حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل الثاني والعشرون

« حب وحرب لمؤلفته لارا احويت
الفصل الثاني والعشرون
»
الفصل الحادي والعشرون الفصل الثالث والعشرون

يا أهاتي أستحلفُكِ بربِّ السماءِ أن تطلبي منها الغفرانَّ، لا أريدُ غفراناً لذنبي، أريدُ غفراناً يجعلني عصفورٌ أغردُ بمملكتها الطاهرة، آرحميني يا عينا النعناعِ والريحان، ألقي بوشاحَ الشحِّ بعيداً، وتعالي إليَّ بذاكَ الوشاح الذي غزلتهُ لكِ من أوردةِ قلبي، أهديني تلكَ النظرة التي تطلقُ رصاصاً بقلبي، لا يهمني حجم الضرر المهمُ هي تلكَ النظرة، تعالي إليَّ لجسدي النازف، تعالي إليَّ مرهماً لمداوةِ ألامي يا مرَّ حبٍّ. ذهبَ الجميعُ إلى قبرِ سليم، كانت من تعليمات الملكِ للحارس بعدَّ أن يُعَرِفَ العجوز على قبرِ سليم أن يراقبها، وهذا ما حصل فقد كانَ يراقبُها منذُ مغادرتها لقبرِ سليم، وحتى عودتها مع سامرٌ ومنى. أشارت العجوز لمنى على قبرِ سليم، فجلست عندهُ وبدأت بذرفِ الدمعِ وتذكرِ كل تفاصيلَ قصتهما، ثمَّ قالت : هآ أنا يا سليم لقد أحضرتُ لكَ ضفيرتي كما طلبتَ مني، ووضعتها فوقَ قبرهِ، وآستمرت بالبكاءِ حتى ظهرَ حارسُ الملك. قائلاً : هيا معي جميعا. سامر : إلى أين ؟ الحارس : إلى قصرِ الملك. سامر : لن نذهب معك لمكان. فقامَ الحارس بشدِّ سامر، فقالت العجوز : دعهُ وشأنهُ سنذهبُ معكَ. ذهبوا جميعاً برفقةِ الحارس لقصر الملك، حينما دخلوا رأى الملكَ منى فعرفها، فقال بسخريةٍ : أينَ ذاكَ الكلبُ زوجكِ؟ سامر بنبرةٍ حادةٍ : لا تتحدث هكذا مع زوجتي . الملك بسخرية : زوجتكَ ؟! وهل طلقها الكلب لتتزوجها أنتَ ؟! سامر : قلتُ لك لا تتحدث هكذا عن زوجتي. الملك : وكيفَ تزوجتَ من فتاةٍ مغتصبة ؟ سامر : أنا من اغتصبتها وليست تلكَ الجثة. انصدمت كلاً من منى والعجوز بشجاعةِ سامر، وباعترافهِ بذنبهِ أمامَ الملك. الملك : أتعلمُ ما معنى كلامك ؟ إن كنتَ تقولُ حقاً أو كذباً، سأُعاقبكَ بمثلِ ما عاقبتُها، ولتعلم أن عقابها كان بسبب القتل وهو أعظمُ عقاب. سامر : وأنا مستعدٌ لكلِ عقاب في سبيلِ التكفيرِ عن ذنبي. الملك : وأنتِ أيتها العجوز بماذا تحبي أن أُعاقبكِ ؟ العجوز : ولِمَ تعاقبني ؟ ماذا فعلتُ ؟ الملك : بتهمةِ التجسس على القتلى، و إحضاركِ لهما للقبر. العجوز : ولكن حراسكَ سمحوا لي ولم يمنعونني. الملك : أعلم، لأنني أنا من أردتُ أن تعرفي لأرى قصتُكِ، وأعلمُ سببَ بحثكِ عن تلكَ الجثةِ، سيكونُ عقابُكِ السجنَ لشهرٌ واحدٌ. العجوز : أنا امرأةٌ كبيرةٌ في السن لن أتحملَ السجن. قاطعها الملك موجهاً كلامهُ نحوَ منى : و أنتِ أيتها الجميلة لن أرحمكِ وسترينَ بنفسكِ ماذا سأفعلُ معكِ. أخذَ الحُراس العجوز وسامرٌ لسجنهما، وبقيت منى عندَّ الملك، فطلبَ منها أن تنظفَ القصرَ بأكملهِ لوحدها، لم تستطع إخبارهُ عن حملها خشيةَ أن يؤذي طفلها، فاستسلمت لأوامرهِ، وأمضت تلكَ الليلةَ دون نومٍ وطعامٍ، كان القصرُ كبيراً جداً أهلكها تعباً بين تنظيف الغبار، وتنظيفِ البلاطِ والغرفِ وشطفهم بالماء، وجليَ جميع أوانيَّ المطبخ، وغسلِ الملابس، غفت على طاولةِ الطعام. الملك : أنتِ لم أحضركِ هنا لتنامي، كانَ عملكِ رائعٌ لذا سأكرمكِ بحضورِ عقابَ زوجُكِ، هيا أيها الحراس خذوها لمكانِ منصةِ الإعدام. أخذَ الحُراسَ سامرٌ ومنى إلى مكانِ المنصة، وأثناءِ سيرهما سامر : منى أخبريني هل فعلَ لكِ هذا شيء ؟ منى : لا، آطمئن يا سامر. سامر : إذاً لِمَ أنتِ شاحبةٌ هكذا ؟ والتعبُ يتوسطُ على وجهكِ ؟ منى : لقد أمضيتُ الليلةَ الماضيةَ بتنظيفِ القصر. سامر : سأُريكَ أيها الأحمق درساً لن تنساهُ. وصلَّ الجميع إلى منصةِ الإعدام، فألقوا منى بينَ الحضورِ، وأخذوا سامر إلى المنصة، علقوا الحبلَ برأسهِ، وربطوا يديهِ خلفَ ظهرهِ، وجاءَ الملكُ قائلاً : هذا الشاب اغتصب تلك الفتاةِ التي عاقبتها المرةَ الماضية، هل تذكرونها ؟ الحضور بصوتٍ واحد : نعم يا مولاي نذكرها. الملك : قد كانت تلكَ الجثة بريئة من اغتصابِ الفتاة وعوقبت ظلماً، لذا سأعاقبُ هذا الشاب بعقوبةِ القتل، وهي لسعاتُ الثعبان، وضربِ الأسواطِ، ثم شنقهِ وقد أعفو عن شنقهِ إذ عفت عنهُ الفتاةُ التي اغتصبها. ألقوا الثعبان عليه وبدأ يلسعُ بهِ في كلِ أنحاءِ جسدهِ، منى تنظرُ إليه وهي تبكي، تمنت لو أنها تستطيعُ إيقافهم ولكنهم لن يرضوا إلا في آخرِ مرحلةٍ ما قبل الشنق، حملَ كلُ واحدٍ منهم سوطاً وبدأوا ينهالونَ عليهِ ضرباً، شعرت منى بألمِ ما يشعرُ بهِ سامرٌ فقد تذوقت نفسَ العذاب، توجهت إلى المنصة تصرخُ : يكفي يكفي أرجوكم. الحارس : إن لم تبتعدي سنعذبكِ معهُ. سامر : اذهبي يا منى لأجلهِ . فهمت منى أن سامر يقصد طفلهما، فابتعدت، ضلت الأسواط تضربهُ من جميعِ الجهات والثعبانُ يلسعهُ في كل مكانٍ. كانَ سامرٌ راضٍ بهذا العذاب ليشعرَ بالألم الذي شعرت بهِ منى، لم يكن يصرخ كانت أهاتِ صراخهِ تصيحُ في قلبه طلباً لغفرانٍ من منى، كان لا يريدُ غفرانٌ يوقفَ هذا العذاب، كان يريدُ غفرانَ محبةٍ منها. إستمرَّ الحراسُ بضربهِ بالأسواطِ، والدماءُ تنزفُ من جسدهِ، وماتَ الثعبانُ على جسدهِ المبرح بضربِ، قال الحارس : يكفي، تعالي إلى هنا أيتها الفتاة. اقتربت منه منى، قائلة : نعم. الحارس : أتريدنَّ العفوَ عنهُ أم شنقهُ ؟ منى : العفو العفو يا سادة. هنيئاً لكِ يا أهاتي المتألمة صكُّ غفرانَ الحبيبةِ، تعالي يا بردَ النار، تعالي كما السلامُ إلى قلبي حيثُ موطنكِ، حيثُ مملكتكِ الكبيرة. غادرَ الحراسُ والحضور المكان، وأسرعت منى نحوَ سامر، فكت الحبلَ عن عنقهِ وعن يديهِ، طُرِحَ أرضاً، فأصبحت تبحثُ عن الماء وجدت وعاءً بهِ ماء، فقامت بغسلِ وجهِ، إلى أن عادَ لوعيهِ. سامر : منى أتمنى أن غفرتي لي. منى : ساعدني يا سامر لأنهضك، يجب علينا الذهابُ للمنزلِ. سامر : سأذهب معكِ للمنزل إذا سمعتُ منكِ الغفران، وإلا سأبقى هنا هكذا. منى : ولكنكَ سمعتني حينَ قلتُ للحراسِ العفو العفو يا سادة. سامر : ربما رقَّ قلبكِ على حالي فقلتِ العفو. منى : لا أنا غفرتُ لك خطيئتُكَ، أنتَ أصلحتَ كلَ شيءٍ بثلاثِ أمور. سامر : ما هي ؟ منى : حينَ علمتُ أنَّ بأحشائي طفل أدركتُ أن هذا عوضٌ من الله عن فقدِ سليم وعائلتي، وحينَ قبلتَ الزواجَ مني وكانَ باستطاعتِكَ رفض الزواج وإنكارُ الطفل، أما الثالثة فأنت الآن تمرُ بنفسِ الألم الذي مررتُ بهِ، لذا أنا غفرتُ لكَ. سامر : كم أنتِ عظيمةٌ وطيبةٌ يا منى. ساعدت منى سامر على النهوض، طلبت منهُ أن يستَنِدَ على كتفها، فاستندَ سامر على كتفها الضعيف، وأثناءِ سيرهما فجأةً توقفت منى عن السير. سامر : ما بكِ ؟ منى : أشعر بحركةِ طفلنا. سامر : كيفَ هذا ؟ منى : ضع يدكَ على بطني. وضعَ سامر يدهُ على بطنِ منى وشعرَ بحركةِ طفلهما، فابتسمت منى، قائلة : هل شعرتَ بهِ؟ سامر : نعم إنهُ يتحركُ بقوةٍ.