النقد البنيوي/تحليل الفن
بقلم د. محسن عطيه
تنظرالبنيوية (النقد البنيوى) إلى االعمل الفنى على أساس أنه بنية الأساسية الثابتة. والنظرية البنيوية هي نهج لتحليل الفن من خلال فحص البنية. على سبيل المثال من الممكن أن ينظر إلى فنان مثل "بابلو بيكاسو" على اعتبار أنه لم يرسم أى شىء جديد، لأن لوحاته تتبع نفس "بنية" ليوتادردو أو "فيلاسكيز" وتشتمل على القوى المعارضة " نفسها .أى أن بنية لوحة "بيكاسو" هي "انعكاس" لبنية لوحة "فيلاسكيز". وبغض النظرعن التفاصيل فإن الأساليب التى تم تطويرها لدراسة. وكانت رسوم "بيكاسو" في مرحلته" التكعيبية تتارجح بين صفتين أسلوبيتين متناقضتين: التهذيب/التشويه، فخلفيته الكلاسيكية وراء نزعته التهذيبية، أما ميله لجمالية الفن الأفريقى، كطوطم لطرد الأرواح الشريرة، فهو مصدر قوة السحرالبدائى الذى منحة إمكاناته الإبتكارية. وتتشكل بنية لوحات الصور الشخصية لصديقته "دورا مار" من نسق من الثنائيات المتناقضة مثل: الذكورة/الأنوثة,التهذيب /التشويه. ويشهد اهتمام "بيكاسو" بالشعرعلى مدى حياته، استعاراته من قصائد الشعراء، مثلما رسم بإيحاء من أفكار فنانين آخرين. وأما المرأة فقد احتلت مكانتها في فنه، ضمن سياق أوربى جنوبى يسمو بالمرأة إلى حد المقدس. وتتيح البنيوية عن طريق "التحليل البنيوى" الكشف عن العلاقة بين نظام الأشكال في مقابل نظام المعانى. وينتج المعنى هكذا من العلاقة البنيوية داخل عمل معين. أى أن البنية نظام للعلاقات الكامنة،يكشف عنها بالتحليل. حيث يميل "التحليل الموضوعى" تلقائيًا إلى اتخاذ تركيب هيكلى يتم فيه تجميع الموضوعات المختلفة في شبكات، من أجل استخلاص معناها الكامل من مكانها ووظيفتها في نظام العمل. وبطريقة خاصة، تجرى نوعًا من الاختزال الداخلى، من أجل الوصول إلى بنيته الجوهرية، وبالتأكيد ليس فحصًا سطحيًا، ولكن نوعًا من الاختراق الإشعاعى. ويلاحظ العلاقة بين البنيوية والتأويل أيضًا. فإن العلاقة التي تربط البنيوية والتأويل علاقة تكاملية: حيث يتحدث النقد التأويلي بلغة افتراض المعنى يعيد البناء الواضح .أى أن الفكرة البنيوية هى اتباع الفن في تطوره الشامل. وكانت قد ركزت البنيوية التى ظهرت كإتجاه في الخمسينيات من القرن على كيفية تحديد السلوك البشرى من خلال الهياكل الثقافية والاجتماعية والنفسية. بمحاولة تقديم نهج واحد موحد للحياة البشرية التى من شأنها أن تحتضن جميع التخصصات. البنيوية طريقة لإدراك العالم من حيث الهياكل. اعتقادا بأن في عدم القدرة على فهم الأشياء بمعزل عن غيرها، وإنما ينبغى رؤيتها في سياق الهيكل الأكبر الذى هى جزء منه. على سبيل المثال، يتطلب التحليل البنيوى للوحة " ليلة مرصعة بالنجوم " للرسام "فان جوخ" مزيدًا من التركيز على نوع " المناظر الطبيعية"، ومفهوم اللرسم كتعبير عن المشاعر القلقة ، وما إلى ذلك للتوصل للعلاقة المتبادلة بين "الوحدات وطريقة تجميعها في ترتيب ما معًا لخلق معنى ، بدلاً من الوصف الدقيق للعناصر الشكلية في اللوحة. عندما رسم الفنان الهولندى "فينسنت فان جوخ 1853- 1890) لوحة"ليلة مرصعة بالنجوم"(1889) بأسلوب متميزعن الإنطباعية، حيث بدت سماء الليل الممتلئة بالغيوم الدوارة والنجوم المتناثرة المتلألئة مع هلال القمر الساطعو شجرة سرو مرسومة بخطوط انسيابية تعزز الطابع الانسيابى وتحقق سهولة الرؤية. في تناقض مع هدوء القرية المرسومة بألوان داكنة ،كنقاط جذب لعين المشاهد وسط، ذات تكوين غير عادى يقترب من الأسلوب السريالى المنمقة، حيث الثنائية المتناقضة على نحو درامى بين التأثير القوى لصخب السماء في مقابل المدينة الهادئة. والاستخدام غير المألوف للألوان والتاثير الحلزونى يجذب العين نحوا السماءالتى تخلق مع الخطوط الرأسية لشجرة السرو وبرج الكنيسة علاقة متناقضة . وقد استخدمت الألوان في هذه اللوحة للتعبير عن المشاعر. وقد رسم الفنان بأسلوبه معادلاً بصريا تمثيلاً رمزيا لفكرة التناقض بين الحياة والموت ، بنجوم مضيئة وقرية قاتمة ومسالمة. القوة الهائلة للطبيعة في مقابل الإنسان .وتجاور النور والظلام، بينما السطوع أكثر من الظلا. ورغم والروح المضطربة والعقل محاصر للغاية، يقابلها شكل الدوامات الصارخة والجذابة ، التى تشبع في اللوحةإحساساً بالحركة والطاقة. وبتأرجح أنماط الانحناء المتكررة من المنظر الطبيعى إلى السماء ثم تعود مرة أخرى ، لتربط الصورة معًا بقوة فرشاة هذا الفنان وإرادته.
هكذا يعتمد التحليل النقدى البنيوى على اكتشاف الثنائيات المتناقضة، ليل/ نهار، سكون/ ضوضاء، طبيعة/إنسان، الأرض/ السماء، عقل/عاطفة، حضور/ غياب..إلخ، حيث يمكن تعريف كل شق من الثنائية فقط من حيث نقيضه الذاتية والحضور. وفى عالم الفن جميع العلامات هى بنيات ثقافية اتخذت معناها من خلال الاستخدام الجماعى المتكرر.وتهدف البنيوية استعادة المحتوى الروحى للعالم المجزأ المغترب الذي تحكمه العلموية والتجريبية والتكنولوجيا. كذلك تفهم البنيوية االفن باستخدام الاستعارة، كنظام أو بنية تحدد نفسها من حيث ذاتها. فلا توجد لغة "وراء" لغة العمل الفنى، والمعنى موجود كمجموعة من التراكيب. وهذا النهج يختلف هجومًا على الرأى الذى يدعى أن "جوهر" الفن هو "الواقع"، الذى يقع وراء عالم "المظهر".
وعندما لا توجود حقيقة مخفية وراء السطح يصبح العمل الفنى متاحًا للجميع. كما أن تحليل بنية العمل يتطلب تحليل التفاصيل ، لإظهار كيفية تفاعل كل جزء مع الأجزاء الأخرى. ولم يكن كافيًا تحديد "جوهر" وتجاهل جميع الجوانب الأخرى. وأن لـ"اللاوعى" دور رئيسى النقد البنيوى حيث لم يعد فهم "الأنا" على أساس أنها مركزية وإنما مشتتة ومجزأة. وأن الحقيقة ليست شيئًا "نكتشفه" ، بل هى هيكل يخترعه المجتمع. وإذا كانت" الأيقونة "تعتبر رمزا. ولذلك وتمثل لوحة"احتفال ليلى"(1921)الفردوس الذى يتصوره الفنان بحدسه، ومن خلال العودة لفترة ما قبل الوعى . يجسد فكرة خلق النظام من فوضى التحلل. وتجسد لوحات "كلى" الصراع في ثنائية الفوضى /النظام ، أو التجريد /الواقع. ويستخدم الفنان المجال الواسع من الوسائط كمولدات مذهلة للتقنيات المختلفة المبتكرة، بالإضافة إلى الخطوط الجريئة والألوان الخافتة.
ويبدو "المنظرالطبيعى" في لوحة "تزهير"(2017) وكأن حياة الفنان"محسن عطيه" قد نفذت عبرأشجاره وأزهاره وعشبه. بل وكأن هذا الفنان قد ابتهج بالإحساس بمثل هذه المشاعر، وقد يكون قد ابتدعها عندما لم يعثرعليها. لقد تحولت الطبيعة في الرسم هكذا إلى كائن يحس ويحلم ويتألم. أما المعانى فتدرك هنا عن طريق التداعى، أى باستدعاء الذكريات، حيث يكون الذهن في حالة ذوبان، وممتلئا بالعديد من "الحالات الانفعالية" و"المواقف الوجدانية" القابلة للاستثارة. ومن البديهى أن سر جاذبية أى عمل فنى لا يرجع إلى الإعجاب بمهارات النسخ "الفوتوغرافى " لصورة الواقع، لأن الفن ليس مجرد تسجيل لما تراه العين بتفاصيله، وإنما هو رؤية بأسلوب الفنان، وتبعاً للشروط التقنية التى تتطلبها وسائط العرض، وبطريقة غيرمستهلكة أو شائعة. والفنان حر في اختياراته من بين الاحتمالات الشكلية أو"المفاهيمية" وحر في أن يستبدل عنصر بآخر، وأن يجرى "التشبيهات المجازية" وأن يختزل أو يبالغ كيفما يشاء، بل وأن يعيد صياغة "الظاهرة الفنية" برمتها ليتوصل إلى الجمال المدهش وغير التقليدى. وليس من الحكمة التعامل مع الأسلوب بعقلية مقيدة بحدود "الفهم والمنطق" إنما "البداهة "هى سيدة الموقف، إذا تعلق الأمر بمسائل " خيالية " أو "عاطفية"أو "رمزية"أو "مجازية". فإن"عالم الفن"هو "الخيال" و"العاطفة" و " الرمز". لقد اختزل "محسن عطيه" في لوحة"تزهير "منظراً طبيعياً، فتحولت عناصره إلى شفرات وصيغ لونية وشكلية، في علاقات أولية متآلفة. وتصبح اللوحة في حالة توازن معلق بين التوتر والسكون، ولا يكون لأى جزء من اللوحة معنى إلا في إطار الكل، إذ استعمل الفنان الألوان وكأنها نغمات. ويلبى نداء العاطفة في حالة نقائها ،غير متقيد بشرط التمثيل الوصفى وصفية لموجودات العالم المرئى، ومتحررا من سيطرة الإرادة، ليتوصل إلى حالة الصفاء. ويفترض جذب المشاهد محو الاتحاد الصوفى مع العمل، محرراً نفسه من أنانية التمركز حول الذات. والفنان بهذه الطريقة يستجيب مباشرة للعنصرالداخلى المتمثل في القوى الروحية والعاطفية محولاً إياها إلى ألوان. وتشتمل على اللوحة على رموز غامضة. تشكل ثنائيات متعارضة مثل : البساطة في مقايل التعقيد، أو الوضوح في مقابل الغموض. وتنتقل الخطوط في تنوعها من نسق إيقاعى إلى آخر.
وتظهر بنية العمل الفنى أكثر إقناعاً كلما بدت أكثر بساطة وأكثر دلالة على الجاذبية الجمالية . ووفقاً للمفهوم البنيوى تتألف "البنية لفنية" من مجموعة من الظواهر المتماسكة في وحدة شكلية، أو من تصميم كلى ونسق يفسرالعمليات التى تجرى في التركيب الكلى لعلاقاته، لأن لكل نسق قوانينه الخاصة والمتميزة. وبتقنية "الحقل اللونى" يغرق الفنان سطح لوحاته بأكمله بتعبيرحرأكثر رحابة، واعتماداً على الحساسية والبداهة الإبداعية، فيندمج الشكل مع اللون في اللوحة، من خلال تداخل يطمس الفروق المكانية. ويبدو الشكل في هذه الحالة وكأنه يغرق في اللون المحيط. وبهذه "التقنية الارتجالية"، يتحررالفنان من السرد.ويضيف "التوليف"بين العناصر والخامات المجمعة من مصادر مختلفة، بل متناقضة ومتنافرة التى نفذت بها لوحة "لست وحيداً"(2015) جمالاً من نوع خاص، يبتهج برؤية الأشياء العادية والشائعة، مما يصادف في الحياة اليومية، وقد تحولت لصور فنية مدهشة، بقدرحيويتها ونضارة فكرتها، وهى تتحررمن قيود الأطرالتقليدية، وتستثيرالمشاهد ليعيد تقييمه لمسائل جمالية، ويجدد موقفه منها، مثل الموقف التقليدىالمناهض للصدفة، رغم أهميتها في إحداث الانتقالات المفاجئة، في تحول الشئ الشائع إلى صورة جذابة. ويمكن تناول موضوع لوحة " لست وحيداً " على أساس أنه البديل المجازى لموضوع "الجسد الإنسانى" الذى ظل رئيسياً في الفن على مرالعصور لملاءمته للتعبيرعن المشاعر والأفكار، وذلك إذا ما سمح بقدر من التخيل للتزود بالاستعارات والتصورات الماورائية، وبشئ من الجسارة، وبالتحرر من سلطة القوالب الجاهزة للرؤية. أما التقنية التى تقوم على التوليف بين عناصرمجلوبة من مصادرمختلفة، وأحياناً متناقضة، فمن شأنها أن تخلق جمالاً خاصاً، يتمثل في الابتهاج بإعادة رؤية الأشياء العادية والشائعة، وتحويلها إلى صورفنية مدهشة، بقدرحيويتها ونضارة فكرتها، وبإعادة تقييمها كمسائل جمالية. وبفضل سعة خيال الفنان الذى يستعين بأساليب التورية والاستعارة والتمويه، يستطيع التنقل بمرونة من عالم للصور إلى عالم صورى آخر. ومن المتوقع أن يعثر المشاهد هناعلى إشارات ذات دلالة مزدوجة، أما الغموض الناتج عن إزدواجية دلالتها فله جماله. ومن منطلق رومانسى أوتعبيرى، يصبح موضوع العمل الفنى ذريعة لرصد صدق الإحساس والحالة المزاجية الخاصة. ووراء تجاوزالهيمنة العقلية، وتجاوز"المنطق الذكورى" رغبة في التحررمن الكبت الجسدى والعاطفى،حينئذ سوف يصبح ممكناً الإعلاء من تقدير"الارتجال" الذى بوسعه توليد شئ جديد. إذ أن الأسلوب الارتجالى يسمح بتسرب "الاستعارات" المجلوبة من مصادر خاصة جداً بعالم الفنان، إلى عالم العمل الفنى. وسوف ينصب الاهتمام حينئذ نحو فهم الأشياء الأكثرشيوعاً لتستكشف معانيها، بالقدرالذى يشبع الحاجات الجسدية (الحسية - الغريزية). ومع نثر المكونات التركيبية للآلة الموسيقية (الجيتار) في هذه اللوحة تذوب المعالم، ويتحول الموضوع إلى نمط فنى من الخطوط والدوائر، وشفرات عاطفية قلقة بين مرح وشجن، فتستدعى إشارات إنسانية (أنثوية) تتحدى أساليب قمع القوالب النمطية، إضافة إلى تلبية الدافع الخالص للرسم. ومنذ أوائل القرن العشرين ، بدأ العديد من الفنانين بشكل متزايد في دمج الأشياء اليومية في لوحاتهم ومنحوتاتهم ، مما أدى إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الفن والحياة. بدءًا من الأنماط ، ابتكر الفنانون الطليعيون مجموعات ثلاثية الأبعاد ومختلطة الوسائط شككت في تعريف الفن الشائع، باستخدام النفايات والخردة. ويستخدم مصطلح "التجميع" لهذا الشكل الفنى الهجين ، أما مصطلح التراكم فإنه انطلق في النصف الثانى من القرن العشرين.
ويمثل العمل الفنى "التجميعى/التوليفى" منفذاً للبوح، يكسرحاجز الصمت والقلق الخانق. والمعنى نفسه يعثرعلى ترديد له فيما تعانى منه المرأة من كبت، نتيجة حصرها في حدود ضيقة. كذلك يعكس موضوع نثرمكونات آلة "الجيتار" وإعادة تركيبها " تجربة نفسية " لها خصوصيتها. فمن جانب تمثل تجربة "حب"ومن آخر تمثل تجربة شجن. ومع اكتشاف التشابه بين"الجيتار" وجسد المرأة، أصبحت الأشكال الدائرية والبيضاوية المتداخلة في تركيب اللوحة، مع الألوان الوردية أوالحمراء أوالصفراء أوالبيضاء، موضوعات متعلقة بجسدها. وبالتهجين بين الفن والحرفة، لاستعادة سعادة البشر، ولتعزيز مبدأ التعايش بين ما يطلبه "العقل" وما تطلبه "العاطفة" دون هيمنة من جانب على آخر، إذا ما أردنا إدراك الحقيقة والتعبيرعنها في ضوء " اللاتراتبية الهرمية التقليدية". وقد يكون وراء استخدام الأساليب "الهجينية" في العمل الفنى دافع الشك في قدرة الأنساق السائدة على استيعاب الحقائق المعاصرة. والشكل الهجينى للعمل الفنى، يعطى المشروعية للاقتباس أو يعيد تجزيئ الأساليب والتقنيات القديمة أوالمستعارة من المنتجات الحرفية الشعبية، ليرتقى بها إلى مستوى التعبيرالأكثر طبيعية. وتنثرلوحة "لست وحيدا" وتعيد تجميع عناصر وأشياءغاية في الخصوصة، تقبل العديد من التفسيرات التى تطفوعلى السطح، ولا يستثنى من ذلك التأثيرات الجمالية، أوالنبرات الساخرة، أو أساليب السرد التى تستعرض السيرالذاتية، أو تمارس أنشطة من الحياة اليومية بعفوية، وبلا تكلف. وفى كل الحالات لا تتقيد مثل هذه الممارسات بقواعد التمثيل المحاكى التقليدى، لأنها فقط تشبع الميل للتشوق إلى ممارسة التحديق. وقد منحت صورة "الجيتار" اقترانات أنثوية، تسمح بإعادة التفسيرفى صور مختلفة تمثل استهلاكاً للذكور. ومن هنا سمح أسلوب الرسم بالتحررمن الهيمنة، بقدراستطاعة الفنان طمس الحدود الفاصلة بين الفن والحياة، وبين الفن والحرفة، أو بين الرسم والزخرفة، لأن الحدود الفاصلة تدل على "اللامساواة" أو على إقصاء الشكل المختلف الذى يمثل الآخر. هكذا يخترق العمل الفنى القواعد إلا قاعدة والمراوغة ، كما أنه بحتفل بفكرة الحرية مثلما يحتفل بالوجود. لقد تطورت تقنية التلصيق، حيث التقت قى حقلها العناصرغير المتوقعة بطريقة قلبت التعبيرالفنى بعنف، إذ جمعت لوحة " لست وحيداً"بين المتناقضين - الخيالى والواقعى.فكان”محسن عطيه“ يلصق على سطح اللوحة الأشياء المجلوبة من عوالم محتلفة، ثم يضيف إليها الخطوط والألوان لاستكمال التصميم. حيث يحل التلصيق مسألة التناقض بين الواقع المرسوم والواقع الحقيقى، ويقدم معادلاً للهجوم على مبدأ الإيهام الذى اتبعته الكلاسيكية في شكل بنية من شقين: الواقع/ما فوق الواقع، أو الحقيقى/المرسوم. وكانت اللوحة التجريدية تمثل عودة للنموذج الأسطورى للبنية التصويرية، فاقتحمت عالم الخرافة وعالم الفن المجرد. لقد طرحت هذه اللوحة التوليفية الإشكالية البنيوية والسيميائية.مثلما قدمت "الدادية" المفاهيم الجمالية للبنيوية.
ومنذ أن ارتقت منتجات المصممين في "الباوهاوس "(المدرسة الفنية التى نشأت في ألمانيا وكانت مهمتها الدمج بين الحرفة والفنون التشكيلية كالرسم و النحت والعمارة) Bauhaus إلى مستوى الفن تآكلت في الفن الحديث الفروق بين التحف الفنية والأشياء في الحياة اليومية، بدلاً من تشييد الجدار الفاصل بين الفن والشىء. إذ أن المبالغة في التمييز بين الثقافة والطبيعة أدت إلى تهميش الطبيعة في مقابل الثقافة. وفى كل الأحوال فإن تحول الأشياء إلى صور ذهنية أو باطنية وخالية، لا يقضى على طابعها الشيئى, لأن الصور تظل في حالة توليفية، كتجميعات من الأشياء والمعان. وسوف يتحول الشىء إلى عمل فنى بسبب تغيرمكانه الذى حدده قانون عالم الأشياء.وحينما يصبح الفن أكثر من مجرد تمثيل لظاهرة، وإنما هو الظاهرة ذاتها أى الحقيقة. حيث يحتفل الفن بالحياة بعبثها وبكل تناقضاتها كظاهرة فنية، سوف يسمح دور الفنان فيها لقوى الحياة /الطبيعة من خلالها لتتدفق. وكان " قسطنطين برانكوزى" C.brancusi (1876-1957) قد ركز في منحوتاته ذات الكتل الدائرية والنزعة التصوفية، على المظاهر الساحرة الغامضة. وتدعو هذه المنحوتات الحجرية والبرونزية التى تتسم بنقاء ونعومة فريدتين للاستغراق في التأمل. إنها تشكل وحدة كاملة متماسكة، كل جزء فيها يعتمد على علاقته بالمغزى الكلى. ويتناول التحليل البنيوى منحوتاته كنظام يتألف من علامات ، حيث تشمل المنحوتة بنية أسطورية- بدائية، تدعمها الخلفية البدائية لـ"برانكوزى" في رومانيا، التى اندمجت مع منجزات الطليعة الفرنسية. وتحولت منحوتات الفنان إلى كائنات أسطورية ذات مغزى كثيف . لقد استمد "برانكوزى" مفهوم الحدس كسبيل للإبداع من أفكار "برجسون" والعلاقة المزدوجة - التبادلية مثل: الوعى /اللاوعى والمادى /الروحى . إن شكل المنحوتة ومضمونها كلاهما مجازى واستعارى . وقد حمل الفنان هنا سياقاته أزواجا من المتناقضات التى تشكل معا وحدة مثل: المذكر/المؤنث، أو الإنسان/الحيوان، أو لمقدس/المدنس، أو السماوى/الدنيوى.
______________________________________________________________________________-