الكون الأعظم/تمهيد
علوم الفلك من العلوم التي يسهل فهمها والتوغل فيها، لأن الكون وأفلاكه أقل تعقيداً من خلية حية بجسم الإنسان أو الحيوان، رغم تناهي حجمها وتعاظم كوننا. وذلك لأن دراسة أفلاك الكون تعتمد على بديهات نتصورها أو نشاهدها، وتعتمد على الاستنتاج المنطقي، ولا سيما ولو كان تفكيرنا يعتمد في معظمه على الفيزياء وقوانينها. وهذا ما جعلها علماً أساسياً في الفيزياء الفلكية. ففي الفلك الحديث أصبحت للفلك والفيزياء صلة وثيقة ببعضهما، مما جعل الفلكيين يتصورون السماء رغم أن الجو المحيط بالأرض يعتبر حاجباً لرؤيتهم، فبدونه يمكنهم استقبال كل الإشارات من أقصى أرجاء الكون، بما فيه من جسيمات وموجات كهرومغناطيسية وافدة بكل أطيافه سواء أكانت أشعة جاما أو موجات راديوية. إلا أن دراسة هذه الموجات الإشعاعية تنطوي ضمن علم الفيزياء.
لهذا نجد أن الفيزياء الكونية قد توصلت إلي قوانين جديدة في الطبيعة . وفي الفزياء الفلكية اتخذ علماؤها السنة الضوئية كوحدة قياسية . واعتبروا السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة وبسرعة 300ألف كم / ثانية. ولنتصور مقدار السنة الضوئية.فنجد أن الضوء يعبر من حافة المجموعة الشمسية إلي الجهة المقابلة خلال نصف يوم . وبصفة عامة يتعرف علماؤنا علي كوننا من خلال القوانبن الرياضية وعن طريق الإشعاعات الكهرومغناطيسية ( الضوء). فالضوء الذي نراه فهو إما في شكل موجات راديوية أو أشعة دون حمراء أو أشعة منظورة أو اشعة فوق بنفسجية أو أشعة (x) أو أشعة جاما .فالمادة التي تنبعث منها هذه الموجات أو الإشعاعات هي مادة مضيئة تري بصرياأو تتحسس بأجهزة خاصة فيمكن تصويرها أو جسها .
وتعتبر الإشعاعات الحرارية خاصية كونية لكل الأجرام والأجسام بالكون. لأن كل شيء يشع حرارة مهما كانت درجة حرارة الوسط الذي يوجد به . وسواء أكانت الحرارة بدءا من الصفر المطلق وحتي درجات حرارية أعلي . وتتولد الإشعاعات الحرارية من إرتطامات الجسيمات بالمادة نتيجة للحركة الحرارية مما يجعل الجسم يشع موجات ضوئية .
وتنتقل الحرارة بثلاثة طرق وهي عن طريق الاتصال الحراري المباشر (الملامسة) والنقل عن طريق الحمل الحراري وبث الإشعاعات الحرارية . وكل حيوان موجود لابد وأن يكون مصدر إشعاع حراري .والحمل الحراري لابد من وجود مادة حيث يزداد حجمها بالحرارة ويتقلص بالبرودة . كما أن الحمل الحراري لايتم في خواء مفرغ من المادة ويعتبر حدوثه مستحيلا . ويتم طبعا في السوائل عندما تسخن فتخف جزيئاتها فتعلو ولماتبرد تهبط . ونظرية الحمل الحراري من النظريات الشائعة في علم الفيزياء .
وينظر العلماء للكون من خلال تلسكوباتهم و يشاهدونه من خلال المعادلات الرياضية التي تصيغ تصورهم له. فإينشتين لم يكن عالم فلك ولكنه كان عالم رياضيات وضع تصورا للكون في المكان والزمان من خلال معادلاته في نظرية النسبية . فقلب مفهوم العلماء حول الكون رأسا علي عقب بما فيهم نيوتن ومن سبقوا إينشتين نفسه .
ولما كان الكون حديثا كان كونا بسيطا وبلا شكل . لكن حاليا نجد المجرات بها بلا يين النجوم والمجرات تشكلت في عناقيد وكل هذه التشكيلات الكونية سببها الجاذبية التي تصدر عن كل مواد الكون . رغم أن معظم مادة الكون خفية في الفضاء وبين المجرات .ولم تقدر كتلة هذه المادة التي يطلق عليها المادة المظلمة ولم يتعرف علي طبيعتها لأن العلماء ظلوا سنين عديدة قضوها في البحث عن هذه المادة المظلمة واعتبروها كتلة مفتقدة بالكون رغم تعاظمها بشكل بين .لأن الكون نراه أبيض وأسود ومايري هو المادة المضيئة والتي تشكل 10%من مادة الكون و90% الباقية غير مضيئة بل مظلمة لأنها مادة خفية .لهذا نجد أن الضوء يلعب دورا أساسيا في رؤيتنا للكون المنظور .
وكان الكون عند بدايته في أعقاب الانفجار الكبير أكثر انكماشاً وسخونة وكثافة، وكانت الفوتونات كموجات إشعاع صادرة عن المجرات الوليدة أقصر طولاً عمَّا هي عليه الآن. وكانت هذه المجرات متقاربة جداً وشبه متلامسة فيما بينها. لأنها في البدء لم تكن أجراماً مستقلة بعد، فالكون وقتها كان عبارة عن وسط غازي موحد النسق ومتجانس في كل أجزائه.
والكون في أعقاب الانفجار الكبير كان يتمدد بسرعة، مما يجعلنا نطلق عليه الكون المتسع. فأخذ يتضخم بسبب القوى التنافرية الهائلة التي أسفر عنها هذا التمدد السريع للكون حسب نظرية (هبل) الذي اعتبره يتمدد من داخله وشبهه بالبالونة التي تتسع للخارج عند انتفاخها داخل إطار حيزها الخارجي. وتبنى (هبل) فكرة تباعد الكون ولاسيما المجرات التي تبعد عن مجرتنا (درب التبانة) لأن هذه المجرات تتباعد عنا بمعدل سرعة تتناسب مع المسافة بيننا وبينها.
ونظرية الكون المتسع تبين أننا محاطون بعوالم المجرات التي تتسابق فيما بينها للهروب بعيدا إلى ما لا نهاية. لكن ثمة علماء عارضوا فيما بينهم نظرية (هبل) حول تمدد الكون. وقالوا أن الكون في حالة إنكماش كلي . لأن أي جرم فيه ينجذب إلي الأجرام الأخرى حسب قانون الجاذبية لنيوتن. كما يقال أيضاً.. أن الكون يتمدد حاليا على حافة سكين . فإما أن ينكمش أو ينتشر في الفضاء . ولانعرف حتي الآن أي اتجاه سيتجه فيه أو أي وجهة سيتجه إليها. هل سيتجه إلي الإنكماش والتقلص ليصل إلي حالة الإنسحاق الكبير أو الموت الحراري ؟. وهذا سيحدد بلا شك المصير الحتمي والحتفي للكون. لكن الكون علي حد نظرية (هبل ) مازال يتجه سريعا نسبيا في تمدده. وفي حالتي الإنسحاق الكبير أو التناثر بالفضاء فإن الحياة لن تكون.
و الضوء إلى وقت قريب وحسب نظرية إينشتين .. كان يعتبر سرعته في الفضاء هي السرعة القصوي بالكون. لكن فرضية تفوق سرعة التكيونات (Tachyons)علي سرعة الضوء سوف تغير مفهومنا عن الكون مما سيجعلنا ننظر إليه حسب مفاهيم أخرى. لأن الإضاءة في الكون تفسر لنا كيفية تكوين المجرات والتعرف علي الطبيعة. عكس المادة المظلمة الأولية التي تعتبر أشبه بالحفائر فوق الأرض والتي من خلالها دون الإنسان تاريخها ومراحل تطورها في الزمن الجيولوجي. وهذه الجسيمات الأولية قد تولدت في فجر الزمن . وقد تفصح عن ألغاز أصل الكون. فلوكانت هذه الجسيمات موجودة فتعتبر أقدم الجسيمات المستقرة في الكون، ويخمن العلماء أنها تشمل معظم كتلة المادة المظلمة المفتقدة.