حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل الخامس والعشرون
كانَ الموتُ يسرقُ مني أحبائي، يخطفهم بعيداً عن ناظري، ثمَ يهاجمهم بكلِ افتراسٍ، أظنُ أنَ هنالكَ ثأرٌ بيني وبينهُ يدفعهُ لسرقةِ أحبائي دائماً، ذكيٌ هو كانَ بإمكانهِ قتلي وحسمُ معركةِ الثأر، ولكنهُ أرادَ إحراقي، أرادَ ليَّ الموتَ أكثرَ من مرةٍ، انحنى ظهري وأنا أحفرُ لأحبائي القبور، وأنا أكللها بالزهور، يا ترى من سيحفرُ لي قبري غداً ؟ ويزينهُ بالياسمينِ الذي أُحب ؟ منى : توقفي عن هذا الكلامِ يا جدتي، لن تموتي. العجوز : سامر يا بني حافظ على منى، أُوصيكَ بها فهي لم يتبقى لها بالدنيا غيركَ، وطفلكما. سامر : رجاءً يا جدتي كفي عن التحدثِ هكذا. العجوز : منى سامر أراهُ يُحبكِ، أحبيهِ لا تنفصلي عنهُ، أرجوكِ يا ابنتي، والرسالةُ الثالثة التي أرسلها سليمٌ لك بمنامكِ هي....... كانَ ملكَ الموتِ أقربُ منها، كانَ قدرها مكتوبٌ منذُ أن كانت جنيناً في بطنِ أمها أن لا تستطيع التحدث عن الرسالةِ الثالثة من سليم لمنى، سرقها الموتُ هي الأخرى في حربٍ أخرى . منى : جدتي جدتي، أستحلفكِ باللهِ أن لا ترحلي. ولكن ليس هنالك إجابة فجدتُكِ اليوم بين يدي المولى. استمرَ صراخُ منى وبكاؤها، جلست على الأرضِ تبكي، يا الله لقد أخذتَ كل أحبائي خذني إليكَ يا الله، لِمَ الحزنُ كتبَ عنواناً لحياتي ؟ يا الله لِمَ تأخذُ مني كلَ أحبتي ؟ لم يعد بالقلبِ متسع لهذا الضيق، خذني إليكَ يا الله. جلسَ سامرٌ بجوارها على الأرض ودمعهُ يذرفُ هو الآخر. سامر : منى هذا قضاء الله وقدرهِ لا ينبغي أن تتكلمي هكذا. منى : وكيفَ سأتكلم يا سامر ؟ لم أعد أحتملُ أكثر. سامر : كلامكِ هذا يعذبُ روحَ خالتي صدقيني. منى : أرجوكَ يا سامر دعني أبكي، سأموتُ قهراً إن لم أبكي. سامر : طفلنا يا منى هو أمانةٌ بعنقكِ لا يجب أن تتعذبي هكذا فكري بهِ. منى : معك حقٌ يا سامر. سامر : سأحملها للحمام عليكِ غسلها، وتكفينها، أما أنا سأقومُ بحفرِ قبرٍ لها في الحديقة. منى : حسناً يا سامر. حمل سامر العجوز ووضعها في الحمام، وبدأت منى تغسلها وكانت دموعُ عينيها تنهمرُ فوقَ جثةِ العجوز، دخلت منى بحلقةٍ كبيرةٍ من الذكريات، من حينِ أن رأتها تلكَ العجوز لليوم. كانت كالأم حملت همها، داوتها، أطعمتها، وزوجتها، حتى أنها ماتت من أجلها، لولا أن العجوز لم تذهب للبحثِ عن قبرِ سليم لما سجنها الملك ولا تمكنَّ من قتلها الأعداء. شعرت منى بذنب أن جدتها ماتت بسببها، وضلت تبكي، همسَ شيءٌ داخليٌ لها الدعاء، ادعي لها عوضاً عن هذه الدموع، بالفعل قامت منى بتكفينها وهي تدعو لها. سامر كان يحفرُ قبرها ويدعو لها، فهي فرجت عدةَ كربٍ لهُ، وساعدتهُ بتأمينِ مستقبلهِ، ولم تبخل عن أي خير كانت تستطيعُ فعلهُ معهُ. أنهى سامر الحفر، وعادَ للمنزل. سامر : منى هل أنهيتِ ؟ منى : نعم. سامر : حسناً سندفنها الليلة. منى : ألا تنتظر لصباح ؟ سامر : لا يا منى، إكرامُ الميت دفنهُ. حملها، ودفناها، وقرأ كلاً منهما على روحها الفاتحة، ودعا لها بالجنة. سامر : منى هيا لندخل لداخل. منى : هيا بنا. دخلا للمنزل وسطَ شعورٍ بضيقٍ بالصدر، وحُزنٍ شديد. سامر : منى سأُعدُ لكِ طعاماً. منى : لا يا سامر لا أشعرُ بالجوع. سامر : لا يجوزُ هذا الكلام، أنسيتي طفلنا ؟! منى : لا يا سامر، لم أنساهُ أنا لم يتبقى لي سواه. سامر : وأنا يا منى ؟ منى : وأنت أيضاً والدُ طفلي وسندي بهذهِ الحياةِ. سامر : لو سمحتِ أعدي نفسكِ، غداً سنرحلُ من هنا. منى : إلى أين ؟ سامر : لمكانٍ بعيداً عن الحرب. منى : وجدتي وسليم قبرهما هنا، كيف نتركهما ؟ سامر : منى الحربُ وصلت إلى هنا، وراحَ ضحيتها خالتي كما رأيتي، علينا أن ننجو بأنفسنا . منى : معكَ حقٌ يا سامر، حسناً لطفاً منكَ أحضر العشاء، وأنا سأُجهزُ حقائبنا. أنهت منى تحضيرُ الحقائب، ولم تشعر إلا بيدِّ سامر على كتفها، صمتت ولم تبدي أيُ إستياءٍ من يدهِ. سامر : هيا يا منى العشاءُ جاهزٌ. منى : هيا . جلسا على مائدةِ الطعام، وكانَ سامر ينظر لمنى بنظرةِ الحنان والرأفة، فهيَّ ما زالت فتاةً صغيرة ولكن الحياة ألمتها كثيراً. منى بداخلِ نفسها : ينظرُ إليَّ وكأنهُ سليم، أتراهُ يحبني يا ترى ؟! سامر : منى بماذا أنتِ شاردة ؟ منى : شاردةٌ بكَ. سامر : بيَّ، لماذا ؟ منى : أجبني يا سامر، هل تُحبني ؟