الفن كدعابة
بقلم: د. محسن عطيه
مقدمة:
رغم صعوبة استخدام الفكاهة في الفن، بسبب أن الفن ‹ذاتي› ويعرض على جمهور متنوع، بل أنه من المتوقع أن يجد الجمهور صعوبة في فهم الفكاهة ، أو قد يجدها غير مضحكة أو غير مقنعة، إلا أن الفنانين الذين يهدفون إلى تحدي المعايير والمواقف الشائعة، يستخدمون الفكاهة بالإضافة إلى «الجمال الفني والتقنية»، كوسيلة قوية لتوصيل أفكارهم. لذلك، قد تكون الفكاهة «تقنية فنية» مفيدة في عملهم الفني. وغالباً تعمل التصورات الفكهة على تجديد طريق الإدراكات الحسية المعتادة والآلية. إذ أن تقنية الفن تجعل الأشياء غير مألوفة، وتجعل الأشكال صعبة، حتى تساهم في إطالة زمن الإدراك. أي أن وظيفة الفن هي تحدى آلية الإدراك بحيث يتعين على المرء أن يقضي المزيد من الوقت لفهمه، على اعتبار أن مثل هذه الأساليب تعمل على «إبطاء عملية صنع المعنى بالنسبة للتجارب الفريدة.»[1]ويصبح الهدف من «الصورة»، ليس إدراك المعنى، بل خلق تصور خاص تجاه الموضوع بمعنى خلق رؤية للموضوع بدلاً من أن تكون وسيلة لمعرفته .
الدعابة في الفن المصري القديم
لم يكن كل الفن المصري القديم من أجل ممارسة الطقوس الجنائزي والدينية الرسمية، بل أن الفنان المصري قد قدم الدليل على أنه رغم جدية الموضوعات التي كان مكلف بتنفيذها للمعبد تبعاً لتعاليم وقواعد محددة. إلا أن «هناك رسوم نفذت أكثرها على برديات أو على سطوح الأحجار الصغيرة، وعلى قطع الفخار، تميزت بروحها المرحة واستندت إلى عنصاصر خيالية ورمزية، وتضمنت إيماءات لماحة جريئة، أو منتقدة لظاهرة شعبية شائعة في عصره.» [2] وبذلك لم تكن الموضوعات «الفكهة» بعيدة عن اختيارات الفنان، بل كان الضحك " «جزءًا من نظامهم العاطفي، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أساليب التعبير العاطفي والأفكار السائدة. وعادة تتطلب الأنظمة الصارمة من الأفراد التعبير عن المشاعرالعاطفية وتجنب المشاعر المتطرفة.»(3) فإن قدماء المصريين «كانوا يتمتعون بروح الفكاهة، حتى وهم يتعبون في بناء المباني الضخمة القديمة..، بل إن لديهم إلهاً للفكاهة في هيئة بس، وهو قزم سمين ملتح؛ يثير السخرية.»[4] ولما كان من الصعب تحليل الفكاهة حتى في الثقافات الحديثة المختلفة، فإن الأصعب تحليل الفكاهة في ثقافات الحضارات القديمة. فكثيراً ما ترتبط الفكاهة والسخرية بانتقاد العادات الشائعة، ولكن إذا لم نفهم التقاليد الاجتماعية العادية بشكل كامل، فسوف نفقد الفكاهة أو السخرية. وكان من الواضح أن بعض هذه المهن كانت تثير الفكاهة. وحتى في المقابر الخاصة، كان هناك أحيانًا «سخرية» من بعض العمال .ولعل أكثر أشكال الفكاهة وضوحًا وأكبرها هي الرسومات واللوحات التي تصور حيوانات مثل الفئران والقطط، وهي تشارك في أنشطة بشرية نموذجية. حيث تظهر وهي تضرب الأسرى، وتقود العربات، وفي إحدى البرديات، يظهر أسد وظباء يلعبان لعبة تشبه ‹الشطرنج›، بينما تظهر قطة ترعى الأوز. إن الأعمال الفنية التي تجعلنا نبتسم ونضحك يمكن أن نراها اليوم في المعارض الفنية. وربما يمكن أن يساعد تاريخ الفكاهة في فهم الفن في عصرنا، مع مراعاة مكانتها في عالم الفن المعاصر اليوم . والفكاهة مستوحاة من الفجوات، والمسافة بين القواعد، والأعراف الاجتماعية والأفكار المسبقة. وبهذا المعنى، فإن الفكاهة دائمًا ما تكون متجاوزة للحدود. فلا عجب أن الفكاهة تبرز بقوة في الفن اليوم، حيث جعل الفن المعاصر من تجاوز الحدود أحد أهدافه الأساسية.
الدعابة والفن في عصر الباروك
وبالإضافة إلى «التحليل الأيقوني» للوحة جريت المملة Dulle Griet ( 1563) للفنان الفلمنكي بيتر بروجل الأكبر Bruegel the Elder Pieter [1525-1569] يمكن التوصل إلى تفسيرأكثر عاطفية وتأملية. حيث تمتعت اللوحة بروح الدعابة والسخرية، وقد تثير مشاهدتها الضحك. إذ غالبًا ما يستخدم الإسم بمعنى ‹ازدرائي› لامرأة سيئة المزاج ومتفجرة عاطفياً. لذا يمكن تفسيراللوحة على أنها هزلية تسخر من الساحرات من طبقة الفلاحين، لتأكيد تفوق النخبة الحضرية ‹في القرن السابع عشر›. فإن جريت المملة تعكس موقف الدولة والكنيسة المتمثل في القضاء على المعتقدات والعادات القديمة، وإنقاذ المجتمع من الهرطقة والسحر. ويفترض أن بروجل أراد أن يظهر جريت هزلية على اعتبار أنها قد عفا عليها الزمن، مثل الثقافة التي تتبني مفاهيم ‹السحر› و‹الشعوذة› و خرافات المجتمعات الريفية. وما يشير إلى اضطهاد ‹الساحرات›، هو رسم الفنان للمرأة بأنف طويل وفك قصير، وبنظرة فارغة عديمة التأثير، وتسريحة شعر أشعث، وبمشية متصلبة، وهي تمسك ممتلكاتها بطريقة تدل على «جنون العظمة». وتشير نظرتها الذهانية إلى أوهامها السمعية. ففي العادة ترتبط المرأة الريفية بالشعوذة وذلك لأهميتها، وتحرص على نقل الثقافة الشعبية والحفاظ عليها من خلال تثقيف الأطفال. وعلى الرغم من أن «الساحر» يمكن أن يكون رجلاً أو امرأة، إلا إن استهداف النساء على وجه الخصوص يرجع للفكرة ‹الذكورية› التي تعتبر المرأة مصدرا لكل الشرور، إضافة إلى الاعتقاد في أن النساء يستخدمن طبيعتهم المثيرة لأغراض شيطانية. وعلى الرغم من استخدام الفنان للتقنيات المرتبطة بالشكل ‹الغريب›، فإن شكل الانصهار، والمبالغة في هذه العملية يخلق «عالمًا مختلفًا عن العالم المألوف»، في محاولة لمواجهة القلق الشخصي. كذلك يستخدم التقريب بين النوعين، ما هو مثير للسخرية وما هو رهيب، كطريقة للتعامل مع الخوف. وبعبارة أخرى، فإن «الغرابة» تجعل المخيف أقل خوفًا، أو منتزع منه الخوف. إذ أن التفاصيل الزائدة تجعل «المخيف» أقل خطورة بسبب عدم معقولية التصوير.
الفن الدادائي أساسه الدعابة
وكذلك كان القرن العشرين يمثل نقطة تحول للفكاهة في الفن المعاصر،. والدادائية هي حركة فكرية وأدبية وفنية نشأت من داخل السياق الفوضوي للحرب العالمية الأولى. و تحدد الدادائية نفسها من خلال قطعها مع الأعراف الاجتماعية من خلال الفكاهة والسخرية. لذلك فإن الفكاهة هي أساس هذه الحركة، كما يظهر اسمها جيدًا دادا والكلمة لا تحمل أي معنى في حد ذاتها، ولكنها نكتة بسيطة عندما تواجه عبثية وخطورة الحرب. الدادائية تدور حول الحرية والعفوية الإبداعية. ومن حيث الإبداع الفني، تُرجمت إلى أعمال فنية ساخرة، مليئة باللعب بالصور والأشياء الجاهزة والعروض الفنية. كما عُرفت أيضًا باستكشاف دور الصدفة والعشوائية في العملية الإبداعية. وقد انضم مارسيل دوشامب Marcel Duchamp (1887-1968)إلى الحركة الفنية في وقت مبكر جدًا. لقد أحدثت جاهزته الشهيرة النافورة ثورة ويمكن فهمها في إطار فلسفة الدادائية المناهضة للمؤسسة. ففي نهاية المطاف، ما هو العمل الجاهز إن لم يكن خدعة تم لعبها على المشاهد، مع تقديم شيء من الحياة اليومية على أنه عمل فني. وتعتبر«القطعة» المعنونة L.H.O.O التي عرضها دوشامب سنة 1919عملاً فنياً، رغم أن الفنان لم يفعل شيئاً، سوى أنه رسم شاربًا ولحية على إحدى نسخ بطاقة بريدية من لوحة "الموناليزا" لفنان عصر النهضة «ليوناردو دافنشى». إن هذه القطعة الفنية التى هى بمثابة «سخرية» من القيم البرجوازية التى اعتقد فنانو الدادا أنها أدت فى النهاية إلى الحرب العالمية الأولى وإلى مذابحها وتدميراتها. "فإن دوشامب بطريقته الفكاهية النموذجية، لفت الانتباه، إلى جزء من الموناليزا «لم يره أحد من قبل، وذلك بتخريب بطاقة بريدية.»[5] ومن خلال حركة دادا قدم دوشامب الأعمال الجاهزة للعالم، وبالتالى بدأ «الفن المفاهيمى» الذي تكون فيه الفكرة أكثرأهمية من الجماليات. و" يكمن وراء وراء مرارة مذهب الدادا ، كاء حاد ودعابة..، لقد كان لأفكار الدادا وبدعهم آثار جمةعلى كثير من الفنانين في السنزات التالية." شجعت كل من الدادائية والسريالية بحماس الفكاهة واللعب في الإبداع الفني. ومع ذلك، فقد كان يتألف في الغالب من الفكاهة الخفيفة والطفولية، التي تستند إلى ارتباطات مرحة غير محتملة استجابة لثقل الحرب."[6] جاهزة دوشامب بعنوان «عجلة الدراجة» عرضها سنة 1913 كتجربة تهكمية ، جمعها الفنان من نفايات البيئة بطريقة غير متوقعة ، ليحقق شعار أن «اللاشيء هو كل شيء» ، كدعوة لتسجيل الطبقات الدنيا من العقل، وبنزعة تهكمية، وكنوع من خرق الأطر التقليدية.لقد احتلت الفكاهة مكانة كبيرة في فن دوشامبوهو الذي صرح ذات مرة بقوله:«الواقع أن الفكاهة هي السبب الوحيد للحياة.» إنه الفنان الذي اعتبر الذوق الرفيع العدو الرئيسي للفن. لقد حول فكرة الفن ذاتها، فعرض القمامة في المتاحف كما أن النافور [وعاء المرحاض] كانت بمثابة مزحة كبيرة . ولا شك أنها أكثر أعماله المضحكة شهرة. وعندما عرضت كقطعة الفنية تم ترجمة الاسم المستعار المستخدم للتوقيع إلى «أحمق». كذلك مارلين مونرو بشعرها الأصفر وظلال العيون الفيروزية، كمكياج مضحك أضافه آندي وارهول Andy Warhol[1928-1978]. وفي الواقع كان الفن دائمًا يحتوي على المرح والنكات. وكذلك كان دور الفكاهة في الفن المعاصر. بعد أن انتشر الفن الفكاهي على نطاق واسع مع ظهور الدادائية وظهور الأعمال الجاهزة. وقد حاول الفنانون الدادائيون بالفكاهة . وكانت الدادائية مزحة حينما ادعت «معاداة الفن»، والواقع أنهم تحدوا أي فكرة مسبقة عن «ماهية الفن» بهدف تغيير التعريف. كما استخدم السرياليون الاستفزاز الفكاهي لزعزعة عالم الفن، حيث قاموا بعمل ارتباطات غريبة وتركيبات غير متجانسة من الأشياء. لقد استخدم كل من الدادائيين والسرياليين الفكاهة الطفولية المرحة والألعاب في أعمالهم، كرد فعل على بؤس الحرب. أيضاً تحدت الفنانة الألمانيةميريت أوبنهايمMeret Oppenheim(1913-1985) الأعراف الفنية باسلوب فكه عندما عرضت «فنجان الشاي والصحن والملعقة» بعد كسوتهم بالفراء. مدعية إمكانية الاستمتاع بالعديد من الأشياء عندما تغطى بالفراء. ومن المفترض أن كل من الفكاهة والفن يوفران مهربًا من الواقع، عندما يتلاعبان بالقواعد. وفي الحقيقة أن الفكاهة ليست استخفافًا بالفن،إنما هي تساعدنا على العيش في تحدٍ للاكتئاب، و تعمل كآلية دفاع ضد الغضب واليأس.
الفكاهة والفن السريالي
بعد فترة وجيزة من وصول الدادائية، تبعتها الحركة السريالية. وقد تبنت نفس الموقف الخفيف والمستفز مثل الدادائيين، لكنها دمجت عناصر اللاعقلانية والأحلام.وباعتبارهم معجبين بشدة بنظرية سيجموند فرويد وبالتحليل النفسي، دعا السرياليون إلى تحرير الرغبات من خلال النظر إلى اللاوعي وتجلياته في أحلامنا. وقد أدى هذا في النهاية إلى تقليل أهمية الوعي وقوة الإرادة. ولوحة الاستنساخ المتداخل رسم رينيه ماجريتR.Magritte [1967-1898] بأسلوبه السريالي رجلا « من ظهره ونفس الرسم منعكس بتطابق على سطح المرآة . لقد تميزت تقنيات الفنان عن باقي السرياليي بمجاورة الأشياء العادية التي يرسمها بأشياء وعلاقات غير متوقعة وغير منطقية -مدهشة .»[7] غالبًا ما كانت الإبداعات السريالية مصنوعة من مزيج من العناصر الغريبة وغير المتجانسة. وعندما تبدو الصورة مضحكة في عمل فني، فذلك يعني وجود قدر من الذكاء وراءه، ومن المؤكد أن المفاجأة موجودة فيه، لأن الفكاهة لا وجود لها بدونها. و أن كل «نكتة»، على الأقل ، تنبع من جرح ،إما من أذى شخصي أو من الحالة المؤلمة التي يعيشها العالم. وهناك ميزة إضافية، إذا كان هناك شيء مضحك حقاً، فمن الصعب أن يكون مبتذلاً. والفنان يتجنب السرد المتوقع. وبدلاً من ذلك، يخلط السرد ويقدم فكرة خارج الترتيب، مما يجعلها مما يحدث وارتباكاً ممتعاً. النتيجة هي إدراك مذهل لقدراتنا المحدودة على الملاحظة وفهم العالم.
الكولاج والمزج الفكه للخردة
وبتقنية الكولاج وتلصيق الأشياء العشوائية معًا وبطريقة غير عادية ومرحة، وبتثبيت زهرة جافة فوق سطح لوحته بعنوان رقصة (2010) لتمتزج مع أشياء أخرى من «النفايات» يستجضر محسن عطيه في صورة تشبه جذع أنثوي ، وبهذا الأسلوب المجازي منح الصورة القدرة على جذب الانتباه ، بعدما حول شيئاً مألوفاً أو عادياً إلى صورة فكهة تثير الإحساس بالبراعة. و قد أدى هذا المزج والتداخل في فن الكولاج - إلى جمع بين صور غنية جدًا بـ الاستعارات البصرية الموجودة داخلها وخلطها بحكايات. وفي الكولاج [التلصيق]collage تتجاوز الانتقالات الشكلية «منطق التغيرات التدريجي»ة الهادئة، ألى ما يشبه الفعل الزلزالي، حيث « يحدث صدعاً على سطح العمل الفني، وينتج عن ذلك صيغتان يعملان تزامنا على سطحين، أحدهما فوق الآخر، ويعملان بصيغة ثنائية ، ويبدأ عمل الاستعارة في عملية التحول، فيوحي الفنان بالتشبيهات ، ويجعل الأشياء الجامدة مؤنسنة.»[8] وقد أعطى فكرة الزهرة / المرأة شكلاً له طاقته «العاطفية والروحية». وقد جمع بين الصورتين [الزهرة و المرأة] في تداخل مرح ، مفترضا أن هذه التداخل بوسعه، إطالة زمن المشاهدة حتى يتوصل المشاهد إلى «المعنى»، ويذلك تصبح فائدة استخدام الدعابة البصرية هي إزالة آلية الإدراك عن الصورة الفنية ، وابتكار أسلوب من الغرابة الوجودية بدلاً من أسلوب الإيهام البصري المألوف في فن التصوير، «فإن الشيءالذي تم نقله في فن الكولاج قد دخل إلى عالم لم يُصنع من أجله، حيث يحتفظ بغرابته إلى حد ما.» [9]وهذه الغرابة قد أرادها الفنان، لاعتقاده بأن الغرابة تقف وراء حدوث "«الصدمة والمفاجأة.» [10]ويبدو الكولاج بفضل تجاوراته وتداخلاته، نوعا من التضفير أو المزج معًا ، مما نعبر عن رؤى جديدة لأنفسنا، وعن مفاهيم جديدة تسمح لنا بالتفكير بطريقة أخرى، تتجاوز الثنائيات القديمة التي تحكمت في التفكير بوضوح. لأن "المزج لا يوفر القدرة على الحسم أوالتحديد، " [11]حيث في لوحات محسن عطيه "«تتوالد الصور من الصور .. تجمع بين المسطح والمجسم والرمزي والواقعي، ويكشف بخياله الخصب وأفكاره المحملة بالعاطفة وقوة التعبير والمعاني الرمزية، حيث تتداخل الخامات.. بشكل غير تقليدي. وتوجد سياقات تعبيرية مثيرة للتأمل وللطريقة التي امتزجت بها هذه العناصر» [12]لقد أراد محسن عطيه باستخدام تقنية غير تقليدية في لوحة رقصة تعتمد على الصدفة والتفتيت مثل الكولاج، أن يقوض التصور العقلاني والأعراف التصويرية، بل أن يحرر اللوحة الفنية من القواعد التقليدية، ليطلق العنان للتورية واللعب بالصور. حيث حول الصور إلى أشكال جردت من قابليتها للفهم، لتكشف عن العلاقة التعسفية بين الصورومعانيها. وللتورية علاقتها باللاوعي. وترتبط التورية البصرية للزهرة في أنها تتعلق بالإكسسوار الضروري للمرأة، وتتعلق بالرمز الشائع للرغبة المكبوتة، مما أضاف معنى جديدًا وغامضًا بشكل متعمد يعكس فكرة الشك بمعناها الوجودي. ومع الغموض والتورية، تتراوح النتائج الفنية من المؤثرة إلى المضحكة. وغالبًا تطرح مثل هذه النوعية من الفن الأسئلة حول طبيعة الفن الذي يستخدم الفكاهة، بشرط عدم استخدامها بشكل مفرط، بغرض تكثيف الانتباه والاهتمام نحو العمل الفني الذي يدخل في تنفيذه نوعيات مختلفة من المواد والخامات والتقنيات وعناصر مبالغ فيها، مما يعد أحيانا أمرا فكها مثل دعابة مثيرة للدهشة أو مثير للضحك وفي نفس الوقت تستدعي التفكير . وعلى الرغم من كون مثل هذه «الأعمال الكولاجية» مسلية، إلا أنها تحمل تعليقًا خفيًا على عبث الحياة ، وتمتد إلى ما هو أبعد من المرئي؛بقدر كونها تخلق حوارا مع المشاهد، وتدعوه إلى التساؤل عن العادي وإدراك العالم من خلال عدسة الشك المرح. وتناقض التوقعات (الدوافع والعادات والمخططات العقلية)، «فتلعب الصدفة دورا مهما في العمل الفني المركب من خامات لها قوتها الإيحائي.» [13] وأراد"محسن عطيه " بلوحة رقصة أن يمنح فكرة «المرأة / الزهرة» شكلاً .ونشأت الفكرة من ملاحظةالفنان للعلاقات المتداخلة المحتلفة والمتزامنة بين المرأة والزهرة ،مما بنجم عنه التوتر بين التشابه والاختلاف. وفى الوقت الذى يؤكد الفنان فيه على التشابه فإنه يعمل على نفيه. ويمكن تحديد دلالةالعمل الفنى بالتعرف على الآخر،أو باكتشاف الغائب الذى يشير إليه العمل الفنى.أما التأجيل المستمرللمعنى ، فله أهميته فى لعبة الدلالة.
تشمل الأعمال الفنية التي تجعلنا نبتسم ونضحك، النكات والحيل التي تُلعب على المشاهد، و«أكوام الأشياء غير المتجانسة» وما إلى ذلك. إذ أن الفكاهة مستوحاة من الفجوات، وهي الفكاهة دائمًا متجاوزة. أما الفن المعاصر فقد جعل من التجاوز أحد أهدافه الأساسية. و باستكشاف دور الصدفة والعشوائية في العملية الإبداعية، تُرجمت «الحرية والعفوية الإبداعية» إلى أعمال فنية ساخرة، مليئة باللعب بالصور والأشياء الجاهزة، وعرض أشياء من الحياة اليومية كأعمال فنية والدمج بين عناصر لاعقلانية والمزج بين عناصر غريبة وغير متجانسة، مما يؤدي إلى إبداعات مضحكة ومرحة. ولدي الفن المعاصر ميل واضح إلى الفكاهة السوداء الأكثر قتامة. فبالمقارنة بالفكاهة المرحة لدى الدادائيين والسرياليين، لجأ الفنان المعاصر إلى الفكاهة السوداء والسخرية كسلاح في الاحتجاج على الموضوعات الاجتماعية مثل :الاستهلاك، والهدر، وعدم المساواة، والقضايا البيئية التي انعكست في الإبداعات الفنية المعاصرة . ومن .الفكاهة السوداء. على سبيل المثال، أنتج الفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (ولد 1960) بنهجه الساخر مجموعة من الأعمال التي تجمع بين التناقض والاستفزاز والمرح. ومن أعماله بعنوان الكوميدي عبارة عن موزة طازجة مثبتة بشريط لاصق على الحائط . وهذا العمل يجمع بين الفكاهة والغرابة. كما يتجلى ذكاء كاتيلان الساخر في عمله حب [2010]، وهو عبارة عن منحوتة من الرخام يبلغ ارتفاعها 15 قدماً تمثل يداً تم إزالة جميع أصابعها باستثناء الإصبع الأوسط. يُطلق على التمثال اسم L.O.V.E، لكن العديد من الأشخاص يشيرون إليه باسم Il Dito [الإصبع]. وقد أقيم أمام مبنى بورصة ميلانو، في وسط المدينة الواقعة في شمال إيطاليا. وتستخدم الفكاهة الساخرة للنقد الاجتماعي والسياسي. وهي بعيدة كل البعد عن تحويل الفن إلى «شيء تاف»ه.لأن الفكاهة تنشأ من القدرة على اللعب، مما يسمح لـ «مبدأ الواقع» بالتعايش مع «مبدأ المتعة»والتوفيق بين المتناقضات. فالخفة في مواجهة جاذبية الواقع تسمح لنا بالابتعاد عن مخاوفنا. بعبارة أخرى، يمكن للفكاهة أن تعمل كآلية دفاع ضد الخجل والاكتئاب والغضب واليأس.
_____________________
المراجع:
1-Loads, D.J. :‘Putting ourselves in the picture: Art workshops in the professional development of university lecturers’. International Journal for Academic Development, 14 (1), 2009 ,p.59–67
2-محسن عطيه: الجمال الخالد في الفن المصري القديم،عالم الكتب،2001 القاهرة، ص216.
Reddy, William M. : The navigation of feeling: A framework for the history of emotions. Cambridge University Press,-3 2001.p.125
4-Linda Woodhead: A sociology of religious emotion. Oxford: Oxford University Press,20105
5-محسن عطيه:الفن المعاصر..، ما هو ، المفاهيمية وما بعد المفاهيمية، عالم الكتب، القاهرة،2022،ص62.
6-جورج ا. فلاناجان : حول الفن الحديث،ترجمة كمال الملاخ، دار المعارف بمصر، ص315 .
7-محسن عطيه:اتجاهات في الفن الحديث والمعاصر ، عالم الكتب، القاهرة، 2011، ص116.
8-محسن عطيه، التفسير الدلالي للفن، عالم الكتب، القاهرة ، 2007، ص49.
9-Brockelman, T. P. The frame and the mirror: On collage and the postmodern. Evanston, IL: Northwestern University . Press. , 2001, pp. 117-118
Burge, A., Godinho, M.G., Knottenbelt, M. and Loads, D.: A reflection on using arts-based research. Teaching in-10 Higher10 Education, 2016,21 (6), p. 735.
11-Mohanty, C. T. : Feminism without borders: Decolonizing theory, practicing solidarity. Durham, NC: Duke University Press,2003,p. 251
12- نجوى العشري: صحيفة الأهرام، القاهرة، الخميس 27مارس 2008.
13-امحسن عطيه، التفسير الدلالي للفن، ص176 .