الفن التجريدي/تمثيل العمق الفراغي

بقلم :د.محسن عطيه

منذ مارس الإنسان الرسم نشأ الاهتمام بتمثيل العمق الفراغى على سطح ثنائى الأبعاد، فاكتشف طرقاً لخلق الإيهام بعمق الفراغ أو بسطوع النور، بطريقة تجعل أعمال الفن تبدو أكثر واقعية. وكان تمثيل "الفراغ "من خلال"المنظور" هو ما شغل الفنانين اليونانيين القدماء. كذلك تشهد الجداريات في مدينة "بومبى" على أن الفنانين الرومان قد عززوا مساحة غرفهم الخالية من النوافذ برسوم توحى بالفراغ الرحب. وبعد ذلك تضاعفت الطرق التى يمكن بها تمثيل الفراغ. فعلى سبيل المثال، أصبح من الممكن تصويرالفراغ بواسطة مجموعة من العناصر أو النقاط التى تتبع افتراضات هندسية، ويتم تحديدها باستخدام أنظمة هندسية، أو تصويره كشكل ممتد في مجال ثلاثى الأبعاد. ومع نمو قوة "فن عصر النهضة " أظهر الفنان قدرته على استخدام تقنيات "المنظور" لخلق وهم ثلاثى الأبعاد. وكان الرسام الإيطالى"جيوتو بوندونى"(1267-1327) ، قد رسم لوحة "بشارة القديسة حنة"(بدوا-إرينا)بمنظور مبتكر، فبدت الشخصيات المرسومة، وكأنها تتحرك في فضاء، ومنحت ثقلاً، بينما أزال جدارا من الرسم لعرض المنظر الداخلى من الخارج.(1)وهناك تطورآخرحدث مع تأطير الصور، عندما سمح للأشياء الفنية بأن تصبح محمولة، وبالتالى يمكن نقلها بسهولة خارج البيئة المعمارية الثابتة، لأن الأعمال المؤطرة يمكن أن تكون كذلك محمولة من مكان إلى آخر. وبالمثل، أضيفت تعبيرات فراغية مثيرة إلى العالم الإنسانى. وفى عصر النهضة تطور المنظور الهندسى إلى المنظورالفنى، حيث تتقارب الخطوط العمودية، كلما بعدت عن نظر المشاهد ، و تبدو الأسطح العلوية أصغر، كلما إقتربت من خط الأفق. ويرسم المنظور الهندسى عملياً إعتماداً على نقاط تلاشى ، كطريقة لتصوير الشىء على مستوى اللوحة Leonardo ، بحيث تتضاءل أبعادها تدريجيا، وتظهر الخطوط المتوازية لتلتقى في نقطة واحدة هى نقطة التلاشى، التى تقع على إمتداد خط لأفق،..."هكذا تبدو الخطوط المتوازية في المنظور وكأنها تميل، لتلتقى في نقطة التلاشى."(2) وتعتبر لوحة"العشاءالأخير" في حجرة طعام دير القديسة ماريا ديلا جراتسى (ميلانو- 1498) للفنان"ليوناردو دافنشى"(1452- 1519) نموذجاً لرسم الفراغ ثلاثى الأبعاد مع الحركة في اتجاه العمق باستخدام الألوان والأضواء. وتشهد اللوحة على تمكن الفنان من النفوذ عبر العالم الروحى للتعبير عن دواخل الطبيعة والإنسان. كذلك كانت الطريقة الكلاسيكية في تمثيل العمق الفراغى في الرسم تتحقق من خلال نظام من القيم اللونية، من حيث الإضاءة أو الظلام، مع تحديد مصدر وهمى للضوء. أما في العصر الحديث، فقد أراد الرسامون العمل بجد لخلق مساحة مجردة أو غيرتمثيلية توحى بالفضاء. وبذك قدموا أمثلة معاصرة تثبت بسهولة أن مفهوم الفضاء في الفن الحديث، رغم صعوبة تحديده، فإنه موجود في سياق أوسع بكثير، ومرتبط بفهم مجازى وبأبعاد نفسية وفلسفية أكثرعمقاً، من مجرد الإيهام بالفراغ في العالم الواقعى، استنادا إلى حقيقة، أنه رغم تنوع الأذواق الفردية وتأثرها بالثقافة، إلا أن أغلبية الناس يستجيبون أكثر نحو الموضوعات التى تؤثر فيهم عاطفيا، مهما كانت غامضة، كما يستجيبون أكثر للصورالضبابية، على عكس عدم التفاتهم للصورالواضحة التفاصيل. ويعنى ذلك التعاطف مع الصورالمحيرة للجهاز البصرى، مثلما يحدث عند مجابهة عمل فنى من المذهب الانطباعى، مثل لوحة "الجسر اليابانى"(1919-1924) التى رسمها "كلود مونيه C.Monet(1840- 1926) وهى واحدة من سلسلة من 24 لوحة رسمها الفنان خلال الفترة من 1919 إلى 1924 ، فرغم كونها تصور جسر المشاة اليابانى الذى امتد على الضفاف الغربية لبركة الزنابق البيضاوية في "جيفرنى"، فإن الموضوع المرسوم يبدو غير واضح أوغير مكتمل، ومع ذلك يعطى التأثير بالعمق، في حالة من الجمال المكثف والعابر، بفضل تجميع العين للألوان المتجزئة مع الإحساس الإيهامى المتألق والزائل.

"كلود مونيه"، لوحة "الجسر اليابانى"(1918-1924)

فعندما رسم مونيه لوحاته الأولى لبركة زنبق الماء خلال انتشارها عبر البركة - قام بتضمين الجسر اليابانى في كل منها ، متألقًا بطلاءه الأزرق والأخضر الباهت ، أما التعريشة مع كتل أوراق الشجر على طول ضفاف البركة والفروع المتدلية من الصفصاف الكبير على طرف الجسر ، في اللوحة الحالية. قصد مونيه أن يكون الجسر اليابانى بمثابة الفكرة الرابطة والمتناسقة. على الرغم من أنه بالكاد يمكن التعرف عليه على أنه الجسر الأصلى وسط وفرة الطبيعة ، فإن الخطوط الأرابيسكية الرشيقة توفر اتساعًا أفقياً لمنظرالبركة، في مقابل الشلالات العمودية لأوراق الشجر وانعكاسات الظلال التى تبدو وكأنها ترتفع عن سطح الماء. لقد عثر مونيه على فكرة لوحته في الطبيعة المؤقتة المتمثلة في إيقاعات النمو والتحلل والحياة والموت ، حيث هدوء في حديقته المائية قد أصبح ملاذ الفنان. وكان هذا الاستحضار الملموس للطبيعة بمثابة فخره وسعادته، وعالمه الخاص، والبيئة التى صنعها كعمل فنى. وكان "مونيه"، قد واجه تجارب ومحن هائلة خلال حياته، ففى عام 1912 أدرك أنه معرض لخطر فقدان بصره، لكنه انتصرعلى الشعور باليأس، مكملًا أعماله الرائعة، ومنها سلسلة لوحات "الجسراليابانى". ويلاحظ في لوحة "الجسر اليابانى" هذه هيمنة درجات اللون الأزرق والأخضر لأوراق الشجر مع لمسات من اللون البنفسجى ، مما يوحى بجو الصباح الباكرعلى البركة، حيث أبخرة الضباب الفضية الباردة، وبهذا الأسلوب بدا شكل الجسرغامضا، إذ قام" مونيه" بغسل سطح اللوحة بالطلاء الرطب السميك ، مما جعل الوسط السائل يبدو وكأنه يتأرجح ويرقص كما لو كان ينطلق بواسطة قوة غير مرئية. وتشهد اللوحة على جرأة الفنان، وتؤكد على قيمة المجهول على الآمن على فنه. لقد كانت هذه اللوحة دليلاً على تعمق "مونيه" في عالمه الباطنى، وعلى تلبيته لنداء غريزته، لاكتشاف القوى الخفية للحدس ومنحها الأولوية، حتى حقق أعلى درجات التجريد والخيال، الذى جذب جيل من الفنانين الذين مارسو الرسم التجريدى المرتبط بالتعبيرية التجريدية في العالم . وغالباً يلعب الفنانون على الضوء لإعطاء الإيهام بالبعد الثالث، أى من خلال تبادل العلاقة بين "الأضواء والظلال" بطريقة مختلفة عما يصادف في الواقع، مما يعد نوعاً من"التشويه " للأشكال البشرية والطبيعية المألوفة، من أجل أن تجذب الإهتمام نحوها أو لتحدث الدهشة."(3)

لقد مكنت التغييرات الواضحة في التدرج اللوني أثناء مروره عبر مناطق ذات ألوان مختلفة الرسامين في فترات عديدة من خلق الوهم بأنهم استخدموا نطاقًا واسعًا من درجات الألوان مع استخدام عدد قليل جدًا في الواقع. وعلى الرغم من أن الرسامين قد طبقوا العديد من المبادئ البصرية لسلوك الألوان بشكل حدسى في الماضى ، إلا أن نشر نتائج الأبحاث من قبل Chevreul وآخرون حفز الانطباعيين الجدد و Post-Impressionists واللاحقين Orphist و Op. إمكانيات هذه المبادئ من أجل خلق أوهام بالحجم والفضاء واهتزاز أحاسيس الضوء والحركة. "فالتركيز التخصصى على الضوء واللون من جانب الرسامين التأثيريين، مثل "مونيه"، أدى إلى عدم توضيح الخطوط التى تحدد الشكل وإلى تخفيفها، ومراعاة الشىء تفسه في الأشكال المجسمة ونسب الفراغ."(4) ثم أظهر "بول سيزان" ، على سبيل المثال ، أن التغييرات الطفيفة في سطح الشكل وفي علاقته المكانية بالآخرين يمكن التعبيرعنها بشكل أساسى في جوانب اللون ، والتى يتم تعديلها بدرجات متفاوتة من النغمة والشدة ودرجة الحرارة ومن خلال إدخال اللون التكميلى. أما عن رسم " هنرى ماتيس"فى لوحته" النافذة المفتوحة" (1905) فإنه كان بإمكانه تسجيل الواقعية في عمله مع إخفائهافى نفس الوقت. فرغم الطابع التجريدى والتحريف الغالب على الرسم، استطاع"ماتيس" في رسوم لوحاته" القيام بالرسم الجريىء والحر، مع اعتماده في ميله الطبيعى للتناغم والهيكل لإتمام رسمه، وكذلك اعتماده على فطنته في إجراء رسم ذى منظر واقعى ...، فقد كان يسهل على المشاهد إدراك معنى المنظر وشكله الظاهر بهذا الأسلوب من الغور، أو يمكنه في يسر نسيات الشكل ، وتوجيه انتباهه إلى تصميم الهيكل في الصورة."(5)هكذا رسم" ماتيس" لوحة " النافذة المفتوحة"، كمشهد مشبع بضوء نابض بالحياة وجذاب. حيث تطفو القوارب الزرقاء والأمواج الوردية والسماء بين الفيروزى والوردى، أى بألوان غير طبيعية وجريئة ومدهشة. وخلافاً للمفهوم الذى يتعامل مع الرسم باعتباره نافذة، والذى يرجع إلى "عصرالنهضة "، فإن رسم "ماتيس" للنافذة يركز على دورها كعامل تأطير لمساحة ثلاثية الأبعاد. وفى هذه اللوحة يتم فتح النوافذ الخارجية للداخل، مما يخلق رؤية منظورية تؤدى إلى فتح النافذة، مع أوانى الزهورعلى الأرض، على مساحة وسيطة ضحلة بين الغرفة ومنظرالمرفأ الذى يصل إلى الأفق. ومع ذلك، فإن كل ما يشيرإلى العمق الفراغى، قد تم إبطاله بسبب أسلوب التلوين، حيث يؤكد على الصفة التسطيحية للوحة، ولا تبرزالإيهام بالعمق بشكل مقنع. ولا ننسى هنا أننا ننظر إلى لوحة وليس من نافذة.(6) كذلك استطاع " ماتيس" برسم لوحة" الرقصة"(1910) يشكل من الراقصين دائرة متراخية مرسومة بخطوط قليلة إيقاعية مستمرة دون انكسار. وكان قد تردد عدة مرات على"طاحونة جاليت" قبل رسم اللوحة لمراقبة رقصة "الفاراندول"(الرقصة الريفية ) التى تؤديها النسوة مع الرجال متشابكين الأيدى في حلقات، بمصاحبة موسيقى وثابة. وأثناء الرسم ردد الفنان اللحن الذى سمعه، فأنتج لوحة تجريدية رائعة ذات تكوين راقص متناغم على الإيقاع ذاته.إن الصورة ليست مجرد محاكاة بل أضحت صياغة بنيت في ذاكرة ماتيس الصورية. وفى الحقيقة أنه ليس هناك رسم بلا غموض، وبينما الفن يقلق ، يعيد العلم الطمأنينة.والرسم هو بمثابة وحدة بين البصرى و المعنى الرمزى معاً. لقد رسم "ماتيس" لوحته مثل استعارة أوصياغة بديعية ( بصرية - مكانية) لقالب الفراغ و الحركة.إذ تحسس الرقصة في فراغ ثلاثى الأبعاد، ككل متحد من الحركة الشمولية المتزامنة للساق والذراع والجسد والإبصار والسمع والرائحة، واستنشاق النفس وإخراجه. وبهذا الأسلوب بلغ تطور التسطيح اللونى بخطوطه المنسابة ذروته في لوحة "الرقصة"،معبراً عن أقصى درجة من التاثيراللونى بالبهجة والصفاء. وتمثل اللوحة معنى حب الحياة المفعمة بالتناغم والإشراق والخالية من التوتر والقلق.

وكان التحرك نحو تفكيك الأفكار السردية والمفاهيمية مصحوبا بالمفاهيم المكانية التى أثرت على فن السرياليين، غالبًا بشكل خفى ورائع. ويقدم" سلفادور دالى"(19041989-) مثالًا حيًا على تضمين المعرفة المفاهيمية في تعبيراته البصرية التفكك المزدوج، إذ استطاع منذ خمسينيات القرن الماضى تفكيك الفراغ في لوحاته، بطريقة تذكرنا بعلم البلورات وبطبيعة الفراغ نفسه في تصوره لما بعد نيوتن. وقد تم تأليف عمله بأسلوب تمثيلى، يناقض منظور النهضة الوهمي، وكان كاندينسكى قد فكك الهيكل الفراغى في لوحاته التجريدية . ومن الفنانين التجريديين المصريين "محسن عطيه"وهو يستفيد من أساليب الشفوفية ليقدم نوعا من الرسم بتشكل في أحضان الخيال والعاطفة، لقد تطورأسلوبه التجريدى منذ السعينيات من القرن الماضى، ويصف الناقد الشهير " بيكار" الفنان بعد أن شاهد لوحاته التجريدية التى عرضها في 1972(*) بأنه: فنان" يسرى التصوير في عروقه سريان الدم.. إنه سباح ماهر يعرف كيف يتخلص من التيارات التى تحدثها فرشاته، عندما تثير سطح اللوحة بانفعالات غابة، ورغم عنف اللمسات وكثافة الألوان إلا أنها لا تخفى شفافية مائية، توحى بها سيولة تبدو من خلال النسيج الخشن الوعر... فتكشف عن أغوار تحت السطح المضطرم، تتخلله صرخات حمراء، مستغيثة فزعة، قبل أن تذوب في دوار الدوامات التى تندفع بعنف رمادى صارم."(7) أما في سنة 2013 كتب "عز الدين نجيب"عن معرض (**)الفنان "محسن عطيه" يقول: "كأنه يستحث ذكاءك قبل حواسك، ويستثير ذاكرتك البصرية الكامنة بأعماقك، لتكتشف من خلالها الحضور الغائب لمخزون ذاكررته البدائية داخل اللوحة. فيما يقودك –ربما- إلى معنى ما، ثم سرعان ما تكتشف أنك تتجه نحو خدعة، ما يدفعك لإعادة المحاولة.. وهكذا. الواقع أن هذا يختلف عن منطلقه التعبيرى، إنه يبدأ بالارتجال..الارتجال بالخطوط والألوان من لوحاته يساوى لحظة الاشتعال العاطفى بداخله عند بدء الرسم، لا يبدأ من فكرة ذهنية أو من معنى فلسفى، بل بحالة من التوهج الحسى بشعور أو خاطرة، تقوده الخطوط والألوان، وكأنها تمسك بزمام ريشته وليس العكس، في خضم هذه الحالة تتفاوت الريشة من الاستحضار والنفى.. استحضار عناصر من مخزون ذاكرته القديمة على سطح اللوحة ونفيها معاً.. حالة من الجدل العاطفى بين الاندماج والوعى.. الاندماج داخل الذات والوعى بالخارج، غالباً لايستطيع حسم هذا الجدل الذى يتحول إلى صراع، وغالباً كذلك، ما ينتهى إلى حافة التجريد وليس التجريد كاملا."(8) وذلك التحليل الفنى يصلح لفسير لوحة "فى الموعد" التى رسمها الفنان (2016) إذ رغم أنها لا تسرد قصة، ورغم أسلوبها التجريدى، فإنه يمكن العثور فيها على ما يعكس جانباً من دراما الوجود، مما تصوره التفاعلات بين مكوناتها اللونية والخطوطية. ومن المتوقع أن تأثير هذه التفاعلات على النفس يشبه التأثيرالأخاذ والشعورالمدهش الذى يحدث عند رؤية تفتح الأزهار في الحقول، وعند تأمل زرقة السماء، أو مشاهدة أخضرارالمروج المعبأة بالأمل. وكل ذلك ينتظرنا عندما نحتاج إليه. ومن البديهى أن كل منا يحتاج للالتقاء بما يبعث في نفسه الشعور بالأمل . ومن حسن الحظ أنه يمكن الاستمتاع بأشياء لا تتطلب منا أن نفهمها، مثلما أن الجمال ليس مسألة متعلقة بالفهم، أو تحتاج للتدليل على حقيقتها برهانا، كذلك تمثل دراما لوحة "فى الموعد" الحقيقة، .. ليست" الحقيقة" المتعلقة بلفهم، إنما "الحقيقة" المتعلقة بالإحساس بالطابع المتفرد وبالعالم المتميز، عالم "ما فوق الواقع " الذى خفض إلى مقياس الإنسان، ليسمح له بالدخول فيه . والرسام في هذه اللوحة يستكشف في عمله التفاعلات الديناميكية بين اللون والملمس، ويتحدى لدى المشاهد مهارة النظر عن كثب، والسماح له بالانغماس في الإحساس المثير للفضول بالعمق الناشئ عن طبقات اللوحة الدقيقة من الألوان والملمس.

إن المشاهد سوف يقررما تعنيه اللوحة التجريدية بالنسبة له والمشاعر التى تثيرها، فقط يتطلب الأمر بعض الوقت في تأمل اللوحة التجريدية لمعرفة ما إذا كان من الممكن العثورعلى المعنى في القطعة وما تحاول اللوحة التعليق عليه. وهل هناك تقنيات جديدة توصل إليها الفنان تناسب تحقيق فكرته؟. حينئذ سوف يصبح من الممكن أن يعثر في العمل الفنى التجريدى ما يقوله. وسيكون للوحة وجهة نظر خاصة، ولها صداها على المشاهد بعمق. إذ أن اللوحة ليست مجرد قطعة زخرفية مبهجة، استخدمت في تنفيذها تقنيات مبهرة ، وإنما هى تمثيل بالرسم للإحساس أكثرمن كونها تمثيل للأشياء. والفن التجريدى منذ نشأته في أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم ، يتجلى على مر السنين. لقد سمح بتطوره الواسع. وهو يشمل أنواعًا مثل "التعبيرية التجريدية" و"التجريد الغنائى" و"حقل الألوان" و"تجريد الحد الأدنى" والتجريد المفاهيمى" ، على سبيل المثال لا الحصر. فلقد تسربت قوة "التجريد" إلى الفن المعاصر، ولا يزال يحتل مكانة قوية. ومن الواضح أن هذا النوع من الفن سيستمر لسنوات عديدة قادمة. والرسم في لوحة "فى االموعد" يحتفل بتقنية حقل الألوان، و"نقع البقع" حيث، تخفيف الطلاء بزيت التربنتين، الذى يمتص السائل، ويترك هالة تخلق إحساسًا دائم بالحركة المتغيرة ، وتقترح البقعة اللونية شبه الشفافة، إيهاماً يالعمق الفراغى. والرسم التجريدى هنا ينفذ إلى الخيال، ليقدم حقيقة بصرية تركزعلى خواص الطلاء، وعلى تراكباته الكثيفة من الأشكال العائمة التى بوسعها استكشاف النسيج الديناميكى لسطح اللوحة الفنية واستحضار الإحساس بالعمق الفراغى. _______________________________________

اجع 1- محسن عطيه : التجربة النقدية في الفنون التشكيلية، عالم الكتب، القاهرة،2011،ص50.

2- --------------: المرجع السابق، ص52.

3- محسن عطيه: ، التشويه التشكيلى سبيلا للإباع الفنى، مجلة الفكر المعاصر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد العاشر- إبريل/يونيو2018،109&110.

4- توماس مونرو: التطور في الفنون، الجزء الثانى ،ترجمة محمد على أبو درة وآخرون، الهيئة المصرية العامة للكتاب1972،ص261.

5- جورج ا.فلاناجان : حول الفن الحديث ، نرجم كمال الملاخ، دار المعارف بمصر،1962، ص335.

6- . محسن عطيه: رؤية نقدية في تعليم الفنون،عالم الكتب ، القاهرة 2021،ص51&52

(*)أتيليه القاهرة، ضمن جماعة الدعوة للآخر، ديسمبر 1972.

(**)(قاعة اكسترا بالزمالك،2012)

7- بيكار:صحيفة الأخبار المصرية، 1 ديسمبر 1972).

8-عز الدين نجيب: محسن عطيه-العاطفة والثورة ،جريدة أخبار الأدب، القاهرة، العدد978-22إبريل 2012.