تأليف بدونها( ).
وقد امتلأ الشيخ حسرة وألمًا مما رآه من منكرات في كتب الشيعة وواقعها, وكان أول مساعيه في التقريب لقاؤه مع شيخ الشيعة محسن الأمين في طهران, وجرى بينهما بعض الحديث, ثم قدم له الشيخ موسى ورقة صغيرة كتب فيها ما يلي:
1- أرى المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة, والأوقات غير مرعية, والجمعة متروكة تمامًا, وأرى المشاهد والقبور عندكم معبودة, ما أسباب كل هذا؟.
2- لم أر فيكم لا بين الأولاد, ولا بين الطلبة, ولا بين العلماء من يحفظ القرآن, ولا من يقيم تلاوته, ولا من يجيد قراءته, أرى القرآن عندكم مهجورًا, ما سبب سقوط البلاد إلى هذا الدرك الأسفل من الهجر والإهمال, أليس عليكم أن تهتموا بإقامة القرآن الكريم في مكاتبكم ومدارسكم ومساجدكم؟
سطر 295:
ثم قال الشيخ بعدما نقل شواهد هذه المسائل من كتب الشيعة المعتمدة مخاطبًا شيوخ الشيعة: هذه ست من المسائل, عقيدة الشيعة فيها يقين, فهل يبقى في توحيد كلمة المسلمين في عالم الإسلام أمل وهذه عقيدة الشيعة؟.
وهل يبقى بعد هذه المسألة, وبعد هذه العقيدة, لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر, وهل يمكن أن يكون للأمم الإسلامية, ولهم هذه العقيدة, في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعي؟.
وذكر غير ذلك من المسائل, في انحراف الشيعة ثم قال: «فتفضلوا أيها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتوحد الإسلام وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين» فانتظر الشيخ سنة وزيادة, ولم يسمع جوابًا من أحد إلا من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة, قد قام بوظيفته وتفضل على بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين, وما كان كتابه إلا طعنًا في العصر الأول, وكان طعنه أشد من كتب الشيعة, ثم كتب الشيخ موسى جار الله كتابه القيم وسماه «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» ويقول: إنني أدافع بذلك عن شرف الأمة وحرمة الدين, وأقضي به حقوق العصر الأول عليَّ وعلى كل الأمة( ).
وتوفى هذا الشيخ الجليل بمصر سنة 1369 هـ فعليه من الله الرحمة والرضوان وجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وتعمدت هذا الإطناب لخطورة الدعوة الشيعية في العصر الحديث, حيث إنها تحالفت مع النصيرية في سوريا, ومع حزب أمل الشيعي في لبنان, وتحالفت سرًا مع اليهود والنصارى للقضاء على هذه الأمة العظيمة, كما أنني طالعت اهتمامهم البالغ بالشمال الأفريقي وغربه وحرصهم على إيصال نفوذهم إليه, والعمل على إرجاع ركامهم القديم.
سطر 528:
المبحث الرابع
القائم بأمر الله الخليفة الثاني الرافضي
أبو القاسم نزار بن عبيد الله
(322-334هـ , 934- 945م)
هو أبو القاسم محمد بن المهدي بن عبيد الله, ولد في سلمية سنة ثمان وسبعين ومائتين, بويع له بخلافة الروافض في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
سطر 562:
هو معد بن إسماعيل المنصور, وكنيته أبو تميم, ولد بالمهدية في 11 من رمضان سنة 319هـ, وعهد له والده بالخلافة بعده وجلس على سرير الملك من ذي الحجة سنة 341هـ, وهو الخليفة العبيدي الرابع الذي حكم الشمال الإفريقي.
واستطاع أن يمد نفوذه على معظم الشمال شرقًا وغربًا, ففي سنة 342هـ ولى باسيل الصقلي عاملاً على سرت, وولى على إجدابية ابن كافي الكتامي, وولى على برقة وأعمالها أفلح الناسب. وتوسعت أملاكه في صقلية سنة 354هـ, وفي أيامه دخل اليهود إفريقية, وأصبحت حدود مملكته إلى حدود مصر, ومن ثم استطاع أن يتابع أحوال الحكام والأمراء في مصر عن كثب, وأصبحت نفسه تسول له الاستيلاء على مصر, وبموت كافور الإخشيدي في سنة 355هـ اضطربت الديار المصرية, فاقتنص المعز الفرصة ولم يجعلها تمر مر السحاب, فعزم ودبر وأقدم على حفر الآبار والقصور فيما بين القيروان إلى حدود مصر, وحشد الجيوش العظيمة, وجمع الأموال الجزيلة, واختار جوهر الصقلي قائدًا لتلك الجيوش التي كانت تزيد على مائة ألف, وأمر المعز كل أمرائه أن يسمعوا ويطيعوا ويترجلوا في ركاب الصقلي, وتحركت الجيوش العبيدية لنقل المذهب الباطني إلى مصر ليتخلص من الأزمات والثورات والصراعات العنيفة التي قادها علماء السنة في خمسة عقود متتالية في الشمال الإفريقي, رافضين المذهب الإخشيدي التابع للدولة العباسية في مصر, فرمى بسهامه المسمومة إليها, ودفع إليها جيوشه المحمومة طالبًا من أعوانه وشياطينه أن يقضوا على الخلافة العباسية الأبية ذات التوجهات السنية.
وقد حاول المعز أن يضم الأندلس السنية إلا أن رجالها البواسل منعوه من أن يصل إلى هدفه, وفي جمادى الآخرة سنة 358هـ استطاعت جيوش المعز دخول مصر بقيادة خادمه جوهر الصقلي الذي لم يجد أي عناء في ضمها لأملاك العبيديين. وجوهر الصقلي هذا هو الذي بنى الأزهر سنة 361هـ ليكون منبرًا من منابر العبيديين الروافض في بث معتقداتهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة, ثم تحول بفضل الله ثم جهود صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على العبيديين في مصر إلى قلعة من قلاع أهل السنة, ودخلت جيوش العبيديين على دمشق سنة 358هـ بقيادة جعفر بن خلاف أحد قواد العبيديين( ).
رحلة المعز إلى مصر:
وبعد أن مهدت مصر للمعز العبيدي جهز جيوشه وحاشيته وأهله وأمواله, وسار مفارقًا شمال إفريقيا إلى مصر, ليتولى أمرها, فأسند زعامة الشمال الإفريقي إلى الأمير الصنهاجي بلكين ابن زيري وضم المعز إلى مصر كلاً من طرابلس وسرت وبرقة, وكان معه شاعره الملحد الذي غالى في مدح المعز محمد بن هانئ الأندلسي الذي قال:
سطر 719:
يا أيها الناس جاهدوا من كفر بالله, وزعم أنه رب من دون الله تعالى وغيَّر أحكام الله عز وجل, وسب نبيه وأصحاب نبيه وأزواج نبيه.
فبكى الناس بكاء شديدًا, وقال في خطبته: «اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية من دون الله, جاحدًا لنعمك, كافرًا بربوبيتك, طاعنًا على أنبيائك ورسلك, مكذبًا لمحمد نبيك وخيرتك من خلقك, سابًا لأصحاب نبيك, وأزواج نبيك أمهات المؤمنين, سافكًا لدماء أمته, منتهكًا لمحارم أهل ملته, افتراء عليك, واغترارًا بحلمك, اللهم فالعنه لعنًا وبيلاً, واخزه خزيًا طويلاً, واغضب عليه بكرة وأصيلاً, وأصله جهنم وساءت مصيرًا, بعد أن تجعله في دنياه عبرة للسائلين, وأحاديث في الغابرين, وأهلك اللهم شيعته, وشتت كلمته, وفرق جماعته, واكسر شوكته, واشف صدور قوم مؤمنين, ونزل فصلى الجمعة ركعتين وسلم, وقال: ألا إن الخروج غدًا يوم السبت إن شاء الله( ).
وركب ربيع القطان فرسه وعليه آلة الحرب, وفي عنقه المصحف, وحوله جمع من الناس من أهل القيروان متأهبون معدون لجهاد أعداء الله, وعليهم آلة الحرب فنظر إليهم القطان, فسر بهم وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى أدركت عصابة من المؤمنين اجتمعوا لجهاد أعدائك, وإعزاز دينك, يا رب بأي عمل وبأي سبب وصلت إلى هذا؟ ثم أخذ في البكاء حتى جرت دموعه على لحيته, ثم قال لهم: لو رآكم محمد رسول الله × لسُرَّ بكم, وقال في موطن آخر بعد أن أنصت الناس: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:123] ثم قال: +أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ  وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة:13-15].
ثم أشار بيده وقال: اذكروا الله يذكركم, فكبر الناس, ومشى حتى بلغ الجامع ودخل في قتل أعداء الله حتى قتل سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مقبلاً غير مدبر( ), واستشهد معه فضلاء وأئمة وعباد صالحون.
4- قاطع العلماء من استجاب وداهن العبيديين من الفقهاء وإن لم يدخل في دعوتهم؛ ولذلك أفتى العلماء بطرح كتب أبي القاسم البراذعي( ).
سطر 734:
فقال له: في قوله: +وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" [الأحزاب:40] فخاتم النبيين ليس رسول الله.
فقال له سعد: هذه الواو ليست من واوات الابتداء, وإنما هي من واوات العطف كقوله عز وجل: +هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [الحديد:3] فهل (من) أحد يوصف بهذه الصفات غير الله عز وجل؟ وتكلم (عنده) يومًا فغضب من كلامه رجل من كتامة يعرف بأبي موسى شيخ المشايخ وقام إليه بالرمح فمنعه أبو عبد الله من ذلك, ثم عطف على أبي عثمان فقال له: يا شيخ, لا تغضب أتدري إذا غضب هذا (الشيخ) كم يغضب لغضبه, اثنا عشر ألف سيف.
فقال أبو عثمان: ولكني (أنا) يغضب لغضبي (الله) الواحد القهار «الذي أهلك عادًا وثمود وأصحاب الرس وقرونًا بين ذلك كثيرًا»( ), وقد جمع الله للشيخ سعد الحداد جهارة الصوت وفخامة المنطق وفصاحة اللسان وصواب المعاني, وكان
عالمًا باللغة والنحو, وإذا لحن في لفظة استغفر الله عز وجل, وكان إذا تكلف
الشعر أجاده.
سطر 931:
(362- 373هـ/ 972- 983م)
أصبح يوسف بلكين بن زيري واليًا أو أميرًا لكل بلاد إفريقية, وهو أول حاكم لبلاد المغرب من أصل بربري بعد الفتح الإسلامي, وكان متفانيًا في خدمة العبيديين وتوسيع أملاكهم, واشتد الصراع العنيف بين قبائل صنهاجة وقبائل زناتة, واستعمل الحاكم الصنهاجي أبو الفتوح القوة والعنف والشدة للقضاء على سيادة قبائل زناتة, واستطاعت الدولة الأموية في الأندلس أن تستفيد من هذا الصراع ووجهت ضربة ماكرة للدولة العبيدية فدعمت قبائل زناتة بكل ما تملك حتى استطاعت أن تقف في وجه الصنهاجيين التابعين للعبيديين, وكانت سياسة الصنهاجيين مبنية على العنف والقوة مع الزناتيين فلم يسعوا لكسب ودهم أو مهادنتهم, واستغلت الدولة الأموية هذا الصراع حتى فصلت المغرب الأقصى عن سيادة بني زيري( ).
وأظهر الأمير بلكين نشاطًا واسعًا وعملاً دؤوبًا, وكان محافظًا على تبعيته للعبيديين وولائه للمذهب الإسماعيلي الباطني, إلا أنه لم يتشدد هو والأمراء الذين جاءوا بعده بمطالبة الناس بالتشيع, فانفسح المجال نسبيًا أمام علماء أهل السنة لنشر السنة, وبدأت الحياة العلمية تعود إلى المساجد والكتاتيب شيئًا فشيئًا, غير أن تلك المظاهر الرسمية من التبعية لحكام مصر والدعوة لهم على المنابر كانت تقلق العلماء, وأسهمت في إيجاد هوة عميقة بينهم وبين حكام بني زيري, فمضوا في محاربة هؤلاء الحكام الذين لم يكونوا متحمسين للدعوة الإسماعيلية, والتف أهل الشمال الإفريقي حول علمائهم, وواصلوا مقاطعة الدولة, غير أن هؤلاء الحكام لم يستطيعوا الإعلان بموافقة علماء أهل السنة خوفًا على سلطانهم, وأحس أهل القيروان بذلك فراح علماؤهم يعملون جاهدين على نشر السنة وآراء السلف, فعجت حلقات العلماء بطلاب العلم في القيروان من جديد, وكثرت المؤلفات في بيان دين الإسلام الصحيح, وكان التخلص النهائي من أتباع العبيديين, وانتصار أهل السنة على الروافض في الشمال الإفريقي على عهد الأمير السني والسيف القاطع والطود المنيف الأمير المعز بن باديس.
* * *
سطر 1٬040:
المبحث الخامس
أبنــــــاء المعــــــــز وأحفــــــــاده
أولاً: تميم بن المعز:
ولد بالمنصورية في الثالث من رجب سنة 422هـ وولاه أبوه على المهدية سنة 445هـ, ثم أسندت إليه ولاية إفريقية من والده المعز, وسار في الناس بسيرة حسنة, وقرب أهل العلم وكان شجاع القلب, ذا همة عالية, وسياسة, ودهاء, استطاع أن يرجع المدن التي سلبت من والده, واستمال زعماء العرب بالمال والعطايا, وصاهرهم وامتزج معهم, وجعل منهم جنودًا لدولته بكياسة وفطانة وسياسة نادرة, واستطاع أن يضم مدينة سوسة في عام 455هـ بعد أن قضى على المقاومة المسلحة التي واجهته( ).
سطر 1٬132:
 
بموت يحيى أميت الناس كلهم
حتى إذا ما عليُّ جاءهم نشروا
 
إن يبعثوا بسرور من تملكه
سطر 1٬201:
6- يحيى بن تميم بن المعز بن باديس 501- 509هـ ، 1107- 1116م.
7- علي بن يحيى بن تميم 509- 515هـ , 1116- 1121م.
8- الحسن بن علي بن يحيى 515- 543هـ ، 1121- 1148م.
* * *
سطر 1٬360:
بناء المدارس والمؤسسات التعليمية وتوفير الفرصة لأفراد الأمة لدخولها
والاستفادة منها.
وكانت جماهير المسلمين العريضة من العمال والمزارعين والتجار مستهدفة من قبل الدولة الزنكية, فلم تترك إرشادهم وتوجيههم فزرعت في نفوسهم العقيدة والأخلاق والقيم, وكان للتصوف المعتدل بقيادة الشيخ عبد القادر الجيلاني أثر واضح في نفوس الجماهير, واستفادت الدولة الزنكية من الحركة الصوفية الإصلاحية القادرية, فأقامت لهم الأربطة والزوايا, واحترمت شيوخهم واستقدمتهم وهذبت الجماهير وزكتهم وفق خطة الدولة المرسومة, واهتمت الدولة بالإعداد العسكري إلى جانب التعليم والإرشاد والتربية, ودربت كل أتباعها تدريبًا عسكريًا وبثت روح الجهاد في صفوفهم, وكان التدريب يقوم على دعامتين:
1- الإعداد المعنوي والروحي.
2- ثم التدريب العسكري وألف زعيم الدولة الزنكية السلطان نور الدين محمود كتابًا في الجهاد.
سطر 1٬385:
صلاح الدين الأيوبي محرر القدس
ومزيل دولة العبيديين من مصر
ولد السلطان يوسف بن أيوب سنة 532هـ بقلعة تكريت في العراق, وكان والده أيوب بن شادي واليًا عليها, ثم انتقل الوالد إلى الموصل ومعه أخوه أسد الدين شيركوه, وتربى الشبل الأيوبي في كنف والده وعمه المجاهدين, وبدأ يترقى في كتائب المجاهدين, وانتدب لمرافقة عمه أسد الدين عندما أرسل نور الدين محمود إلى مصر, وتسلم منصب وزارة التفويض بعد وفاة عمه في نهاية الدولة العبيدية, وبدأ في إرجاع مصر للخلافة السنية العباسية متدرجًا في تنفيذ هدفه النبيل, والذي اشتاقت إليه نفوس المسلمين, فعزل قضاة مصر الروافض العبيديين, وأسند أمر القضاء إلى عبد الملك بن درباس الشافعي, وقطع الأذان بـ «حي على خير العمل» وأقام الخطبة للخليفة العباسي بعد أن انقطعت الخطبة للعباسيين بمصر 208 سنوات, وبشر نور الدين محمود الخليفة العباسي بذلك, وفرح الناس, وقضى صلاح الدين على كل المحاولات الفاشلة لإرجاع مصر للخلافة العبيدية, وأحسن إلى الرعايا إحسانًا كثيرًا.
وقال العماد الأصبهاني في رجوع مصر للخلافة العباسية أبياتًا شعرية رائعة بعد وفاة العاضد العبيدي وزوال ملكه ودولته من مصر:
توفى العاضد الدعي مما
سطر 1٬444:
ليستروا سابور عمهم الجهل( )
 
إن نور الدين محمود كان يرى إزالة العبيدية هدفًا استراتيجيًا للقضاء على الوجود النصراني, والنفوذ الباطني في بلاد الشام؛ ولذلك حرص على إعادة مصر للحكم الإسلامي الصحيح, فوضع الخطط اللازمة وأعد الجيوش المطلوبة وعين الأمراء ذوي الكفاءة المنشودة, فتمم الله له ما أراد على يد جنديه المخلص صلاح الدين الذي نفذ سياسة نور الدين الحكيمة الرشيدة.
وبعد أن استقرت أمور البلاد والعباد في مصر, وأزيلت البدعة, وأحييت السنة, وأميتت الفتنة, وانتقل نور الدين إلى ربه الغفور الرحيم, آل الأمر إلى صلاح الدين بعد فتن استطاع أن يقضي عليها, ووحد بلاد الشام ومصر تحت زعامته الفتية, وشرع في تنفيذ الأهداف المرسومة للدولة النورية. وكان من أهداف نور الدين العظيمة تحرير ديار المسلمين من النصارى وتحرير بيت المقدس, حتى إنه هيأ منبرًا عظيمًا لهذه الغاية, ولكنه مات قبل تحقيق هذا الهدف الغالي الذي ادخره الله لصلاح الدين, فعزم صلاح الدين على مواصلة حركة الجهاد المقدس, وفك الحصون والمدن من النصارى بالقوة بخطة واضحة محكمة, فانتصر على الفرنجة في موقعة «مرج العيون» سنة 575هـ وموقعة «بانياس» وأسر رؤساءهم ودمر حصن الأحزان في صفد, وما زال يناوش الفرنجة وينتزع منهم الحصون حصنًا بعد حصن حتى تجمع عنده جيش كبير في سهل حطين, حيث كانت الموقعة الكبرى التي كسرت عظام الصليبيين ومهدت لفتح القدس, وقد أسر وقتل معظم من حضرها من الفرنجة: «فمن شاهد القتلى قال: ما هناك أسير, ومن عاين الأسرى قال: ما هنالك من قتيل, ومنذ استولى الفرنج على ساحل الشام ما شفى للمسلمين كيوم حطين غليل»( ).
وكان من الأسرى صاحب الكرك «أرناط» الذي كان يؤذي الحجاج وسب رسول الله ×, وكان قد وصل صلاح الدين ذلك فنذر لله ليقتلنه بنفسه حمية لدينه وحبًا لرسوله ×. فقتله صلاح الدين بنفسه ووفى نذره وخلص المسلمين من شره.
سطر 1٬463:
وبعد اشتداد الحصار على النصارى طلبوا الأمان ونزل ملك بيت المقدس يترفق السلطان وذل ذلاً عظيمًا, فأجابهم صلاح الدين, ودخل المسلمون القدس ووفوا بالصلح المضروب مع النصارى, وشرعوا في تنظيف المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير, وأعيد على ما كان عليه زمن المسلمين, وغسلت الصخرة بالماء الطهور وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر, وأبرزت للناظرين, وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين, ووضع الصليب عن قبتها وعادت إلى حرمتها, وامتن السلطان صلاح الدين على بنات الملوك ومن معهن من النساء والصبيان والرجال, ووقعت المسامحة في كثير منهم وشفع في أناس كثير فعفا عنهم, وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر, ولم يأخذ منه شيئًا مما يقتني ويدخر, وكان رحمه الله كريمًا مقدامًا شجاعًا حليمًا( ), وكان ذلك في بيت المقدس فقال: «لما تطهر بيت المقدس مما فيه من الصلبان والنواقيس والرهبان والقسس, ودخله أهل الإيمان, ونودي بالأذان وقرئ القرآن ووحد الرحمن, وكانت أول جمعة أقيمت في اليوم الرابع من شعبان, بعد يوم الفتح بثمان, فصف المنبر إلى جانب المحراب, وبسطت البسط وعلقت القناديل وتلي التنزيل, وجاء الحق وبطلت الأباطيل, وصفت السجادات وكثرت السجدات وأقيمت الصلوات, وأذن المؤذنون, وخرس القسيسون, وزال البؤس, وطابت النفوس, وأقبلت السعود, وأدبرت النحوس, وعُبِد الله الأحد الذي +لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [الإخلاص: 4،3]. وكبره الراكع والساجد, والقائم والقاعد, وامتلأ الجامع, وسالت لرقة القلوب المدامع, ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحال, ولم يكن عيَّن خطيب فبرز من السلطان المرسوم الصلاحي وهو في قبة الصخرة أن يكون القاضي محيي الدين بن الزكي اليوم خطيبًا, فلبس الخلعة السوداء وخطب للناس خطبة سنية فصيحة بليغة, وذكر فيها شرف بيت المقدس, وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات, وما فيه من الدلائل والأمارات, وقد أورد الشيخ أبو شامة الخطبة في الروضتين بطولها وكان أول ما قال: +فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الأنعام:45].
ثم أورد تحميدات القرآن كلها, ثم قال: «الحمد لله معز الإسلام بنصره, ومذل الشرك بقهره, ومصرف الأمور بأمره, ومزيد النعم بشكره, ومستدرج الكافرين بمكره, الذي قدر الأيام دولاً بعدله من طله وهطله «الندى والمطر», الذي أظهر دينه على الدين كله, القاهر فوق عباده فلا يمانع, والظاهر على خليقته فلا ينازع, والآمر بما يشاء فلا يدافع, أحمده على إظفاره وإظهاره, وإعزازه لأوليائه ونصره أنصاره, حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر إجهاره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد, شهادة من طهر بالتوحيد قلبه, وأرضى به ربه, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك, ورافض الإفك, الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السموات العلى, إلى سدرة المنتهى +عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى", +مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى" [النجم: 17،15]. وعلى خليفته الصديق السابق إلى الإيمان, وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار الصلبان, وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن, وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك, ومكسر الأصنام, وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان»( ).
واستمر في خطبته الرفيعة المنيعة الممزوجة بالعاطفة الجياشة والمشاعر والأحاسيس المحبوسة إلى أن قال: فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية, والوقعات البدرية, والعزمات الصديقية, والفتوحات العمرية, والجيوش العثمانية, والفتكات العلوية, جددتم للإسلام أيام القادسية والوقعات اليرموكية, والمنازلات الخيبرية, والهجمات الخالدية, فجزاكم الله عن نبيكم أفضل الجزاء, وشكرًا لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء, وتقبل الله منكم ما تقربتم إليه من مهراق الدماء, وأثابكم الجنة فهي دار السعداء, فاقدروا –رحمكم الله- هذه النعمة حق قدرها, وقوموا إلى الله بواجب شكرها فله النعمة بتخصيصكم بهذه النعمة وترشيحكم لهذه الخدمة( )... إلى آخر ما جاء في الخطبة.
وبعد أن تم هذا الفتح العظيم توافد إلى السلطان الشعراء والعلماء والكتاب والمؤرخون ينثرون أمامة من بلاغة الشعر, وحكم المقال ما قد ملأ الكتب الطوال, وإليك ما قاله الشاعر أبو الحسن بن علي الجويني:
جند السماء لهذا الملك أعوان
سطر 1٬576:
وكان إذا زاره عالم اهتم به جدًا, ولا يتركه حتى يزوده بالمال والأمتعة له ولجيرانه وأقربائه.
إن هذه الانتصارات العظيمة لا تكون إلا بوجود مثل هذا التلاحم والتعاطف بين الأمراء والعلماء, وقال القاضي ابن شداد: «وكان يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة, وكان يفعل ذلك سفرًا وحضرًا»( ). وكان آل المقدسي الذين سكنوا حي الصالحية في دمشق أبو عمر محمد ابن أحمد بن قدامة وأخوه وابن خالهم الحافظ عبد الغني والشيخ العماد, كانوا لا ينقطعون عن غزاة يخرج صلاح الدين فيها, وقد حضروا معه فتح القدس والسواحل وغيرها»( ).
إن القادة الذين يحترمون العلماء والفقهاء في حقيقة عملهم هذا قد أخذوا بسنة من سنن التمكين والنصر والغلبة على الأعداء.
إن الذين يهاجمون علماء الأمة ومفكريها وساستها ومربيها وفقهاءها ومحدثيها وحركييها يخدمون المخططات اليهودية والنصرانية والطاغوتية والاستخبارية سواء شعروا بذلك أم لا, والذين لا يزالون يطعنون في علماء الأمة بفعلهم هذا يكونون قد ابتعدوا عن منهج أهل السنة والجماعة الذي يقول: «وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر, وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل»( ).
ولقد رأيت أقوامًا يستهزئون بالعلماء والفقهاء والمحدثين والدعاة, بل بعضهم كفر بعض قادات الحركات الإسلامية بدون بينة, بل بجهل وعناد واستخفاف, وبعضهم يتلذذ بغيبة العلماء والطعن فيهم, وينشر ذلك على المنابر وفي الصحف, ولو أتيحت له الإذاعة لهذا الغرض لطار فرحًا, وما يدري المسكين أن لحوم العلماء مسمومة, وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة, وما يدري هذا المتعالم أن الاعتبار في الحكم على الأشخاص بكثرة الفضائل, قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان, قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور, بل مأجور لاجتهاده, فلا يجوز أن يُتبع فيها, ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين»( ).
إن تاريخ الأمة الإسلامية المجيد يبين لنا أهمية احترام العلماء والدعاة وتقديمهم في إعزاز هذا الدين. فعلى العاملين لإعادة ماضينا المجيد وعزنا التليد أن يعملوا على إعادة دور العلماء والفقهاء وإلزام الناس باحترامهم, ومنع العملاء المندسين في صفوفنا للطعن في علمائنا بالأقوال المزخرفة والأساليب الملتوية للضحك على شبابنا حتى لا يفلحوا في دنيا ولا في آخرة.
سطر 1٬606:
د- من أروع المراثي في صلاح الدين الأيوبي رحمه الله
قال العماد الأصبهاني رحمه الله: «دخلنا عليه ليلة الأحد للعيادة ومرضه في زيادة, وفي كل يوم تضعف القلوب وتتضاعف الكروب, ثم انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء, ومات بموته رجاء الرجال, وأظلم بغروب شمسه فضاء الإفضال ورثاه الشعراء»... إلى أن قال العماد الأصبهاني مرثيته المشهورة:
شمل الهدى والملك عم شتاته
والدهر ساء وأقلعت حسناته
 
سطر 1٬791:
المبحث الثالث: زحف بني هلال وبني سليم وغيرهما من القبائل إلى الشمال الإفريقي 99
المبحث الرابع: الصدام المسلح بين المعز بن باديس والقبائل العربية 103
المبحث الخامس: أبناء المعز وأحفاده 107
أولاً: تميم بن المعز 107
ثانيًا: يحيى بن تميم بن المعز بن باديس 109