تاريخ الفلك/كوكب الزهرة بين الشمس والأرض!

« كتاب تاريخ الفلك
كوكب الزهرة بين الشمس والأرض!
»
مريخ كواكب فيما وراء الشمس

حدث غير مسبوق منذ 122 عاما شد انتباه علماء الفلك في كل العالم، وهو مرور كوكب الزهرة في مداره بين الشمس والأرض، وتمكَّن الكثيرون في معظم أنحاء العالم من مشاهدته - ماعدا سكان غرب الولايات المتحدة - وهو يبدو يتهادى كبقعةٍ سوداء فوق وجه الشمس من اليسار لليمين. وعبور كوكب الزهرة في هذا المجال يتم مرتين كل قرن تقريباً، بينهما 8 سنوات عندما تصبح الشمس والزهرة والأرض على خط واحد. وآخر مرتين (حتى وقتٍ حديث) كانتا عام 1874 و1882، وهذا الاقتران ساعد وقتها علماء الفلك في حساب المسافة بين الأرض والشمس، وحدث ذلك مجدداً في عامي 2004 و2012، لكنه لن يتكرَّر حتى قرنٍ ونصف من الآن. وتعتبر حادثة العام الماضي ثامن عبورٍ للزهرة في العصر التلسكوبي، حيث تمكن العلماء من رؤيته في أعوام 1631 و1639 و1761 و1769 و1874 و1882 و2004 و2012.

صورة لمراحل عبور الزهرة الأولى عام 2012، ملتقطة من مدينة عمَّان عاصمة الأردن، من قبل الجمعية الفلكية الأردنية.

وفي مدينة نيويورك قام متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي بوضع تلسكوبات عديدة في الحديقة المركزية، مكنت آلاف المواطنين من رؤية هذا الحدث التاريخي، حيث تقع الشمس بعد طلوعها على شاشة بيضاء فيمكن للمئات رؤية الزهرة وهو يمر كبقعة سوداء، كما وُزِّعت على البعض نظارات شمسية ترشح ضوء الشمس المتوهج حتى لا تضرَّ العين وتحجب رؤية الزهرة. وكان علماء الفلك قد أصدروا تحذيراتٍ بعدم التطلع لوجه الشمس مباشرة بالعين المجردة أو التلسكوبات العادية لرؤية هذه الظاهرة مباشرة، لأن الشمس بها أشعة تضرُّ بشبكية العين كالأشعة دون الحمراء التي تحرق الشبكية الرقيقة عندما تقع عليها، ولا نحس بألم، ويمكن أن نصاب بالعمى. والأشعة فوق البنفسجية التي تصيب العين تسبب الكالراكت (عتمة العين). لهذا لا يجب النظر إلى الشمس مباشرة بالنظارات أو التلسكوبات أو كاميرات التصوير التي تجمع أشعة كثيرة أو بالعين المجردة، ولكن من خلال تلسكوبات خاصة بها مرشحات لضوء الشمس. وقد شوهد هذا الحدث التاريخي من أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، حيث استغرق العبور بالكامل مدة 6 ساعات و12 دقيقة، بينما كان الجزء الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة وكندا قد رأى نهاية الحدث. وفي الهند نصبت التلسكوبات الخاصة في مدينة بتاني لرؤية هذه الظاهرة على أيدي المواطنين، وفي جزر الكناري وُضِعَ تلسكوبان لقياس المسافة بين الشمس والأرض، لكن لم يتوقع حدوث تغير ملحوظٍ في البيانات الحالية عن هذه المسافة، وفي كوبنهاغن بالدنمارك أقيم 20 تلسكوباً لتسجيل هذا الحدث. في بريطانيا، اصطفَّت الجماهير في طوابيرٍ منذ السادسة صباحاً بتوقيت جرينتش لمشاهدة الحدث من خلال تلسكوبات المرصد الملكي بجنوب شرق لندن. وفي اليابان وتايلاند وهونج كونج حالت الأمطار والغيوم دون رؤية هذه الظاهرة هناك، وكذلك في ماليزيا وباكستان والهند وبعض بلدان العالم العربي. وفي الجزء الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية وزعت النظارات الخاصة لمشاهدة اللحظات الأخيرة من هذه الزيارة، ففي بوسطن اصطفَّ 500 شخص ليأخذوا دورهم في المشاهدة من خلال تلسكوب فوق مركز الفيزياء الفلكية بهارفارد.

ويعتبر عبور الزهرة حدثاً نادراً، لأنه لم يره من قبل أحد الأحياء حالياً حتى عبوري عامي 2004 و2012، فآخر مرة عبر كوكب الزهرة كانت عام 1882. ومن أسباب ندرة هذا الحدث أن الأرض والزهرة لا يقعان على مستوى واحد، ولكن حدوث عبور الزهرة يتطلب أن تقع الشمس والزهرة والأرض جميعاً على خط واحد. والزهرة (venus) مكان غير مستحب للحياة، به رياح شديدة ومرتفع الحرارة. وكوكب الزهرة في مثل حجم الأرض تقريباً، لهذا يُطلَق عليه أخت الأرض، حيث أنهما متقاربان جداً بوزنهما، فلو كان وزنك 70 كيلوجراماً على الأرض سيكون هناك 63 كيلوجراماً. وتغطيه سحب كثيفة تخفي سطحه عن الرؤية، وتحتفظ بكميات هائلة من حرارة الشمس داخله. ويعتبر كوكب الزهرة أسخن كواكب المجموعة الشمسية. وهذا الكوكب يشبه الأرض في البراكين والزلازل البركانية النشطة والجبال والوديان، والاختلاف الأساسي بينهما أن جوه حارٌّ جداً بحيث لا يسمح بوجود الحياة فوقه، كما أنه لا يوجد له قمر تابع كما للأرض. متوسط حرارته: 449ْ مئوية. جوه به ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين.